أرحم بك من أمك
إن الله جل وعلا أرحم بنا من أمهاتنا ولو تدبرنا هذا المعنى وما فيه من أحاسيس ومشاعر لذابت قلوبنا شوقاً الى الله فهلا أنصتت أسماع قلوبنا لهذه المعاني، إن هذه الرحمة تحدث عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا" متفق عليه وفي رواية أخرى تذوب لها القلوب حباً وشوقاً عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : خَرَجْتُ ، فَإِذَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ قُعُودٌ ، وَإِذَا غُلاَمٌ صَغِيرٌ يَبْكِي ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم لِعُمَرَ : ضُمَّ الصَّبِيَّ إِلَيْكَ ، فَإِنَّهُ ضَالٌّ فَضَمَّهُ عُمَرُ إِلَيْهِ ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ ، إِذِ الْمَرْأَةُ تُوَلْوِلُ ، أَظُنُّهُ قَالَ : وَتَقُولُ : وَابْنَتَاهْ ، وَتَبْكِي ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : نَادِ الْمَرْأَةَ ، فَإِنَّهَا أُمُّ الصَّبِيِّ ، وَهِيَ كَاشِفَةٌ عَنْ رَأْسَهَا لَيْسَ عَلَى رَأْسِهَا خِمَارٌ ، جَزَعًا عَلَى ابْنِهَا ، فَجَاءَتْ حَتَّى قَبَضَتِ الصَّبِيَّ مِنْ حِجْرِ عُمَرَ ، وَهِيَ تَبْكِي ، وَالصَّبِيُّ فِي حِجْرِهَا ، فَالْتَفَتَتْ ، فَلَمَّا رَأَتْ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، قَالَتْ : وَا خَزْيَاهْ ، أَلاَ أَرَى رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم عِنْدَ ذَلِكَ : أَتَرَوْنَ هَذِهِ رَحِيمَةً بِوَلَدِهَا ؟ فَقَالَ أَصْحَابُهُ : بَلَى ، يا رَسُولَ الله كَفَى بِهَذِهِ رَحْمَةً فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، للَّهُ أَرْحَمُ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ بَوَلَدِهَا"() والملاحظ للروايتين يرى أما حنوناً مرضعة ليست تاركة لابنهاوهذا حتى يعلم الجميع أن رسول الله ذكر هذه الحقيقة لأم في غاية الحنان على ولدها والرحمة له والابن في غاية الضعف إذ أنه رضيع ...فتدبر!!!
- غير أنه ينبغي أن نعلم أنه إذا وصف الله نفسه سبحانه بصفة "الرحمة" فلأن هذه الصفة لها معاني جليلة رفيعة فهي تعني عند بني البشر الانفعال الخاص الذي يعرض على القلب عند مشاهدة النقص أو الحاجة، فيندفع المتصف بهذه الصفة اندفاعا نحو رفع ذلك النقص أو الحاجة. وإذا أطلقت هذه الكلمة على الله سبحانه أريد بها العطاء والإفاضة لرفع الحاجة وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن صفة "الرحمـن" هو ذو الرحمة الشاملة والتي عمّ بها المولى سبحانه المؤمنين
والكافرين والمحسنين والمسيئين، وكل موجود في هذه الحياة الدنيا، بينما صفة " الرحيم" هو ذو
الرحمة الدائمة، وذلك ما يختص بالمؤمنين وحدهم. ومن هنا قسّموا الرحمة إلى رحمة "رحمانية" تعم الجميع ورحمة "رحيمية" تختص بالمؤمنين فقط(وكان بالمؤمنين رحيما)
ولنتعدى هذه المعاني الجليلة إلى معان أرفع منها تبدو فيما تتصف به الأم نحو أبنائها وفي كل منها علينا أن نتذكر أن الله أرحم وأرأف بنا منها ووالله لو وصل ذلك إلى القلب لما فارق الواحد منا باب ربه بحال
1- الأم ينبوع من الرحمة والشفقة والحب
إن الأمومة معجزة، يتحول خلالها القط إلى أسد، والدجاجة إلى نمر، وتظهر سلوكيات عجيبة في الحيوانات لحماية الوليد الصغير ورعايته، وكلها عوامل لاستمرارية الأجيال ومنعها من الانقراض إن الرعب والرهبة التي في نفس القط تجاه الكلب تتلاشى في فترة الأمومة وتلاحظها تحتضن أولادها وترضعهم معظم أوقاتها، وإذا اقترب منهم كلب تراها تكشر عن أنيابها وتبرز مخالبها وتنفخ وتتحدى وتتأهب للهجوم على الكلب، بينما هي في أوقات غير الأمومة تطلق أرجلها للريح، وتعدو مسرعة لتنجو بجلدها ـ بمجرد رؤية الكلب من بعيد ـ والدجاجة في فترة الأمومة تتحدى القط والكلب وأي كائن آخر يقترب من صغارها، وهناك من الثدييات ما تحمل صغارها في أكياس تحت بطنها طيلة فترة إرضاعها، وهناك عقارب تحمل صغارها على ظهرها إلى أن تستطيع الاعتماد على النفس. ومعظم الطيور تجلب لصغارها الطعام وعيونها لم تتفتح على الدنيا بعد. فتلقمه إياها والصغار لا تعرف غير فتح فمها وابتلاع الطعام وفي إحدى القصص العصرية عن الحروب لفت نظري منظر له مغزًى رائع عن الأمومة، المشهد هو مجموعة من اللاجئين في قارب هاربين من الحرب وتطاردهم طائرة مروحية عسكرية تطلق عليهم الرصاص، وفي القارب امرأة تحتضن وليدها وتلتف عليه وتغطيه بجسدها، الأم تعلم أن في هذا العمل حتفها ولكنها لا تتردد فيه لتموت هي عسى أن يعيش وليدها، فهل هناك معجزة مثل معجزة الأمومة، إنها تتحدى جميع المبادئ المادية التي تعرف في الخليقة، إن الحياة نتاج المادة لن تضحي بنفسها لغيرها، لكنها معجزة الخالق. إنها الأمومة، ولهذا يقال: إن الأمومة تجمع المتناقضات؛ فالأم في حالة المخاض تعاني آلامًا لا تطاق، لكنها سعيدة بمولودها الذي تراه بعد هنيهة
- وهذه أمومة حيوان "هنا غابات تايلاند، أهم مشكلة هنا لصغار اللقالق المولودة الحرارة حارقة لهذه السبب تُحضر اللقالق الكبيرة المياه إلى أعشاشها بمناقيرها، وتصب هذا الماء على صغارها التي لم تنبت أرياشها بعد، تعمل لها حماماً من الماء البارد، تجمع الماء في مناقيرها، تصبه على صغارها، هذه واحدة، هذا الاستحمام البارد يخفف الحرارة عند الصغار ولو قليلاً، ويحتاج الصغار إلى جانب هذا الحمام البارد إلى ظل، لذلك تمد هذه اللقالق أجنحتها، وتجعلها خيمة يستظل بها صغارها،وهذا أيضاً من عظمة خلق الله عز وجل ، الأبوان يؤمنان حاجة الصغير بهذه الطريقة، إلى الترطيب، وإلى البرودة بالماء والظل، وهذا مما يدل على حكمة الخالق جلّ جلاله في خلق هذه الحيوانات، وكيف أودع الله في قلوبها هذه الرحمة التي تلفت النظر"()
- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : كنَّا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ ، فانْطَلَقَ لحَاجَتِهِ ، فَرَأيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ، فَجَاءتِ الحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ فَجَاءَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : (( مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ ، رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْها )) . ورأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا ، فَقَالَ : (( مَنْ حَرَّقَ هذِهِ ؟ )) قُلْنَا : نَحْنُ قَالَ : (( إنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُعَذِّبَ بالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ ))()
- قال العلماء" تحمل الدببة والكلاب والقطط أولادها بأنيابها الحادة وتعدو بها مسافات شاسعة دون أن تخدش جلدها، حشرة الحفار- الزنبور- تحفر أنثاه نفقاً في الأرض ثم تبحث عن دودة تلسعها وتخدرها ولا تميتها ثم تسحبها إلى النفق ثم تضع البيض وتسد النفق وقد هيأت لأولادها طعاما يكفيهم مدة طويلة ثم تموت،العقرب يتغذى أولادها عليها فبمجرد أن تلد تموت ليعيشون عليها،بعض أنثى الطير تطعم صغارها أكثر من (1300) مرة من الفجر إلى الغروب،الناقة تبكي على فقد صغارها وكذا الكلاب ، والخيل إذا مات صغيرها نهنهت بصوت مسموع وتمشي خلفه إذا أخذ ليدفن وتمتنع عن الطعام والشراب حزنا عليه
- تكون الأم المرضعة في استعداد فطري جبله الله في قلبها بقيمة مضافة ترتفع عن القدر العادي، إذ تستجيب تلقائيا مثلا لصراخ الرضيع ويتجلى هذا المشهد من كمية ذر الحليب التي يتزايد تلقائيا عند سماع صراخ الوليد ليصل في بعض الأحيان إلى الاندفاع والخروج من الحلمة قبل أن يضع الرضيع فمه على الثدي، فلا يكون للأم مدخلة في ذر الحليب اللهم ذاك الإحساس الدفين والسلوك الطبيعي التي زرعه الله فيها نحو رضيعها.
- هناك صورة أخرى أكثر تجلي وشرح وتقريب لصورة الرحمة التي أبى رسول الله إلا أن يضرب بها مثل المقاربة /المقارنة، تتمثل في بدايات مرحلة الرضاع عند الأم ونحن نعلم جميعا أن الأم في أيامها الأولى بعد الوضع وفي الساعات الأولى لتكوُنِ الحليب تعاني الأم آلاما شديدة في الرحم والثدي ما يجعل أمر الإرضاع صعب ومؤلم، غير أن هذه الآلام لا تثني المرضعة عن إرضاع وليدها بل وتجدها تتحمل الألم بمرارة، غير أن دافع الرحمة المدفون في قلبها يكون لها المحرك والدافع وراء هذا العطاء وبجرعات زائدة في قلبها فنراها تمد حلمة ثديها إلى فم رضيعها وتصطبر على الألم الذي يزداد بعد عملية مص الرضيع للحلمة إلى درجة أن الأم تتصبب عرقا ويجف حلقها وأوج درجات الرحمة تكون وتتمثل حين يطلب من الأم بعد ذلك الألم والمعاناة أن تبعد رضيعها عنها أو أن تزيل عنه الثدي أو ما شابه ذلك. أليس هذا التجلي يمثل قمة الرحمة على وجه الأرض
- سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ"()
- كان لأمي عين واحدة... وقد كرهتها... لأنها كانت تسبب لي الإحراج وكانت تعمل طاهية في المدرسة التي أتعلم فيها لتعيل العائلة ذات يوم...في المرحلة الابتدائية جاءت لتطمئن عَلي أحسست بالإحراج فعلاً ... كيف فعلت هذا بي؟!تجاهلتها, ورميتها بنظرة مليئة بالكره وفي اليوم التالي قال أحد التلامذة ... أمك بعين واحده ... أووووه وحينها تمنيت أن أدفن نفسي وأن تختفي أمي من حياتي في اليوم التالي واجهتها :لقد جعلتِ مني أضحوكة, لِم لا تموتين ؟!! ولكنها لم تُجب!!!لم أكن متردداً فيما قلت ولم أفكر بكلامي لأني كنت غاضباً جداً ولم أبالي لمشاعرها ... وأردت مغادرة المكان درست بجد وحصلتُ على منحة للدراسة في سنغافورة وفعلاً.. ذهبت .. ودرست .. ثم تزوجت .. واشتريت بيتاً .. وأنجبت أولاداً وكنت سعيداً ومرتاحاً في حياتي وفي يوم من الأيام ..أتت أمي لزيارتي ولم تكن قد رأتني منذ سنوات ولم ترى أحفادها أبداً!وقفت على الباب وأخذ أولادي يضحكون...صرخت: كيف تجرأتِ وأتيت لتخيفي أطفالي؟.. اخرجي حالاً!!!أجابت بهدوء: (آسفة .. أخطأتٌ العنوان على ما يبدو).. واختفت....وذات يوم وصلتني رسالة من المدرسة تدعوني لجمع الشمل العائلي فكذبت على زوجتي وأخبرتها أنني سأذهب في رحلة عمل بعد الاجتماع ذهبت إلى البيت القديم الذي كنا نعيش فيه للفضول فقط!!!.أخبرني الجيران أن أمي.... توفيت لم أذرف ولو دمعة واحدة !!قاموا بتسليمي رسالة من أمي ....ابني الحبيب.. لطالما فكرت بك آسفة لمجيئي إلى سنغافورة وإخافة أولادك كنت سعيدة جداً عندما سمعتُ أنك سوف تأتي للاجتماع ولكني قد لا أستطيع مغادرة السرير لرؤيتك آسفة لأنني سببت لك الإحراج مراتٍ ومرات في حياتك هل تعلم... لقد تعرضتَ لحادثٍ عندما كنت صغيراً وقد فقدتَ عينك وكأي أم, لم استطع أن أتركك تكبر بعينٍ واحدة ولِذا أعطيتكَ عيني وكنتُ سعيدة وفخورة جداً لأن ابني يستطيع رؤية العالم بعيني مع حبي أمـك!!! ()
- يقول أحد رجال الدفاع المدني : وصلنا إلى بيتٍ قد اشتعلت فيه النيران ، وفي البيت أمٌ لها ثلاثة أطفال ، وقد بدأ الحريق في أحد الغرف فحاولت الأم الخروج من الأبواب فإذا هي مغلقة ، ثم صعدت سريعاً مع أطفالها الثلاثة إلى سطح المنزل لكي تخرج من بابه فوجدته مغلقاً ، حاولت أن تفتحه فما استطاعت ، كرَّرت فأعياها التكرار ، ثم تعالى الدخان في المنزل وبدأ النَّفَسْ يصعب احتضنت صغارها .. ضمَّتهم إلى صدرها وهم على الأرض حتى لا يصل الدخان الخانِق إليهم ، حتى وإن استنشـقته هي وصلت فرق الدفاع المدني إلى المنزل ، فوجدوها ملقاةً على بطنها ، رفعوها فإذا بأبنائها الثلاثة تحتها أموات ،(كأنها طيرٌ يحنُوا على أفراخِـه ، يُجنِّبهم الخطر)يقول الرجل : والله وجدنا أطراف أصابع يدها مُهشَّمة ، وأظافرها مقطوعة ، (فقد كانت تحاول فتح الباب مرة ، ثم تعود إلى أطفالها لتحميهم من لهيب النار وخَنَقِ الدخان مرةً أخرى حتى ماتت وهيَ تُجَسِّدْ روعة التضحية والحنان .. والعطف والرحمة()
2- أمك لا ترضى بعذابك
فغاية أماني الأمهات راحة أبنائهن وسعادتهن حتى ولو كان ذلك بتقصير الأبناء في حقهم ولأمي
دعوة جميلة أذكرها دوما تقول فيها" يا رب ما يوريني مراركم ولا ناركم" وأعتقد أن المرار عيش الكد والتعب والنكد للأبناء في الدنيا والنار موتهم أو إصابتهم بسوء والعقل يؤيد ذلك فما تعبت هي كل هذا التعب حتى تذلك أو تهينك أو ترى عذابك وتفرح به فما بالك بمن هو أرحم منها!!!
- قال الله"مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا"
- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ »()
3- أمك تشتاق إليك خاصة إذا ابتعدت عنها لأنها تريدك دوما إلى جوارها
وهكذا حال الله مع عباده يريدهم عنده، يريدهم له، يريدهم لهم
- أوحى الله تعالى إلى داود يا داود لو يعلم المدبرون عنى كيف انتظارى لهم ورفقى بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلى وتقطعت أوصالهم من محبتى يا داود هذه إرادتى في المدبرين عنى فكيف إرادتى في المقبلين على()
- عَنْ أَبِي ذَرٍّعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"()
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي
بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"()
- "ومن أعظم مني جودا وكرما عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم على فرشهم إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب ومن آثرني على سواي آثرته على سواه الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له
أشكر اليسير من العمل وأغفر الكثير من الزلل رحمتي سبقت غضبي وحلمي سبق مؤاخذتي وعفوي سبق عقوبتي أنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها"()
- يروى عن بعض المتعبدين أنه قال: الهي عصيتك قويا، وأطعتك ضعيفا، وأسخطتك جلدا، وخدمتك نحيفا، فيا ليت شعري، هل قبلتني على لؤمي، أم صرفتني على جرمي؟ قال: ثم غشي عليه ووقع على الأرض وانسلخت جبهته فقامت إليه أمه، وقبّلته بين عينيه، ومسحت جبهته وهي تبكي وتقول: قرّة عيني في الدنيا، وثمرة فؤادي في الآخرة، كلم عجوزك الثكلى، وردّ جواب أمك الحيرى قال: فأفاق الفتى من غشيته، ويده قابضة على كبده، وروحه تتردد في جسده، ودموعه تنسكب على خده ولحيته، فقال لها: يا أماه، هذا اليوم الذي كنت تحذريني منه، وهذا هو المصرع الذي كنت تخوّفيني منه، هذا مصرع الأهوال، وسقوط عثرة الأثقال، فيا أسفا على الأيام الخالية، ويا جزعي من الأيام الطوال التي لم أعرّج فيها على الإقبال يا أماه أنا خائف على نفسي أن يطول في النار سجني وحبسي يا حزناه ان رميت فيها على رأسي، ويا أسفاه ان قطعت فيها أنفاسي يا أماه، افعلي ما أقول لك فقالت له: يا بنيّ، فدتك نفسي، ماذا تريد؟قال لها: ضعي خدي على التراب، وطئيه بقدمك حتى أذوق طعم الذل في الدنيا، والتلذذ للسيّد المولى، عسى أن يرحمني وينجيني من نار تلظى قالت أمه: فقمت اليه في الحال، وقد ألصق خده بالتراب، والدموع تجري من عينيه كالميزاب، فوطئت خده بقدمي، فاذا هو ينادي بصوت ضعيف: هذا جزاء من أذنب وعصى، وهذا جزاء من أخطأ وأسا، هذا جزاء من لم يقف بباب المولى، هذا جزاء من لم يراقب العلي الأعلى قالت: ثم تحوّل الى القبلة، وقال: لبيّك لبيّك،لا اله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين قال: ثم مات في مكانه، فرأته أمه في المنام كأن وجهه فلقة قمر تجلى من سحاب، فقالت له: يا بنيّ، ما فعل بك مولاك؟ قال: رفع درجتي، وقرّبني من محمد صلى الله عليه وسلم، فقالت له أمه: يا بنيّ، ما الذي سمعت منك تقوله عند وفاتك؟ فقال لها: يا أماه، هتف بي هاتف وقال لي: يا عمران، أجب
داعي الله، فأجبته، ولبيّت ربي عز وجل()
4- أمك تتمنى قربك
فأسعد لحظات حياتها حين تكون معها تملأ عينيها منك وتأنس بقربك ولا تتخيل بعدها عنك حتى لربما انخلع قلبها من ذلك، ولك في قصة صاحب الأخدود وبنت ماشطة فرعون وأم موسى عبرة
- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ السَّاحِرُ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَحَضَرَ أَجَلِي فَادْفَعْ إِلَيَّ غُلَامًا فَلَأُعَلِّمُهُ السِّحْرَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ غُلَامًا فَكَانَ يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ وَكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ رَاهِبٌ فَأَتَى الْغُلَامُ عَلَى الرَّاهِبِ فَسَمِعَ مِنْ كَلَامِهِ فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلَامُهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ وَقَالَ مَا حَبَسَكَ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا مَا حَبَسَكَ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ ...."إلى أن قال " فَقَالَ - الملك- بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ فَوَضَعَ السَّهْمَ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ السَّهْمِ وَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ فَقِيلَ لِلْمَلِكِ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ فَقَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدِّدَتْ فِيهَا الْأُخْدُودُ وَأُضْرِمَتْ فِيهَا النِّيرَانُ وَقَالَ مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَدَعُوهُ وَإِلَّا فَأَقْحِمُوهُ فِيهَا قَالَ فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا تُرْضِعُهُ فَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِي النَّارِ فَقَالَ الصَّبِيُّ يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ"()
- عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لما كانت الليلة أسري بي فيها وجدت
رائحة طيبة فقلت : ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل ؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها فقلت : ما شأنها ؟ قال : بينا هي تمشط بنت فرعون إذا سقط المشط من يدها فقالت : بسم الله فقالت بنت فرعون : أبي ؟ فقالت : لا ولكن ربي وربك ورب أبيك الله قالت : وإن لك ربا غير أبي ؟ قالت : نعم قالت : فأعلمه ذلك ؟ قالت : نعم فأعلمته فدعا بها فقال : يا فلانة ألك رب غيري ؟ قالت : نعم ربي وربك الله فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدا واحدا فقالت : إن لي إليك حاجة قال : وماهي ؟ قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفنا جميعا قال : وذلك لك علينا فلم يزل أولادها يلقون في البقرة حتى انتهي إلى ابن لها رضيع فكأنها تقاعست من أجله فقال لها : يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهو من عذاب الآخرة قال ابن عباس : فتكلم أربعة صغار عيسى بن مريم و صاحب جريج وشاهد يوسف وابن ماشطة فرعون() ولعلنا إذا أردنا سببا لإنطاق الله تعالى لهذا الرضيع فسنجد ولا محالة أنه من أجل تثبيت فؤاد الأم الذي استطاعت الصبر والثبات أمام رؤيتها لأطفالها الأربعة يلقون في الزيت المقلي أمام أعينها لكن وبسبب إحساس يفوق قدرتها يعلم الله ما زرع مقدرا للرحمة بداخل قلبها لم تستطع الأم الاصطبار على الرضيع وربما كانت ستهفو وتضعف لذلك ثبت فؤادها بنطق وليدها قبل الأوان وكي لا يحمِّلها ما لا طاقة لها به ومن اجل إثبات معجزاته الكونية أمام أنظار فرعون إنها والله لصورة حقة تثبت مدى رحمة الأم برضيعها وتذكرنا بأن رحمة الله أعظم وأكبر وأسمى من هذا المقدار
- وهذه أم موسى حين أوحى إليها ربها أن تلقي رضيعها في اليم يقول تعالى: ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين )(8) وقوله سبحانه في نفس السورة : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا، إن كادت لتبدي به لولا أن رّبطنا على قلبها لتكون من المؤمنين )(9) انظروا إلى هذه الآية واحتوائها على التصوير الصحيح والحقيقي لما تحس به الأم اتجاه رضيعها وفيه أيضا تتمثل رحمة الأم بولدها تلك الرحمة التي تمثل جزءا يسيرا من رحمة الله بعباده لكنها – رحمة الأم- تظل هي قمة وأكبر مقدار للرحمة على وجه البسيطة. وفي نفس السورة يقص علينا ربنا أمر أم موسى فيقول: ( وحرّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن ولتعلم أنّ وعد الله حقًّ ولكن أكثرهم لا يعلمون)
بعد كل ما عرفت عن الله وحبه إليك وإقباله عليك أما زلت مصرا على العقوق؟ أم ما الذي يبعدك عنه وهو يريدك؟ إن العاق لوالدته على صفاتها التي ذكرنا والمخالف لأمرها الذي فيه صلاحه والمختار للبعد عنها رغم أن فيه نفعه أي إنسان يكون؟!!! إذا أصدرت قراراً في هذا الإنسان فلتعلم أن حب الله وإشفاقه لا يقاربه عشر معشار ما ذكرنا من صفات الأمهات وإذا علمت ذلك فاعلم أنك هذا العاق ولا يزال الله وسيظل فاتح بابه لك لعلك تعود فأدرك نفسك قبل فوات الأوان واستمع إلى هذه المبشرات:
- عن بن مسعود : أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه و سلم بعشرة أولاد لها فقالت هؤلاء أولادي معك أغز بهم في سبيل الله فكان النبي صلى الله عليه و سلم يغزو بهم فكانت تسأل عنهم حتى استشهد منهم سبعة فكانت بمن مضى منهم أشد فرحا منها بمن بقي حتى بقي واحد منهم فكان أصغرهم وكان فيه التواء فمرض فكانت أمه عند رأسه تمرضه وتبكي فقال يا أمه ما لك لم تبكين لإخوتي كانوا خيرا لك مني وكان في عليك التواء قالت لذلك أبكي قال يا أمه أرأيت لو أن النار بين يديك أكنت تلقيني فيها قالت لا قال فإن ربي عز و جل أرحم بي منك قال فمات فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم إن أبنك قد غفر له بحسن ظنه بربه"()
- عن وهب بن منبه قال كان في زمن موسى عليه السلام شاب عات مسرف على نفسه فأخرجوه
من بينهم لسوء فعله فحضرته الوفاة في خربة على باب البلد فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام إن وليا من أوليائي حضره الموت فاحضره وغسله وصل عليه وقل لمن كثر عصيانه يحضر جنازته لأغفر لهم واحمله إلي لأكرم مثواه فنادى موسى في بني إسرائيل فكثر الناس فلما حضروه عرفوه فقال يا نبي الله هذا هو الفاسق الذي أخرجناه فتعجب موسى من ذلك فأوحى الله إليه صدقوا وهم شهدائي إلا أنه لما حضرته الوفاة في هذه الخربة نظر يمنة ويسرة فلم ير حميما ولا قريبا ورأى نفسه غريبة وحيدة ذليلة فرفع بصره إلي وقال إلهي عبد من عبادك غريب في بلادك لو علمت أن عذابي يزيد في ملكك وعفوك عني ينقص من ملكك لما سألتك المغفرة وليس لي ملجأ ولا رجاء إلا أنت وقد سمعت فيما أنزلت أنك قلت إني أنا الغفور الرحيم فلا تخيب رجائي يا موسى أفكان يحسن بي أن أرده وهو غريب على هذه الصفة وقد توسل إلي بي وتضرع بين يدي وعزتي سألني في المذنبين من أهل الأرض جميعا لوهبتهم له لذل غربته يا موسى أنا كهف الغريب وحبيبه وطبيبه وراحمه()
- رأي الفضيل بن عياض وهو في طريقه إلى المسجد طفلا يتشاجر مع أمه وقد طردته خارج البيت وأغلقت الباب فظل هذا الطفل يبكي ويتوسل إليها ويعاهدها على ألا يعود فحنت له وأشفقت عليه وفتحت له الباب وأخذته بين ذراعيها وضمته إليها وأدخلته البيت وأغلقت الباب فلما وصل الفضيل إلى المسجد أخذ في النحيب والبكاء فاجتمع عنده بعض أصحابه وقالوا ما لك يا أبا علي أمسك ضر أو نزل بك بلاء فقال لا فقالوا على أي شيء تبكي إذن فقال بكيت لأني رأيت في طريقي كذا وكذا – وحكى لهم الموقف – فقلت إن كان هذا حال الطفل مع أمه فكيف بمن وقف على باب الله وتوسل به وعاد إليه واستخذى بين يديه في أن يعفو عنه أيرده الله وهو أرحم من هذه الأم بولدها؟!!!!