الخوف من الله دافع أم غاية
كثير من الناس يفهم قول الله أو قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما يأمر بالخوف من الله لذاته إنما يحب أن نفهم أن آيات الوعيد الواردة في القرآن أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ليس المقصود هو أرهاب الناس وتخويفهم المقصود هنا وسيلة وسبب ،
فتعال أخي الحبيب نعرف معنى هذا الكلام ونعرف فوائد الخوف من الله عز وجل؟
معنى الكلام
فأنت وأنت تسير إلى الله تسير بقلبك لا بجوارحك وتحتاج إلى ثلاثة أدوات منشطة حتى تستطيع أن تصل إلى الله عز وجل وهي جناح الخوف من الله وجناح الرجاء وثالثهما محبة الله عز وجل فهي بمثابه طائر يطير لابد له من جناحان ورأس فجناحان هما الخوف من الله ومن عذابه وبطشه والرجاء من رحمة الله عز وجل والرأس هي محبة الله عز وجل فإذا قطع أحد الجناحان فأن الطائر يطير غير أنه لا يستطيع أن يحلق طويلا ويسقط أما إذا قطع الرأس سقط الطائر على الفور ، فوائد الخوف من الله
إذا يجب وأنت تسير إلى الله يجب أن يكون قلبك ممتلأ بهذه الثلاثة أشياء ، الشاهد من الكلام ليس المقصود من حديث المشايخ عن الخوف من الله أن تبكي وفقط وترتعب من الله ومن أهواله ، إنما المقصود أن يكون هذا الخوف دافعا للوصول إلى الله ، فكيف هذا ؟ بأن يحبسك عن الوقوع في معاصي الله ، فمثلا أنت ذاهب إلى معصية معينة يكون خوفك من الله هو الدافع من أجل تركها أي أن الخوف من الله هو المانع والحاجب والساتر من الوقوع في هذه المعصية ، وأحاديث الخوف في مجملها تريد أن تبين لك أنه هناك أناس يوم القيامة في وقت العطش والخوف والشمس من رءوس العباد سيكون أناس في ظل عرش الرحمن ؟ من ضمن هؤلاء ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين وهذا أشبه بثلاثة أواهم المبيت إلى غار فنزلت عليهم الصخرة فدعا كل منهم بصالح أعماله حتى ينجيهم الله منها من ضمن هؤلاء «......... وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّى كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ ، فَقَالَتْ لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ . فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا ، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ اتَّقِ اللَّهَ ، وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ . فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً ، قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ . ..............» . لذلك فمن فوائد الخوف 2-أن ينجيك من الكروبات ولا سيما كروبات يوم القيامة
3- سبب رئيسي في التثبيت في الحروب والأمر ليس هين فعندما تجد الرؤوس تتطاير من ورائك والأشلاء من خلفك والأعضاء تتمزق في هذه اللحظة وأنت وسط هذه الدماء هل ستثبت ؟ إنما سشبت من ثبته الله قال تعالى : [قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ][المائدة : 23] فبني اسرائيل في قتال العماليق كانوا خائفين فقالوا لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا ونحن قاعدون هنا فرد عليهما رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا إذن من الذي ثبتهم الله في هذا الموقف
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لما أخاف من الله ؟
1-تخاف من أن يمكر بك الله فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء فأنت في لحظة في المسجد في لحظة قد تكفر وتموت وأنت كافر ، قد يمكر الله بك في معصية من المعاصي فيميتك وأنت عليها قال تعالى :[ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ][الأعراف : 99] ، الإمام سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث ( وهو لقب يمنح لمن أحاط علما بأغلب الأحاديث ولم يفوته منها إلا اليسير ) وهو في مرض الموت دخل عليه أحد الناس فوجده يبكي فقال له يا سفيان أوذنوبك كثيرة تخشاها؟فقال فرفع شيئا من الأرض وقال والله لذنوبي أهون عليّ من هذا ولكني أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت ، أن تقلب الموازين يوم القيامة بدل الطاعة معصية وتختم لك فتموت عليها ، كذلك الحسن البصري كان شديد الخوف من الله فسألوه فقالوا له مالنا نراك يا إمام شديد الخوف من الله فكلما ذكرت بالله زادت عيونك بالدموع فقال وما يدريني لعل الله اطلع على في ساعة غضب وأنا على معاصي فقال اذهب لا غفرت لك فأنا أعمل من غير معتمد أليست قد تحدث قد ينظر الله في ساعة غضب ويقول لك افعل ما تفعل فلن اغفر لك
2- رؤية الحوادث الكونية كالبراكين والزلازل والإعصارات أن يتحرك قلبك فعندما ترى بطش ربك بالعباد مثل إعصار توسونامي وكاترينا وغيرهم فعليك أن تخاف مما أخاف ؟ انظر لما عصوه كيف عاقبهم وانظر إلى حلمه عليك وأنت تعصاه ، وربما عاقبك كما عاقبهم ،وأخذك كما أخذهم [أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ (47)][النحل : 45-47] وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح رضوان الله عليهم ففي الحديث الذي ترويه عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه،
قالت يا رسول الله: إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب! قد عذب قوم نوح بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا" فعليك أن تخاف أحد الناس قال الزلازل في اليابان لأن عندهم القشرة الأرضية ضعيفة طيب ما حدث لكم الزلزال في 1993 م وخرجتم بالملابس الداخلية من شقكم
3-من أهوال يوم القيامة المفروض لما تتذكر من عذابه يوم القيامة وطلوع الشمس من المغرب وأنها ستكون فوق العباد قيد شبر وكذلك من بطشه وفتكه بالظالمين وما سيحدث للناس في هذا اليوم العصيب فالنجور ستجمع والشمس ستكور وغير ذلك تتذكر أنك ستكون مع هؤلاء الناس ، أم أنك تعتقد أن الله يقوله لأشخاص آخرين غيرنا ، لا الكلام لك ولي وكلنا سنقف هذا الموقف أخذ عزيز مقتدر ، لذلك يقول القاسم بن محمد كنت يوما في سفر مع عبد الله بن المبارك فقلت بما فضل عليَّ بن المبارك لإن كان يصوم إنا لنصوم ولإن كان يحج إنا لنحج ولإن كان يطعم وينفق إنا لنطعم وننفق فبما اشتهر هذه الشهرة حتى صحبته يوما في سفرٍ جهاد ٍ إلى بلاد الشام وعندما نزلنا في أحد الأماكن للعشاء فبيننا نحن نأكل في بيتٍ وقدم لنا العشاء إذا المصباح قد إنطفأ فذهب أحدنا ليحضر سراجًا آخر أو يشعل السراج قال فلما ذهب وعاد نظرت إلى وجه ابن المبارك إذا بالدموع قد انهمرت على لحيته قلت بهذا فُضِل علينا هذا الرجل ولعله لما رآى الظلمة تذكر ظلمة يوم القيامة
4-الإستماع إلى زواجر القرآن فعندما تسمع قوله تعالى :[ إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)][الزخرف :74-75] فقد تكون منهم فقد تكون أنت مجرم وأنت لا تعلم فليس الجرم فقط الذي يسرق فقط فقد تكون أنت أيضا مجرما تستشعر لذلك عن الحسن البصري أنه كان صائما فقرأ عليه قوله تعالى : [ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) ] [المزّمِّل :12 - 13] فتذكر عذاب يوم القيامة وحر النار وكان صائما وقرب إليه طعام الإفطار فلما سمع الآية قلصت يده ( أي لم تستطع أن تتحرك يده ) فقال أرفعوا عني الطعام فرفعوه فأصبح في اليوم الثاني صائما فجيء له الطعام فتذكر الآية فقلصت يده فقال احملوا عني الطعام وفي اليوم الثالث أصبح صائًما فقدم له طعام الإفطار فتذكر الآية فقلصت يده فقال له أهله : يا أبا علي الطعام الطعام فقال الحسن البصري يا أهلاه عليكم بطعامكم وشرابكم فإني رأيت موقف لم أزل أعمل له حتى ألقاه فما كان منهم إلا لما رأوه أشرف على الهلاك إلا أن ذهبوا إلى أبي حازم صاحبه وبعض الزهاد وقالوا أدركوا أبانا فقد أشرف على الهلاك وكاد أن يهلك نفسه فجائوا إليه وأرغموه على أن يشرب شربة لبن ، فعندما تقرأ القرآن تعلم أن الله يخاطب أشخاصًا غيرنا طبعا لا إنما يخاطبنا نحن ن فعليك وأنت تسمع الزواجر أن تتأثر
5-وأخيرا خوفك من مقام الله أن الله يراك وانت تعصيه صباح مساء ومع ذلك يحلم عليك ويسترك وإذا عدت إليه غفر لك ذنبك [يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ][النساء : 108]
لذلك ذكر ابن الجوزي في مناقب عمر ابن الخطاب أن هناك شاب كان يعجب عمر من ناحية عبادته ، وفي بيوم من الأيام وهو واقف على قارعة الطريق وجد امراة واقفة في زينتها فراودته عن نفسه حتى وصل إلى باب الدار فتذكر قوله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ][الأعراف : 201] فسقط مغشيا عليه فاعتقدت المراة وجاريتها أنه مات فجاراه إلى بيته فوجده أبوه فظل يقلبه حتى أفاق فقال له يا بني ما خبرك فقص عليه القصص حتى بلغ قوله تعالى : [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ][الأعراف : 201] فخر مغشيا عليه فمات فلما دفنه أخبروا عمر بن الخطاب فقال هلا أذنتموني حتى أشهد جنازته فما كان من عمر حتى ذهب إليه عند قبره وقال له ياغلام [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ] [الرحمن : 46]فسمع هاتفا يقول يا عمر قد أعطانيهما ربي ، هل يمكن أن يحدث هذا صعب ولكن أقل شيء أن تتأثر ، فتذكر دائما مقوله الإمام أحمد حينما دخل عليه شخص وقال له هذه الأبيات قال له يا إمام ما رأيك في الشعر، قال الإمام وأي شعر هذا، قال الرجل :
إذا ما قال لي ربي اما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب عن خلقي وبالعصيان تأتيني
قال أعد ما قلته
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني ..؟ --- وتُـخفي الذنبَ عن خلقيَ وبالعصيانِ تأتيني
فكيف أجيبُ يا ويحي ومن ذا سوف يحميني؟ ---أسُلي النفس بالآمالِ من حينٍ الى حيني ..
وأنسى ما وراءُ الموت ماذا بعد تكفيني---كأني قد ضّمنتُ العيش ليس الموت يأتيني
وجائت سكرة الموتُ الشديدة من سيحميني؟؟---نظرتُ الى الوُجوهِ أليـس منُهم سيفدينـــي؟
سأسأل ما الذي قدمت في دنياي ينجيني---فكيف إجابتي من بعد ما فرطت في ديني
ويا ويحي ألــــم أسمع كلام الله يدعوني؟؟---ألــــم أسمع بما قد جاء في قاف ويسِ
ألـــم أسمع مُنادي الموت يدعوني يناديي---فيا ربــــاه عبدُ تــائبُ من ذا سيؤويني ؟
سوى رب غفور واسعُ للحقِ يهدييني---أتيتُ إليكَ فارحمني وثقــّـل في موازيني
فتذكر أنك سقف أمام الله يحاسبك ودعك من الخوف يكفيك أنك ستقف أمام الله وهو الذي لم تستحي وأنت تعصي أمامه ومع ذلك سترك وع ذلك لم يكشف سترك ، فخف من عذابه واحذر عقابه فكذا أنه غفور رحيم كذلك أخذه أليم [ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 49 ) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ( 50 )] [الحجر : 49-50]
أسأل الله العظيم أن يرزقني وإياكم خوفا منه سبحانه ، وأن يجعلني موإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه