كلنا في حاجة إليه
[الأدب مع الله ]
إن أجمل فائدة ، وأعظم هدية ، وأروع عطية ، وأحسن منحة ، نحصل في رمضان ، وندعو الله أن تدوم علينا بعد رمضان ،هي الأدب مع الله
إذا نظرت في حال المجتمع قبل رمضان ، واستمرارا من بعض طوائف المجتمع حتى في رمضان ستجد إساءة أدب بالغة ، وتعدِ على شعائر الله بطريقة باردة
· هذا الذي يمسك السيجارة في نهار رمضان لا يكفيه حرمة الإفطار ، بل يجاهر بالمعصية في وضح النهار ، هل لو صدر قانون يحرم شرب الدخان في الأماكن العامة ، ومن يفعل هذا يعاقب بالسجن عاما كاملا، هل كان لله أن يفعل ذلك أم ترانا كاليهود لا نؤمن إلا إذا نزل العذاب
قال تعالى :[ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ][البقرة : 55]
· أستفز كثيرًا ويضيق صدري حينما أرى فتاة مسلمة ، هيئتها لا تدل على الإسلام ، ملابسها ضيقة ، وماكياج على الوجه ، وكلام في الحب في المحمول في نهار رمضان ، والعجيب في الخبر أنها تمسك المصحف في يدها ، تفتحه لتقرا فيه ، الم تقرأ يوما قوله تعالى :[ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ][الأحزاب : 59] أم صرنا من الذين قال الله عنهم [أََفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة : 85]
· هذا الذي يدعي الإسلام ويسب دين الله في وضح النهار ، في لحظة الله قادر على أن يدمره ، سرطان صغير يسلطه عليه ، يجعله طريح الفراش لا يستطيع حتى الحراك
قال تعالى :[ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ][البروج : 12]
· وسائل الإعلام والإستعداد الهائل لرمضان ، بمسلسلات وأفلام وفوازير ، الهدف منها غالبا إفساد أخلاقنا ، وتدمير شبابنا ، يريدون منا يريدون منا أن نكون شعبا داعرا ، وهذا لا يوافق طبائعنا ولا أعراقنا ، إن الإسلام يجري في عروقنا كما يجري الدم في العروق ......... ومع كل ما يصنوعون فالله يحلم ويمهل .
قال تعالى :[ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ][الإسراء : 16] ، قال تعالى :[ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ][هود : 102]
· بل إن بعضهم يصلي خلف إمام من أئمة "التيك أواي" يريد أن يهرب من المسجد ، لماذا ؟ يريد أن أتابع مباراة الأهلي ، ترى لو كان الذي دعاك إلى بيته قائد أو زعيم من زعماء الدنيا ، هل كنت ستترك بيته هل كنت ستترك بيته من اجل مبارة كرة القدم
· وهذا الذي هوائم الإعتراض والتسخط على اوامر الله ، لماذا أعطيت فلانومنعتني ، لماذا أصححت فلانا وأمرضتني ، لماذا أغنيت فلانا وافقرتني ، لماذا رفعت فلانا وخفضتني ، اعتراضك هذا لا يصح إلا إذا كنت إلها مع الله ، أما وأنك عبد فقير ضعيف ذليل مسكين ، فلا يصح لك الإعتراض قال تعالى :[ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ][الأنبياء : 23]
· كل هذه الأمثلة وغيرها وغيرها كثير ، إذا دلت فإنما تدل على سوء أدبنا مع الله
ولكن ما هو الأدب الذي نتحدث عنه ؟
الأدب
قال ابن القيم رحمه الله : مدارج السالكين (52 / 2) :
اجتماع خصال الخير في العبد ومنه المأدبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس
قال أبو علي الدقاق
العبد يصل بطاعة الله إلى الجنة ويصل بأدبه في طاعته إلى الله وقال: رأيت من أراد أن يمد يده في الصلاة إلى أنفه فقبض على يده
وقال أبو علي:
ترك الأدب يوجب الطرد فمن أساء الأدب على البساط رد إلى الباب ومن أساء الأدب على الباب رد إلى سياسة الدواب
وقال ابن المبارك:
نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم
وقال ابن عطاء:
الأدب الوقوف مع المستحسنات فقيل له: وما معناه فقال: أن تعامله سبحانه بالأدب سرا وعلنا ثم أنشد
إذا نطقت جاءت بكل ملاحة *** وإن سكتت جاءت بكل مليح
وقال عبد الله بن المبارك:
قد أكثر الناس القول في الأدب ونحن نقول: إنه معرفة النفس ورعوناتها وتجنب تلك الرعونات
وإذا أردت أناس حققوا الأدب في أسمى صوره ومعانيه فلن تجد كأنبياء الله ، فلقد جعلهم الله مثالا يحتذي ، ونموذجا يقتفى .
ومع : أدب الأنبياء مع الله
1- خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام :
قال تعالى :[الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ] [ الشعراء: 7880 ] ولم يقل [وإذا أمرضني] حفظا للأدب مع الله
ثم قال [ فَهُوَ يَشْفِينِ] نسب المرض لنفسه ، ونسب الشفاء لربه ، قياما بواجب الأدب مع الله
2- آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله :
إن آدم لما أمره الله بألا يأكل من الشجرة ، فأغواه الشيطان فعصى ربه ، فاتى ما نهاه الله عنه ، فلما راى أثر خطيئته وهوانكشاف عورته ، وظهور سوءته ، فعادت غليه فطرته ، فرجع وتاب وأقلع وأناب فقبله الله لأنه هو الغفور الرحيم قال تعالى :[ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ][الأعراف : 23]
أما إبليس فاعترض فطرد ، طرده لأنه أصر على ذنبه ، وتمادى في كبره فقال الله له [قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ] [الأعراف: 18]
3- أيوب عليه السلام
رجل ابتلاه الله ببلاء عظيم ، فكان له من الولاد أربعة عشر ولدا ماتوا جميعا ، فكانت له أموال كثيرة ، وبشروات وفيرة ، هلكت كلها ولم يبق معه منها شيء ، كاانت عنده صحة وقوة ، أصيب بمرض عظيم ، في ايام قلائل فقد كل شيء ، ذهبت الصحة والمال الأولاد ، أليس هذا راعيا لأن يضجر ويسخط قالت له زوجته : ألا تدعو الله أن يشفيك ؟ قال لها : كم عام مر علي وأنا صحيح قالت سبعون عاما قال وكم مر علي وأنا مريض قالت سبعة عشر عشر عاما قال والله إني لأستحي أن أسأل الله أن يشفيني حتى تمر علي سبعون سنة مريضا كما مرت سبعون سليما ثم انظر إلى دعاءه [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء : 83] [وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ][ص : 41]لقد وصف ربه بأعظم صفات الرحمة، ولم يقترح شيئا أو يطلب شيئا ، وهذا من الأدب السامي ، والخلق العالي [فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ][الأنبياء : 88] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ أي دعاءه ، عن قتادة إن الله أحيا أولاده الذين هلكوا في بلاءه ، وأوتي مثلهم معه في الدنيا [رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ][الأنبياء : 84] وخص سبحانه العابدين بالذكرى لأنهم أكثر الناس ابتلاء وامتحانا .
4- عيسى عليه السلام
[وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ] [المائدة : 116] هنا قال عيسى عليه السلام إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ولم يقل: «لم أقله». أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسرّه، فقال تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ثمّ أثنى على ربّه، ووصفه بتفرّده بعلم الغيوب كلّها، فقال إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ثمّ قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وهذا من أبلغ الأدب مع اللّه في مثل هذا المقام. أي: شأن السّيّد رحمة عبيده والإحسان إليهم. وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدا لغيرك. فإذا عذّبتهم مع كونهم عبيدك- فلولا أنّهم عبيد سوء من أبخس العبيد، وأعتاهم على سيّدهم، وأعصاهم له لم تعذّبهم؛ فلماذا يعذّب أرحم الرّاحمين، وأجود الأجودين، وأعظم المحسنين إحسانا عبيده؟ لولا فرط عتوّهم، وإبائهم، عن طاعته، وكمال استحقاقهم للعذاب. ثمّ قرأ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (المائدة/ 118). ولم يقل: «الغفور الرّحيم» وهذا من أبلغ الأدب مع اللّه تعالى. فإنّه قال في وقت غضب الرّبّ عليهم، والأمر بهم إلى النّار، فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة، بل مقام براءة منهم.
5- الخضر عليه السلام
حينما خرق السفينة بامر الله وإلهامه قال [فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها] (الكهف/ 79). ولم يقل «فأراد ربّك أن أعيبها» وأما ما كان في أمر الغلامين من خير قال في الغلامين فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما (الكهف/ 82).
6- مؤمنو الجن
[وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ] (الجن/ 10). ولم يقولوا «أراده ربّهم» ثمّ قالوا أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً.
7- موسى عليه السلام
[رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ] (القصص/ 24). ولم يقل «أطعمني».
8- خاتمهم صلى الله عليه وسلم
* في رحلة الإسراء والمعراج أثنى الله على نبيه ومصطفاه فقال [ما أراه ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى ](النجم/ 17). وهذا وصف لأدبه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك المقام، إذ لم يلتفت جانبا، ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به: أن يلتفت النّاظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلّع أمام المنظور. فالالتفات زيغ، والتّطلّع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة. فكمال إقبال النّاظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عن يمنة ولا يسرة. ولا يتجاوزه. تواطأ هناك بصره وبصيرته، وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره، فالبصيرة مواطئة له، وما شاهدته بصيرته فهو أيضا حقّ مشهود بالبصر، فتواطأ في حقّه مشهد البصر والبصيرة.
ولهذا قال سبحانه وتعالى:[ ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى ](النجم/ 11- 12).
* وانظروا إلى أدبه في دعائه بعد رحلة الطائف
* وانظروا إلى أدبه مع ربه بعد غزوة أحد
وإذا كان الكل يدعي وصلا بليلى فإن للأدب مع الله براهين وعلامات ، ودلائل وإضاحات وهذا هو عنصرنا الثالث
براهين وعلامات
1- الأدب مع الله في العبادة :
a. أخذ الزينة عند الصلاة فإن الله أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة ألا وهو الزينة فقال [يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] [الأعراف : 31] فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له: أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة
* كان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال وكان يلبسها وقت الصلاة ويقول: ربي أحق من تجملت له في صلاتي مدارج السالكين (52/ 12)
b. خفض البصر : من كمال أدب الصّلاة أن يقف العبد بين يدي ربّه مطرقا خافضا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق.
* عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِى الصَّلاَةِ أَوْ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ » . رواه مسلم وأحمد وأبوداوود وابن ماجه
c. في الوقوف بين يديه في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى حال قيام القراءة
* ففي الموطأ لمالك عن سهل بن سعد: أنه من السنة وكان الناس يؤمرون به وهذا من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء فعظيم العظماء أحق به
d. أن لا يستقبل بيته ولا يستدبره عند قضاء الحاجة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم والصحيح: أن هذا الأدب: يعم الفضاء والبنيان كما ذكرنا في غير هذا الموضع
e. السكون في القراءة : وهو الدوام الذي قال الله تعالى فيه: [الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ] [ المعارج: 23 ] قال عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير أخبره قال: سألنا عقبة بن عامر عن قوله تعالى: [الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ] أهم الذين يصلون دائما قال: لا ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه
f. في الركوع : أن يستوي ويعظم الله تعالى حتى لا يكون في قلبه شيء أعظم منه ويتضاءل ويتصاغر في نفسه حتى يكون أقل من الهباء
2- ستر العورة
عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : ( احفظ عليك عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك ) قلت : فإذا كان بعضنا في بعض ؟ قال : فإن استطعت أن لا يرى عورتك أحد فافعل قلت : أرأيت إذا كان أحدنا جالسا وحده ؟ قال : ( لله أحق أن يستحيى منه ) المعجم الكبير (19 / 412) والروياني وأحمد هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه صحيح والحاكم والترمذي والنسائي
3- الأدب مع كتابه
a. قراءته على أحسن الحالات
من طهارة واستقبال للقبلة ووقار وأن تحسن به صوتك
b. أن تتلوه بتدبر وتخشع أثناء قراءته
وإذا مررت بآية عذاب استعذ بالله من شرها ، وإذا مررت بآية ثواب طلبت من الله أن ينالك ثوابها
c. ألا يقرأ في ركوع ولا في سجود
قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن القرآن هو أشرف الكلام وهو كلام الله وحالتا الركوع والسجود حالتا ذل وانخفاض من العبد فمن الأدب مع كلام الله: أن لا يقرأ في هاتين الحالتين ويكون حال القيام والانتصاب أولى به
4- عدم التعرض لعذابه :
وتأمل وانظر لقوة من تعصيه وشدة بطشه وعظيم انتقامه ، وسرعة حسابه ، غنه ليس من الأدب أن يتعرض بالمعصية والظلم والعبد الضعيف العاجز للرب العزيز القادر ، القوي القاهر وهو يقول [وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ] [الرعد : 11] ولك أن تعلم [إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16)][البروج : 12-16] [وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ][آل عمران : 4] فتخيل حالك عند معصيته وكأن وعيده وقد نزل بك ، وعذابه قد تناولك ، وعقابه قد حل بساحتك فماذا أنت صانع
* في كتاب الزهد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال قلت ليزيد بن مرثد ما لى أرى عينيك لا تجف؟! قال: وما مسألتك عن ذلك؟! قلت: عسى الله عز وجل أن ينفع به، قال: يا أخى ان الله تعالى تواعدنى إن أنا عصيته ان يسجنني في النار ولو تواعدنى ألا يسجنني الا في الحمام لكنت حرياً ألا تجف لى عين
5- عدم اليأس من رحمته
* إذا ألممت بخطيئة ، واقترفت جريمة ، لا تقنط من رحمته ، ولا تيأس من فضله ، فإن كرمه واسع ، وجوده وافر يقبل التائبين ، ويحب العائدين ، ولا يخيب الراجين
* إن ذنوبك مهما كثرت فهي شيء ، والله قال قد وسعت رحمته كل شيء ، فلا تسيء الأدب وتسيء الظن بأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين
* جلس يوما عبد الله بن مرزوق وزير هارون الرشيد يوما بين يديه ثم قال له :يا أمير المؤمنين لو استعان بك رجل في رد عبد له هرب إليك ، كنت ترده إليه قال بلى ، قال فأنا عبد الله فزدت في خدمتك فاتركني فقد أردت الرجوع فقال هارون : رجل نجا من بيننا ونحن جلوس وخلا سبيله فخرج محرما ووهو يقول لبيك اللم لبيك فلقيه الثوري في بعض الطريق وهو قاعد على الأرض والريح تسفي عليه التراب فسلم عليه وقال يا عبد الله ما عوضك الله عما تركت قال يا سفيان عوضنى الرضا بما قسمه الله ، ثم مضى قاصدا مكة ، فلما بلغ شيوخ مكة والحرم قدموه خرجوا للسلام عليه فرأوا شعثه وجهده فقالوا كيف رأيت شعثك وجهدكوصبرك على قطع المغاور قال : كيف يأتي العبد المجرم إلى باب مولاه قاد نفسه إليه ، والله لو قدرت جئت أسعى إليه على رأسي ثم أخذ يبكي بكاءا شديدا فقالوا ما هذا البكاء فقال شفيع قدمته لعله يقبلني فبكى القوم عن آخرهم ، فلما وقع نظره على البيت سقط ميتا . ألف قصة وقصة صـــــــــ 279
6- التوكل علىه وتفويض الأمر إليه
إنه لا مفر ولا مهرب ولا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه قال تعالى :[ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ][الذاريات : 50] إذ ليس من الأدب في شيء الفرار من لا مفر منه ، ولا الإعتماد على من لا قدرة له ، ولا على الإتكال على من لا حول ولا قوة [مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ][هود : 56] [ َوَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ] [الطلاق : 3] [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ][الأنفال : 49]
7- عدم الحلف بغيره
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلاَ بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلاَ بِالأَنْدَادِ وَلاَ تَحْلِفُوا إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلاَّ وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ » رواه أبو داود والنسائي وقال الألباني صحيح صحيح الجامع
8- عدم الشرك به
* كيف تعبد ضعيفا وتترك القوي ، كيف تتوجه إلى فقير وتنسى الغني ، كيف تستعين بالأموات وتنسى الحي القيوم ، كيف تقصد المخلوق وتنسى الخالق
* قال تعالى : [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ][الزمر : 67]
* قال تعالى :[ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ][الأعراف : 194]
* فالزم الأدب فإنه كما قيل :
الأدب في العمل علامة قبول العمل
* وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة
* وقال بعضهم:
الزم الأدب ظاهرا وباطنا فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهرا وما أساء أحد الأدب باطنا إلا عوقب باطنا
2- الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
كما وحد العبدربه بالخضوع والتسليم وجب عليه أن يوحد المرسل بالتحكيم والتسليم قال تعالى :[ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ][النساء : 65]
قال ابن القيم في كتاب مدارج السالكين (52/ 14)
فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسل وتوحيد متابعة الرسول فلا يحاكم إلى غيره ولا يرضى بحكم غيره ............
- أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن
كما قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ] [ الحجرات: 1 ] والتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم
* قال مجاهد رحمه الله :
لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبيدة: تقول العرب: لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب أي لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه
وقال غيره:
لا تأمروا حتى يأمر ولا تنهوا حتى ينهى
* أخرج البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن أبي مليكة أن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه عنه أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمرّ الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله تعالى:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا أي أن الآيات نزلت في مجادلة أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تأمير القعقاع بن معبد أو الأقرع بن حابس.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن البصري: أن أناسا ذبحوا قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم النحر، فأمرهم أن يعيدوا ذبحا، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا ... التفسير المنير للزحيلي (26/ 216)
* والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان : احذروا أن تتسرعوا فى الأحكام ، فتقولوا قولا ، أو تفعلوا فعلا يتعلق بأمر دينى ، دون أن تستندوا فى ذلك إلى الله - تعالى - وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - { واتقوا الله } - تعالى - فى كل ما تأتون وتذرون ، إن الله سميع لأقوالكم ، عليم بجميع أحوالكم . تفسير الوسيط
* قال القرطبي وابن العربي: قوله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أصل في ترك التعرض لأقوال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإيجاب اتباعه والاقتداء التفسير المنير للزحيلي (26/ 221)
- أن لا ترفع الأصوات فوق صوته
فإنه سبب لحبوط الأعمال فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ورفع الصوت فوق صوته موجبا لحبوطها
* أخرج ابن جرير عن قتادة قال: كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فأنزل اللَّه: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية. التفسير المنير للزحيلي (26 / 217):
* قال ابن عباس: لما نزل قوله تعالى: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ تألّى أبو بكر ألا يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كأخي السّرار «1» ، فأنزل اللَّه تعالى في أبي بكر: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ. التفسير المنير للزحيلي (26 / 216):
* أخرج ابن جرير عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: لما نزلت هذه الآية: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي، فمرّ به عاصم بن عدي بن العجلان، فقال: ما يبكيك؟ قال: هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ، وأنا صيّت رفيع الصوت، فرفع ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعا به، فقال: أما ترضى أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟ قال: رضيت، ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ الآية.
- أن لا يجعل دعاءه كدعاء غيره
قال تعالى: [لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً][ النور: 63 ] وفيه قولان للمفسرين أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا بل قولوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نبي الله الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضا إن شاء أجاب وإن شاء ترك بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد من أجابته ولم يسعكم التخلف عنها ألبتة
قا تعالى:[ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)][الحجرات :4]
* أخرج أحمد بسند صحيح عن الأقرع بن حابس أنه نادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وراء الحجرات، فلم يجبه، فقال: يا محمد، إن حمدي، لزين، وإن ذمي لشين، فقال «ذلكم اللَّه» .
* وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم، قدم وفد منهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخلوا المسجد، فنادوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من وراء حجرته أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين، وإن ذمنا شين، فآذى ذلك من صياحهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج إليهم، فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك، ونزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وكان فيهم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، والزّبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم.
- أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع
من خطبة أو جهاد أو رباط لم يذهب أحد منهم مذهبا في حاجته حتى يستأذنه كما قال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ] [ النور: 62 ]
* أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما قالوا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب، نزلوا بمجمع الأسيال من رومة- بئر بالمدينة- قائدها أبو سفيان، وأقبلت غطفان، حتى نزلوا بنعمى إلى جانب أحد، وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر، فضرب الخندق على المدينة، وعمل فيه، وعمل المسلمون فيه، وأبطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يأتون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بدّ منها، يذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويستأذنه في اللحوق لحاجته، فيأذن له، وإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك المؤمنين: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ إلى قوله: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ].
- أن لا يستشكل قوله بل تستشكل الآراء لقوله
ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا نعم هو مجهول وعن الصواب معزول ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد فكل هذا من قلة الأدب معه وهو عين الجرأة
وأخيرا الأدب مع الخلق
هو معاملة جميع الناس على اختلاف مراتبهم بما يليق بلكل أهل مرتبة ، وذوي منزلة خاص فمع الوالدين: أدب خاص وللأب منهما: أدب هو أخص به ومع العالم: أدب آخر ومع السلطان أدب يليق به وله مع الأقران أدب يليق بهم ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أنسه ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهل بيته ولكل حال أدب: فللأ كل آداب وللشرب آداب وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آداب وللبول آداب وللكلام آداب وللسكوت والاستماع آداب وهكذا
· فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نجى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة
* ففي الحديث الصحيح الذي رواه عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انطلق ثلاثة نفر مما كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوا فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلى أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم قال رجل منهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً, فنأى بي طلب الشجر يوماً؛ فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما, فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً, فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر-الله أكبر- والصبية يتضاغون عند قدمي, فاستيقظا فشربا غبوقهما, اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة؛ فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.
· والإخلال به مع الأم تأويلا وإقبالا على الصلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له ورميه بالفاحشة
* عن أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (كَانَ رَجُلٌ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ الْرَّاهِب يُصَلِّى، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّى، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِى صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: لاَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِى، قَالُوا: نَبْنِى صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لاَ إِلاَ مِنْ طِينٍ) شرح صحيح البخارى لابن بطال (6 / 610):
· عَنْ عَوْفٍ وَهُوَ ابْنُ مَالِكٍ , أَنَّ مَدَدِيًّا رَافَقَهُمْ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ , وَأَنَّ رُومِيًّا كَانَ يَشُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُغْرِي بِهِمْ , فَتَلَطَّفَ لَهُ ذَلِكَ الْمَدَدِيُّ , فَقَعَدَ لَهُ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا مَرَّ بِهِ , عَرْقَبَ فَرَسَهُ , وَخَرَّ الرُّومِيُّ لِقَفَاهُ , فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ , فَأَقْبَلَ بِفَرَسِهِ , وَسَيْفِهِ , وَسَرْجِهِ , وَلِجَامِهِ , وَمِنْطَقَتِهِ , وَسِلَاحِهِ , كُلُّ ذَلِكَ مُذَهَّبٌ بِالذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ , إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ , فَأَخَذَ مِنْهُ خَالِدٌ طَائِفَةً , وَنَفَّلَهُ بَقِيَّتَهُ , فَقُلْتُ: يَا خَالِدُ , مَا هَذَا؟ أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الْقَاتِلَ السَّلَبَ كُلَّهُ , قَالَ بَلَى , وَلَكِنِّي اسْتَكْثَرْتُهُ فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ لِأُعَرِّفَنَّكَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَوْفٌ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتُهُ خَبَرَهُ , فَدَعَاهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْمَدَدِيِّ بَقِيَّةَ سَلَبِهِ , فَوَلَّى خَالِدٌ لِيَدْفَعَ سَلَبَهُ , فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ يَا خَالِدُ؟ أَوَلَمْ أَفِ لَكَ بِمَا وَعَدْتُكَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا خَالِدُ , لَا تُعْطِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ , «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو أُمَرَائِي؟ لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ , وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ» معاني الآثار (3 / 231):
· أدب الصديق مع النبي عليه الصلاة والسلام في أن يتقدم بين يديه فقال مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيح البخاري (1 / 138): البخاري 684
كيف ان أدبه أورثه الإمامة بعده ، فكان التأخر إلى خلفه – قد أومأ إليه أن أثبت مكانك – جمزا وسعيا بكل خطوة إلى الوراء مراحل إلى قدام تنقطع منه أعناق المطي