سكارى الغفلة
إن المتأمل في حاله والمتدبر في شأنه والناظر إلى علاقته مع الله يجد كثيرا من الخلل , كثيرا من التقصير , كثيرا من الغفلة حتى أصبحنا لا نعرف واجباتنا ومسئولياتنا والغاية التي خلقنا الله لأجلها, لا نعرف ماذا نريد وأي شيء نصنع والى أين نسير؟!!! تخبط في تخبط وتيه في تيه وغفلة في غفلة , بحثت عما نحن فيه وأردت أن أضع له تفسيرا منطقيا وتحليلا عقليا وعنوانا واقعيا فلم أجد سوى أنه سُكر, لم أجد وصفا دقيقا لحالنا غير أننا سكارى , لسنا سكارى خمر أو سكارى إثم ولكننا سكارى الغفلة, هذه الغفلة التي صيرتنا إلى ما نحن فيه حتى لا نعرف من نحن وماذا نريد؟ هذه الغفلة التي رأيناها في تعاملنا مع الله فأصبحت العلاقة بيننا وبينه لا قيمة لها, هذه الغفلة التي نعايشها في تعاملنا مع الناس فأصبح القوي يأكل منا الضعيف والصحيح يقضي على السقيم, هذه الغفلة التي رأيناها حتى في هذه الانتخابات فصرنا نتوجه إلى اختيار من دمر عقولنا وحياتنا وديننا ولا نبالي بنداء ديننا ولا نداء ضمائرنا ولا نداء دماء أبنائنا بل ولا نداء عقولنا كل ذلك نكاية في الإسلام وأهله وبمبررات لا يقبلها عقل سليم ولا شرع قويم, سكرات وسكرات يتبع بعضها بعضا ويطغى بعضها على بعض وليس لها من دون الله كاشفة, هذه السكرات هي موضوع حديث اليوم محاولة لإدراك ما تبقى وبناء ما تهدم وتقويم ما اعوج وإصلاح ما أفسدنا بأيدينا, محاولة للنظر إلى بُعد, للنظر حتى إلى ما وراء هذا العالم وهذه الدنيا, محاولة لترقيق القلوب وإزالة ما علق بها من حجب الغفلة التي تعد أعظم الحجب عن الله , هذا الحديث هو " سكارى الغفلة " الذي يكون مع حضراتكم في ثلاث نقاط
1- كلنا ذوو غفلة
2- حقائق لا يغفل عنها
3- كيف الخلاص؟
أما عن الأول : فإنها الحقيقة التي نعايشها بكاملنا مع اختلاف مظاهرها عند كل منا, إنها الغفلة
1- نغفل عن ذكر الله
- فننشغل عن صلوتنا وذكرنا, نطوي الصلاة طيا, نستطيل الخطب والدروس, ولا نبالي بالموعظة ولا نتأثر بها, إذا ذكرونا بالله أعرضنا وإذا قيل لنا اتقوا الله أخذتنا العزة بالإثم يمكن أن تجد الواحد منا مبهوتاً يسمع الذكر والموعظة والخطبة، ولكنه لا يتغير في سلوكه شيء, وهذا لأنه غفل عن ذكر الله عز وجل, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: "وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ}وعَنْ يُسَيْرَةَ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ
مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ"()
- كم من المجالس اليوم سواء في العمل أو في الحي أو حتى في المنزل تكون مجالس غفلة لا يُذكر الله فيها إلا قليلاً أو قد لا يذكر فيها بالمرة ، كم من المجالس يود المرء أن يخرج منها كفافاً لا له ولا عليه لما يتم فيها من أكل لحوم الناس من خلال الغيبة ، أو مما يدور فيها من التشجيع على الفساد وتبادل الخبرات في ذلك ، كم من المجالس شُغلت بأخبار الكرة والملاعب حتى أنك تجد أحدهم قد ملأ صحيفة يومه كلها بتلك الترهات،فيأتي بها يوم القيامة نادماً يسكب خلفها العبرات ويطلق الزفرات كم من المجالس شُغلت بأخبار القنوات والمسلسلات والفاتنات،أخرج الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ"مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً وَمَا مِنْ رَجُلٍ مَشَى طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً"()
- قال علي كرم الله وجهه وقد سلم من صلاة الفجر وقد علاه كآبة وهو يقلب يده لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فلم أر اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم بالدموع حتى تبل ثيابهم والله فكأن بالقوم باتوا غافلين ثم قام فما رؤي بعد ذلك ضاحكا حتى ضربه ابن ملجم"()
2- نغفل عن المهلكات
فترى أحدنا يفعل الذنب ولا يبالي,يرتكب الكبيرة وهو يضحك, يضيع دينه وهو يمزح, يتكلم بالكلمات تلو الكلمات من سخط الله ولا يلقي لها بالاً, رغم أن رسول الله حذر من أقل القليل من الذنوب
- فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا كَرَجُلٍ كَانَ بِأَرْضِ فَلاةٍ، فَحَضَرَهُ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا
مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا، وَأَجَّجُوا نَارًا فَأَنْضَجُوا مَا فِيهَا"()
- يقول ابن القيم " يا مغرورا بالأماني لعن إبليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أمر بها واخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها وحجب القاتل عنها بعد أن رآها عيانا بملء كف من دم وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل وأمر بإيساع الظهر سياطا بكلمة قذف أو بقطرة سكر وأبان عضوا من أعضائك بثلاثة دراهم فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ولا يخاف عقباها دخلت امرأة النار في هرة وان الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالا يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق والمغرب وان الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار العمر بآخره والعمل بخاتمته من احدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا ومن أساء في آخر عمره لقي ربه في ذلك الوجه"()
- وهناك مظهر خطير من مظاهر هذه الغفلة ألا وهو الاغترار بالحسنة حيث يدخل الشيطان من الطاعة ليصل بالعبد إلى الغفلة، وذلك بتكبير هذه الطاعة، وتعظيمها في عين العبد، فيظنُّ أنَّه بطاعته تلك قد ضمن الجنَّة ومفاتيحها، ولم يعد في حاجةٍ إلى طاعاتٍ أخرى، ولا يزال الشيطان بالعبد حتى يرديه المهالك،وتقتله الغفلة ومما أثر من حكم ابن عطاء الله السكندري قوله: "رب معصية أورثت ذُلاً وانكسارًا، خير من طاعة أورثت عزًّا واستكبارًا" وكلام ابن عطاء الله يتسق مع ما قاله ابن القيم من أنه "ما أقرب المذنب العاصي من رحمة الله، وما أقرب المغرور المتكبر من مقت الله! إن الذنب الذي تَذِلُّ به لله عز وجل، أحب إليه من طاعة تمُنُّ بها عليه سبحانه، فإنك إن تبيت نائمًا وتصبح نادمًا، خير من أن تبيت قائمًا وتصبح معجبًا، فإن المعجب لا يصعد له عمل، وإنك إن تضحك وأنت معترف، خير من أن تبكي وأنت مُدِل، وأنين المذنبين أحب إلى الله عز وجل من زَجَل المسَبِّحين المدِلِّين"()
3- نغفل عن المنجيات
فلرب كلمة تنجينا من عذاب الله, رب موقف يكون سببا لرضى الله عنا , رب ابتسامة تدخلنا الجنة من أعظم أبوابها
- سقت بغي من بغايا بني إسرائيل كلبا يلهث من العطش فشكر الله لها فغفر لها"()
- رفع رجل غصن شوك من طريق الناس حتى لا يؤذيهم فشكر الله له فغفر له()
- تجاوز الله عن رجل لم يكن له عنده حسنة واحدة غير أنه يتجاوز عن المعسرين()
- عفا الله عن رجل فنيت حسناته لكنه كان يعفو عمن ظلمه
هذه الأمور المنجيات وكثير غيرها نغفل عنها
4- نغفل عن اغتنام الأوقات
فكم ضيعنا من أعمارنا في اللهو والعبث, كم ضيعنا من أوقاتنا في المزاح المرح, كم مرت علينا أيام وأيام لم نقدم لله فيها شيء بل كم مرت علينا السنوات تلو السنوات في الإصرار على معصية رب الأرض والسماوات رغم أن الوقت هو الحياة, الحياة الحقيقية وليست الحياة التي نعيشها , يمكن أن يظل الواحد منا بالعشر ساعات وهو جالس على القهوة ويظل بالأربع ساعات يتنقل بين الفضائيات ما استفاد معلومة واحدة عنده700 قناة لو نظر في كل قناة نصف دقيقة لمر عليك أكثر من أربع ساعات فإذا كان عمرك ستين عاما تقضي منها عشرين عاما نائما وتقضي عشرين عاما في عملك إذا ضاعت أربعون سنة وتقضي اثني عشر عاما وأنت صغير مرفوع عنك القلم ضاع من العمر 52 عاما ولم يبقى لك إلا ثماني سنوات هذه الثماني سنوات تقضي منها أربع سنوات مع أولادك أو في المتنزهات أو تفعل شيئا في بيتك لم يبقى من عمرك إلا أربع سنوات قد تعطيك عز الأبد ومع ذلك أنت مستغن والكثير منا يضيع أوقاته في التفاهات ، بعض الشباب يجلسون بالأربع وعشرين ساعة على النت يكلمون البنات في الشات ولا يفعلون شيئا غير هذا أعمار أمتنا تهدر في التفاهات وأعمار القوم تهدر في تعمير الدنيا
- قرأت كلمة للأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد قال كنت يوما في رحلة إلى اليابان فاتصلوا علي وأنا في الفندق وقالوا لي يا دكتور أحمد سيأتيك سائق التاكسي في الساعة 7.13 دقيقة فقلت له نجعلها 7.15 دقيقة ستفرق هذه الدقيقتين فقال لي إن الحساب عندنا في اليابان ليس بالأيام ولا بالشهور ولا بالساعات أو الدقائق إنما نتعامل بالثواني فخرجت من الفندق الساعة 7.13 دقيقة فإذا بالسائق أمامي فقلت له لماذا هذا الوقت بالذات فقال لأنه في 7.15 دقيقة سيكون مترو الأنفاق موجود وسيتحرك دخلت إلى المحطة في الساعة 7.15 دقيقة إلا 6 ثواني كان المترو قابع في مكانه لا يتحرك فقال لي سائق التاكسي إذا وصلت عقارب الساعة إلى 7.15 دقيقة بالضبط بالثانية لا تعرف أيهما وصل أولا عقارب الساعة أم المترو وبالفعل ما هي إلا ثوانٍ والمترو وعقارب الساعة والثواني عند 7.15 دقيقة
- يقول الشيخ الغزالي()"الإسلام دين يعرف قيمة الوقت ? ويقدر خطورة الزمن ? يؤكد الحكمة الغالية"الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك "ويجعل من دلائل الإيمان وأمارات التقى أن يعي المسلم هذه الحقيقة ويسير على هداها"إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون"()ويعتبر الذاهلين عن غدهم ? الغارقين في حاضرهم ? المسحورين ببريق الدار العاجلة ? قوما خاسرين سفهاء"إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون"()
5- نغفل عن قيمة ديننا وواجبنا نحوه
- وهذا ما رأيناه خاصة في اليومين الماضيين أمس وأول أمس,ووالله لقد تعجبت جدا حين ذكر لي أحد إخواننا حوارا مع صاحبه يقول له فيه من ستنتخب قال فلان- رجل من رموز الفساد والإفساد الذين قامت الثورة ضدهم- قال له يا أخي انتخب أي أحد إلا هذا ومن على شاكلته فأصر على موقفه فقال له صوتك هذا شهادة والله قال"وأقيموا الشهادة لله"قال أنا سأقيمها لفلان!!وعن مثل هذا حدث ولا حرج
- المصيبة أن يصاب بهذا الهوس الفكري رجل رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا , بالله عليك أبغضك للإسلاميين يجعلك تنحرف عن المسار 180 درجة !! لكنه سكر الغفلة في الهوى المتبع وما أدق هذا الحوار الذي دار بين مسيلمة الكذاب وأحد أصحابه فعن عمير بن طلحة النمري عن أبيه، أنه جاء اليمامة فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مَهْ رسول الله! فقال: لا حتى أراه، فلما جاءه، قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظُلمة؟ فقال: في ظُلمه، فقال: أشهد أنك كذّاب وأن محمداً صادق، ولكن كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضر، فقُتِل معه يوم عقرباء- موضع حرب خالد بن الوليد مع مسيلمة الكذاب- كافرا) ()
- إنني أنأى بكل مسلم أن يعطل سمعه عن داعي الحق ويصم أذنه ويغلق قلبه عن الاستجابة
للداعي إلى الله والى إقامة شرعه في دنيا الناس فما أصعب عقوبة هذه الغفلة من ربنا تبارك وتعالى قال الله "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"()
يا مشغولا بما لديه عما بين يديه, يا غافلا عن الآخرة وقد دنت إليه, يا ساعيا إلى ما يضره بقدميه, انتبه فهذه بعض مظاهر سكرات الغفلة التي تعاني منها مجتمعاتنا وفي المقابل لا بد وأن نتعرف على الأشياء التي لا ينبغي أن تجعل للغفلة علينا سبيلا إنها الحقائق التي لا يغفل عنها فتدبرها جيدا وارعها قلبك وسمعك فإن تخللت منافذ قلبك فأنت الفائز وإلا فاسأل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك
أولاً : نقصان عمرك
فالعمر يمضي وكل يوم يقربنا إلى الله ويبعدنا عن دنيانا وما فكرنا في هذا وما شغل أوقاتنا وهذه أول حقيقة ينبغي الانتباه إليها
- قال بعض السلف عجبت ممن يحزن من نقصان ماله كيف لا يحزن من نقصان عمره
- روى أبو نعيم في الحلية عن الحسن بن علي العابد قال: "قال الفضيل ابن عياض لرجل: كم أتَت عليك؟ قال ستُّون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك توشك أن تبلغ، فقال الرَّجل: يا أبا علي، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلمُ ما تقول؟ فقال الرجل: قلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، قال الفضيل: تعلَمُ ما تفسيرُه؟ قال الرَّجل: فسِّره لنا يا أبا علي، قال: قولُك إنَّا لله، تقول: أنا لله عبدٌ وأنا إلى الله راجعٌ، فمَن عَلِمَ أنَّه عبد الله وأنَّه إليه راجع، فليعلَم بأنَّه موقوفٌ، ومَن عَلم بأنَّه موقوفٌ فليعلم بأنَّه مسئولٌ، ومَن علم أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تُحسنُ فيما بقيَ، يُغفَر لك ما مضى، فإنَّك إن أسأتَ فيما بقي أُخِذتَ بما مضى وما بقي"()
- كان الحسن() يقول في موعظته المبادرة المبادرة فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز و جل رحم الله امرأ نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه ثم قرأ هذه الآية إنما نعد لهم عدا يعني الأنفاس آخر العدد خروج نفسك آخر العدد فراق أهلك آخر
العدد دخولك في قبرك"
- قال ابن الجوزي: يا عجبا كيف أنس بالدنيا مفارقها، وأمن النار واردها، كيف يغفل من لا يغفل
عنه، كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره، كيف يلهو من يقوده عمره إلى أجله وحياته إلى موته"()
ثانيا : الموت
الحقيقة الكبرى التي نغفل عنها في حياتنا, وكفى به موقظا:
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا يَعْلَمُ ابْنُ آدَمَ مَا أَكَلْتُمْ سَمِينًا"()
- قال ابن السماك"إن الموتى لم يبكوا من الموت ولكنهم يبكون من حسرة الفوت فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها ودخلوا دارا لم يتزودوا لها فأية ساعة مرت على من مضى وأية ساعة بقيت علينا والله إن المتفكر في هذا لجدير أن يترك الأوطان ويهجر الخلان ويدع ما عز وما هان"()
- ميمون بن مهران كان له ولد اسمه عمرو فقال لولده يا بني أجد قسوة في قلبي فهيا بنا نذهب إلى الحسن البصري لعله يعظني فقال هيا قام وأخذ والده وانطلق حتى أتى بيت الحسن ، وطرقوا الباب فقال ميمون : يا أبا سعيد ! شعرت أن في قلبي غلظة فاستلن لي، فقل لي شيئاً يرققه، فقال الحسن : [أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [فأغشي على ميمون ، أي: أغمي عليه، وجعل الحسن البصري يتفقد رِجله كما تتفقد رِجل الشاة المذبوحة يظن أنه قد مات، ثم تركه ودخل الدار، فأفاق ميمون وفي عودتهما قال عمرو لأبيه: يا أبت! هذا الحسن ؟قال: نعم. قال: ظننته أكبر من ذلك! يعني ما الذي قاله؟ قرأ آيتين أو ثلاثاً من سورة الشعراء أنا أحفظها، فضرب صدر ولده وقال يا بني! لقد قرأ آية لو تدبرتها بقلبك لتصدع قلبك"
- قال يزيد الرقاشي بينما جبار من جبابرة بني إسرائيل في منزلة قد خلا ببعض أهله إذ رأى شخصا قد دخل عليه من باب بيته فوثب عليه مغضبا فقال له ويلك من أنت ومن أدخلك داري وما حملك على الهجوم علي في بيتي فقال له أما الذي أدخلني الدار فربها أنا الذي لا يمنعني الحجاب ولا استأذن على الملوك ولا أخاف صولة السلاطين فأسقط في يد الجبار وأرعد حتى سقط منكبا على وجهه ثم رفع رأسه إليه مستخذيا متذللا فقال له فأنت إذن ملك الموت قال أنا هو قال فهل أنت ممهلني حتى أحدث عهدا قال هيهات انقطعت مدتك وانقضت أنفاسك ونفدت ساعاتك فليس إلى إمهالك سبيل قال فإلى أين أذهب قال إلى عملك الصالح الذي قدمت وإلى بيتك الحسن الذي مهدت قال فإني لم أقدم عملا صالحا ولا مهدت بيتا حسنا قال فإلى لظى نزاعه للشوى ثم قبض روح فسقط بين أهله فمن صارخة تصرخ وباكية تبكي"قال يزيد ولو يعلمون سوء المنقلب لكان العويل أعظم والبكاء أكثر"()
ثالثا : القبر
مكان موحش ضيق تمكث فيه وحدك لا أنيس ولا جليس لا خل ولا صاحب , أين زوجتك التي عققت أمك وأباك لأجلها, أين أولادك الذين أكلت الحرام لأجلهم, أين أصحابك الذين كنت تقضي معهم الساعات الطوال في اللهو واللعب غافلا عن المؤذن وهو ينادي حي على الصلاة غافلا عن حق زوجك وأولادك وتربيتهم تقربا إلى الله تعالى, أين كل هؤلاء
- كأني بالملك جل وعلا ينادي ذهبوا وتركوك وفي التراب وضعوك وللحساب عرضوك ولو ظلوا معك ما نفعوك ولن ينفعك إلا أنا وأنا الحي الذي لا أموت
- ما من يوم إلا والأرض تنادي بخمس كلمات يا ابن آدم تمشي على ظهري ومصيرك إلى بطني يا ابن آدم تضحك على ظهري وسوف تبكي في بطني يا ابن آدم تفرح على ظهري سوف تحزن في بطني يا ابن آدم تذنب على ظهري وسوف تعذب في بطني يا ابن آدم تأكل الحرام على ظهري وسوف يأكلك الدود في بطني
- يروى أن بعض المتعبدين أتى قبرا كان يألف صاحبه فأنشأ يقول
مَا لِي مَرَرْتُ عَلَى القُبُورِ مُسَلِّمَا *** قَبْرَ الحَبِيْبِ فَلَمْ يُرُدَّ جَوَابِي
أَحَبَيْبُ مَالَكَ لا تُجِيْبُ مُنَاديًا *** أَمَللْتَ بَعْدِي خُلَّةَ الأَصْحَابِ
فأجيب عن الميت:
قَالَ الحَبِيْبُ وَكَيْفَ لِيْ بِجَوَابِكُمْ *** وأَنَا رَهِيْنُ جَنَادِلٍ وتُرَابِ
أَكَلَ التُرَابُ مَحَاسِنِي فَنَسِيْتُكُمْ *** وحُجِبْتُ عَنْ أَهْلِي وعَنْ أَصْحَابِيْ
وتَمَزَّقَتُّ تِلْكَ الجُلُودُ صَفَائِحًا *** يَا طَالَمَا لَبِسَتْ رَفِيْعَ ثِيَابِيْ
وتَفَصَّلَتْ تِلْكَ الأَنَامِلُ مِنْ يَدِيْ *** مَا كَانَ أَحْسَنَهَا لِخَطِّ كِتَابِيْ
وتَسَاقَطَتْ تِلْكَ الثَّنَايَا لُؤلُؤًا *** مَا كَانَ أَحْسَنَهَا لِرَدِّ جَوَابِيْ
فَعَلَيْكُمُوْا مِنِّي السَلامُ تَقَطَعتْ *** عَنِّي وعَنْكُمِ خُلَّةُ الأَصْحَابِ
رابعاً : القيامة
وهذه أفظع الحقائق وأقواها يوم تمثل هذه القلوب الغافلة بين يدي مولاها وتعلم متقلبها ومثواها, إنها أفظع اللحظات وأقوى الحقائق الموقظات من كل غفلة وسبات ولذا كثيرا ما قرنها ربنا بذكر الغفلة
- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ"()
- وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ"()
- تذكر يوم ينادى باسمك بين الخلائق يا فلان بن فلان : هيا إلى العرض على الله،فتقوم أنت، ولا يقوم غيرك، لأنك أنت المطلوب,تذكر حيئذ ضعفك وشدة خوفك، وانهيار أعصابك، وخفقان قلبك وقفت بين يدي الملك الحق المبين، الذي كنت تهرب منه،ويدعوك فتصد عنه وقفت وبيدك صحيفة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتْها، فتقرؤها بلسان كليل وقلب كسير، قد عمك الحياء والخوف من الله فبأي لسان تجيبه حين يسألك عن مالك الذي أضعته وعمرك الذي أسرفت فيه وعينك التي خنت بها وسمعك الذي عصيت به بأي قدم تقف غدا بين يديه،وبأي عين تنظر إليه وبأي قلب تجيب عليه .. !!!ماذا تقول له غدا عندما يقول لك : يا عبدي ، لماذا لم تستح مني،لماذا لم تراقبني هل استخففتَ بنظري إليك يا عبدي ألم أحسن إليك ألم أنعم عليك !!
- بكى عمر بن عبد العزيز فقالت له فاطمة زوجه: ما الذي أبكاك؟ فقال: ذكرت منصرف القوم بين يدي الله عز وجل فريق في الجنة وفريق في السعير وجاءت عمر بن عبد العزيز جاريته يوما فقالت: لقد رأيتك في رؤيا يا أمير المؤمنين فقال: وما هي؟ قالت: رأيت كأن القيامة قامت وكأن الناس بدءوا يمرون على جسر جهنم، ورأيتك يا أمير المؤمنين وقبل أن تكمل وقع عمر مغشيا عليه فأسرعوا إليه ليفيقوه والجارية تقول له: رأيتك والله قد نجوت رأيتك قد نجوت لتطمأنه وتهدأ من روعه
هذه هي الحقائق التي ينبغي ألا نغفل عنها, وما أفظعها من حقائق وما أصعبها من عظات وما
أجمل كلام ابن الجوزي عن هذه الحقائق يجملها في أسلوب رائع وعبارات رقراقة معبرة وسجع
ماتع يقول فيها - وتخيل نفسك عند سماعها-()
- كأنك بالعمر قد انقرض وهجم عليك المرض وفات كل مراد وغرض وإذا بالتلف قد عرض أخاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- شخص البصر وسكن الصوت ولم يمكن التدارك للفوت ونزل بك ملك الموت فسامت الروح وحازى ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- عالجت أشد الشدائد فيا عجبا مما تكابد كأنك قد سقيت سم الأساود فقطع أفلاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- بلغت الروح إلى التراقي ولم تعرف الراقي من الساقي ولم تدر عند الرحيل ما تلاقى عياذا بالله عياذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- ثم درجوك في الكفن وحملوك إلى بيت العفن على العيب القبيح والأفن وإذا الحبيب من التراب قد حفن وصرت في القبر جذاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- وتسربت عنك الأقارب تسرى تقد في مالك وتفري وغاية أمرهم أن تجري دموعهم رذاذا ( لقد
كنت في غفلة من هذا )
- قفلوا الأقفال وبضعوا البضاعة ونسوا ذكرك يا حبيبهم بعد ساعة وبقيت هناك إلى أن تقوم الساعة لا تجد وزرا ولا معاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- ثم قمت من قبرك فقيرا لا تملك من المال نقيرا وأصبحت بالذنوب عقيرا فلو قدمت من الخير حقيرا صار ملجأ وملاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- ونصب الصراط والميزان وتغيرت الوجوه والألوان ونودي شقي فلان بن فلان وما ترى للعذر نفاذا ( لقد كنت في غفلة من هذا )
- كم بالغ عذولك في الملام وكم قعد في زجرك وقام فإذا قلبك ما استقام قطع الكلام على ذا ( لقد كنت في غفلة من هذا)
كيف الخلاص
1- معرفة الغاية من خلقك
فإذا عرفت أن الله خلقك له, خلقك لأجله, لتعبده وحده وتدع ما دونه من الأغيار, وأنه قد تكفل لك
برزقك وعيشك وسائر دنياك عندها تتحرك له دون سواه وتحارب نسك وهواك وشيطانك ودنياك
في سبيل رضاه, ووالله ما غفلنا عن الله ولا عصيناه ولا قصرنا في جنبه إلا لأننا لا نعلم حقيقة الغاية التي خلقنا لأجلها وإن نطقت بها ألسنتنا
- وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ()
- قال الله في أَثَرٍ إِلَهِيٍّ"ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُكَ لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِكَ فَلَا تَتْعَبْ ابْنَ آدَمَ اطْلُبْنِي تَجِدْنِي فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ وَإِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"()
- يقول ابن القيم"يا من هو من أرباب الخبرة هل عرفت قيمة نفسك إنما خلقت الأكوان كلها لك يا من غذى بلبان البر وقلب بأيدي الألطاف كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة وصورة وأنت المعنى وصدف وأنت الدر ومخيض وأنت الزبد منشور اختيارنا لك واضح الخط ولكن استخراجك ضعيف متى رمت طلبي فاطلبني عندك اطلبني منك تجدني قريبا ولا تطلبني من غيرك فانا أقرب إليك منه لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي إنما أبعدنا إبليس إذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك فوا عجبا كيف صالحته وتركتنا لو كان في قلبك محبة لبان أثرها علي جسدك"()
- وهذه الغاية - العبودية - تهدف إلى تحقيق الإسلام بكل ما ترمي إليه الكلمة من معانٍ ولا غرو أن أقرر حيال ذلك أن أعظم مصيبة ابتلينا بها في هذه الأيام هي غفلتنا عن نسيان نسبنا الحقيقي, هي ضعف العلاقة بيننا وبين ديننا, هي الانفصام الفكري الذي خلفه فينا واقعنا وإعلامنا والموجهون له والقائمون عليه,رغم أنه أعظم ما من الله به علينا " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"() فلنعمل له ولنعلي رايته ولنجعله يسري في عروقنا ودمائنا باستشعار حقيقته التي تعني الاستسلام الكامل والخضوع التام لله عز وجل قولا وفعلا وحالا
2- الإكثار من زيارة القبور ومشاهدة المحتضرين
- اجعل لك مرة في الأسبوع أو كل شهر تذهب إلى المقابر وتنظر إلى هؤلاء الذين وضعوا في
التراب ، كم بنوا مشيدا وكم أنتجوا طويلا ؟ أين ذهبت قصورهم؟ أين ذهبت دورهم؟ أين ذهبت
نسائهم؟لقد تزوجت نسائهم ويُتِّم أطفالهم وأصبح بيوتهم بورا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِى الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ »()
- أما مشاهدة المحتضرين فلتحاول كلما سمعت عن أحد يغسل ميتا أن تشاركه من أجل أن يفيق قلبك من غفلته حين تنظر إلى عظم جسده إلى صلابة لسانه أين ذهب لسانه؟ ما أخرسه أين ذهب صوته الشجي ؟ما أسكته أين جماله ؟ما أضيعه إنه على خشبة الغسل يقلبونه يمنة ويسره هذا الذي كان لا يستطيع أحدهم أن يشير له ببنان هذا الذي كان بكلمة تقوم له الدنيا ولا تقعد موضوع على خشبة الغسل ربما وهم يغسلونه تظهر عورته وهو لا يستطيع أن يفعل شيئا
- ذهب الحسن البصري إلى أحد الناس ليعوده في مرضه فلما دخل عليه إذا به في سكرات الموت عالج الرجل سكرات الموت ثم فارق الحياة فرجع الحسن بغير الوجه الذي ذهب به فقال له أهله : يا أبا علي الطعام الطعام فقال الحسن البصري يا أهلاه عليكم بطعامكم وشرابكم فإن رأيت موقف لم أزل أعمل له حتى ألقاه
3- الإكثار من ذكر الموت
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ »()
- وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله لا يمر عليه يوم أو ليلة إلا ويجمع أصحابه من العباد والزهاد فيظلون يتذكرون الرقائق ولا ينصرفون إلا وقد بكوا جميعا