الرياء
1 – ما هو الرياء
قال الجرجانيّ:
الرّياء: ترك الإخلاص في العمل بمراعاة غير اللّه فيه
التعريفات ص 119.
وقال الغزاليّ:
أصل الرّياء: طلب المنزلة في قلوب النّاس بإيرائهم خصال الخير، واسم الرّياء مخصوص- بحكم العادة- بطلب المنزلة في القلوب بالعبادة وإظهارها، ومن ثمّ يكون الرّياء (المذموم شرعا) إرادة العباد بطاعة اللّه
إحياء علوم الدين 3/ 297.
وقال ابن حجر العسقلانيّ:
الرّياء إظهار العبادة لقصد رؤية النّاس لها فيحمدوا صاحبها
فتح الباري 11/ 344
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4552)
الفرق بين الرياء والسمعة
قال التّهانويّ:
الفرق بين الرّياء والسّمعة أنّ الرّياء يكون في الفعل، والسّمعة تكون في القول
كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 607، وانظر أيضا: فتح الباري لابن حجر 11/ 344.
وقال ابن عبد السّلام:
الرّياء أن يعمل لغير اللّه، والسّمعة أن يخفي عمله ثمّ يحدّث به النّاس
نقل ذلك عنه ابن حجر في فتح الباري 11/ 344.
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4552)
الفرق بين النّفاق و الرياء:
أمّا الفرق بين النّفاق والرّياء فيتمثّل في أنّ الأصل في الرّياء الإظهار، والأصل في النّفاق:
الإخفاء إذ المرائي يظهر نيّته الحقيقيّة في طلب المنزلة عند النّاس، أمّا المنافق فإنّه يخفي على النّاس ما بداخله ويظهر خلافه، وقد يلتقي الأمران: الرّياء والنّفاق (الأصغر) في عمل المنافق، كما قال عزّ وجلّ في شأن المنافقين: [يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ][النساء : 142] أي بإظهار مجرّد الطّاعة، وقد يختلفان كما في قيامهم (أي المنافقين) إلى الصّلاة كسالى وعدم ذكرهم اللّه إلّا قليلا، فالمرائي يظهر النّشاط ويكثر من الذّكر لينال مكانة عند النّاس بخلاف المنافق. هذا من ناحية،
ومن ناحية أخرى فإنّ النّفاق ينقسم إلى نفاق أكبر وهو النّفاق المتعلّق بالعقيدة، ونفاق أصغر وهو المتعلّق بالأعمال، وإذا كان الرّياء داخلا في النّفاق العمليّ فيكون ثمّت بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في النّفاق العمليّ وهو كما يقول ابن رجب: أن يظهر الإنسان علانية (العمل الصّالح) ويبطن خلاف ما يظهر «9»، ينفرد كلّ منهما، ينفرد النّفاق بإظهار الإيمان وإبطان الكفر (وهو النّفاق العقديّ)، وينفرد الرّياء بأنّه قد يكون في غير العبادات لطلب جاه، وليس هذا النّوع بحرام إلّا إذا حملته كثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز
إحياء علوم الدين 3/ 299، والزواجر 1/ 45.
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4553)
الثمرات المرة
1- المراؤون هم أول من تسعر بهم جهنم
5032 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِىُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِى يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ نَاتِلُ أَهْلِ الشَّامِ أَيُّهَا الشَّيْخُ حَدِّثْنَا حَدِيثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ . فَقَدْ قِيلَ . ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ . قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ . وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ . فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ » . رواه مسلم وأحمد
2- الرياء بؤرته الذلة والصغار في الدنيا والآخرة
* عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ » . رواه البخاري ومسلم وأحمد
* عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ » .
من سمع أي أظهر عمله رياء ، ، أظهره الله وفضحه على رؤوس الأشهاد
رواه أحمد إسناده صحيح على شرط الشيخين والطبراني في الكبير وصححه المنذري والألباني في صحيح الترغيب والترهيب
* وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من راءى بشيء في الدنيا من عمله وكله الله إليه يوم القيامة وقال انظر هل يغني عنك شيئا رواه البيهقي موقوف وصححه الألباني
3- حرمان الأجر في الآخرة
* عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ لِى عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِى فَأَنَا مِنْهُ بَرِىءٌ وَهُوَ لِلَّذِى أَشْرَكَ » رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي وقال المنذري وصححه الألباني في الترغيب
* (عن أبيّ بن كعب- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: «بشّر هذه الأمّة بالسّناء والرّفعة والنّصر والتّمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الاخرة للدّنيا لم يكن له في الاخرة نصيب») المسند (5/ 134). والحاكم (4/ 311) وصححه ووافقه الذهبي. وقال محقق جامع الأصول (9/ 203): حديث صحيح. وشرح السنة (14/ 335)
4- الرياء يبطل العمل ويمحقه
* قال تعالى :[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ][البقرة : 264] هذا القلب الصلد الذي غطي بالرياء ، مثله كمثل صفوان عليه تراب ، إنه حجر لا حصب فيه ولا ليونة ، يغطيه تراب خفيف ، يحجب صلادته عن العين المخدوعة ، كما يحجب الرياء صلادته القلب القاسي الخالي من الإيمان ، وذهب المطر الغزير بالتراب القليل فانكشف الحجر بجدبه وقساوته، ولم ينبت زرعه، ولم يثمر ثمرة. وإنما هو كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، كالذي يرائي لم يثمر خيرا ، ولم يعقب مثوبة بل أتى كبيرة تنتظر سوء المنقلب
هذه هي عاقبة الرياء تمحق آثار العمل الصالح محقا ، في وقت لا يملك صاحبه قوة ولا عونا ، ولا يستطيع لذلك رد قال تعالى :[ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ][البقرة : 266]
* قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ » . قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِىَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِى الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً » . رواه أحمد حديث حسن
5- الرياء فتنة عظيمة أخطر على المسلمين من فتنة المسيح الدجال
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : بَلَى ، فَقَالَ : الشِّرْكُ الْخَفِيُّ ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي ، فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ. رواه ابن ماجه حسن
6- الرياء سبب هزائم الأمة
* َقَالَ النَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاَتِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ » . رواه النسائي
* مثلما نصر الله المسلمين والمخلصين يوم بدر وأول أئمة الكفر الذين خرجوا منتظرين قال تعالى :[ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ][الأنفال : 47]
* حتى تعى الأمة الغافلة المتغافلة ما حدث في يوم الخامس من يونيو تقول ابنة موسى دايان في كتابها جندي من إسرائيل لقد كانت فرائصنا ترتعد عندما
سمعنا أن العدو على الجبهة الجنوبية ولكن عندما جاء الحاخام وصلى بنا تبدل الخوف أمنا بينما كانت إذاعات العدو (1) تقول: قاتل وأم كلثوم معك في المعركة .. قاتل وعبد الحليم معك في المعركة". أعلام وأقزام في ميزان الإسلام (1/ 595)
7- الرياء والمظهرية الجوفاء سبب ضياع الأمة
صنعت الزعامات في أمتنا على عين الصليبة العالمية واليهودية ، وصنعت الأمجاد الكاذبة للمنافقين الذين ابتليت بهم الأمة * وخذ مثالا على ذلك " سعد زغلول " المقامر كما اعترف في مذكراته – نصبوه زعيما لثورة 1919م وكان ماسونيا
وقد كتبت جريدة المصور يوم وفاة سعد زغلول تقول: «وقد شارك البناءون الأحرار الماسون في تشييع جنازة الزعيم الكبير، وكان -رحمه الله- الله قطب من أقطاب الماسونية»
وقد بيَّن جورج كيرك مؤلف كتاب «موجز تاريخ الشرق الأوسط» «أن القومية العربية ولدت
في دار المندوب السامي البريطاني»
8- الرياء أشد فتكا من الذئب في الغنم
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِى غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ » . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . رواه الترمذي واحمد والطاليسي
ثانيا أقسامه وأنواعه
ذكر الغزاليّ: أنّ الرّياء بحسب ما يراءى به خمسة أقسام:
الأوّل: الرّياء في الدّين بالبدن، وذلك بإظهار النّحول والصّفار ليوهم بذلك شدّة الاجتهاد، وعظم الحزن على أمر الدّين وغلبة خوف الآخرة. وكذلك يرائي بتشعيث الشَّعْرِ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْهَمِّ بِالدِّينِ وعدم التفرغ لتسريح الشعر ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين وذبول الشفتين لِيَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُوَاظِبٌ عَلَى الصَّوْمِ وأن وقار الشرع هو الذي خفض من صوته أو ضعف الجوع هو الذي ضعف من قوته وعن هذا قال المسيح عليه السلام إِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَلْيَدْهِنْ رَأْسَهُ وَيُرَجِّلْ شَعْرَهُ ويكحل عينيه
أمّا رياء أهل الدّنيا فيكون بإظهار السّمن وصفاء اللّون واعتدال القامة، وحسن الوجه ونظافة البدن وقوّة الأعضاء.
الثّاني: الرّياء بالهيئة والزّيّ، وذلك بتشعيث شعر الرّأس، وإبقاء أثر السّجود على الوجه، وغلظ الثّياب وتقصير الأكمام وترك تنظيف الثّوب وتركه مخرّقا، كلّ ذلك لإظهار أنّه متّبع للسّنّة.
أمّا مراءاة أهل الدّنيا فبالثّياب النّفيسة، والمراكب الرّفيعة وأنواع التّوسّع والتّجمّل في الملبس والمسكن. وأثاث البيت وفره الخيول وبالثياب المصبغة والطيالسة النفيسة وذلك ظاهر بين الناس فإنهم يلبسون في بيوتهم الثياب الخشنة ويشتد عليهم لو برزوا للناس على تلك الهيئة ما لم يبالغوا في الزينة
الثّالث: الرّياء بالقول، ويكون من أهل الدّين بالوعظ والتّذكير والنّطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لإظهار غزارة العلم، ومن ذلك تحريك الشّفتين بالذّكر في محضر النّاس، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أمامهم. وَإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَى مُقَارَفَةِ الناس للمعاصي وتضعيف الصوت في الكلام وترقيق الصوت بقراءة القرآن ليدل بذلك على الخوف والحزن وادعاء حفظ الحديث وَالْمُجَادَلَةِ عَلَى قَصْدِ إفحام الخصم ليظهر للناس قوته علم الدين
وأمّا أهل الدّنيا فيكون رياؤهم بحفظ الأشعار والأمثال، والتّفاصح بالعبارات، وحفظ الغريب من النّحو واللّغة للإغراب على أهل الفضل. وإظهار التودد إلى الناس لاستمالة القلوب
الرّابع: الرّياء بالعمل، وذلك كمراءاة المصلّي بطول القيام والرّكوع والسّجود وَإِطْرَاقِ الرَّأْسِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ وإظهار الهدوء والسكون وتسوية القدمين واليدين وكذلك بالصوم والغزو والحج وبالصدقة وبإطعام الطعام وبالإخبات في المشي عند اللقاء كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام حتى إن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه أحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفاً من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه
أمّا أهل الدّنيا فمراءاتهم بالتّبختر والاختيال وتحريك اليدين وتقريب الخطا والأخذ بأطراف الذيل وإرادة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة
الخامس: المراءاة بالأصحاب والزّائرين، كأن يطلب المرائي من عالم أن يزوره ليقال: إنّ فلانا قد زار فلانا، ومن ذلك كثرة ذكر الشّيوخ. كَالَّذِي يَتَكَلَّفُ أَنْ يَسْتَزِيرَ عَالِمًا مِنَ الْعُلَمَاءِ لِيُقَالَ إِنَّ فُلَانًا قَدْ زَارَ فُلَانًا أَوْ عَابِدًا مِنَ الْعُبَّادِ لِيُقَالَ إِنَّ أَهْلَ الدِّينِ يَتَبَرَّكُونَ بِزِيَارَتِهِ وَيَتَرَدَّدُونَ إليه أو ملكاً من الملوك أو عاملاً من عمال السلطان ليقال إنهم يتبركون به لعظم رتبته في الدين
وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليرى أنه لقي شيوخاً كثيرة واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ومباهاته ومراءاته تشرشح منه عند مخاصمته فيقول لغيره من لقيت من الشيوخ وأنا قد لقيت فلاناً وفلاناً ودرت البلاد وخدمت الشيوخ وما يجري مجراه فَهَذِهِ مَجَامِعُ مَا يُرَائِي بِهِ الْمُرَاءُونَ
قال الغزاليّ: فهذه الخمسة هي مجامع ما يرائي
إحياء علوم الدين (3/ 299)
ثالثا :ما هي أسباب الرياء:
1- حب لذة المدح والحمد والثناء
2- الفرار من الذم
3- الطمع فيما في أيدي الآخرين
عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَىُّ ذَلِكَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . متفق عليه
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (5/ 281)
فقوله يقاتل شجاعة" أي ليذكر بين الناس ويوصف بالشجاعة "ويقاتل حمية" أي لمن يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب "ويقاتل رياء" أي ليرى الناس منزلته في سبيل الله. وفي رواية البخاري في الجهاد ليرى مكانه "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"ومعناه أنه يأنف أن يقهر أو يذم بأنه مقهور مغلوب وقال والرجل يقاتل ليرى مكانه وهذا هو طلب لذة الجاه والقدر في القلوب
(عن جابر بن عبد الله أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السّفهاء، ولا تخيّروا به المجالس. فمن فعل ذلك فالنّار النّار» )
معالجة الرياء:
قال الغزاليّ ما خلاصته: لا يستطيع أحد أن يقمع الرّياء إلّا بمجاهدة شديدة ومكابدة لقوّة الشّهوات، ويكون ذلك بأمرين:
الأوّل: قلع عروقه واستئصال أصوله وهي:
لذّة المحمدة والفرار من ألم الذّمّ، والطّمع فيما في أيدي النّاس، وهذه الثّلاثة راجعة إلى حبّ المنزلة والجاه.
الثّاني: أن يشمّر الإنسان عن ساعد الجدّ لدفع ما يعرض من خاطر الرّياء، وخواطره ثلاثة أيضا وهي: العلم باطّلاع الخلق ورجاء اطّلاعهم، ثمّ هيجان الرّغبة من النّفس في حمدهم، وحصول المنزلة عندهم، ويعقب ذلك هيجان الرّغبة في قبول النّفس له (أي الحمد والمنزلة) والرّكون إليه وعقد الضّمير على تحقيقه، والخاطر الأوّل يسمّى معرفة، والثّاني رغبة وشهوة، والثّالث هو العزم وكمال القوّة في دفع الخاطر الأوّل قبل أن يعقبه الثّاني، فإذا خطر له معرفة اطّلاع الخلق أو رجاء اطّلاعهم دفع ذلك بأن قال: مالي وللخلق علموا أو لم يعلموا، واللّه عالم بحالي فأيّ فائدة في علم غيره؟ فإن هاجت الرّغبة إلى لذّة الحمد فعليه أن يذكر تعرّض المرائي للمقت عند اللّه يوم القيامة وخيبته- في أحوج أوقاته- إلى أعماله، وعندئذ تثور عنده كراهة للرّياء تقابل تلك الشّهوة إذ يتفكّر في تعرّضه لمقت اللّه وعقابه الأليم، الشّهوة تدعوه إلى القبول والكراهة تدعوه إلى الإباء والنّفس تطاوع- لا محالة- أقواهما ويتضّح من ذلك أنّه لا بدّ في ردّ الرّياء الّذي خطر أثناء العبادة من المعرفة والكراهة والإباء.
أمّا من الناحية العملية:
فإنّ دفع الرّياء يستلزم من المرء أن يعوّد نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، حتّى يقنع قلبه بعلم اللّه ولا تنازعه نفسه بطلب علم غير اللّه به، وهذا وإن كان يشقّ في البداية إلّا أنّه يهون بالصّبر عليه وبتواصل ألطاف اللّه عزّ وجلّ وما يمدّ به عباده من التأييد والتّسديد «2».