tamer.page.tl
  وقفات مع أزمة الحاضر
 

وقفات مع أزمة الحاضر

وقفات مع أزمة الحاضر إن الأحدث الجارية في مصر منذ يوم الثلاثاء 25/01/2011م لا تخفى على أحد, فالكل يتكلم عن هذه الأحداث في مصر وغيرها, وكثير من التساؤلات تثار حول ما حدث خاصة فيما يتعلق بالدين وموقفه من هذه الأحداث, والعلماء والدعاة أين هم وأين دورهم؟

وما الذي يجب على المسلم تجاه هذه الفتن؟

ومع من يكون؟؟؟؟؟

 إلى غير ذلك من التساؤلات.

 وهذا الحديث محاولة لكشف النقاب وإزالة اللبس في كثير مما يحدث, حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه في فتنة عظيمة كهذه حلت به, وفي نازلة عايشها بنفسه وأهله, وأسأل الله في عليائه أن يكشف هذه الغمة وأن يحفظ هذه الأمة [ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ][سورة يوسف ]وقد سميت هذا الحديث " وقفات مع أزمة الحاضر" وتمثلت هذه الوقفات في خمس نقاط هي:

1. قراءة شخصية تأملية للأحداث

 2. أحداث تقع بوحي السماء

 3. ما موقف المسلم من هذه الفتنة؟

 4. ما هي واجبات المسلم تجاه هذه الفتنة خصوصاً والفتن عموماً؟

 5. الثمار الطيبة للأزمة

أما عن الوقفة الأولى فإنها القراءة الشخصية التأملية للأحداث, وقد وصفتها بالشخصية حتى أبين أن هذا اجتهاد مني قد يوافقني عليه إخواننا أو لا,كما أن هذه القراءة لا تعني الحكم الشرعي لما حدث ولكنها تستخلص دروساً وعبراً مما حدث باعتباره واقع ينبغي الوقوف على أهم ما يستفاد منه. والحديث في هذه عن ثلاث مجموعات في الشعب المصري     المجموعة الأولى : الحاكم ورؤوس النظام. حيث رأينا كيف يمكن أن تزول الدنيا عن أصحابها في لحظة, هذه الدنيا التي نتقاتل عليها ونتقاطع الأرحام بسببها,ما أهونها على الله وما أحقرها من دنيا, أنا ما أظن أن الرؤوس هذا النظام " عز وأعوانه فضلاً عن الحاكم" كانوا يتوقعون هذا المصير,

لكنها الدنيا التي إذا  ***   أ حلت وحلت وإذا كست أوكست
 هي الدنيا تقول بملء فيها      ***     حذار حذار من بطشي وفتكي

فلا يغرركموا من ابتسام   ***       فقولي مضحك والفعل مبكي
إن هذا لحري بأن يعلم كل من تولى منصباً أو حصل على دنيا أنها لو دامت لغيره لما وصلت إليه, فليتق الله فيما بين يديه وليعمل فيه بطاعة الله فقد ورد في الأثر أن الله يقول للدنيا من خدمنا فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه,وأذكر هنا بالنعمان بن المنذر ملك من أشهر ملوك العرب قبل الإسلام,تولى ملك الحيرة والعراق من قبل كسرى وما كان أحد في العرب أكرم ولا أغنى منه لدرجة أن حاتم الطائى عليه فأكرمه النعمان وأدناه ثم زوده عند انصرافه جملين ذهبا وورقا غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طئ- وكان معروفا بالكرم- فقالت: يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر ! فقال حاتم: هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه. فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه, ومع هذه النعمة حدثت أحداث جعلت كسرى ينقلب عليه ويزيله عن ملكه كله حتى سئلت امرأة من آل النعمان بن المنذر عن حالهم فقالت"كنا وما في العرب بيت أغنى منا فأصبحنا وما في العرب بيت أفقر منا لقد سلب ملكنا كله في ليلة" فسبحان الذي يغير ولا يتغير"[يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ][الرحمن]وهذا أيضاً يعلمنا نحن أن الدنيا لا قيمة لها ولن تحصل منها على ما تريد إلا بطاعة الله تعالى فكفانا خصومات وقطيعة ومعاصٍ لأجلها فإنها لا تستحق كل هذا العناء, حتى وإن كان ذلك بملكها كلها وصدق الله[ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)][آل عمران ] يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره"إن قول الحق : { وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } تجعلنا نتساءل : ما النزع؟ إنه القلع بشدة ، لأن الملك عادة ما يكون متمسكا بكرسي الملك ، متشبثا به ، لماذا؟ لأن بعضا ممن يجلسون على كراسي السلطان ينظرون إليه كمغنم بلا تبعات فلا عرق ولا سهر ولا مشقة أو حرص على حقوق الناس ، إنهم يتناسون سؤال النفس « وماذا فعلت للناس »؟ إن الواحد من هؤلاء لا يلتفت إلى ضرورة رعاية حق الله في الخلق فيسهر على مصالح الناس ويتعب ويكد ويشقى ويحرص على حقوق الناس . إننا ساعة نرى حاكما متكالبا على الحكم ، فلنعلم أن الحكم عنده مغنم ، لا مغرم . ولنر ماذا قال سيدنا عمر بن الخطاب عندما قالوا له : إن فقدناك - لا نفقدك - نولى عبد الله بن عمر ، وهو رجل قرقره الورع . . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : بحسب آل الخطاب أن يُسأل منهم عن أمة محمد رجل واحد ، لماذا؟ لأن الحكم في الإسلام مشقة وتعب . لقد جاء الحق بالقول الحكيم : { وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } وذلك لينبهنا إلى هؤلاء المتشبثين بكراسي الحكم وينزعهم الله منها ، إن المؤمن عندما ينظر إلى الدول في عنفوانها وحضاراتها وقوتها ونجد أن الملك فيها يسلب من الملك فيها على أهون سبب . لماذا؟ إنها إرادة الخالق الأعلى ، فعندما يريد فلا راد لقضائه أضف الى ذلك حين تتأمل حال الحاكم وأعوانه لا تستطيع أن تنكر أن هذا النظام قد اشتمل على كثير من الفساد ومن الخلل ومن ظلم العباد, وقد اقتضت سنة الله تعالى أن يذل من عصاه وينتقم ممن بغى وتجبر ويأخذ الظالم فلا يفلته. وهذا كثير في التاريخ الإسلامي

وما أجمل كلمات أبي الرداء رضي الله عنه في فتح قبرص وقد فتحت في خلافة عثمان بقيادة معاوية بن أب سفيان رضي الله عن الجميع-حينما نظر إلى سبي الأعداء فبكى، ثمّ قال: ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوه، فانظر إلى هؤلاء القوم بينما هم ظاهرون قاهرون لمن ناوأهم، فلما تركوا أمر الله ـ عز وجلّ ـ وعصوه، صاروا إلى ما ترى(2). وجاء في روايةٍ: فقال له جبير بن نفير أتبكي وهذا يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله، فقال: ويحك: إن هذه كانت أمّة قاهرة لهم ملك، فلما ضيّعوا أمر الله، صيرّهم إلى ما ترى، سلط الله عليهم السبي، وإذا سلط على قوم السّبي، فليس لله فيهم حاجة، وقال: ما أهون العباد على الله تعالى، إذا تركوا أمره"

وها هم البرامكة ترجم ابن كثير لهم في البداية والنهاية, وهم أسرة أعجمية، فوضها المهدي وابنه هارون الرشيد بعده في الأموال والديار، بنوا القصور، بنوا الحدائق، رفعوا الدور، كانوا يطلون قصورهم بماء الذهب وماء الفضة، أي بذخ هذا! أي ثراء هذا! أي غنىً هذا! لكن نسوا الله، تركوا الصلوات، ارتكبوا الشهوات، أكثروا من السيئات، أكثروا من الفواحش، فأمهلهم الله عز وجل، ثم سلط عليهم أقرب قريب إليهم هارون الرشيد ، وثقوا بـ هارون الرشيد ووثق بهم، أحبوه وأحبهم, وما بين عشية وضحاها غضب عليهم هارون الرشيد غضبة شديدة، فأخذ أكبرهم الذي علمهم المعصية خالد بن يحيى البرمكي فأنزله في السجن سبع سنوات حتى طالت لحيته وأظفاره وشعره وحاجباه وطال شاربه، وطال كل شيء فيه حتى أصبح يقول: لا أنا في الدنيا ولا أنا في الآخرة. !! ما رأى الشمس سبع سنوات، قال له بعض الناس لما دخلوا يزورونه: ما لك؟ قال: ما عرفت الله في الرخاء فلم يعرفني في الشدة، وقال في رواية عنه: أتدرون لماذا أصابني الله بهذه المصيبة؟ قالوا: ما ندري؟ قال: دعوة مظلوم سرت في ظلام الليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.

سبحان الله !!!! حقاً ما أهون الخلق على الله إذا عصوه

  أما المجموعة الثانية : فهي طائفة النفعيين هؤلاء الذين يرفعون شعار"عاش الملك مات الملك" وكم رأينا من أناس يتمسحون في الحزب الحاكم ويتوددون إلى أهله حتى لو جاء ذلك على دينهم كله, فإذا قلت لأحدهم لماذا كل ذلك؟ قال:هي الحياة كده, والناس كلها كده, شغل دماغك, وبعين دول الكبار يابا" والإسلام لا يجيز الخروج على الحاكم إلا في الكفر البواح, ولكن ذلك لا يعني الولاء له على حساب الشرع, فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ « لاَ مَا صَلَّوْا »أخرجه مسلم ولذلك لما انقلبت الأوضاع صار الكل يتبرأ من الكل, هذا يقول : أحمد عز أغرقنا وآخر: أنا حذرت من السياسة دي, وغير ذلك وصدق الله" إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ"[ البقرة]

  المجموعة الثالثة أصحاب الشغب والتخريب والبلطجة وهؤلاء أثبتوا القاعدة الربانية " كما تكونوا يولى عليكم" قال الله [وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] لأنعام 129] وتؤكد أنه لا بد وأن نصلح حتى يولي الله علينا الصالحون ومن عجيب الأخبار أني سمعت أنه في مصر يوم السادس من أكتوبر1973م لم تسجل حادثة سرقة واحدة على مستوى الجمهورية, قلت سبحان الله!!!! هذا جند من جنود النصر[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ][محمد 7]

الوقفة الثانية :أحداث تقع بوحي السماء إن مما يُهوِّن أمر هذه الأحداث على نفس المؤمن , كما يضمن له الحل الرباني والموقف الشرعي الكامل منها هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر بها,ولم يخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفصيل جزئياتها فلم يقل سيحدث في تونس كذا وفي مصر كذا وهكذا. ولكنه أخبر عنها مجملة حين ذكر الفتن والأحداث التي ستقع بين يدي الساعة, والناظر في وصف رسول الله لهذه الفتنة يجد أنه وصف في غاية الدقة 000فسبحان الذي آتاه جوامع الكلم!!! وأضرب لحضراتكم على ذلك ثلاثة أمثلة فقط

·    الأول حديث " فتنا كقطع الليل المظلم..."وذلك لفرط سوادها وظلمتها وعدم تبين الصلاح والفساد فيها وهذا هو الواقع,تأتيك أخبار من هنا وأخبار من هناك وتتعارض الأخبار ولا توقن الحق فيها"فتنا كقطع الليل المظلم",يختلط هؤلاء بأولئك ولا تعرف من هؤلاء ومن هؤلاء " فتنا كقطع الليل المظلم",يقتل من يقتل ويجرح من يجرح ولا تعرف هل كان هذا المقتول على الحق أم لا "فتنا كقطع الليل المظلم"

  الثاني حديث "عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ « لاَ مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ » أخرجه مسلم وهذا هو الذي كان يحدث طيلة الفترة الماضية وزاد بشكل افتقد الأدب كثيراً في الأحداث الجارية, ودقق في المنهج الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بإقراره 1- السلم لا يُكرَه لذاته وإنما الذي يكره هو عمله فإن تركه فهو أخ لنا 2- لا يجوز مفارقة الجماعة ونزع يد الطاعة

  الحديث الثالث"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ فَقِيلَ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ الْهَرْجُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" وهو أوضح من الشمس في ضحاها بالنسبة لما يحدث, تسمع الكثيرين يقولون " احنا مش عرفين بنضرب مين ولا بنضربهم ليه" وصدق الحق إذ يقول" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"

 الوقفة الثالثة : ما هو موقف المسلم من هذه الفتنة؟ وهذه الوقفة تأتي بعد أن ظهر لنا اتصالنا بوحي السماء عن طريق هذه الأحداث,ترى كيف يمكن أن نتعرف على موقفنا تجاه هذه الأحداث من الوحي أيضاً. أقول : إن موقف المسلم الصادق,والبطل كل البطل في هذه الأحداث هو الاعتزال, ولعل هذا يجيب عن سؤال كثير من المسلمين أين العلماء والدعاة والمشايخ؟ يقول البعض لكن هذا هروب00هذا خنوع00هذه عدم مواكبة للأحداث00هذه سلبية أقول : والله ليست بالذي قيل ولكنها سلامة ونجاة وبراءة بل وبطولة, ولنعرض أنفسنا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد أشارت عشرات الأحاديث الصحيحة على هذا الموقف ومنها:

ما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة ، أن رسول الله -صلى الله عليه و سلم- قال : (( ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ،و القائم فيها خير من الماشي ، و الماشي فيها خير من الساعي ،و من تشرّف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذبه ))

  وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا وَيُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ فَإِنْ دُخِلَ - يَعْنِى عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ - فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَىْ آدَمَ"أخرجه أبو داود واللفظ له وابن ماجه والبخاري ومسلم وأحمد وفي رواية لأبي داود " قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ « كُونُوا أَحْلاَسَ بُيُوتِكُمْ » ومن أراد المزيد فليرجع الى أحاديث الفتن والملاحم أما عن التطبيق الواقعي لهذا الموقف فقد ظهر في أول فتنة كبرى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كانت بين الخيرين علي ومعاوية رضي الله عنهما,حيث اعتزلها أكثر الصحابة خاصة من المهاجرين الأول والأنصار وممن اعتزلها" سعد بن أبي وقاص ، و عبد الله بن عمر ،و محمد بن مسلمة الأنصاري ،و سلمة بن الأكوع ،و سعيد بن زيد،و صهيب بن سنان الرومي ،و أسامة بن زيد ،و أبو هريرة، و هبيب بن مغفل ،و المغيرة بن شعبة، و عبد الله بن سعد بن أبي سرح ،و سعيد بن العاص ، و معاوية بن حديج الأمير، و زيد بن ثابت ، و كعب بن عجرة،و سليمان بن ثمامة بن شراحيل ،و عبد الله بن مغفل ،وعبد الله بن سلام ،و أهبان بن صيفي ،و الحكم بن عمرو الغفاري- رضي الله عنهم ومن أجمل ما أثر من أقوال بعضهم في ذلك:

  قول الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، فقد جاء في خبر صحيح الإسناد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر بن راشد ، عن أيوب السختياني ،وعن محمد بن سيرين ، أنه قيل لسعد : ألا تقاتل ، فانك من أهل الشورى ،وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك ؟ قال : (( لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ،و لسان و شفتان ، يعرف الكافر من المؤمن ،و قد جاهدت و أنا أعرف الجهاد ،و لا أبخع نفسي إن كان رجل خيرا مني )) وورد في رواية أخرى أن أحد أبناء سعد بن أبي وقاص ، قال لوالده : نزلت في إبلك و غنمك و تركت الناس يتنازعون الملك ، فضرب سعد صدر ولده عمر و قال له : (( اسكت سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم-يقول :إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )) وفي رواية لأحمد بن حنبل أن سعدا قال لابنه عمر : (( أي بني أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأسا ، لا و الله حتى أعطي سيفا إن ضربت به مؤمنا نبا عنه ،و إن ضربت به كافرا قتلته ،و قد سمعت رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يقول : ((إن الله عز وجل يحب الغني الخفي التقي )) وجاء رجل إلى سعد بن أبي وقاص ،و قصّ عليه مناما رآه عن الفتنة ، ثم قال له : مع أي الطائفتين أنت ؟ فقال سعد : ما أنا مع واحدة منهما ، فقال الرجل : فما تأمرني ؟ قال : هل لك من غنم ؟ قال : لا ، فقال له سعد : فاشتر غنما ، فكن فيها حتى تنجلي الفتنة

  أما محمد بن مسلمة الأنصاري - رضي الله عنه - فقد اعتزل موقعتي الجمل و صفين و اتخذ سيفا من خشب ، و خرج من المدينة إلى بادية الرّبذة و أقام بها ، و كان ذلك بأمر نبوي ، على ما ذكره الحافظ الذهبي وهو من نجباء الصحابة ، شهد بدرا و المشاهد الأخرى و هو الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( لا تضرّه الفتنة )) وجاء في رواية للتابعي أبي بردة بن أبي موسى (ت104هـ) أنه مر-أيام الفتنة- بمحمد بن مسلمة بالربذة ، فقال له : لو خرجت إلى الناس فأمرت و نهيت ، فقال له : قال لي النبي -عليه الصلاة و السلام- (( يا محمد ستكون فرقة و فتنة و اختلاف ، فاكسر سيفك ،و اقطع وترك ،و اجلس في بيتك )) ففعلت ما أمرني" أخرجه أحمد وذكره الذهبي في السير والبخاري : التاريخ الكبير

  أسامة بن زيد حيث جاء أن عليا لقي أسامة -رضي الله عنهما - فقال له : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة ، فلم لا تدخل معنا -أي في القتال- فقال له : يا أبا حسن ، إنك و الله لو أخذت بمشفر - أي الشفة - الأسد لأخذت بمشفره الآخر معك حتى نهلك جميعا ، أو نحيا جميعا ، وأما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فوالله لا أدخل فيه )) الذهبي : سير أعلام النبلاء وروى المؤرخ شمس الدين الذهبي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كان يغبط سعد بن أبي وقاص ،و عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم - و يقول : (( لله منزل نزله سعد وابن عمر، لئن كان ذنبا لصغير ،ولئن كان حسنا إنه لعظيم )) وقوله هذا صحيح المعنى وجدير بالتنويه والاعتبار لأن الفتنة جرّت على المسلمين مصائب كثيرة ،وأورثتهم الفرقة و العداوة ،و البغضاء والاقتتال ولم ينج منها إلا الذين اعتزلوها. ولم يتوقف الأمر على الصحابة وإنما جاء من بعدهم ممن على نهجهم فترسم خطاهم فكانوا إذا ابتلوا بفتنة اعتزلوها, وذلك على سبيل المثال كالفتنة التي كانت بين ابن الأشعث في خروجه على الحجاج سنة  82هــ حيث اعتزلها كثير من أعلام التابعين أمثال" الحسن البصري والشعبي ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وأبو قلابة الجرمي وأيوب السختياني وطلق بن حبيب زمطرف بن عبد الله بن الشخير وكثير غيرهم ومن أقوالهم في ذلك:

  الحسن البصري وقد كان ممن ينصحون الحجاج بشدة ومواقفه معروفة تجاهه لكنه حين سئل عنه قال: يتلو كتاب الله ويعظ وعظ الأبرار ويطعم الطعام ويؤثر الصدق ويبطش بطش الجبارين. قالوا فما ترى في القيام عليه؟ فقال: اتقوا الله، وتوبوا إليه يكفيكم جوره. وكان إذا قيل له ألا تخرج فتغير قال: إن الله إنما يغير بالتوبة ولا يغير بالسيف" الطبقات الكبرى لابن سعد

  الشعبي قيل له في فتنة ابن الأشعث : أين كنت يا عامر ؟ ، قال : كنت حيث يقول الشاعر : عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ،،، وصوّت إنسانٌ فكدت أطير ... أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء

  مطرف بن عبد الله بن الشخير حين دعوه الى المشاركة في هذه الفتنة وألحوا عليه قال"أرأيتم الذي تدعونني إليه يزيد على أن يكون جهاداً في سبيل الله قالوا لا قال فإني لا أخاطر بين هلكة أقع فيها وبين فضل أصيبه" الدولة الأموية للصلابي الوقفة الرابعة : واجبات المسلم نحو الفتن أما عن واجب المسلم تجاه هذه الفتنة خاصة والفتن عموماً فكما يأتي: 1- الاعتصام بالكتاب والسنة وليس الاعتصام بالكتاب والسنة كلمة تتمضمض بها الأفواه دون أن يكون لها رصيد في الواقع من العلم والعمل, والذي دل على هذا الأصل:

  قال الله" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"

  عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ« أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ الترمذي وقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وابن ماجه وأبو داود واحمد وابن حبان

2- النظر في العواقب وعدم الانطلاق وراء العواطف وهذا يتحتم علينا نحن المصريين خاصة حيث أن الشعب المصري شعب عاطفي, لكن في الفتن يجب إتباع الشرع حتى لا يزيغ المسلم وصدق الحسن البصري حين قال" العامل على غير علم كالسالك على غير طريق والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح فاطلبوا العلم طلبا لا تضروا بالعبادة واطلبوا العبادة طلبا لا تضروا بالعلم فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على امة محمد صلى الله عليه وسلم ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا" مفتاح دار السعادة, ولنستضيء في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التؤدة والتأني. عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » .البخاري وقد قال العلماء" إذا أردت أمراً فتدبر عاقبته فإن كان خيراً فأمضه وإلا فكف عنه" ولعل هذا هو السر في وضع القاعدة الشرعية "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"

3- الرجوع إلى الحق فإذا بدا لأحد في الفتنة وجه الحق فلا بد وأن يرجع إليه, وإني أستاء لما حدث من مصادمات بعد خطاب الرئيس الأخير والذي أعلن فيه التنحي المقنع, كفانا هذا ونرجع عما نفعل لأجل مصلحة المسلمين, لكن أنى لنا ذلك وشخصنة القضايا قد برزت على الساحة وكل يريد لنفسه المجد وكثير من المعارضة إما ليبرالي أو علماني أو عدو غربي في ثوب صديق ولا حول ولا قوة إلا بالله. وما أعظم أصحاب رسول الله في رجوعهم إلى الحق فما من أحد يدانيهم في ذلك, انظر الى هذا الموقف العجيب من الزبير بن العوام رضي الله عنه والرواية تقول"خرج علي بنفسه حاسراً على بغلة رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لا سلاح عليه فنادى: يا زبير، أخرج إلي، فخرج إليه الزيير شاكاً في سلاحه، فقيل ذلك لعائشة، فقالت: واثُكْلَكِ يا أسماء، فقيل لها: إن علياً حاسر، فطمأنت، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، فقال له علي: ويحك يا زبير! ما الذي أخرجك؟ قال: دم عثمان، قال: قَتَلَ اللّه أولانا بدم عثمان، أما تذكر يوم لقيت رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم في بني بَيَاضة وهو راكب حماره، فضحك إلي رسول اللهّ، وضحكت إليه، وأنت معه، فقلت أنت: يا رسول اللّه، ما يدع علي زَهْوه، فقال لك ليس به زهو: أتحبه يا زبير فقلت: إني واللّه لأحبه، فقال لك إنك واللّه ستقاتله وأنت له ظالم فقال الزبير: أستغفر اللهّ، واللّه لو ذكرتها ما خرجت مروج الذهب والحديث أخرجه الحاكم في مستدركه

 4- لزوم طاعة الله وعبادته في الفتن وهذا من أهم الأشياء التي تحفظ من الفتن قبل وقوعها وتدفعها بعد وقوعها, وصدق الله إذ قال[أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] [سورة الزمر(36)],قال ابن القيم "على قدر العبادة تكون الكفاية" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ" أخرجه مسلم ومن أهم أبواب العبادة التي تعين على الخروج من الفتن:

1- قيام الليل  فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ" البخاري

2- الدعاء  قال الله[وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ][البقرة (186)] وقال[وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ][ المؤمنون 76], وكان الحسن البصري يقول : " إن الحَجّاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإن الله تعالى يقول : [ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ]

3 - التوبة فالذنوب تورث البلاء فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع الا بتوبة, وليس أدل على ذلك من قوم يونس فإنهم لما رجعوا الى الله تعالى كشف عنهم العذاب ومتعهم بنعيم الدنيا قال الله[ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ][يونس(98)]

 4- القرب من أهل الصلاح النصح من هذه الأمة قال الله [ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً][النساء 83] وعن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" البركة مع أكابركم " أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي, قال المناوي في " فيض القدير"البركة مع أكابركم ، المجربين للأمور ، المحافظين على تكثير الأجور ، فجالسوهم لتقتدوا برأيهم ، وتهتدوا بهديهم " قال ابن القيم" كنا إذا ضاقت بنا الدنيا ذهبنا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فما هو إلا أن يحدثنا ونحدثه حتى يذهب عنا ما نجده"

 الوقفة الخامسة : الثمار الطيبة للأزمة فالواجب علينا ألا ننظر إلى سلبيات هذه الأحداث وننسى إيجابياتها,فقد علمنا رسول الله التفاؤل في أحلك الظروف. - يهاجر هو وأبو بكر طريدين مطاردين,ويخاف أبو بكر على رسول الله فيقول" قُلْتُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا فِى الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ « مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا »متفق عليه - وفي بدر يقول للصحابة "سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر الى مصارع القوم" - وفي الأحزاب يقول الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ قَالَ وَعَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنْ الخَنْدَقِ لَا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ قَالَ فَشَكَوْهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَوْفٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَضَعَ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الْأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا" رواه أحمد وابن أبي شيبة والناظر للأحداث يجد لها ثماراً طيبة ينبغي أن نلتفت إليها ومنها:

1. تعاون الناس على حماية بعضهم البعض وهذا وإن كان بعضنا يثقل عليه والبعض الآخر يستمتع به إلا أنه لا بد وأن نعلم أن ذلك رباط فلنخلص النية في ذلك ولنذكر هذه الهدية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ مَرَّ سَلْمَانُ الْفَارِسِىُّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ فِى مُرَابَطٍ لَهُ وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ قَالَ أَلاَ أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ السِّمْطِ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ بَلَى. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ وَرُبَّمَا قَالَ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِىَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَنُمِّىَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ». رواه الترمذي قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

 2. الإحساس بنعم الله علينا وأهمها نعمة الأمن قال الله" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" البقرة (155) وقال أيضاً"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" النحل 112

3. نتعلم الصبر منها - عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ أيم اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا" أبو داود بسند صحيح - وقال عمر بن الخطاب" اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم" - وكان للحسن البصري عبد سيء الخلق فقالوا له لم لا تبيعه فقال" أتركه أتعلم منه الصبر "

 4. الأمل في انتهاء الأزمة وعودة مصر إلى حياة أفضل فأحلك ساعات الليل ما كان قبل الصباح, وما ضاقت إلا وفرجها الله,قال رسول الله" وَاعْلَمْ أَنَّ فِى الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً » أخرجه أحمد بسند صحيح

5- ما أجمل الفقر فلا عناء ولا عنت ولا تعب , والغني مهموم وصاحب المال مغموم, والذي يملك أسهما في البورصة حزين, وكل ذلك لانقلاب الموازين والفقير لا يحمل إلا هم لقمة عيشه وصدق رسول الله" عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ « يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِى مَالِى - قَالَ - وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ »أخرجه مسلم

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free