tamer.page.tl
  اللقاء المرتقب
 

اللقاء المرتقب

هذا هو اللقاء الثاني والثلاثون في سلسلة الدار الآخرة، هذه الدار التي يعيننا ذكرها على العيش في الدنيا وتحمل بلاياها وفتنها رجاء متع الآخرة ورغدها، ونسأل الله أن نكون من السعداء الذين يدنيهم ربنا منه يوم القيامة ليكونوا في كنفه وستره

وهذه الحلقة من أهم حلقات الدار الآخرة، ومن أنفعها للقلب العليل ،لأنها متعلقة بلقاء الرب الجليل، إنه الأخذ الى الله، والوقوف بين يديه، وعرض أعمالك كلها عليه

ستقف أمام الله وحدك ،وستحاسب على كل أعمالك، وستلقى ربا غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ترى كيف سيكون حالك؟ وماذا ستصنع؟ وكيف ستنجو من شدائد هذا اللقاء؟ هذا ما سنعرضه في حديث اليوم تحت عنوان "اللقاء المرتقب" إنه أهم لقاء في حياتك، والحديث عن هذا اللقاء يتلخص في ثلاث نقاط

1-   حرقة القلوب خوفا من العرض على علام الغيوب

2-   شدائد العرض على الله

3-   وعند الله تجتمع الخصوم

أما عن الأول: فإنها حرقة القلوب خوفا من العرض على علام الغيوب، فلقد كان أعظم ما يؤرق سلفنا الصالح هو هذا الموقف، ووالله إنه لجدير بتحريك قلب كل من كان له قلب

!    حكى أن قومًا وقفوا بعابدٍ وَهُوَ يبكي فَقَالُوا : ما الَّذِي يبكيك يرَحِمَكَ اللهُ قَالَ : قرحة يجدها الخائفون فِي قُلُوبهمْ قَالُوا : وما هي ؟ قَالَ : روعة النداء بالعرض على الله عز وجل

!    وكيف لا والأنبياء يرتعدون خوفا منه، ولا يستطيع أحد حتى أن يكلم ربه في الناس لما يرى من شدة الموقف بين يديه، ولا يقدر عليه إلا رسول اللهr، وذلك في حديث الشفاعة ،وفيه"...فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ ائْتُوا آدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ : يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ إِنَّ رَبِّى غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِى عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى الأَرْضِ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِى دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِى نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَrفَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُوسَىrفَيَأْتُونَ مُوسَىr فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَىr إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّى قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى عِيسَىrفَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَلِمَةٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَىr إِنَّ رَبِّى قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ - وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا - نَفْسِى نَفْسِى اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِى اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍr فَيَأْتُونِّى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ وَيُلْهِمُنِى مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِى ثُمَّ يُقَالُ:يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ اشْفَعْ تُشَفَّعْ.. "([1])

!    هذا الذي جعل ابن عمر يبكي حتى يبل لحيته فعن عبد الله بن عبيد بن عمير أن أباه كان يقص لابن الزبير وابن عمر قاعد ناحية فقرأ"لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا" فبكى ابن عمر حتى لثق جيبه من دموعه وابتلت لحيته

!    هذا الذي كان يرعب عمر بن عبد العزيز حتى يغشى عليه، فقد ذكر صاحب الاحياء أن مولاة لعمر بن عبد العزيز دخلت عليه فسلمت ثم قامت إلى مسجد في بيته فصلت فيه ركعتين وغلبتها عيناها فرقدت فاستبكت في منامها ثم انتبهت فقالت يا أمير المؤمنين إني والله رأيت عجبا قال وما ذلك قالت رأيت النار وهي تزفر على أهلها ثم جئ بالصراط ووضع على متنها فقال هيه قالت فجئ بعبد الملك بن مروان فحمل عليه فما مضى عليه إلا يسير حتى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنم فقال عمر هيه قالت ثم جئ بالوليد بن عبد الملك فحمل عليه فما مضى عليه إلا يسيرا حتى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنم فقال عمر هيه قالت ثم جئ بسليمان بن عبد الملك فما مضى عليه إلا يسيرا حتى انكفأ به الصراط فهوى كذلك فقال عمر هيه قالت ثم جئ بك والله يا أمير المؤمنين فصاح عمر رحمه الله عليه صيحة خر مغشيا عليه فقامت إليه فجعلت تنادي في أذنه يا أمير المؤمنين إني رأيتك والله قد نجوت إني رأيتك والله قد نجوت قال وهي تنادي وهو يصيح ويفحص برجليه"([2])

!    وعن مولىً له أيضا قال "استيقظ ذات ليلة باكيا فلم يزل يبكي حتى استيقظت قال وكنت أبيت معه فربما منعني النوم كثرة بكائه قال فأكثر ليلتئذ البكاء جدا فلما أصبح دعاني فقال أي بني ليس الخير أن يسمع لك ويطاع إنما الخير أن تكون قد عقلت عن ربك ثم أطعته يا بني لا تأذن اليوم لأحد علي حتى أصبح ويرتفع النهار فإني أخاف أن لا أعقل عن الناس و لا يفهمون عني فقلت بأبي أنت يا أمير المؤمنين رأيتك الليلة بكيت بكاء ما رأيتك بكيت مثله قال فبكى ثم بكى ثم قال يا بني إني والله ذكرت الموقف بين يدي الله قال ثم غشي عليه فلم يفق حتى علا النهار  فما رأيته بعد ذلك مبتسما حتى مات"([3])

!    وعن مقاتل بن حيان قال صليت خلف عمر بن عبد العزيز فقرأ { وقفوهم إنهم مسؤولون } فجعل يكررها لا يستطيع أن يجاوزها يعني من البكاء([4])

!    هذا الذي جعل عتبة الغلام يموت خوفا من العرض على الملك العلام، فعن مسلمة بن عرفجة العنبرى قال سمعت عنبسة الخواص يقول كان عتبة الغلام يزورنى فربما بات عندى،وذات ليلة قام من السحر فبكى بكاءا شديدا فلما أصبح قلت له قد فزعت قلبى الليلة ببكائك فمم ذاك ياأخى قال يا عنبسة إنى والله ذكرت يوم العرض على الله ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما قال ثم أزبد وجعل يخور فناديته عتبة عتبة فأجابنى بصوت خفى قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين قال ثم جعل يحشرج بالبكاء ويردد حشرجة الموت ويقول تراك مولاى تعذب محبيك وأنت الحي الكريم فلم يزل يرددها حتى أبكانى"([5])

!    وأسألك بالله أن تستمع الى هذه القصة لترى كيف تكون القلوب حين تستشعر العرض على علام الغيوب، فقد حكي أن لصا دخل بيت أحد السلف ليلاً ليسرقه فنظر في البيت يميناً وشمالاً فلم يجد غير ابريق فلما همّ بالخروج قال له ذلك الشيخ: يا هذا إن كنت من الأذكياء فلا تخرج بلا شيء، فقال: إني لم أجد شيئا فقال له يا مسكين توضأ بهذا الإبريق وادخل إلى هذه الغرفة وصلِّ ركعتين فإنك لا تخرج بلا شيء، ففعل ذلك خوفاً، فلما قام يصلي رفع هذا العبد الصالح طرفه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي ، لقد أتى عبدك هذا الى بابي فلم يجد عندي شيئا وقد أوقفته ببابك فلا تحرمه من فضلك وثوابك، فلما فرغ اللص من صلاة الركعتين، لذت له الصلاة فما برح يصلي إلى آخر الليل فلما كان وقت السحر دخل عليه الشيخ فوجده ساجداً وهو يناجي ربه بقوله

إذا ما قال لي ربي *** أما استحييت تعصيني

وتخفي الذنب عن خلقي *** وبالعصيان تأتيني

فما قولي له لما *** يعاتبني ويقصيني

وأخذ يبكي بكاءا شديدا حتى بلَّ الأرض، فلما انتهى من صلاته قال له الشيخ : كيف حال ليلتك؟ فقال: خير ليلة مرَّت علي منذ ولدت ، لقد وقفت على باب ربي بذلُّي وفقري فجبر كسري وقبل عذري وغفر لي الذنوب وبلغني المطلوب ثم خرج هائماً على وجهه ،فرفع الشيخ طرفه الى السماء باكيا وقال: سيدي ومولاي هذا وقف ببابك ساعة فقبلته وأنا منذ عرفتك بين يديك أتراك تقبلني؟

يا واحدا صمدا بغير قرين *** ارحم ضراعة عبدك المسكين

واعطف علي إذا وقفت مروعا *** حيران بين يديك يوم الدين

يا حسرتي بين العباد إذا همو *** خافوا الحساب فخف عنهم دوني

ما حيليتي في يوم نشر صحيفتي *** إذ قيل لي خذها بغير يمين

ما حيلتي عند الحساب وهوله *** إذ قصرت بي قوتي ويقيني

لا حيلة عندي ولا لي موئل *** إن خانني طمعي وحسن ظنوني

يا رب لا تترك عبيدك هالكا *** وارحم بفضلك عبرتي وشجوني

ç    وبعد ما رأيت من حرقة القلوب خوفا من العرض على علام الغيوب، استمع الى بعض شدائد هذا الموقف لتعلم أن الموت خوفا وحياءا من الله تعالى أهون من حرقة هذا اللقاء، وهذه أهم شدائد العرض على الله

1-   أحوال الموقف

!    فالشمس فوق الرؤوس

!    والزحام شديد من لدن آدم الى أن تقوم الساعة

!    والوحوش والطيور والحشرات والدوابُّ كلها محشورة

!    والبحار والأنهار أوقدت ناراً وتفجرت في أرض المحشر

!    والشمس والنجوم والكون كله يموج موج البحر

!    والعطش والجوع يقرض الأجساد قرضاً

!    وتظل في هذا الموقف وهذه الشدائد خمسين ألف سنة

!  قال الله"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"([6])

2-   نقف بين يديه حفاة عراة غرلا

وبينما أنت في هذه الشدائد إذ ينادى بك للعرض على الجبار فتؤخذ إليه حافيا عاريا كما أخرجك من بطن أمك ،الواحد منا لا يستطيع أن يكون بهذا المنظر أمام ابنه ، فكيف ستقف بين يدي الله كذلك ، قال الله" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا"([7]) وفي الحديث ينادي الملك"أيها الأعضاء المتهشمة، والعظام البالية، والأجسام المتفرقة، والجلود المتمزقة، والأوصال المتقطعة، والشعور المتطايرة قوموا إلى العرض على اللهUفتخرج أرواحهم حينئذ من ثقب الصور ولها دوي كدوي النحل ورب العزة يقول: وعزتي وجلالي لأعيدنكم كما خلقتكم أول مرة فلا تخطئ روح صاحبها فيعيدهم كما بدأهم"([8])

3-   وهذه صورة أخذك إلى ربك

فبينما أنت فى كرب القيامة وعرقها وشدة عظائمها حافيا عاريا حإسراً وقد نودي عليك للوقوف بين يدي الجبار فنزلت ملائكة من السماء بأجسام عظام وأشخاص ضخام غلاظ شداد أمروا أن يأخذوا بنواصى المجرمين إلى موقف العرض على الجبار فما ظنك بنفسك إذا شاهدت مثلا هؤلاء الملائكة أرسلوا إليك ليأخذوك إلى مقام العرض وتراهم على عظم أشخاصهم منكسرين لشدة اليوم مستشعرين مما بدا من غضب الجبار على عباده وعند نزولهم لا يبقى نبى ولا صديق ولا صالح إلا ويخرون لأذقانهم خوفا من أن يكونوا هم المأخوذين فهذا حال المقربين فما ظنك بالعصاة المجرمين وعند ذلك يبادر اقوام من شدة الفزع فيقولون للملائكة أفيكم ربنا وذلك لعظم موكبهم وشدة هيبتهم فتفزع الملائكة من سؤالهم إجلالا لخالقهم عن أن يكون فيهم فنادوا بأصواتهم منزهين لمليكهم عما توهمه أهل الأرض وقالوا سبحان ربنا ما هو فينا ولكنه آت من بعد وعند ذلك تقوم الملائكة صفا محدقين بالخلائق من الجوانب وعلى جميعهم شعار الذل والخضوع وهيئة الخوف والمهابة لشدة اليوم ثم تقبل الملائكة فينادون واحدا واحدا يا فلان بن فلانة هلم إلى موقف العرض وعند ذلك ترتعد الفرائص وتضطرب الجوارح وتبهت العقول ويتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار ولا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار ولا يكشف سترهم على ملأ الخلائق([9])

4-   وأشرقت الأرض بنور ربها

وقبل الابتداء بالسؤال يظهر نور العرش "وأشرقت الأرض بنور ربها"وأيقن كل عبد بإقبال الجبار لمساءلة العباد وظن كل واحد أنه المأخوذ بالأخذ والسؤال دون من عداه فيقول الجبار سبحانه وتعالى عند ذلك يا جبريل ائتى بالنار فيجىء لها جبريل ويقول يا جهنم أجيبي خالقك ومليكك فيصادفها جبريل على غيظها وغضبها فلم يلبث بعد ندائها أن ثارت وفارت وزفرت إلى الخلائق وشهقت وسمع الخلائق تغيظها وزفيرها وانتهضت خزنتها متوثبة إلى الخلائق غضبا على من عصى الله تعالى وخالف أمره فأخطر ببالك وأحضر فى قلبك حالة قلوب العباد وقد امتلأت فزعا ورعبا فتساقطوا جثيا على الركب وولوا مدبرين يوم ترى كل أمة جاثية وسقط بعضهم على الوجوه منكبين وينادى العصاة والظالمون بالويل والثبور وينادى الصديقون نفسى نفسى فبينما هم كذلك إذ زفرت الناس زفرتها الثانية فتضاعف خوفهم وتخاذلت قواهم وظنوا أنهم مأخوذون ثم زفرت الثالثة فتساقط الخلائق على وجوههم وشخصوا بأبصارهم ينظرون من طرف خفى خاشع وانهضمت عند ذلك قلوب الظالمين فبلغت الحناجر كاظمين وذهلت العقول من السعداء والأشقياء أجمعين"([10]) قال الله"يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ"([11])

5-   وها هو الجبار على عرشه

!      قال الله "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ

عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ" [سورة الحاقة]

!      عن جابر قال: قال رسول اللهr "أذنَ لي أن أحدثكم عن ملك من حَمَلة العرش، بُعْدُ ما بين شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام"([12])

6-   وها هي المواجهة

!    إنك تقف الآن بين يدي ربك، إنك الآن في مواجهة الملك، تنظر اليه وينظر اليك ،وتكلمه ويكلمك، وليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان، والله لو أن لك الدنيا كلها لافتديت بها من حياء الوقوف بين يدي الله ،وصدقت إحدى الصالحات ،فقد كانت تبكي بكاءاً أذهب عينيها فسئلت في ذلك فقالت :لو عصيت آدميا لاستحييت أن ألقاه فكيف وقد عصيت مالك الملك وملك الملوك"([13])

!    قل لي بربك كيف ستلقاه بظلمك، كيف ستلقاه بكذبك ، بنظرك للحرام، بزناك، بلواطك، بتدخينك ، بالعادة السرية، بالتبرج، بالغيبة، بالربا والرشوة وأموال الباطل......الخ

!    عن عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّr مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قدَّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"([14])

7-   كل نفس تجادل عن نفسها

!    ثم تنظر وأنت بين يدي ربك يمنة ويسرة ،لعلك تجد ابنا حبيبا أو والدا قريبا أو صديقا حميما فلا تجد أحداً غيرك، ولن يتحدث عنك إلاك، لا يوجد هناك محامٍ مخضرم يخرجك من القضية كما تخرج الشعرة من العجين، ولا توجد وساطات ومحسوبات باطلة تطلق سراحك من هذه الجرائم التي ارتكبتها، بل الأدهى من ذلك أن تجد كل من حولك يتخلى عنك ويفر منك!!!

!    قال الله" يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"([15])

!    وقال سبحانه" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ"([16]) يقول عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه، أيّ بعل كنتُ لك؟ فتقول: نعم البعل كنتَ! وتثنى بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلبُ إليك اليومَ حسنًة واحدًة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين. فتقول له : ما أيسر ما طلبتَ، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف. قال: وإن الرجل ليلقي ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني، أيّ والد كنتُ لك؟ فيثني بخير. فيقولُ له: يا بني، إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول ولده: يا أبت، ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا"([17])

!    قيل لإبراهيم بن أدهم، يا إبراهيم : كيف وجدت الزهد فى الدنيا ؟!فقال إبراهيم : بثلاثة أشياء ، قيل : وما هى ؟!قال إبراهيم : رأيت القبر موحشاً وليس معى مؤنس، ورأيت الطريق طويلاً وليس معى زاد، ورأيت جبار السموات والأرض قاضياً وليس معى من يدافع عنى

8-   ووضع الكتاب

!    وعندها يخرج كتاب عملك، فتنظر فيه فلا تراه يغادر شيئا من قبيح فعلك وفظيع قولك وسيء حالك،وأنت واقف بين يدي ربك" بقلب خافق محزون، وجل مرعوب، وطرف خائف، خاشع ذليل ،ولون متغير ،وجوارح مرتعدة مضطربة ، ترتعد بيدك صحيفة محبَّرة لا تغادر بليَّة كسبتَها ولا مخبأة أسررتها ، فقرأت ما فيها بلسان كليل وحجة داحضة وقلب منكسر ، فكم لك من حياء وخجل وجبن من المولى الذي لم يزل إليك محسناً، وعليك ساتراً، فبأي قدم تقف غداً بين يديه، وبأي نظر تنظر إليه، وبأي قلب تحتمل كلامه العظيم الجليل ومساءلته وتوبيخه ،وبأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك وعظيم جرمك؟!!فكم من بلية قد نسيتَها قد ذكَّركها ؟ وكم من سريرة قد كنتَ كتمتها قد أظهرها وأبداها ؟ وكم من عمل قد ظننتَ أنه قد خلص لك وسلم بالغفلة منك إلى ميل الهوى عما يفسده قد رده في ذلك الموقف عليك وأحبطه بعد ما كان تأملك فيه عظيماً ؟ فيا حسرات قلبك وتأسفك على ما فرطتَ في طاعة ربك ، وقد أبان عن مخالفتك إياه، وقلة هيبتك له، وحيائك منه، ومبارزتك له، فما ظنك بتذكيره إياك مخالفته وقلة اكتراثك في الدنيا بالطاعة له، ونظرك إليه إذ يقول : يا عبدي ، أما أجللتني، أما استحييت مني، استخففت بنظري إليك، ألم أحسن إليك، ألم أنعم عليك، ما غرك مني، شبابك فيم أبليته، وعمرك فيم أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته، وعملك ماذا عملت فيه ؟ عن ابن مسعود أنه بدأ باليمين ، فقال ( والله ما منكم من أحد إلا سيخلو به الله عز وجل كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، ثم يقول : يا ابن آدم ما غرك بي ، يا ابن آدم ما عملت لي ، يا ابن آدم ما استحييت مني ، يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ، يا ابن آدم ألم أكن رقيباً على عينيك وأنت تنظر بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على أذنيك وأنت تستمع بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على لسانك وأنت تنطق بما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على يديك وأنت تبطش بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على رجليك وأنت تمشى بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على قلبك وأنت تهم بما لا يحل لك ؟ أم أنكرت قربي منك وقدرتي عليك ؟!!!([18])

!    قال الله"وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا([19])

9-   كثرة الشهود عليك

ومع كل هذه الشدائد، وأنت تبحث عن مخرج، فتجد الأمور كلها قد اجتمعت عليك، فأنت بين يدي جبار السماوات والأرض الذي غضب في هذا اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وذلك مع ذُلِّك وفقرك، وقد تخلَّى كل من حولك عنك، ثم خرج لك كتاب عملك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ويزيد الأمر شدة بكثرة الشهود عليك بما عملت!!!

كم من الناس يظهر أنه على الحق وهو على الباطل، وكم من الناس يظهر الكذب في صورة الصدق، والجريمة في صورة الفضيلة، ويحسب أنه استطاع اقناع الرأي العام بصوابه وصدقه

استفق يا جاهل، واحذر يا مغرور، فإن كل أعمالك تسجل عليك لحظة بلحظة، وتأتي القيامة لتجد كثيراً من شهود الاثبات على جرائمك التي اقترفتها وغدراتك التي ارتكبتها، وخلواتك التي بارزت فيها ربك بالمعاصي، وها هم الشهود على كل أعمالك:

1-   أعظم الشاهدين الله رب العالمين

وهو أول من يشهد عليك بما رآه منك وتجرأت عليه، وما أحصاه عليك ونسيته قال الله"يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ([20])

2- رسول اللهr

!        فتتبجح مع ربك، وتنكر فعلك وجرمك،فيقول لك أما ترضى برسولك ونبيكr شهيدا عليك،فتفرح وتظن أنه سيحابيك أو سيجاملك، أو أن أعمالك ستخفى عليه، مسكين!!! فأعمالك كلها بل أعمال أمته كلها صغيرها وكبيرها يعرض عليه وهو في قبرهr

!        عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِr« اقْرَأْ عَلَىَّ الْقُرْآنَ» قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ « إِنِّى أَشْتَهِى أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى » فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا) رَفَعْتُ رَأْسِى أَوْ غَمَزَنِى رَجُلٌ إِلَى جَنْبِى فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ"([21])

3- شهادة الملائكة

وتزيد في فجورك وغيك، وتقول يا رب كيف يكون رسول الله شاهدا علي وقد مات، أنا أريد شاهدا علي رأى هذا الفعل مني، فيأذن الله لملائكته بالشهادة، هؤلاء الملائكة الذين عاشوا معك وما فارقوك لحظة، بل إن وظيفتهم الوحيدة هي إحصاء أعمالك عليك، قال الله" يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ([22])

4- شهادة الأرض

ويزيد ربنا تبارك وتعالى الشهود على بني آدم حتى لا يكون لأحد عذر، فتشهد الأرض نفسها بكل ما كان يعمل عليها من خير أو شر ولك أن تتخيل ذلك من كل مكان عصيت الله فيه أو زينته بطاعة، فعن أَبي هريرة قَالَ : قرأ رَسُول اللهr "يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا" ثُمَّ قَالَ: « أتَدْرونَ مَا أخْبَارهَا »؟ قالوا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ  قَالَ:« فإنَّ أخْبَارَهَا أنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أمَةٍ بما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ: عَملْتَ كَذَا وكَذَا في يَومِ كَذَا وكَذَا فَهذِهِ أخْبَارُهَا »([23])

5- شهادة المال الحرام

فكل جنيه اكتسبته بغير حق، وكل مال أخذته ظلما أو باطلاً أو حراما يأتي يوم القيامة ليشهد عليك أمام الله،فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِr عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ« إِنَّمَا أَخَافُ وَعَلَيْكُمَ بَعْدِى مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا » فَقَالَ رَجُلٌ: أَوَيَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِىَّr وَلاَ يُكَلِّمُكَ وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ يَمْسَحُ عَنِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ أَيْنَ السَّائِلُ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ فَقَالَ« إِنَّهُ لاَ يَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُ إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرِ فَإِنَّهَا أَكَلَتْ حَتَّى امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَبَالَتْ وَثَلَطَتْ وَأَرْتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ وَنِعْمَ مَالُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَالَّذِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِr وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ([24])

يقول الامام النووي" ومعناه أن هذا الذي يحصل لكم من زهرة الدنيا ليس بخير وانما هو فتنة وتقديره الخير لا يأتى الا بخير ولكن ليست هذه الزهرة بخير لما تؤدى إليه من الفتنة والمنافسة والاشتغال بها عن كمال الاقبال على الآخرة ثم ضرب لذلك مثلا فقالrان كل ما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم الا آكلة الخضر إلى آخره ومعناه أن نبات الربيع وخضرة يقتل حبطا بالتخمة لكثرة الأكل أو يقارب القتل الا اذا اقتصر منه على اليسير الذي تدعو إليه الحاجة وتحصل به الكفاية المقتصدة فانه لا يضر وهكذا المال هو كنبات الربيع مستحسن تطلبه النفوس وتميل إليه فمنهم من يستكثر منه ويستغرق فيه غير صارف له في وجوهه فهذا يهلكه أو يقارب أهلاكه ومنهم من يقتصد فيه فلا يأخذ الا يسيرا وان أخذ كثيرا فرقه في وجوهه كما تثلطه الدابة فهذا لا يضره"([25])

6- شهادة أعضائك

وهناك صنف من الناس – وهم المنافقون – لا يعترفون بهذه الشهادات، بل ويجادلون الله فيها، فيشهد الله عليهم أعضاءهم وجوارحهم ،ولله ما أعجبه من موقف،وما أقبحه من تبجح!!!

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِr فَضَحِكَ فَقَالَ« هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ» قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ« مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِى مِنَ الظُّلْمِ قَالَ يَقُولُ بَلَى قَالَ فَيَقُولُ فَإِنِّى لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِى إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّى قَالَ فَيَقُولُ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا - قَالَ - فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ انْطِقِى قَالَ فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ - قَالَ - ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ - قَالَ - فَيَقُولُ بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ»([26])

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ« هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِى الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِى سَحَابَةٍ » قَالُوا لاَ قَالَ « فَهَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِى سَحَابَةٍ »قَالُوا لاَ قَالَ « فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا - قَالَ - فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ أَىْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَيَقُولُ بَلَى قَالَ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِىَّ فَيَقُولُ لاَ فَيَقُولُ فَإِنِّى أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِى ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِىَ فَيَقُولُ أَىْ فُلْ أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فَيَقُولُ بَلَى أَىْ رَبِّ فَيَقُولُ أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِىَّ فَيَقُولُ لاَ فَيَقُولُ فَإِنِّى أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِى. ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِى بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُولُ هَا هُنَا إِذًا - قَالَ - ثُمَّ يُقَالُ لَهُ الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ وَيَتَفَكَّرُ فِى نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِى يَشْهَدُ عَلَىَّ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ انْطِقِى فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ وَذَلِكَ الَّذِى يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ"([27])

7-   أئمة الصلاح والتقى

وهنا يحاول العبد أن يبرر لجرمه كما كان يفعل في الدنيا، فيقول : يا رب لقد شغلتني عنك دنياي ومنصبي، أو غرني بك شبابي، أو شغلني فقري وبحثي عن الرزق وسبل المعاش، أو أقعدني عنك البلاء والمرض، وعندها يخرج الله تعالى شاهدا لكل واحد من هؤلاء كان أشد منه حالاً غير أنه لم يعرض عن ربه تعالى، ففي الأثر "أن أربعة يستشهد عليهم بأربعة

!        ينادى بالأغنياء وأهل الغبطة فيقال لهم: ما شغلكم عن عبادة الله؟ فيقولون: أعطانا الله ملكاً وغبطة شغلنا عن القيام بحقه في دار الدنيا فيقال لهم: من أعظم ملكاً: أنتم أم سليمانu؟ فيقولون: بل سليمانu فيقال: ما شغله ذلك عن القيام بحق الله والدأب في ذكره

!        ثم يقال:أين أهل البلاء؟فيؤتى بهم أنواعاً فيقال لهم:أي شيء شغلكم عن عبادة الله تعالى؟ فيقولون:

ابتلانا الله في دار الدنيا بأنواع من الآفات والعاهات شغلتنا عن ذكره والقيام بحقه فيقال لهم : من

أشد بلاء:أنتم أم أيوبu ؟ فيقولون بل أيوبuفيقال لهم:ما شغله ذلك عن حقنا والدأب لذكرنا

!        ثم ينادي:أين الشباب العطرة والمماليك فتقول الشباب: أعطانا الله جمالاً وحسناً فتناً به فكنا مشغولين عن القيام بحقه وكذلك المماليك فيقولون: شغلنا رق العبودية في الدنيا فيقال لهم: أنتم أكثر جمالاً أم يوسفu فلقد كان في رق العبودية ما شغله ذلك عن القيام بحقنا ولا الدأب لذكرنا

!        ثم ينادي :أين الفقراء؟ فيؤتى بهم أنواعاً فيقال لهم: ما شغلكم عن عبادة الله تعالى؟ فيقولون: ابتلانا الله في دار الدنيا بفقر شغلنا فيقال لهم: من أشد فقراً أنتم أم عيسىu؟ فيقولون: بل عيسى فيقول لهم:ما شغله ذلك عن القيام بحقنا والدأب لذكرنا،فمن بلى بشيء من هذه الأربع فليذكر صاحبه([28])

ç وبعد فهذه بعض شدائد العرض على الله تعالى، وتبقى رسالة أخيرة لكل ظالم، ولكل متكبر جبار

!    إلى الذين يتجبرون بقوتهم وينسون قوة الله تعالى وجبروته

!    الى الذين يفتنون المسلمين والمسلمات ويحاربون دين رب الأرض والسماوات

!    الى المتجرئين على الله تعالى بمعاصيه والمجاهرين بها ليلا ونهارا

!    الى الظالمين الغاشمين والفاسدين المفسدين والمنافقين المخادعين

ليعلم الجميع : أن الله يمهل ولا يهمل، يمكن أن يؤخر عقوبته لحكمة يعلمها ، ولكن سيأتي اليوم الذي لا يجد فيه الظالمون مهربا من الله تعالى ، وعند الله تجتمع الخصوم

ç    حُكِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ حَبَسَ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ فَكَتَبَ عَلَى حَائِطِ الْحَبْسِ

أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ *** وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

إلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي *** وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ

سَتَعْلَمُ فِي الْمَعَادِ إنْ الْتَقَيْنَا *** غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ

فَأُخْبِرَ الرَّشِيدُ بِذَلِكَ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا، وَدَعَا بِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ فَاسْتَحَلَّهُ وَوَهَبَ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَطْلَقَهُ"([29])

ç    يمكن أن يكون لك في الدنيا أتباع وأشياع، يمكن أن تكون لك قوة تركن إليها،يمكن أن تكون لك قاعدة شعبية عريضة حصلت عليها بالكذب والبهتان،لكن غداً أين تذهب من الملك الديان؟!

عَنْ جَابِرٍt قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِr مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُونَا بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ ، إِذْ مَرَّتْ عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رُهْبَانِهِمْ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةٌ مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ ، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ، إِذَا وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْكُرْسِيَّ وَجُمِعَ الأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، سَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، قَالَ : يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِr: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ"([30])

ç    كيف ستلقى الله وقد ظلمت هذا وأكلت مال هذا وسفكت دم هذا وأشعت الكذب والبهتان عن هذا واغتبت هذا ،وكلهم في انتظارك يوم القيامة ،فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍt قَالَ : يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادَى بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إلَى حَقِّهِ قَالَ: فَتَفْرَحُ الْمَرْأَةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَقٌّ عَلَى ابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا ثُمَّ قَرَأَ{ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ }قَالَ فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا شَاءَ، وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا فَيُنْصَبُ الْعَبْدُ لِلنَّاسِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَصْحَابِ الْحُقُوقِ: ائْتُوا إلَى حُقُوقِكُمْ قَالَ: فَيَقُولُ الْعَبْدُ يَا رَبِّ فَنِيَتْ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُوتِيَهُمْ حُقُوقَهُمْ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: خُذُوا مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ فَأَعْطُوا كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِقَدْرِ طِلْبَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَلِيًّا لِلَّهِ وَفَضَلَ لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ضَاعَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حَتَّى يَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا شَقِيًّا وَلَمْ يَفْضُلْ لَهُ شَيْءٌ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ رَبَّنَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَبَقِيَ طَالِبُونَ،فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوا إلَى سَيِّئَاتِهِ ثُمَّ صُكُّوا بِهِ صَكًّا إلَى النَّارِ"([31])

ç    إن استطعت خداع كل الناس فلن تخدع الله، وإن خفيت حقيقتك على الدنيا كلها فلن تخفى على من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فعَنْ أَبِي ذَرٍّt قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللهِr شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، قَالَ:يَا أَبَا ذَرِّ أَتَدْرِي فِيمَا تَنْتَطِحَانِ؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي، قَالَ: لَكِنْ رَبُّكَ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"([32])

ç    ولا تستصغر ما تصنع، فإن ذرة من الظلم كفيلةٌ أن تخلد بها في النار إن أراد الله، فكيف وأنت تستهين بالدماء والأموال والأعراض بل وبدين الله تعالى وأهله من الالدعاة والعلماء، وما أفظع هذا الأثر الذي يوضح لك أن الأمر جلل، فقد جاء فيه" أن نملة مرت على صدر سيدنا سليمانu وهو نائم فلما أحس بها أخذها فألقاها فقالت يا نبي الله ما هذه السطوة أما علمت أنك تقف بين يدي ملك قاهر يأخذ للمظلوم من الظالم فغشي عليه فلما أفاق قال لها هلا تجاوزي عمن ظلمك قالت نعم بثلاثة شروط الأول: أن لا ترد سائلا،والثاني: أن لا تضحك بطرا في الدنيا،والثالث:أن لا تمنع جاهك لمن استغاث بك فأجابها لذلك فعفت عنه"([33])

ç    وأخيراً :إليك كلام العزيز الجبار، قال الله" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"



-[1] متفق عليه

-[2] إحياء علوم الدين

-[3] الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا

-[4] الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا

-[5] صفة الصفوة

-[6] سورة الحج

-[7] سورة الكهف

-[8] التذكرة للقرطبي

-[9] إحياء علوم الدين

-[10] إحياء علوم الدين

-[11] سورة المعارج

-[12] أبو داوود بسند جيد

-[13] إحياء علوم الدين

-[14] متفق عليه

-[15] سورة النحل(آية :111)

-[16] سورة عبس

-[17] تفسير ابن كثير

-[18] التوهم للحارث المحاسبي

-[19] سورة الكهف(الآية : 49)

-[20] سورة المجادلة(الآية : 6)

-[21] متفق عليه

-[22] سورة الانفطار

-[23] أخرجه الترمذي وَقالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ

-[24] متفق عليه

-[25] شرح النووي لصحيح مسلم

-[26] أخرجه مسلم

-[27] أخرجه مسلم

-[28] التذكرة للقرطبي

-[29] أدب الدنيا والدين للماوردي

-[30] رواه الطبراني والبزار وأَبُو يَعْلَى وابن حبان وابن ماجة بسند حسن

-[31] الزواجر عن اقتراف الكبائر

-[32] أخرجه أحمد وأبو يعلى

-[33] نزهة المجالس ومنتخب النفائس للصفوري

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free