tamer.page.tl
  يأجوج مأجوج
 
اللقاء الثامن عشر : يأجوج ومأجوج
هذا هو اللقاء الثامن عشر مع حضراتكم في سلسلة القلوب سلسلة الغيوب سلسلة الدار الآخرة وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق من ذكر علامة من علامات الساعة الكبرى ألا وهي نزول المسيح عيسى بن مريم وتأتي علامة اليوم تباعا لتلك العلامة لتحدثنا عن خروج يأجوج ومأجوج وذلك باعتباره العلامة التي تظهر والمسيح عليه السلام قد ظهر ويدل لذلك حديث النواس بن سمعان الذي رتب هذه الأحداث وذكر قتل عيسى بن مريم للمسيح الدجال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها" ... فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّى قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِى لاَ يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِى إِلَى الطُّورِ. وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ..."الحديث؛ ([1])
والحديث حول هذه العلامة يأتي في نقاط ثلاث
1- البيان التفصيلي ليأجوج ومأجوج
2- نهاية ربانية
3- من لطائف الدروس لهذه العلامة
أما عن الأول فمن هم يأجوج ومأجوج؟
أ/ أسماؤهم
- هما اسمان أعجميان مأخوذ من قولك أجَّت النار أي ضويت ومنه الأجيج وملح أجاج ولعل هذا لفسادهم العريض" ([2])
ب/نسبهم
 - هم من ذرية آدم بلا خلاف بين أهل العلم ودليل ذلكحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَقَدْ تَفَاوَتَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ السَّيْرُ رَفَعَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ صَوْتَهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ حَتَّى بَلَغَ آخِرَ الْآيَتَيْنِ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُهُ بِذَلِكَ حَثُّوا الْمَطِيَّ وَعَرَفُوا أَنَّهُ عِنْدَ قَوْلٍ يَقُولُهُ فَلَمَّا تَأَشَّبُوا حَوْلَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ ذَاكَ قَالَ ذَاكَ يَوْمَ يُنَادَى آدَمُ فَيُنَادِيهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا آدَمُ ابْعَثْ بَعْثًا إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ قَالَ فَأَبْلَسَ أَصْحَابُهُ حَتَّى مَا أَوْضَحُوا بِضَاحِكَةٍ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا كَثَرَتَاهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبَنِي إِبْلِيسَ قَالَ فَأُسْرِيَ عَنْهُمْ ثُمَّ قَالَ اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ أَوْ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ"([3]) وفي رواية أخرى عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى لآدم يوم القيامة يا آدم قم فابعث من ذريتك بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ويبقى واحد فعند ذلك يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على أصحابه فقالوا يا رسول الله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ويبقى واحد فأينا ذلك الواحد فدخل منزله ثم خرج عليهم فقال من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد وأبشروا فإني لارجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله قال إني لارجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله فقال إلي لارجو الله أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله قال ما أنتم في الامم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الاسود أو كالشعرة السوداء في الثور الابيض"([4])
- ثم هم من ذرية نوح لأن الله تعالى أخبر أنه استجاب لعبده نوح في دعائه على أهل الأرض بقوله: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) ([5]) وقال تعالى: (فأنجيناه وأصحاب السفينة) ([6]) وقال: (وجعلنا ذريته هم الباقين) ([7]) وفي المسند والسنن أن نوحا ولد له ثلاثة وهم سام وحام ويافث فسام أبو العرب وحام أبو السودان ويافث أبو الترك فيأجوج ومأجوج طائفة من الترك وقد قيل إن الترك إنما سموا بذلك حين بنى ذو القرنين السد وألجأ يأجوج ومأجوج إلى ما وراءه فبقيت منهم طائفة لم يكن عندهم كفسادهم فتركوا من ورائه فلهذا قيل لهم الترك"([8])
- وعن قتادة قال يأجوج ومأجوج اثنتان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وكانت منهم قبيلة غائبة في الغزو وهم الأتراك فبقوا دون السد وأخرج بن مردويه من طريق السدي قال الترك سرية من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجا"([9])
ج/عددهم
- عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل وتاريس ومنسك ([10])
- عبد الله بن عمرو قال الجن والأنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس"([11])
د/ صفاتهم
- عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ خَالَتِهِ قَالَتْ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَاصِبٌ أُصْبُعَهُ مِنْ لَدْغَةِ عَقْرَبٍ فَقَالَ « إِنَّكُمْ تَقُولُونَ لاَ عَدُوَّ وَإِنَّكُمْ لاَ تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِىَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ عِرَاضُ الْوُجُوهِ صِغَارُ الْعُيُونِ صُهْبُ الشِّعَافِ([12]) (وفي رواية ذلف الأنوف) ([13])مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ([14]) الْمُطْرَقَةُ »([15]) وقد جاءوا في بعض روايات الحديث باسمهم (الترك)
هـ/ مكانهم الآن
يوجدون الآن خلف سد بين أرمينية([16]) وأذربيجان([17]) بالقرب من شمال الصين( جورجيا الأن ) وهذا هو السد الذي بناه ذو القرنين قال وهب بن منبه: كان ملكًا، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل قال: سئل علي، رضي الله عنه، عن ذي القرنين، فقال: كان عبدًا ناصحَ الله فناصَحَه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين ويقال: إنه إنما سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ المشارق والمغارب، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب وقد جاء خبر بناء هذا السد في سورة الكهف[ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا]([18])يقول ابن كثير"يقول تعالى مخبرًا عن ذي القرنين: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا } أي: ثم سلك طريقًا من مشارق الأرض. { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } وهما جبلان متناوحان بينهما ثُغْرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنسل وقوله: { وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا } [أي] لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا } قال ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس: أجرًا عظيمًا، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه، حتى يجعل بينهم وبينهم سدًا. فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ } أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، ولكن ساعدوني{ بِقُوَّةٍ } أي: بعملكم وآلات البناء، { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } والزبر: جمع زُبْرَة، وهي القطعة منه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.وهي كاللبنة{ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } أي: وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضًا. واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال { قَالَ انْفُخُوا } أي: أجج عليه النار حتى صار كله نارًا، { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسُّدي: هو النحاس وزاد بعضهم: المذاب ولهذا يشبه بالبرد المحبرقال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا قال: يا رسول الله، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: "انعته لي" قال: كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء قال: "قد رأيته"([19])
ولقد جاءت في هذا السد قصة عجيبة ذكرها الامام ابن كثير في تفسيره جاء فيها
رأى الخليفة العباسي الواثق بأمر الله بن المعتصم في النوم كأن السد قد فتح فبعث سلاما الترجمان وكتب له إلى الملوك بالوصاة به، وبعث معه ألفي بغل تحمل طعاما فساروا من بلد الى بلاد حتى وصلوا الى مقربة من مكانه بالقرب من ايران فساروا ستة وعشرين يوما انتهوا إلى أرض سواداء منتنة حتى جعلوا يشمون الخل، فساروا فيها عشرة أيام، فانتهوا إلى مدائن خراب مدة سبعة وعشرين يوما، وهي التي كانت يأجوج ومأجوج تطرقها فخربت من ذلك الحين، وإلى الآن، ثم انتهوا إلى حصن قريب من السد فوجدوا قوما يعرفون بالعربية وبالفارسية ويحفظون القرآن، ولهم مكاتب ومساجد، فجعلوا يعجبون منهم ويسألونهم من أين أقبلوا، فذكروا لهم أنهم من جهة أمير المؤمنين الواثق فلم يعرفوه بالكلية ثم انتهوا إلى جبل أملس ليس عليه خضرا وإذا السد هناك من لبن حديد مغيب في نحاس، وهو مرتفع جدا لا يكاد البصر ينتهي إليه، وله شرفات من حديد، وفي وسطه باب عظيم بمصراعين مغلقين، عرضهما مائة ذراع، في طول مائة ذراع، في ثخانة خمسة أذرع، وعليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع طول ذراعي الانسان وما بينهما- وذكر أشياء كثيرة - وعند ذلك المكان حرس يضربون عند القفل في كل يوم فيسمعون بعد ذلك صوتا عظيما مزعجا، ويقال: أن وراء هذا الباب حرس وحفظة، وقريب من هذا الباب حصنان عظيمان بينهما عين ماء عذبة، وفي إحداهما بقايا العمارة من مغارف ولبن من حديد وغير ذلك، وإذا طول اللبنة ذراع ونصف في مثله، في سمك شبر ويقال: إن بلادهم متسعة جدا وإنهم يقتاتون بأصناف من المعايش من حراثة وزراعة واصطياد من البر ومن البحر، وهم أمم وخلق لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم وذكروا أنهم سألوا أهل تلك البلاد هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج فأخبروهم أنهم رأوا منهم يوما أشخاصا فوق الشرفات فهبت الريح فألقتهم إليهم، فإذا طول الرجل منهم شبر أو نصف شبر"([20])
والسد الآن على وجه التحديد شمال الصين في مكان جبلي شاهق الارتفاع شديد التضرس قائم كجدارين شامخين على جانبيه في المضيق الجبلي المعروف باسم (داريال) وهو مرسوم في جميع الخرائط الإسلامية والروسية في جمهورية جورجيا في جبال شاهقة تمتد من البحر الأسود حتى بحر قزوين لتصل بين البحرين طوال 1200 كيلو متر"([21])
وبعد إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض تأتي النهاية الربانية
بعد أن يأذن الله بخروج هؤلاء كما ذكر في كتابه في سورة الأنبياء" حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)" ([22]) يعيثون في الأرض فسادا فيكون ما أخبر رسول الله فعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( تفتح يأجوج ومأجوج ويخرجون على الناس كما قال الله : { وهم من كل حدب ينسلون }وينحاز المسلمون عنهم الى مدائنهم وحصونهم ويضمون إليهم مواشيهم ويشربون مياه الأرض حتى إن بعضهم ليمر بذلك النهر فيقول : قد كان ها هنا ماء مرة حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا في حصن أو مدينة قال قائلهم هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم بقي أهل السماء قال : ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها الى السماء فترجع إليهم مخضبة دما للبلاء والفتنة فبينما هم على ذلك يبعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقها فيصبحون موتى حتى لا يسمع لهم حس فيقول المسلمون : ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء العدو فيتجرد رجل منهم لذلك محتسبا لنفسه على أنه مقتول فيجدهم موتى بعضهم على بعض فينادي : يا معشر المسلمين ألا أبشروا فإن الله قد كفاكم عدوكم فيخرجون عن مدائنهم وحصونهم ويسرحون مواشيهم ) ([23])
"...وَيُحْصَرُ نَبِىُّ اللَّهُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِى ثَمَرَتَكِ وَرُدِّى بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِى الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِى الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِى الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِى الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ »([24])
وأعظم ما يستفاد من هذه العلامة
1-   ما خاب من تعلق بمشيئة الله
فيأجوج ومأجوج مع فسادهم وعتوهم يتعلقون بالله فيخرجهم بإذنه
- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَيَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِى عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَداً. فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِى عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَيَسْتَثْنِى فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنَ النَّاسُ مِنْهُمْ فِى حُصُونِهِمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفاً فِى أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمَنُ شَكَراً مِنْ لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ »([25]) يقول ابن حجر"فيهم أهل صناعة وأهل ولاية وسلاطة ورعية تطيع من فوقها وان فيهم من يعرف الله ويقر بقدرته ومشيئته ويحتمل ان تكون تلك الكلمة تجري على لسان ذلك الوالي من غير أن يعرف معناها فيحصل المقصود ببركتها"([26])
وقد دلت كثير من النصوص على هذا الأمر منها
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ نَبِيُّ اللَّهِ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِغُلَامٍ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ أَوْ الْمَلَكُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ فَلَمْ تَأْتِ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِهِ إِلَّا وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ غُلَامٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ"([27])
2- ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة- سورة الكهف- فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيط، إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا قال: فقالت لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بِهِن، فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل مُتَقَول فَرَوا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإنهم قد كان لهم حديث عجيب وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبَؤه؟ [وسلوه عن الروح، ما هو؟] فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش، فقالا يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا: فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبركم غدا بما سألتم عنه"ولم يستثن، فانصرفوا عنه، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يُحدث الله إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل، عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليوم خمسَ عشرةَ قد أصبحنا فيها، لا يُخبرنا بشيء عما سألناه عنه وحتى أحزنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل، عليه السلام، من عند الله، عز وجل، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخَبَر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله عز وجل:{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا }([28])
3- قال إبراهيم بن أدهم قال بعضهم ما سأل السائلون مسألة هي أنجح من أن يقول العبد ما شاء الله
قال يعني بذلك التفويض إلى الله
4- كان مالك بن أنس كثيرا يقول ما شاء الله ما شاء الله فعاتبه رجل على ذلك فرأى في منامه قائلا يقول أنت المعاتب لمالك على قوله ما شاء الله لو شاء مالك أن يثقب الخردل بقوله ما شاء الله فعل
5- قال حماد بن زيد جعل رجل لرجل جعلا على أن يعبر نهرا فعبر حتى إذا قرب من الشط قال عبرت والله فقال له الرجل قل إن شاء الله فقال شاء الله أو لم يشأ قال فأخذته الأرض
2- خروج يأجوج ومأجوج ووحدة المسلمين
حيث إن هناك علاقة بين فرقة المسلمين وتتابع الفتن عليهم ومنها خروج يأجوج ومأجوج وهذه الاشارة انتبه اليها العالم الرباني والشيخ الملهم فضبلة الشيخ الشعراوي رحمه الله حيث قال في تفسيره للآيات :قوله تعالى : { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}له علاقة بقوله تعالى : إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ" فتقطّع أهل الخير وتفرُّقهم يُجرِّئ عليهم أصحاب الفساد ، وأقل ما يقولونه في حقِّهم أنهم لو كانوا على خير لنفعوا أنفسهم ، فدعُوكم من كلامهم ، وهكذا يفُتُّ أهل الباطل في عَضُدِ أهل الحق ، ويصرفون الناس عنهم فقوله { حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ . . }يعني : جاءت عناصر الفساد والفتنة في الكون ، وعناصر الفساد والفتنة لا تتمكن ولا تجد الفرصة والسلطة الزمنية إلا إذا غفل أهل الحق وتفرقوا فلم يردوهم ، ويأخذوا على أيديهم ويأجوج ومأجوج هم أهل الفساد في كل زمان ومكان ، فجنكيزخان الذي هدم أول ولاية إسلامية في خوارزم ، وكان عليها الملك قطب أرسلان ، ثم جاء من ذريته الثالثة هولاكو الذي دخل بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية وخربَّها وقتل أهلها حتى سالتْ الدماء ، وألقى بالكتب الإسلامية في النهر حتى كانت قنطرة يعبرون عليها . هؤلاء الذين نُسمِّيهم التتار إذن : فالقرآن قَصَّ علينا من التاريخ القديم قصة يأجوج ومأجوج أيام ذي القرنين ، ثم رأيناهم في حياتنا الإسلامية ، وشاء الله أن يستفيد المسلمون من هجمات هؤلاء البرابرة ، وأن تتجمع ولاياتهم ويصدُّوا هجمات التتار على أرض مصر بقيادة قطز والظاهر بيبرس ، وهما مثالان للممكَّنين في الأرض ، مع أنهما من المماليك هذه الهجمات التترية للمفسدين في الأرض كانت هجمات همجية وحشية ، وقد تجمَّع أحفاد هؤلاء من يأجوج ومأجوج العصر الحديث في هجمات مدنية تغزونا بحضارتها ، إنهم الصليبيون الذين انهزموا أمام وحدة المسلمين بقيادة صلاح الدين وهكذا على مرِّ التاريخ ننتصر إذا كنا أمة واحدة ، ونُهزَم إذا تفرّقنا وتقطّعنا أمماً وأحزاباً وهذه حقائق تُثبِت صِدْق القرآن فيما وجَّهنا إليه من الوحدة وعدم التفرق"([29])


[1] - أخرجه مسلم
[2] - تفسير القرطبي
[3] - أخرجه الامام أحمد وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : حديث صحيح ، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين
[4] - النسائي في السنن الكبرى وله شاهد عند البخاري
[5] - سورة نوح
[6] - سورة العنكبوت
[7] - سورة الصافات
[8] - البداية والنهاية
[9] - فتح الباري
[10] - رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات" مجمع الزوائد
[11] - فتح الباري
[12] - يعني الشعور والأصهب وهو الأشقر أى الذى بشعره حمرة يعلوها سواد
[13] - والذلف : قصر الأنف وانبطاحه
[14] - المجان : جمع المجن وهو الترس شبه وجوههم بالترس لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها
[15] - أحمد وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد
[16] - أرمينية هي :المنطقة الجبلية الوسطى العالية التي تحدها آسية الصغرى من الغرب وهضبة أذربيجان والشاطئ الجنوبي لبحر قزوين من الشرق والشرق الجنوبي وساحل بحر الأسود والقوقاز من الشمال والشمال الشرقي والركن الشمالي الغربي من أرض الجزيرة من الجنوب
[17] - أذربيجان تقع اليوم في الجزء الشمالي الغربي من إيران
[18] - الكهف
[19] - تفسير ابن كثير
[20] - البداية والنهاية
[21] - رحلة الخلود ؛د/ مصطفى مراد
[22] - الأنبياء
[23] - ابن حبان قال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد
[24] - أخرجه مسلم
[25] - أحمد وابن ماجه بسند صحيح
[26] - فتح الباري
[27] - متفق عليه
[28] - السيرة النبوية لابن هشام
[29] - تفسير الشعرواي
 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free