فيض العيون
لذةٌ الشقيُّ من حرم منها
سنتحدث اليوم عن عبادة كلنا نحتاج إليها ، هذه العبادة هي
عبادة البكاء
وسوف يكون الحديث مكثفا عن هذه العبادة في هذه العناصر
1-إلى الله المشتكى 2-هل جزاء الإحسان إلا الإحسان 3- يا لها من عيون 4-فيض العيون
أولاً: إلى الله المشتكى
فنحن نشكو إلى الله قسوة قلوبنا وجفاف عيوننا وعصيان جوارحنا فقد أصبحت قلوبنا كالحجارة نسمع المواعظ والرقائق فلا نتأثر ، نرى الموت عيانا بيانا فلا نتغير قال تعالى :[ [ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ] [الحديد : 16] ، وأنا أسأل كل واحد ممن يقرأؤن هذه الكلمات منذ متى ما بكت عينك؟ منذ متى ما خشعت جوارحك؟ منذ متى ما تحرك قلبك للقرآن والذكر؟............يقول تعالى :[ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ][الزمر : 22] للأسف الشديد نبكي كثيرًا عند سماع الأفلام والمسلسلات ، ونبكي عند خسارة فريقنا في إحدى المباريات ، ويبكي البعض منا إذا خسر بعض الصفقات ، نذهب إلى المقابر والموت في كل مخلوق ظاهر ، ثم نطلق الضحكات والقهقهات كأن الأمر لا يعنينا أو كأن الأمر مخاطب به أحد غيرنا ، ابتلينا بالأمراض والبلادة والأوجاع والأوبئة لعلنا نذل ونخضع ونتوب ونتضرع ولكننا للأسف مازلنا للأن من كأس الهوي نتجرع . مر الحسن البصري على أقوام يضحكون وقد لاحظ فيهم الغفلة والضحك والقهقهة فقال لأحد الشباب : يا بني هل ضمنت النجاة من سؤال الملكين في القبر ؟قال : لا قال : هل ضمنت النجاة من أهوال يوم القيامة ؟ قال : لا قال :هل ضمنت المرور على الصراط . قال : لا قال : هل ضمنت دخول الجنة والنجاة من النار قال : لا . قال : فعلام الضحك لا إلى الصراط مررت ولا إلى الجنة تأخذ بك ولا من النار تنجو قال فما رؤي هذا الشاب بعدها ضاحكًا ، نحن لا نقول لك لا تضحك ولكن القلوب للأسف الشديد التي تسمع المواعظ ولا تتأثر بالقرآن ، تسمع دروس العلم وتشاهد الفضائيات وتشاهد المواعظ في كل مكان ، وتشاهد الموت في كل مكان بل إن أحدهم يدخل على الميتين ليغسلهم ولا ينخلع قلبه ولا يتأثر قال تعالى : [ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً] [البقرة : 74] شبه الله عز وجل قلوبنا بالحجارة مع أن الحديد أصلب ولكن الله لم يشبهها بالحديد لأن الحديد قابل لللين ، أما القلوب القاسية فلا تتأثر ، ثم مدح الله الحجارة فقال [وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ] [البقرة : 74] قال ابن القيم رحمة الله تعالى :وما ضُرب عبد مصيبة أعظم من مصيبة قسوة القلب ، وما جعل الله النار إلا للإذابة القلوب القاسية ، ولابد للقلب أن يتقطع إما أن يتقطع في الدنيا وأما أن يتقطع في النار إذا ظهرت الحقائق
ثانيا هل جزاء الإحسان إلا الإحسان
هل تعلم فضل قطرة تنزل من عينك من خشية الله أو على عمل خير لم يوفقك الله له؟ هذه الدمعة لها فضل عند الله فهذه الدمعة أحب شيء إلى الله فقد روى الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِى خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ . وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأَثَرٌ فِى فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ » . قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . رواه الترمذي والطبراني في الكبير وحسنه الترمذي والألباني فهذه الدمعة تحرم جسدك على النار ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ثُمَّ تُصِيبُ شَيْئاً مِنْ حُرِّ وَجْهِهِ - إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ » . تحفة 9344 رواه ابن ماجه وضعفه الألباني، فهذه الدمعة تجعلك في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله ففي الحديث الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » . أطرافه 1423 ، 6479 ، 6806 - تحفة 12264 رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد فهنيئا لكم يا أهل الدموع هنيئا لكم هذه العبارات ، هنيئا لكم هذه الخيرات ، هنيئا لكم هذه البركات ، إن هناك أناس عرفوا هذا الطريق فسلكوه فيا لها من عيون عيون عرفت الحق ففاضت من خشية الله. فيا لها من عيون إنها عيون سارت تنهمر فمنهم من عمي وما يزال دمعهم مدرار
ثالثا كيف كان السلف يبكون؟( يا لها من عيون)
لذلك السلف الصالح رضوان الله عليهم كانت دموع الخشية أمر ٌ عادي وديدنهم وطبيعة عندهم . من هؤلاء:
* المنصور بن المعتمد كان كثير البكاء إذا رأيته تقول هذا الرجل أُصيب بمصيبة خافض الصوت فقالت له أمه يوما يا بني تبكي عامة يومك فهل يا بني قتلت نفسا أو قتلت قتيلا فقال يا أماه أنا أعلم بما صنعت نفسي
* عطاء السلمي قالوا له ما تشتهي قال أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي فبكى حتى عميت عينه رحمه الله
* عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سمع يومًا قوله تعالي : [ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ] [الحديد : 16] فبكى رضي الله عنه حتى ابتلت لحيته من الدموع وقال بلى يا رب بلى يا رب
* ثابت البناني رضي الله عنه الذي قال عنه أنس بن مالك ما أشبه عينيك بعين رسول الله فكان دائم البكاء فكان يبكي إذا أمسك المصحف ويبكي إذا طاف بالبيت الحرام ويبكي إذا مشى في الطريق ويبكي إذا سمع موعظة. بكى رضي الله عنه حتى قرحت عيناه فجاؤا له بالطبيب فقال له الطبيب ليس عندي إلا علاج واحد قال دلني عليه قال أن تترك البكاء قال لا أستطيع فلا خير في عينٍ لا تدمع .
* الحسن وعلي ابنا طارق بن يحي كان الحسن يقرأ في المصحف ويبكي ويتضرع إلى الله في الليل فإذا جاء السحر انفرط في البكاء ، وكان أخوة يظل في غرفته يبكي ، وكانت أمهما كذلك تظل الليل كله قائمة وهي تبكي فمات الثلاثة يقول خلف بن تيميم فرأيت الحسن في المنام فقلت له ما فعل الله بالأم قال : أبدلها الله بالحزن الطويل سرورًا الأبدًا ، قال وكيف حال علي قال هو بخير والحمد لله ، قال ما فعل الله بك أنت قال وهل نتكل إلا على عدله ، لهذا كان السلف الصالح كان البكاء ديدنهم وطبيعتهم
* حذيفة المرعني وجد شابًا يبكي فقال يا بني ما الذي يبكيك قال أبكي على كثرة ذنوبي قال فأخذه بيديه وأخذ جانبًا من الطريق وقال يا ابن أخي لمثل الذنوب فليُبَكى ثم قام يبكي معه
بكى الباكون للرحمن ليلا ------------وباتوا دمعهم لا يسأمون
بقاع الأرض من شوق ------------تحن إليهم متى يسجدون
لماذا نبكى؟ ( ما فائدة البكاء )
* نبكي خوفًا من ذنوبنا فإن الله عز وجل قد يمكر بك في ذنبٍ فتموت على هذا الذنب لذلك دخل أحدهم على الحسن البصري فقال كنت كثيرًا ما أجده يبكي فأجده يبكي إذا كان مع الناس وأجده يبكي في الصلاة وأجده يبكي عند المواعظ ويبكي إذا حدث أحد فقلت له علاما كل هذا البكاء ؟ قال :يا ابن اخي وماذا يصنع العبد إذا لم يبكى ؟ إن العبد يبكي بين يدي سيده لعله يرحمه. إن العبد يبكي بين يدي سيده لعل الله ينظر له في ساعة رضا ومغفرة ورحمة له فإن الأم إذا رأت وليدها أكثر من البكاء رحمته. فلعل الله أن يرحمنا ببكاءنا . َ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ » . قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . تحفة 9928 - 2406 رواه الترمذي وأحمد حسنه الألباني إذن أبكي على خطيئتك قال يزيد الرضواني إذا أنت لم تبكي على ذنوبك فمن الذي يبكي عليها بعدك
* نبكي خوفا من أهوال يوم القيامة هذا اليوم الطويل مقداره 50 ألف سنة وأنت واقف على قدميك ، ليس واقفًا في المكيفات ليس واقفًا في الظل وإنما تدنو الشمس من رأسك قدر ميل والناس يغرقون في عرقهم على قدر أعمالهم منهم من يكون عرقه على كعبيه ومنهم من يكون عرقه على ركبتيه و منهم من يكون عرقه على منكبيه ومنهم من يغرقه العرق كليا.
فيسير في عرقه إلى أرض الحشر ومع كل هذا الألم الذي قدره الله عز وجل ومع ذلك لن يموت بل يمشي حتى يقام موضع الحساب قال تعالى : [ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً (14)] [المزّمِّل : 12- 14] قال تعالى : [يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ] [المطففين : 6] هذا اليوم الذي سماه الله باليوم العقيم فليس بعده أي يوم آخر، هذا اليوم الذي سماه الله عز وجل بيوم الزلزلة قال تعالى : [إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) ] [الزلزلة : 1-2 ] هذا اليوم الذي سماه الله عز وجل باليوم القارع قال تعالى : [الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) ] [القارعة :1-2] هذا اليوم الذي تصخ فيه الآذان قال الله تعالى : [فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)] [عبس : 33 - 37 ] هذا اليوم الذي تنشغل فيه الأم عن وليدها قال تعالى : [يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) ] [الحج 2 ] هذا اليوم الذي تبلغ القلوب الحناجر وتشخص فيه الأبصار قال تعالى : [وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ] [غافر : 18] ، يقول القاسم بن محمد كنت يوما في سفر مع عبد الله بن المبارك فقلت بما فضل عليَّ بن المبارك لإن كان يصوم إنا لنصوم ولإن كان يحج إنا لنحج ولإن كان يطعم وينفق إنا لنطعم وننفق فبما اشتهر هذه الشهرة حتى صحبته يوما في سفرٍ جهاد ٍ إلى بلاد الشام وعندما نزلنا في أحد الأماكن للعشاء فبيننا نحن نأكل في بيتٍ وقدم لنا العشاء إذا المصباح قد إنطفأ فذهب أحدنا ليحضر سراجًا آخر أو ليشعل السراج قال فلما ذهب وعاد نظرت إلى وجه ابن المبارك إذا بالدموع قد انهمرت على لحيته قلت بهذا فُضِل علينا هذا الرجل ولعله لما رآى الظلمة تذكر ظلمة يوم القيامة .
* نبكي خوفًا من الله فإن المحب دائمًا مشتاق إلى لقاء حبيبه كانت هناك امرأة متعبده كانت تقوم الليل فإذا قامت الليل ظلت تبكي وتقول ربي عجل بقبض روحي إليك فإن نفسي تشتاق إليك فقالوا لها أعلى ثقة أنت من عملك قالت لا ولكني أحب لقائه أتراه يعذبني وأنا أحب لقائه
* نبكي خوفًا من النار ومن عذاب النار فالطعام زقوم وغسلين وضريح والشراب حميم وكالمهل يشوي الوجوه قال محمد بن المندثر وروي كذلك عن الحسن البصري أنه كان صائما فقرأ عليه قوله تعالى : [ إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) ] [المزّمِّل :12 - 13] فتذكر عذاب يوم القيامة وحر النار وكان صائما وقرب إليه طعام الإفطار فلما سمع الآية قلصت يده ( أي لم تستطع أن تتحرك يده ) فقال أرفعوا عني الطعام فرفعوه فأصبح في اليوم الثاني صائما فجيء له الطعام فتذكر الآية فقلصت يده فقال احملوا عني الطعام وفي اليوم الثالث أصبح صائًما فقدم له طعام الإفطار فتذكر الآية فقلصت يده فما كان منهم إلا لما رأوه أشرف على الهلاك إلا أن ذهبوا إلى أبي حازم صاحبه وبعض الزهاد وقالوا أدركوا أبانا فقد أشرف على الهلاك وكاد أن يهلك نفسه فجائوا إليه وأرغموه على أن يشرب شربة لبن ، لأنه سمع آيه صام عن الطعام والشراب ثلاثة أيام.عوتب يزيد بن الرقاشى على كثرة بكائه ، وقيل له : لو كانت النار خُلِقتْ لك ما زدت على هذا ؟! قال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن و الإنس ؟ الم تقرأ قوله تعالى :[ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ][الرحمن : 31]ألم تقرأ[يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) ] [الرحمن : 35] فسقط مغشيا عليه فحركه فإذا به قد مات ، وحين سئل عطاء السليمي: ما هذا الحزن ؟ قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي ، وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي . وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته : ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد .
* إبكي على نفسك إذا سمعت ىالقرآن ولم يتحرك قلبك هذا القرآن الذي قال عنه الله [ َلوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ] [الحشر : 21] هذا عن جبل ( حجارة ) فهل قلوبنا أقسى من الحجارة وأصلب قال تعالى :[ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ][الزمر : 23]، عن سمير الرياحي عن أبيه قال شرب عبد الله بن عمر ماءًا باردًا فبكى فاشتد بكاءه فقيل له ما يبكيك فقال تذكرت آية في كتاب الله عز وجل [وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ] فعرفت أن أهل النار لا يطلبون شيئا شهوتهم الماء وقد الله عز وجل [أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ] [الأعراف : 50] ، منصور بن المعتمد نزل يوما إلى إحدى الديار فسمع رجلا يقرأ القرآن ويتضرع إلى الله عز وجل ويقول ما عصيتك متعمدًا ولكن عن جهل وطغيان فقال قلت أقرأ عليه آية من كتاب الله فقرأت قوله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ] [التحريم : 6] قال فسمعت صوت ضجة كأن شخصًا سقط قال ثم ذهبت وفي اليوم التالي مررت على أهل هذه الدار فرأيت جنازة ورأيت امرأة عجوزًا فقلت لها يا أماه ما الخبر فقالت إن ولدي كان يقوم الليل كله ويتضرع إلى الله عز وجل في السحر فمر عليه رجلٌ لا سامحه الله فقرأ عليه آية من كتاب الله فما طاقها فغشي عليه حتى مات ، سمع آيه فمات ، علي بن الفضيل بن عياض الذي كان يلقب بقتيل القرآن كان أبوه إذا رأه يصلي خلفه لا يقرأ بآيات الدواهي ( آيات العذاب ) وكانت أم علي تقول للفضيل ارحم علي فإن قرأتك قد قطعت كبده وفي يومٍ من الأيام صلى خلف أبيه ولم يدر أبوه بحاله فقرأ الوالد قوله تعالى [أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) ] حتى وصل إلى [لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ] سورة التكاثر فسقط مغشيا علىه وما أفاق حتى نصف الليل ، هل تعلمون ما الذي أمات العليّ بن الفضيل ؟ ما الذي أهلكه ؟ كان يصلي يوما خلف أبوه وأبوه لا يدري بحاله فكان يقرأ سورة الصافات فبلغ قول الحق جل جلاله [احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24) ] [الصافات : 22 - 24] سمع الآية فما أطاق وصلت من أذنيه إلى قلبه فتفتت القلب وتفتت الجوارح فمات ، أنت لم تحس الآية أنت غير مستشعر لها ولكن يوم القيامة ستستشعر هذا الموقف عندما تقف أما الملك ، هذا الملك الذي عصيته كثيرًا كثيرًا ، وسترك كثيرًا كثيرًا وما هتك سترك ، كنت تخاف الناس وما كنت تخافه ، كنت تستحي من الناس وما كنت تستحي منه [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)] فما أحوجنا في مضان أن تتحرك القلوب بالقرآن وأن تتحرك القلوب للقرآن وإلا إذا دخل رمضان ولم تدمع عينك ولم يتحرك جوارحك فعلم أنه لا قلب لك بل يخشى أن يكون هذا مكر من الله بك ، محمد بن المندثر صلى يومًا وظل يبكي حتى الصباح فجاءه أولاده وقالوا يا أبتاه ما الذي يبكيك قال تذكرت آية من كتاب الله قالوا ما هي قال لا وظل يبكي والبكاء لا ينقطع والدموع تنهر فذهبوا إلى أحد أصحابه أبي حازم الزاهد فلما جاءوا بأبي حازم إلى محمد بن المندثر قال يا محمد ما الذي يبكيك ؟ قال أبكتني آية من كتاب الله تعالى قال وآي آية هذه قال قوله تعالى : [وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48)] [الزمر : 47- 48] فما كان من أبي حازم إلا ظل يبكي مع ابن المندثر فدخل أولاد محمد عليهما فقالوا لأبي حازم جئنا بك لتسكته فوجدناك تبكي معه [ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ] فطاعات كثيرة جدًا أنت تعرف أنها ستنفعك ثم تأتي يوم القيامة وتجد هذه الأعمال قد خالطها عجب ورياء ونفاق وما إلى ذلك فتجد أعمالك التي تعبت فيها كلها اصحبت هباءًا منثورًا ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً » . قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ . قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا » . تحفة 2095 رواه ابن ماجه تحقيق الألباني : (صحيح) نسأل الله العظيم أن يسدل علينا ستره في الدنيا والآخرة وفي الختام نذكرك بهذا الحديث لعله يكون الأمل لنا ومحركًا لنا نحو هذه العبادة ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » . رواه الترمذي وقال الترمذي : حديث حسن ، قال الشيخ الألباني : صحيح