اشفع لنا عند ربك
هذا هو لقاؤنا المتمم للثلاثين في سلسلة الدار الآخرة، وبعد طول انتظار، وبعد عظيم الأهوال، وبعد القيام في أرض المحشر خمسين ألف سنة لا ينظر الله الى الخلائق وهم يموجون فيها موج البحار المتلاطمة الأمواج، وبعد أن يتمنى العباد انتهاء هذه الفظائع والأهوال حتى ولو الى النار، بعدها يُلهَمون الفرج بذكرهم صفوة خلق الله من الأنبياء والمرسلين، فيطوفون عليهم يسألونهم الشفاعة ،فلا يقوم لها الا صاحب المقام المحمود رسول اللهr،وحديث اليوم نتعايش فيه مع الشفاعة العظمى ،مع رحمة العالمين وسيد المرسلين رسول اللهr، مع مفرِّج كربات الدنيا والآخرة بإذن ربه سبحانه، ألا ما أصعبه من موقف وما أجمله من فرج ،يوم يدور الناس على رؤوس الأنبياء من أولي العزم من الرسل سائلين كلا منهم الشفاعة "اشفع لنا عند ربك " بماذا سيجيب الأنبياء والمرسلون ،وكيف ستصل راية الزعامة الى رسول اللهr،وهل هذه هي الشفاعة الوحيدة لحبيبناr وماذا نصنع لنكون من أهل شفاعة النبي محمدr يوم القيامة، هذا ما نتعرف عليه مع حضراتكم في هذا اللقاء الذي جعلته تحت عنوان"اشفع لنا عند ربك"هذا الحديث الذي جعلته في ثلاث نقاط
1- وأعطيت الشفاعة
2- ألا فليفهم المغرورون
3- أسعد الناس بشفاعة النبي المصطفىr
أما عن الأول : فإنها خصيصة النبيr يوم القيامة والتي اختص بها على سائر أنبياء الله ورسله ،إنها الشفاعة العظمى في الخلق جميعا لفصل القضاء ، وهذا هو المقام المحمود الذي فضله به ربه على سائر العالمين فقال له "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" ومحمود أي يحمده عليه الأولون والآخرون، وتخيل هذا المشهد الجامع يوم القيامة ،فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِr يَوْمًا بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً فَقَالَ « أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ بِمَ ذَاكَ يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِى وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَمَا لاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ أَلاَ تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ :
! يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّى غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ
يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ
! فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَr
! فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَىr
! فَيَأْتُونَ مُوسَىr فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَىr إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّى قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى عِيسَىr
! فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَىr إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا - نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍr
! فَيَأْتُونِّى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ وَيُلْهِمُنِى مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِى ثُمَّ يُقَالُ:
! يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَقُولُ:يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكَمَا بَيْنَ
مَكَّةَ وَهَجَرٍ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى » وفي رواية أخرى " كما بين مكة وهجر"([1])
ç ومن معجزات النبوة العجيبة وحقائق علم المساحة الحديث أن المسافة بين مكة وهجر (قرية
بالبحرين) هي هي المسافة بين مكة وبصرى(قرية بسوريا)وهذا قد اكتشف الآن بالأقمار الصناعية وتبين أن المسافة في الحديثين متساوية تماما وتبلغ (1210 كم)هذه هي المسافة بين جانبي الباب من أبواب الجنة
ç وليست هذه هي الشفاعة الوحيدة لرسول اللهr وإنما هي أعظم الشفاعات، وهي المقام المحمود الذي شرفه ربه سبحانه به أما عن أنواع الشفاعة الأخرى لرسول اللهr فهي :
1- شفاعته r في استفتاح باب الجنة
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr"آتِى بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ"([2])
2- شفاعته في أقوام من أمته ليدخلوا الجنة بغير حساب
عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ : وَعَدَنِي رَبِّي سُبْحَانَهُ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا، لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلاَثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ"([3])
3- الشفاعة في رفع الدرجات لأهل الجنة
4- شفاعته لأهل الكبائر من أمته
وهؤلاء هم الذين معهم أصل التوحيد ولكنهم ارتكبوا بعض الكبائر في الدنيا استوجبت دخول النار فيشفع لهم رسول اللهr حتى يخرجوا من النار فيدخلهم ربهم الجنة، ودليل هذه الشفاعة ما جاء عن جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ : إِنَّ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي"([4])
5- شفاعته في قوم استحقوا النار فيمنعهم عنها بإذن الله تعالى
فعَنْ أَبِي مُوسَىtقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِr"خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتُرَوْنَهَا لِلْمُتَّقِينَ ؟لاَ، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ، الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ([5])
6- الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه
وجاء ذلك في عمه أبي طالب فعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَىْءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ قَالَ « نَعَمْ هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِى الدَّرْكِ
الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"([6])
ç وكل هذه الشفاعات من رسول اللهr إنما هي من فيض رحمته وعظيم رأفته بأمته، إضافة الى محبة الله له ووعده إياه بألا يسوءه فيهم فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِىَّr تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى إِبْرَاهِيمَ(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى)الآيَةَ وَقَالَ عِيسَىU (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ« اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِى» وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُUيَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُr فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ rبِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِى أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ"([7])
ç وبعد كل هذه البشريات ، وكل هذه الرحمات على يد سيد البرياتr يأتي التنبيه على نقطة في غاية الأهمية، إنه التحذير للمغرورين بهذه الشفاعة ،إنه البيان لمن يستحق هذه الشفاعة، إن كثيرا من الناس خاصة المتصوفة يتكل على الشفاعة دون سابقة عمل ،يرجو أن يكون من أهلها وقد حرم نفسه بنفسه منها ،وذلك ليس له الا اسم واحد هو الغرور
ç الغرور بأن ينالوا الشفاعة وقد عملوا بعكس موجبها، الغرور برحمة الله سبحانه وقد أتوا ما يمنعها، الغرور بمحبة رسول اللهr وقد خالفوا نهجه وحاربوا سنته، وفي النهاية يدعون المحبة له ولأهل بيته ،فإذا قلت لأحدهم هذه بدعة قال لك : أنت ما بتحبش النبي وأهل بيته
! وإذا قلت له هذا مخالف لسنة رسول اللهr ولم يرد عنه قال لك :دا شيء احنا ذقناه وشعرنا به بقلوبنا ولا قلب لك ومن ذاق عرف ومن عرف اغترف
! إذا قلت له :إن ما تدعي لا يوافق الكتاب والسنة قال لك : الكتاب والسنة علوم الشريعة ونحن عندنا علوم الحقيقة والعلم اللدني بخلاف ما تعلمون
ç ألا فليعلم الجميع هذه المسألة الدقيقة وهي :
إن الله سبحانه قد جعل لبعض الأزمنة شفاعة ولبعض الأمكنة شفاعة ولبعض الناس شفاعة
! فمن شفاعة الزمان أن يموت المسلم مثلا يوم الجمعة أو ليلتها فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِr"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ([8])
! ومن شفاعة المكان الموت بمدينة رسول اللهr فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr"مَنِ
اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِنِّى أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا([9])
! وسيد الشفعاء من الناس رسول اللهr
لكن هذه الشفاعات ليست على اطلاقها ،وإنما لا بد وأن يكون عند صاحبها أصل التوحيد ، ولديه من العمل ما يجعله أهلا لقبول هذه الشفاعات ، وإلا لكان عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين من أكثر الناس فوزا بالشفاعة فقد:
! مات في شهر من الأشهر الحرم شهر ذي القعدة
! ومات بعد أن مرض عشرين ليلة والمرض شافع لصاحبه مكفر لخطاياه
! وكُفِّن في قميص رسول اللهr
! وصلى عليهr بنفسه
! ودفن في البقيع بجوار مسجدهr
فهل يغني ذلك عنه شيئا ؟ أجابنا القرآن بالنفي فقال " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ"
ç إنني أمثِّل لذلك دوما بطالب لم يدخل الامتحانات أصلاً ثم بعد ذلك يعتمد على شفاعة مدرسيه ،فهل يمكن له أن ينجح؟!بالطبع لا، أيضا لو أنه دخل لجنة الامتحانات ولم يكتب في ورقة الإجابة شيئا فهل يمكن أن تنفعه شفاعة الشافعين؟!!!أيضا لا ويبقى السؤال من إذن الذي يستحق أن ينجح بالشفاعة؟ إنه الطالب الذي اجتهد وسعه وأجاب عما يعرف من الأسئلة وحصل على (40 درجة من 100) ودرجة النجاح من (50 درجة) فينال بالشفاعة رفع هذه الدرجات العشر أما بغير ذلك فلن يستفيد شيئا منها ،وهذه هي الفلسفة التي تقوم عليها قضية الشفاعة والتي أرسى قاعدتها رسول اللهr فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr"لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِىٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّى اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِىَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا([10])
ç وبعد هذا البيان الواضح والقاعدة الدقيقة لقضية الشفاعة يأتي العنصر الأهم ،والذي لا يحرص
عليه الا الأذكياء وطلاب الخير، إنه الحديث عن موجبات الشفاعة، وكيف تكون من أهلها، وكيف تحظى بشفاعة الصادق المصدوقr،وللشفاعة طرق سبعة يحفظها كل من أراد الشفاعة
1- من قال لا اله الا الله خالصا من قلبه
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَtأَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ([11])
إذاً حتى يشفع لك رسول اللـهr يوم القيامة يجب توفر شرط هام جداً هذا الشرط أن تحقق التوحيد أن تقول كلمة التوحيد خالصة من قلبك
! فمن الناس الآن من يردد هذه الكلمة بلسانه ولا يدرى ما يقول
! ومن الناس من لم يخلص العبادة لله جل وعلا بل راح يصرف العبادة لغير اللـه فهو لا يعرف لكلمة التوحيد معنى ولا يقف لها على مضمون ولا يعرف لها مقتضى
! ومن الناس من يردد بلسانه: لا إله إلا اللـه وقد انطلق حراً طليقاً ليختار لنفسه من المناهج الأرضية والقوانين الوضعية الفاجرة ما يوافق هواه
! ومن الناس من ينطق بالكلمة ولا يتبع منهج الحبيب محمدr !!
! ومن الناس من يردد كلمة لا إله إلا اللـه وهو لم يحقق الولاء والبراء !!
! ومن الناس من يردد بلسانه كلمة لا إله إلا اللـه وقد ترك الصلاة وضيع الزكاة وضيع الحج مع قدرته واستطاعته، وأكل الربا، وشرب الخمر، وأكل أموال اليتامى، يسمع الأمر فيهز كتفه في سخرية و كأن الأمر لا يعنيه، يسمع المواعظ فيهزأ وكأن الأمر لا يعنيه!!
فلابد من إخلاص التوحيد، فكلمة التوحيد ليست مجرد كلمة يرددها الإنسان بلسانه وفقط، بل إن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان.
ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فمن قال خيراً وعمل خيراً قُبِلَ منه ومن قال خيراً وعمل شراً لم يُقْبَل منه، وواللـه لن يسعد بشفاعة المصطفىr إلا من أخلص التوحيد للعزيز الحميد واتبع المصطفى وأخلص له الاتباع، فلا اله الا الله شجرة طيبة جذورها الحب والإخلاص وساقها اليقين والقبول ووراقها الانقياد ومن غير الماء والضوء لا تعيش، فالعلم لها ضوء والصدق لها ماء
2- ترديد الأذان وسؤال الوسيلة للنبي العدنانr
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّr يَقُولُ « إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ
ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِىَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِى الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِى إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِىَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ([12]) وفي رواية" مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِى وَعَدْتَهُ إِلاَّ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »
3- الاكثار من الصلاة على صاحب الشفاعة
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَالَ « أَوْلَى النَّاسِ بِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً ([13]) وقال شراح الحديث" ومعنى أولى الناس بي أي : أقربهم مني يوم القيامة وأولاهم بشفاعتي وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات"([14])
4- الاكثار من صلاة النافلة
فعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ :كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِr وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي، أَجْمَعَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَسُولُ اللهِr الْعِشَاءَ الآخِرَةَ فَأَجْلِسَ بِبَابِهِ، إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ أَقُولُ: لَعَلَّهَا أَنْ تَحْدُثَ لِرَسُولِ اللهِr حَاجَةٌ فَمَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ رَسُولُ اللهِr سُبْحَانَ اللهِ ، سُبْحَانَ اللهِ ، سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، حَتَّى أَمَلَّ فَأَرْجِعَ، أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ، قَالَ: فَقَالَ لِي يَوْمًا لِمَا يَرَى مِنْ خِفَّتِي لَهُ، وَخِدْمَتِي إِيَّاهُ: سَلْنِي يَا رَبِيعَةُ أُعْطِكَ، قَالَ : فَقُلْتُ : أَنْظُرُ فِي أَمْرِي يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ أُعْلِمُكَ ذَلِكَ، قَالَ : فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي فَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ زَائِلَةٌ ، وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَكْفِينِي وَيَأْتِينِي ،قَالَ:فَقُلْتُ: أَسْأَلُ رَسُولَ اللهِr لآخِرَتِي فَإِنَّهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، قَالَ : فَجِئْتُ فَقَالَ : مَا فَعَلْتَ يَا رَبِيعَةُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَشْفَعَ لِي إِلَى رَبِّكَ فَيُعْتِقَنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : لاَ وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَكِ بِالْحَقِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّكَ لَمَّا قُلْتَ سَلْنِي أُعْطِكَ وَكُنْتَ مِنَ اللهِ بِالْمَنْزِلِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ نَظَرْتُ فِي أَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ وَزَائِلَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا سَيَأْتِينِي فَقُلْتُ : أَسْأَلُ رَسُولَ اللهِr لآخِرَتِي ، قَالَ : فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِr طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ لِي : إِنِّي فَاعِلٌ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"([15])
5- الأخوة في الله
فعن سلمان قال قال رسول اللهr أنا شفيع لكل رجلين اتخيا في الله من مبعثي الى يوم القيامة"([16])
6- قضاء حوائج المسلمين
فعن ابن عُمَر قال قال رسول اللهr من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فان رجح والا شفعت له([17])
7- سكنى المدينة أو الموت بها
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِr يَقُولُ « مَنْ صَبَرَ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"([18]) وعنه أيضاً قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr"مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِنِّى أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا([19])
- أخرجه ابن ماجة والترمذي بسند صحيح
- أخرجه أبو داوود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح
- أخرجه ابن ماجة بسند صحيح ورجاله ثقات
- أخرجه أحمد والترمذي بسند حسن
- أخرجه الترمذي والنسائي بسند صحيح
- أخرجه الستة واللفظ لمسلم،
- أخرجه الترمذي و قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
- أخرجه أبو نعيم في الحلية
- أخرجه أبو نعيم في الحلية
- أخرجه الترمذي والنسائي بسند صحيح