tamer.page.tl
  أول ليلة في القبر
 

القبر وأول ليلة فيه

لقد قست القلوب فهي ما بين شواغل الدنيا وصوادفها وملهياتها. ثم إذا أفاقت فإذا هي تفيق إلى نكبات وهموم وغموم تتجاذبها، فإذا حديث الرقائق والرغائب.إذا الحديث المخّوف والحديث المرقق غريب عن القلوب، غريب على الآذان، قل ما تنصت إليه وقلّ ما تسمعه.

لذلك كان الحديث هذه المرة عن القبر وأول ليلة فيه وعذاب القبر وكيف النجاة ؟ والموضوع كبير لذا فكما عودتكم سيكون الحديث مكثفا في هذه العناصر

1-القبر أول منازل الآخرة. 2- مشروعية زيارة القبور. 3- ماذا يكون في القبر. 4- أول ليلة في القبر وفراق الإلف. 5- بعض ما قيل في الموت والفراق. 6-- قصة وحزن على فقد من مات. 7- نصيحة أبي العتاهية عن فجأة الموت. 8- دفن ذي البجادين وبكاء النبي عليه. 9- خوف عمر بن عبد العزيز من الموت. 10- خوف عثمان من الموت. 11- قصة مؤثرة في موت امرأة. 12- عذاب القبر في الكتاب والسنة. 13- أسباب عذاب القبر. 14- أسباب النجاة من عذاب القبر. 15- موقف المسلم من عذاب القبر.

 

قال تعالى: [حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون[ [المؤمنون:99-100].

هذه قولة الكافر عند الاحتضار ثم ما يقوله في قبره في لهفة أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحا، يقول قتادة رحمه الله: إن الكافر لن يطلب أن يعود إلى مال أو أهل أو ولد إنما يتمنى أن يرجع إلى الدنيا حتى يعمل صالحا، فرحم الله امرأ عمل فيما يتمناه الكافر عندما يرى العذاب، والبرزخ الحاجز بين الدنيا والآخرة، وهي القبور حيث يُنعم المؤمنون ويُعذب الكافرون والعاصون.

فما القبر؟ وما صفته؟ وكيف ستكون أول ليلة ؟وهل للقبر عذاب؟ وما أسبابه؟ وكيف النجاة منه؟

 

القبر: أول منازل الآخرة، يكرم فيه المؤمن تهيئة لما ينتظره في الجنة ويعذب فيه الكافر والعاصي تهيئة لما ينتظره في جهنم.

وينبغي أن تعلم:

أن الموت كأس وكل الناس شاربه قال تعالى:[ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ][الرحمن :26-27]. [كل نفس ذائقة الموت ][آل عمران:185]. [كل شيء هالك إلا وجهه][القصص:88]. فلا منجى ولا مهرب.

 

إن زيارة القبور مستحبة لقوله صلى الله عليه وسلم  كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة))([1][1]). رواه الترمذي وحسنة وابن ماجة

 

لما فيها من التذكر والاعتبار وكان عثمان بن عفان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته فسئل عن ذلك وقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفت على قبر؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: ((إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر وإن لم ينج منه فما بعد أشد))([2][2]). رواه الترمذي

 

يقول ابن القيم رحمه الله: كان النبي إذا زار القبور يزورها للدعاء لأهلها والترحم عليهم والاستغفار لهم ومر يوما بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر))([3][3]).رواه ابن أبي الدنيا ورجاله ثقات

 

كان الربيع بن خثيم قد حفر في داره قبر فكان إذا وجد في قلبه قسوة دخل فيه فاضطجع ثم يصرخ (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت) ثم يرد على نفسه: يا ربيع قد رجعت فاعمل، ووقفة على القبور تريك الأعمار المتفاوتة، ومآلك إلى هذه الحفرة الضيقة، فناء هذه الأبدان التي أوليتها اهتمامك، تركك وحيدا فلا زوجة ولا ولد.

وأما صفة القبر: فاعلم أن للقبر:

أ- كلام: للحديث: ((إن الميت يقعد وهو يسمع خطو مشيعيه فلا يكلمه شيء إلا قبره ويقول: ويحك ابن آدم أليس قد حذرتني وحذرت ضيقي ونتني ودودي فماذا أعددت لي؟))([4][4]). رواه النسائي .

 

ب- ضمة: للحديث: ((للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ)) رواه أحمد وفي رواية: ((هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهد له سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه))([5][5]). رواه الشيخان

 

ج- فتنة: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسئل بعد موته قبر أم لم يقبر فلو أكلته السباع أو صار رمادا لسئل عن أعماله وجزي بالخير خيرا وبالشر شرا: للحديث: ((إن الميت إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع خفق نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله قال: فيقول: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، وأما الكافر والمنافق فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقولان: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة فيسمعها من عليها غير الثقلين))([6][6]). ابن كثير مجلد3 ص246

أول ليلة في القبر

فارقت موضع مرقدي              يومـاً ففارقني السكون

القبــر أول لليـلـة                      بالله قـل لـي ما يكون

ليلتان اثنتان، يجعلهما كل مسلم في مخيلته؛ ليلة في بيته مع أطفاله، وأهله، منعماً سعيداً، في عيش رغيد، وفي عافية وصحة، يضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها مباشرة، أتاه فيها ملك الموت، فوضع في القبر وحيداً منفرداً.

وهذا الشاعر العربي يقول:

فارقت موضع مرقدي              يوماً ففارقني السكون

القبـر أول ليلـةٍ                           بالله قل لـي ما يكون

يقول: لما انتقلت من المكان الذي اعتدت عليه، إلى مكان آخر فارقني النوم، فما بالك كيف تكون الليلة الأولى التي أوضع فيها القبر!! حيث لا أنيس، ولا جليس، ولا زوجة، ولا أطفال، ولا أموال.

[ثم رُدّوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين] [الأنعام:62].

أول ليلة في القبر، بكى منها العلماء، وشكى منها الحكماء، وصنفت فيها المصنفات.

أول ليلة في القبر، أتي بأحد الشعراء وهو في سكرات الموت، لدغته حية، وكان في سفر، فنسي أن يودع أمه، وأباه، وأطفاله، وإخوانه، فقال قصيدة، يلفظها مع أنفاسه، تعد من أهم المراثي العربية، يقول وهو يزحف إلى القبر:

فلله درّي يوم أترك طائعـاً                              بنيّ بأعلى الرقمتين وداريا

يقولون لا تبعد وهم يدفنوني                        وأين مكان البعد إلا مكانيا

يقول: كيف أفارق أولادي في هذه اللحظة، لماذا لا أستأذن أبوي؟ أهكذا تختلس الحياة؟ أهكذا تذهب؟ أهكذا أفقد كل شيء في لحظة؟ ويقول أصحابي والذين يتولون دفني: لا تبعد، أي لا أبعدك الله، وهل هناك أبعد من هذا المكان، وهل هناك أوحش من هذا المكان، وهل هناك أظلم من هذا المكان؟! [حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون] [المؤمنون:99-100].

كلا.. الآن تراجع حسابك، الآن تتوب، الآن تكف عن المعاصي، يا مدبراً عن المساجد ما عرفت الصلاة، يا معرضاً عن القرآن، يا منتهكاً لحدود الله، يا ناشئاً في معاصي الله، يا مقتحماً لأسوار حرسها الله، آلآن تتوب، أين أنت قبل ذلك؟!.

أول ليلة في القبر:

ذكر مؤرّخ الإسلام- الذهبي- في تاريخه قال: مات الحسن بن الحسن، من أولاد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه وأرضاه – كانت عنده زوجة وأطفال، وكان في الشباب، والموت لا يستأذن شاباً، ولا غنياً، ولا أسيراً، ولا ملكاً، ولا وزيراً، ولا سلطاناً.

الموت يقسم الظهور، ويخرج الناس من الدور، وينزلهم من القصور، ويسكنهم القبور.

مات الحسن بن الحسن فجأة، فنقلوه إلى المقبرة، ووجدت عليه امرأته، وحزنت حزناً لا يعلمه إلا الله، فأخذت أطفالها، وضربت خيمة حول القبر[1][1]--  وهذا ليس مشروعا في الإسلام إنما هكذا ذكره الذهبي –– وأقسمت بالله لتبكين هي وأطفالها على زوجها سنة كاملة. هلع عظيم، وحزن دائم، وبقيت تبكي على زوجها، فلما وفت سنة، أخذت أطناب الخيمة وحملتها، وأخذت أطفالها في الليل، فسمعت هاتفاً يقول: هل وجدوا ما فقدوا؟ فردّ عليه آخر قائلاً: لا بل يئسوا فانقلبوا، ما وجدوا ما فقدوا، ما وجدوا ضيعتهم ولا وديعتهم.

كنزٌ بحلوان عند الله نطلبه                  خير الودائع من خير المؤدّين

ما كلمهم من القبر، ولا خرج إليهم، ما قبّل أطفاله، ولا رأى زوجته.

هذه هي أول ليلة، ولكن هناك ليالٍ أخرى قال الله تعالى: [والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين [الطور:21].

لقد ودّعنا منذ شهر شابين، وقع لهما حادث انقلاب سيارة، وكان عزاؤنا أنهما من الشباب الصالح المستقيم على أمر الله تعالى؛ أما أحدهما فقد كان صاحباً للقرآن، وكان القرآن صاحبه، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه))[2][2].رواه مسلم

هذا الشاب كان يختم القرآن كل سبعة أيام، وقالت أمه وأبوه: إنه كان يقوم الليل لله رب العالمين، ولذلك خفّت المصيبة، لأنه قدم على قبر هو روضة من رياض الجنة، - إن شاء الله تعالى -.

وأما الثاني: فقد كان مستقيماً على أمر الله، لا يعرف إلا السجود، والمصحف، والرفقة الصالحة [ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين] [الأنعام:62].

أتى أبو العتاهية يقول لسلطان من السلاطين، غرته قصوره، وما تذكّر أول ليلة ينزل فيها القبر، ونحن نقول لكل عظيم، وكل متكبّر، وكل متجبّر: أما تذكرت أول ليلة!!

هذا السلطان بني قصوراً عظيمة في بغداد، فدخل عليه أبو العتاهية يهنئه على تلك القصور فقال له:

عش ما بدا لك سالماً                   في ظل شاهقة القصور

عش ألف سنة، ألفين، ثلاثة، سالماً من الأمراض والآفات، يتحقق لك ما تريده من طعام وشراب ولذة.

عش ما بدا لك سالمـاً                  في ظل شاهقة القصور

يجري عليك بما أردت                مع الغـدو مع البكـور

ولكن ماذا بعد ذلك:

فإذا النفوس تغرغرت                  بزفير حشرجة الصدور

فهنـاك تعلـم موقنـاً                   ما كنت إلا فـي غرور

فبكى السلطان حتى أغمي عليه.

أول ليلة في القبر.

وأنا أطالب نفسي وإياكم معاشر المسلمين أن نهيئ لنا نوراً في قبورنا أول ليلة، ولا ينير القلوب إلا العمل الصالح، بعد الإيمان بالله.

خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في غزوة، وفي ليلة من الليالي، نام هو أصحابه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: قمت في الليل، فنظرت إلى فراش الرسول عليه الصلاة والسلام فلم أجده في فراشه، فوضعت كفي على فراشه فإذا هو بارد، وذهبت إلى فراش أبي بكر فلم أجده، فالتف إلى فراش عمر فما وجدته. قال: فإذا بنور آخر المخيم في طرف المعسكر، فذهبت إلى ذلك النور، فإذا قبر محفور، والرسول عليه الصلاة والسلام قد نزل في القبر، وإذا جنازة معروضة، وإذا ميت قد سُجي في الأكفان، وأبو بكر وعمر حول الجنازة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لهما: دلياً لي صاحبكما، فلما أنزلاه، وضعه عليه الصلاة والسلام في القبر، ثم دمعت عيناه صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى القبلة، ورفع يديه وقال: ((اللهم إني أمسيت عنه راضٍ فارض عنه)). قال ابن مسعود: قلت من هذا؟ قالوا: هذا أخوك عبد الله ذو البجادين؛ مات في أول الليل. قال ابن مسعود: فوددت والله أني أنا الميت.

كان عمر بن عبد العزيز أميراً من أمراء الدولة الأموية، يغيّر الثوب في اليوم أكثر من مرة، الذهب والفضة عنده، الخدم والقصور، المطاعم والمشارب، كل ما اشتهى وطلب وتمنى تحت يده، وعندما تولى الخلافة وأصبح مسئولاً عن المسلمين، انسلخ من ذلك كله؛ لأنه تذكّر أول ليلة في القبر.

وقف على المنبر، فبكى يوم الجمعة، وقد بايعته الأمة، وحوله الأمراء والوزراء، والعلماء، والشعراء، وقواد الجيش، فقال: خذوا بيعتكم، قالوا: ما نريد إلا أنت، فتولاها، وهو كاره، فما مرّ عليه أسبوع، إلا وقد هزل وضعف وتغيّر لونه، ما عنده إلا ثوب واحد، قالوا لزوجته: مال عمر؟ قالت: والله ما ينام الليل، والله إنه يأوي إلى فراشه، فيتقلّب كأنه ينام على الجمر، يقول: آه آه، توليت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين، الطفل والأرملة.

قال له أحد العلماء: يا أمير المؤمنين، رأيناك وأنت ولي مكة، قبل أن تتولى الملك، في نعمة وفي صحة وفي عافية، فمالك تغيّرت، فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، ثم قال لهذا العالم وهو ابن زياد: كيف يا ابن زياد، لو رأيتني في القبر بعد ثلاثة أيام، يوم أجرد عن الثياب، وأتوسد التراب، وأفارق الأحباب، وأترك الأصحاب، كيف لو رأيتني بعد ثلاث..  والله لرأيت منظراً يسوءك، فنسأل الله حسن العمل.

والله لو عاش الفتى في عمره                ألفاً من الأعوام مالك أمره

متنعمـاً فيهـا بكـل لذيـذة                     متلذذاً فيها بسكنى قصـره

لا يعتريه الهم طـول حياتـه                    كلا ولا ترد الهموم بصدره

ما كان ذلك كله في أن يفـي                     فيهـا بأول ليلـةٍ في قبره

فيا عباد الله:

ماذا أعددنا لتلك الليلة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((القبر روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار))[3][3]. رواه الترمذي

كان عثمان بن عفان رضي الله عنه ، إذا شيع جنازة بكى، حتى يغمى عليه، فيحملونه كالجنازة إلى بيته. فقالوا له ذات مرة: مالك؟ قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((القبر أول منازل الآخرة))، فإذا نجا العبد منه، فقد أفلح وسعد وإذا عُذب فيه والعياذ بالله فقد خسر آخرته كلها

والقبر روضـةٌ من الجنان                                       أو حفرةٌ من حفر النيـران

إن بك خيراً فالذي من بعده                                 أفضل عنـد ربنـا لعبـده

وإن يكن شـراً فبعـده أشد                                       ويل لعبدٍ عن سبيل الله صد

عباد الله :

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

أتيـت القبـور فناديتهـا                        أين المعظّـم والمحتقـر

تفانوا جميعاً فمـا مخبـرٌ                           وماتوا جميعاً ومات الخبر

فيا سائلي عن أناس مضوا                    أمـا لك فيما مضى معتبر

تروح وتغدو بنـات الثرى                     فتمحو محاسن تلك الصور

أتيت القبور..  قبور الرؤساء والمرؤوسين، الملوك والمملوكين، الأغنياء والفقراء، استوت جميعاً عند الله – تبارك وتعالى – أرأيت قبراً مُيز عن قبر؟ أأنزل الملك في قبر من ذهب أو من فضة؟ والله لقد ترك ملكه، وقصوره، وجيشه، وكل ما يملك، ولبس قطعة من القماش، كما نلبس، ولحد له في التراب.

ولدتـك أمـك يا ابن آدم باكيـاً                        والناس حولك يضحكون سروراً

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكـوا                   في يوم مـوتك ضاحكاً مسروراً

من الناس من عمل لهذا اليوم، فهم دائماً متهيئون للقاء الله، مترقبون للموت في كل لحظة. خرج رجل من الصالحين أعرفه، خرج بزوجته من الرياض يريد العمرة، وكانت زوجته صائمة قائمة ولية لله تعالى، وقبل السفر، حدث شيء غريب، وهو أن هذه المرأة أخذت تودع أطفالها، وتقبلهم، ثم كتبت وصيتها وهي تبكي، كأنه ألقي في خلدها أنها ستموت

ذهب الرجل بأهله واعتمر، وفي طريق العودة أتى الأجل المحتوم [وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم على الآخرة هم غافلون] [الروم:6-7].

انحرف إطار السيارة فانقلبت، ووقعت المرأة على رأسها، ولكنها شهيدة إن شاء الله. [أولئك الذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون] [الأحقاف:16].

خرج زوجها من السيارة، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، الله.. الله، الله ثم قالت لزوجها: عفا الله عنك، اللقاء في الجنة، بلغ أهلي السلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسبت رهين [الطور:21].

نسأل الله تعالى أن يجمع تلك الأسرة في الجنة إنه على كل شيء قدير.

بنتـم وبِنّا فمـا ابتلّت جوانحنـا                                شـوقاً إليكم ولا جفّت مآقينـا

تكـاد حين تناجيكـم ضمائرنـا                               يقضي علينا الأسى لولا تأسيّنا

إن كان قد عزّ في الدنيا اللقاء ففي                      مواقف الحشـر نلقاكـم ويكفينا

عاد الرجل وحده إلى الرياض، فدخل بيته واستقبله أطفاله، وكان الموقف الرهيب.. قالت له طفلة من بناته: أين أمي، فيجيب الرجل: سوف تأتي، فتقول الطفلة: لا والله لابد أن أرى أمي، وعندئذ انهار الرجل ولم يتمالك نفسه، ولم يجد جواباً لابنته، فنقول لتلك الطفلة: سوف ترين أمك بإذن الله، سوف ترينها في جنة عرضها السموات والأرض، أعدت المتقين.

فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنهـا                             الجـار أحمد والرحمن بانيها

قصـورها ذهب والمسك طينتهـا                                          والزعفران حشيش نابتٌ فيها

فيا إخوتي في الله: هل أعددتم لأول ليلة في القبر؟ ويا شيخاً كبيراً أحدودب ظهره، ودنا أجله، هل أعددت لأول ليلة؟ يا شاباً غره شبابه وطول أمله، هل أعددت لأول ليلة؟ أيقظني الله وإياكم من رقدة الغافلين، وحشرني الله وإياكم في زمرة المتقين

وأما هل للقبر عذاب؟: فإن عذاب القبر ثابت في الكتاب والسنة.

من الكتاب

1-قال تعالى: [ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ][السجدة:21]. قال ابن عباس: جزء منه في الدنيا والنصيب الأكبر منه في القبر والعذاب الأكبر هو عذاب جهنم، قال مجاهد: يعني به عذاب القبر.

2- قوله تعالى: [وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ][غافر:45-46].

قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبر([7][7]). حيث أثبت سبحانه لآل فرعون عذابا في الليل والنهار ويوم تقوم الساعة ينتقلون إلى العذاب الأكبر في جهنم.

3-قوله تعالى:[ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ][الأنعام:93]. فالأمر لا يتأخر إلى انقضاء الدنيا فهم يعذبون قبل قيام الساعة الكبرى وهو عذاب القبر.

ب- ومن الحديث:

حديث:قال النبي صلى الله عليه وسلم ((القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار))([8]رواه [8]).الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم « لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يريكم عذاب القبر فقالت أم بشر: وهل للقبر عذاب؟ فقال: : إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم » [9][9]).رواه مسلم

 

ومن دعائه وبعد التشهد الأخير «: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال))([10][10]).رواه مسلم

ما هي أسباب عذاب القبر:

1- التهاون في الطهارة وسوء الخلق: للحديث: ((إن النبي مر على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة))([11][11]).

النميمة نقل الكلام للإفساد بين الناس والتنزه هو الاستبراء والتطهر للحديث: ((تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه))([12][12]).رواه الدارقطني

2- التهاون في الوضوء وتركه نصرة أخيه المظلوم للحديث: ((أمر بعبد من عبيد الله أن يجلد في قبره مائة جلدة فما زال يسأل الله عز وجل حتى صارت جلده فلما ضرب اشتعل عليه قبره نارا فلما أفاق قال: علام جلدتموني؟، فقيل له: إنك صليت صلاة من غير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره))([13][13]). رواه الطبراني .

وأمة الإسلام واقعة في هذا الإثم فكم من مستصرخ أو مستنجد تستباح أرضهم وأعراضهم وأمة الإسلام لاهية سادرة في عبثها ولهوها.

3- أو جريمة كالسرقة: كان رجل يقال له كركرة على متاع رسوله فمات فقال النبي : ((هو في النار وإن الشملة تشتعل عليه نارا في قبره)) فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها))([14][14]). رواه البخاري والغلول: السرقة من الغنيمة. والشملة: هي الكساء من الصوف يتغطى به.

يقول ابن القيم رحمه الله: فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات([15][15]). الروح ص112-113

وأما أسباب النجاة من عذاب القبر:

1- أعظم أسباب النجاة من عذاب القبر هي الشهادة في سبيل الله فنسأل الله أن يبلغنا إياها بمنه وكرمه أمين.سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بال الشهداء لا يفتنون في قبورهم؟ فقال: كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة))([16] رواه النسائي [16]).ويقول: ((إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلة الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا و ما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه))([17][17]).رواه أحمد والطبراني والترمذي

2- المداومة على قراءة سورة تبارك للحديث: ((إن في القرآن سورة ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له))([18][18]).رواه أبو داود والترمذي

3- الأعمال الصالحة الخالصة: للحديث: ((إن الميت إذا وضع في قبره، إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتي من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل))([19][19]).رواه الطبراني وحسنه الألباني

4- أن يموت يوم الجمعة أو ليلتها: للحديث: ((من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء))([20] [20]). رواه أبو نعيم في الحلية

5- المرابط في سبيل الله: للحديث: ((رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان))([21][21]).رواه مسلم وأحمد

6- أن يحاسب العبد نفسه ويجدد توبته قبل النوم، يقول ابن القيم رحمه الله: ومن أنفع الأسباب المنجية من عذاب القبر أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ثم يجدد له توبة نصوحا، ويفعل هذا كل ليلة فإن مات من ليلته تلك مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخر أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته([22][22]). الروح / ابن القيم ص 115.

ولا سيما إذا أعقب ذلك استعمال السنن عند النوم.

7- الدعاء للميت والاستغفار والصدقة عنه ووفاء ديونه وقضاء ما قصر فيه من حج فإنه له نفع للأحاديث: ((كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل))([23][23]). أبو داود وقال الحاكم صحيح الإسناد  أن رجلا أتى النبي فقال: ((يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها (فاجأها الموت) ولم توص واظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم))([24][24]).رواه البخاري ومسلم والنسائي وابي داود وابن ماجه وأحمد ومالك

وأما موقف المسلم:

الإيمان المطلق والتصديق الذي لا شك فيه فالله ربنا ونحن عبيده، ورسول الله نبينا ونحن أتباعه وصدق الله العظيم: [ومن أصدق من الله حديثا] [النساء:87].[ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [[ النجم:3-4].

إن عذاب القبر ونعيمه غيب كما أن الجنة والنار والملائكة غيب ومن سمات المؤمنين قال تعالى:[ الذين يؤمنون بالغيب  [[البقرة:3].

إن للنفس أربع دور  كل دار أعظم من التي قبلها.

الأولى (في بطن الأم) حيث يتخلق فيه وتنفخ فيه الروح.

الثانية (دار الدنيا) وفيها يكتسب العبد الحسنات والسيئات.

الثالثة (دار البرزخ) وهي أوسع ونسبتها إليه كنسبة هذه الدار إلى الأولى.

الرابعة (دار القرار) وهي الجنة أو النار فلا دار بعدها: [فتبارك الله أحسن الخالقين [[المؤمنون:14].

 

اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر ، ونسألك التثبيت فيه وفي أول ليلة

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه



 

 

 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free