البخل
أولا ما هو البخل؟
* قال الجرجانيّ في التّعريفات:
البخل: هو المنع من مال نفسه، والشّحّ هو بخل الرّجل من مال غيره.
* وقال ابن حجر في الفتح:
البخل: منع ما يطلب ممّا يقتنى، وشرّه ما كان طالبه مستحقّا ولا سيّما إن كان من غير مال المسئول «3». الفتح (10/ 457).
* وقال القرطبيّ:
البخل المذموم في الشّرع: هو امتناع (المرء) عن أداء ما أوجب اللّه تعالى عليه تفسير القرطبي (5/ 126).
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4029)
ثانيا ما الفرق بين البخل والشح؟
قال الكفويّ:
البخل هو المنع نفسه، والشّحّ هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي ذلك المنع.
وقال القرطبيّ:
اختلف في البخل والشّحّ هل هما بمعنى واحد أو معنيين؟ فقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشّحّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك، وقيل: الشّحّ هو البخل مع حرص، وهو الصّحيح لما روي عنه صلّى اللّه عليه وسلّم من قوله:«اتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلّوا محارمهم، وهذا يردّ قول من قال: إنّ البخل منع الواجب، والشّحّ منع المستحبّ، إذ لو كان الشّحّ منع المستحبّ لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، ويؤيّد ذلك ما روي عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- «.. لا يجتمع شحّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدا، وهذا يدلّ على أنّ الشّحّ أشدّ في الذّمّ من البخل «2» إلّا أنّه قد جاء في الحديث ما يدلّ على مساواتهما، وذلك قوله صلّى اللّه عليه وسلّم عندما سئل:أيكون المؤمن بخيلا؟ قال لا «3»
وقال: الفيروز آباديّ:
البخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يأمر بالبخل «4».
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4030)
ثالثا أنواع البخل:
قال الرّاغب: البخل ضربان:
أحدهما: بخل الإنسان بقنيّات نفسه «5». قنيات نفسه: أي مقتنياته.
والآخر: بخل بقنيّات غيره، وهو أكثرهما ذمّا بدليل قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (النساء/ 37) «6».
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4030)
رابعا درجات البخل
قال ابن قدامة المقدسيّ- رحمه اللّه تعالى-:
اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه وأشدّ درجات البخل: أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه، فكم من بخيل يمسك المال ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل، فكم بين من بخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة.
فالأخلاق عطايا يضعها اللّه- عزّ وجلّ- حيث يشاء «2».
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4031)
خامسا ما هو الضابط للبخل ؟ متى يقال فلان بخيل؟
قال الإمام الغزالي :
المال خلق لحكمة ومقصود وهو صلاحه لحاجات الخلق ويمكن إمساكه عن الصرف إلى ما خلق للصرف إليه ويمكن بذله بالصرف إلى ما لا يحسن الصرف إليه ويمكن التصرف فيه بالعدل وهو أن يحفظ حيث يجب الحفظ ويبذل حيث يجب البذل
فالإمساك حيث يجب البذل بخل والبذل حيث يجب الإمساك تبذير
وبينهما وسط وهو المحمود وينبغي أن يكون السخاء والجود عبارة عنه إذ لم يؤمر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بالسخاء وقد قيل له ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما فالجود وسط بين الإسراف والإقتار وبين البسط والقبض وهو أن يقدر بذله وإمساكه بقدر الواجب ولا يكفي أن يفعل ذلك بجوارحه ما لم يكن قلبه طيبا به غير منازع له فيه
فإن بذل في محل وجوب البذل ونفسه تنازعه وهو يصابرها فهو متسخ وليس بسخي بل ينبغي أن لا يكون لقلبه علاقة مع المال إلا من حيث يراد المال له وهو صرفه إلى ما يجب صرفه إليه
فإن قلت فقد صار هذا موقوفا على معرفة الواجب فما الذي يجب بذله
فأقول إن الواجب قسمان واجب بالشرع وواجب بالمروءة والعادة
والسخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة فإن منع واحدا منهما فهو بخيل ولكن الذي يمنع واجب الشرع أبخل كالذي يمنع أداء الزكاة ويمنع عياله وأهله النفقة أو يؤديها ولكنه يشق عليه فإنه بخيل بالطبع وإنما يتسخي بالتكلف أو الذي يتيمم الخبيث من ماله ولا يطيب قلبه أن يعطي من أطيب ماله أو من وسطه فهذا كله بخل
وأما واجب المروءة فهو ترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات فإن ذلك مستقبح واستقباح ذلك يختلف بالأحوال والأشخاص
فمن كثر ماله استقبح منه ما لا يستقبح من الفقير من المضايقة ويستقبح من الرجل المضايقة مع أهله وأقاربه ومماليكه ما لا يستقبح مع الأجانب ويستقبح من الجار ما لا يستقبح مع البعيد ويستقبح في الضيافة من المضايقة ما لا يستقبح في المعاملة فيختلف ذلك بما فيه من المضايقة في ضيافة أو معاملة وبما به المضايقة من طعام أو ثوب إذ يستقبح في الأطعمة ما لا يستقبح في غيرها ويستقبح في شراء الكفن مثلا أو شراء الأضحية أو شراء خبز الصدقة ما لا يستقبح في غيره من المضايقة
وكذلك بمن معه المضايقة من صديق أو أخ أو قريب أو زوجة أو ولد أو أجنبي
وبمن منه المضايقة من صبي أو امرأة أو شيخ أو شاب أو عالم أو جاهل أو موسر أو فقير
فالبخيل هو الذي يمنع حيث ينبغي أن لا يمنع إما بحكم الشرع وإما بحكم المروءة وذلك لا يمكن التنصيص على مقداره
ولعل حد البخل هو إمساك المال عن غرض ذلك الغرض هو أهم من حفظ المال فإن صيانة الدين أهم من حفظ المال فمانع الزكاة والنفقة بخيل
وصيانة المروءة أهم من حفظ المال والمضايق في الدقائق مع من لا تحسن المضايقة معه هاتك ستر المروءة لحب المال فهو بخيل
ثم تبقى درجة أخرى وهو أن يكون الرجل ممن يؤدي الواجب ويحفظ المروءة ولكن معه مال كثير قد جمعه ليس يصرفه إلى الصدقات وإلى المحتاجين فقد تقابل غرض حفظ المال ليكون له عدة على نوائب الزمان وغرض الثواب ليكون رافعا لدرجاته في الآخرة وإمساك المال عن هذا الغرض بخل عند الأكياس وليس ببخل عند عوام الخلق وذلك لأن نظر العوام مقصور على حظوظ الدنيا فيرون إمساكه لدفع نوائب الزمان مهما وربما يظهر عند العوام أيضا سمة البخل عليه إن كان في جواره محتاج فمنعه وقال قد أديت الزكاة الواجبة وليس على غيرها
إحياء علوم الدين (3/ 260)
سادسا الثمرات المرة
قال الماورديّ- رحمه اللّه تعالى-:
قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة- وإن كان ذريعة إلى كلّ مذمّة- أربعة أخلاق، ناهيك بها ذمّا وهي:
الحرص، والشّره، وسوء الظّنّ، ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة، والشّيم اللّئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول «7».
وقال ابن تيميّة- رحمه اللّه تعالى-:
إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن. ثمّ قال: ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن اللّه سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه
أبدل اللّه به من يقوم بذلك، ومن تولّى عنه بإنفاق ماله أبدل اللّه به من يقوم بذلك. فقال: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (محمد/ 38)
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4031)
1- البخل ليس من أصل الأشياء
(عن جبير بن مطعم- رضي اللّه عنه- قال: بينا أنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه النّاس مقبلا من حنين علقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأعراب يسألونه حتّى اضطرّوه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «أعطوني ردائي. فلو كان عدد هذه العضاه «4» نعما لقسمته بينكم، ثمّ لا تجدونني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا») البخاري- الفتح 6 (3148).
- بل كان يتعوذ صلى الله عليه وسلم من البخل
(عن زيد بن أرقم- رضي اللّه عنه- قال: لا أقول لكم إلّا كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول، كان يقول: «اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللّهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها») مسلم (2722).
2- وهو من السبع المهلكات
- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اجتنبوا السّبع الموبقات» قيل: يا رسول اللّه ما هي؟ قال: «الشّرك باللّه، والشّحّ، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»)* النسائي (6/ 257) وقال الألباني: صحيح (2/ 780) رقم (3432) وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين وغيرهما.
- (عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاث منجيات: خشية اللّه تعالى في السّرّ والعلانية، والعدل في الرّضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى. وثلاث مهلكات: هوى متّبع، وشحّ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه») زوائد البزار (1/ 8059). ومجمع الزوائد (1/ 91) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار وذكره الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2/ 66) ح 3039 وقال: صحيح وفي الصحيحة (4/ 412) ح 1802.
3- لا يجتمع البخل والإيمان في قلب عبدا أبدا
(عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنّم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشّحّ والإيمان في قلب عبد أبدا») النسائي (6/ 13) واللفظ له، قال الألباني: صحيح
4- من اسباب نزول البلاء
(عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: أقبل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «يا معشر المهاجرين. خمس إذا ابتليتم بهنّ «2» وأعوذ باللّه أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحشة «3» في قوم قطّ، حتّى يعلنوا بها، إلّا فشا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين «4» وشدّة المئونة وجور السّلطان عليهم؟ ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلّا منعوا القطر «5» من السّماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد اللّه وعهد رسوله، إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمّتهم بكتاب اللّه، ويتخيّروا ممّا أنزل اللّه، إلّا جعل اللّه بأسهم بينهم») ابن ماجة (4019) واللفظ له، وقال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والحاكم (4/ 540) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وذكره الألباني في الصحيحة، وقال: طريق الحاكم حسنة الإسناد والحديث ثابت حتما وعزاه لابن أبي الدنيا في العقوبات، والروياني في مسنده (1/ 167- 169) رقم (106).
5- بل هو من أهل النار
في حديث عياض بن حمار والحديث طويل قال في جزء منه وأهل الجنّة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق، ورجل رقيق القلب لكلّ ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النّار خمسة: الضّعيف الّذي لا زبر «1» له، الّذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا؛ والخائن الّذي لا يخفى له طمع وإن دقّ إلّا خانه؛ ورجل لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك». وذكر البخل أو الكذب «والشّنظير الفحّاش»)مسلم (2865).
6- وهو من صفات المنافقين
قال الله [وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)][التوبة: 75- 78 مدنية]
7- الله لا يحب البخيل كذلك الناس
قال الله [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37)][ النساء: 36- 37]
8- البخيل محروم من الدنيا مؤاخذ في الآخرة
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9 / 4044):
(قال محمود الورّاق- رحمه الله تعالى-:
تمتّع بمالك قبل الممات ... وإلّا فلا مال إن أنت متّا
شقيت به ثمّ خلّفته ... لغيرك بعدا وسحقا ومقتا
فجاد عليك بزور البكا ... وجدت له بالّذي قد جمعتا
وأعطيته كلّ ما في يديك ... وخلّاك رهنا بما قد كسبتا)
(وقال آخر: البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته).
(وقال بعض الشّعراء:
إذا كنت جمّاعا لمالك ممسكا ... فأنت عليه خازن وأمين
تؤدّيه مذموما إلى غير حامد ... فيأكله عفوا وأنت دفين)
الآداب الشرعية
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9 / 4045):
9- دليل على سوء الظن بالله
إن الله أعطى المال وأمر بإنفاقه ، ووعد صاحبه بالخلف فقال [مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] [البقرة : 245] فإن بخلت بما أعطاك الله ، فاعلم أمن هذا دليل على أنك لا تحسن الظن بالله بمن جاد عليك أولا وهو الله عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنَّ لِفُلاَنٍ فِى حَائِطِى عَذْقاً وَإِنَّهُ قَدْ آذَانِى وَشَقَّ عَلَىَّ مَكَانُ عَذْقِهِ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « بِعْنِى عَذْقَكَ الَّذِى فِى حَائِطِ فُلاَنٍ » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَهَبْهُ لِى » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَبِعْنِيهِ بِعَذْقٍ فِى الْجَنَّةِ » . قَالَ لاَ . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « مَا رَأَيْتُ الَّذِى هُوَ أَبْخَلُ مِنْكَ إِلاَّ الَّذِى يَبْخَلُ بِالسَّلاَمِ » . رواه أحمد حسن لغيره
البخل مهلك للإنسان مدمر للأخلاق
(عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش، فإنّ اللّه لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإيّاكم والشّحّ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا»، فقام رجل فقال: يا رسول اللّه أيّ الإسلام أفضل؟قال: «أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك» فقام ذاك أو آخر فقال: يا رسول اللّه أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك والهجرة هجرتان: هجرة الحاضر والبادي، فهجرة البادي: أن يجيب إذا دعي ويطيع إذا أمر، والحاضر أعظمهما بليّة وأفضلهما أجرا»)أبو داود (1698) مختصر. وأحمد (2/ 159، 160) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (9/ 251) رقم (6487) وعزاه للطيالسي والحاكم وهذا لفظ أحمد.
* (عن جرير بن عبد اللّه البجليّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه اللّه إيّاه فيبخل عليه إلّا أخرج اللّه له يوم القيامة من جهنّم حيّة يقال لها:شجاع، فيطوّق بها») الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده جيد (8/ 154)، وهو في الكبير برقم/ 2343 (2/ 322).
* (عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من رجل له مال لا يؤدّي حقّ ماله إلّا جعل له طوقا في عنقه شجاع أقرع وهو يفرّ منه وهو يتبعه، ثمّ قرأ مصداقه من كتاب اللّه- عزّ وجلّ- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (آل عمران/ 180)») النسائي (5/ 11، 12) واللفظ له وقال الألباني: صحيح (2/ 512) رقم (2289). وابن ماجة (1784).
* (عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «شرّ ما في رجل: شحّ هالع، وجبن خالع») أحمد (2/ 302، 320) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (15/ 164) رقم 7997. وابن حبان (3250).
سابعا مضحكات مبكيات
قال الإمام االغزالي
* كان بالبصرة رجل موسر بخيل فدعاه بعض جيرانه وقدم إليه طباهجة ببيض فأكل منه فأكثر وجعل يشرب الماء فانتفخ بطنه ونزل به الكرب والموت فجعل يتلوى فلما جهده الأمر وصف حاله للطبيب فقال لا بأس عليك تقيأ ما أكلت فقال هاه أتقيأ طباهجة ببيض الموت ولا ذلك
إحياء علوم الدين (3/ 256)
*كان مروان بن أبي حفصة لا يأكل اللحم بخلا حتى يقرم إليه فإذا قرم إليه أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله فقيل له
نراك لا تأكل إلا الرءوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك قال نعم الرأس أعرف سعره فآمن خيانة الغلام ولا يستطيع أن يغبنني فيه وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه إن مس عينا أو أذنا أو خدا وقفت على ذلك وآكل منه ألوانا عينه لونا وأذنه لونا ولسانه لونا وغلصمته لونا ودماغه لونا وأكفى مؤونة طبخه فقد اجتمعت لي فيه مرافق
وخرج يوما يريد الخليفة المهدي فقالت له امرأة من أهله مالي عليك إن رجعت بالجائزة فقال إن أعطيت مائة ألف أعطيتك درهما فأعطي ستين ألف فأعطاها أربعة دوانق
واشترى مرة لحما بدرهم فدعاه صديق له فرد اللحم إلى القصاب بنقصان دانق وقال أكره الإسراف
إحياء علوم الدين (3/ 257)
وكان للأعمش جار وكان لا يزال يعرض عليه المنزل ويقول لو دخلت فأكلت كسرة وملحا فيأبى عليه الأعمش فعرض عليه ذات يوم فوافق جوع الأعمش فقال سر بنا فدخل منزله فقرب إليه كسرة وملحا فجاء سائل فقال له رب المنزل بورك فيك فأعاد عليه المسألة فقال له بورك فيك فلما سأل الثالثة قال له اذهب والله وإلا خرجت إليك بالعصا قال فناداه الأعمش وقال اذهب ويحك فلا والله ما رأيت أحدا أصدق مواعيد منه هو منذ مدة يدعوني على كسرة وملح فوالله ما زادني عليهما
إحياء علوم الدين (3/ 257)
* وقيل أقبل أعرابي يطلب رجلا وبين يديه تين فغطى التين بكسائه فجلس الأعرابي فقال له الرجل هل تحسن من القرآن شيئا قال نعم فقرأ والزيتون وطور سينين فقال وأين التين قال هو تحت كسائك
إحياء علوم الدين (3/ 256)
* ودعا بعضهم أخا له ولم يطعمه شيئا فحبسه إلى العصر حتى اشتد جوعه وأخذه مثل الجنون فأخذ صاحب البيت العود وقال له بحياتي أي صوت تشتهي أن أسمعك قال صوت المقلى
* ويحكى أن محمد بن يحيى بن خالد بن برمك كان بخيلا قبيح البخل فسئل نسيب له كان يعرفه عنه فقال له قائل صف لي مائدته فقال هي فتر في فتر وصحافه منقورة من حب الخشخاش قيل فمن يحضرها قال الكرام الكاتبون قال فما يأكل معه أحد قال بلى الذباب فقال سوأتك بدت وأنت خاص به وثوبك مخرق قال أنا والله ما أقدر على إبرة أخيطه بها ولو ملك محمد بيتا من بغداد إلى النوبة مملوءا إبرا ثم جاءه جبريل وميكائيل ومعهما يعقوب النبي عليه السلام يطلبون منه إبرة ويسألونه إعارتهم إياها ليخيط بها قميص يوسف الذي قد من دبر ما فعل
* قال الجاحظ وحدّثني إبراهيم بن السندي «1» قال: كان على ربض الشاذروان «2» شيخ لنا، من أهل خراسان. وكان مصححا بعيدا من الفساد، ومن الرشا «3» ، ومن الحكم بالهوى، وكان حفيا «4» جدا، وكذلك كان في إمساكه، وفي بخله، وتدنيقه «5» في نفقاته؛ وكان لا يأكل إلا ما لا بد منه، ولا يشرب إلا ما بدا منه. غير أنه إذا كان في غداة كل جمعة حمل معه منديلا فيه جردقتان «6» ، وقطع لحم سكباج «7» مبرّد، وقطع جبن، وزيتونات، وصرة فيها ملح، وأخرى فيها أشنان «8» وأربع بيضات ليس منها بدّ، ومعه خلال. ومضى وحده، حتى يدخل بعض بساتين الكرخ «9» ، وينظر موضعا تحت شجرة، وسط خضرة، وعلى ماء جار. فاذا وجد ذلك جلس، وبسط بين يديه المنديل، وأكل من هذا مرة، ومن هذا مرّة. فإن وجد قيّم «1» ذلك البستان رمى إليه بدرهم، ثم قال: اشتر لي بهذا، أو أعطني بهذا، رطبا، (إن كان في زمان الرطب) ، أو عنبا (إن كان في زمان العنب) ويقول له: إياك إياك أن تحابيني «2» ، ولكن تجوّد لي، فإنّك إن فعلت لم آكله، ولم أعد إليك. واحذر الغبن فان المغبون لا محمود ولا مأجور» فإن أتاه به أكل كل شيء معه، وكل شيء أتي به، ثم تخلّل، وغسل يديه، ثم تمشّى مقدار مائة خطوة. ثم يضع جنبه، فينام الى وقت الجمعة. ثم ينتبه فيغتسل، ويمصي الى المسجد.
هذا كان دأبه كل جمعة!! قال إبراهيم: فبينا هو يوما من أيامه يأكل في بعض المواضع، إذ مر به رجل فسلّم عليه، فردّ السلام؛ ثم قال: «هلّم عافاك الله» . فلما نظر الى الرجل وقد انثنى راجعا، يريد أن يطفر الجدول أو يعبر النهر، قال له: «مكانك، فإنّ العجلة من عمل الشيطان» . فوقف الرجل، فأقبل عليه الخراساني وقال: «تريد ماذا» ؟ قال: «أريد أن أتغدّى» .
قال: «ولم ذاك؟ وكيف طمعت في هذا؟ ومن أباح لك مالي» ؟ قال الرجل: «أوليس قد دعوتني» ؟ قال: «ويلك، لو ظننت أنك هكذا أحمق، ما رددت عليك السلام. ايحسن فيما نحن فيه أن تكون، إذا كنت أنا الجالس وأنت المار، أن تبدأ أنت فتسلم، فأقول أنا حينئذ، مجيبا لك: «وعليكم السلام» . فإن كنت لا آكلا شيئا، سكتّ أنا، وسكتّ أنت، ومضيت أنت، وقعدت أنا على حالي. وإن كنت آكل فههنا وجه آخر، وهو إن أبدأ أنا، فأقول: «هلّم» ، وتجيب أنت فتقول:
«هنيئا» . فيكون كلام بكلام، فأما كلام بفعال، وقول بأكل، فهذا ليس من الإنصاف، وهذا يخرج علينا فضلا كبيرا. قال: فورد على الرجل شيء لم يكن في حسابه.
فشهر بذلك في تلك الناحية، وقيل له: «قد أعفينا من السلام، ومن تكلف الرد» . قال: «ما بي الى ذلك حاجة، إنما هو أن أعفي أنا نفسي من «هلّم» وقد استقام الأمر» .
البخلاء للجاحظ (1 / 48):
* قال أحدهم
إن كنت تطمع في كلامه ... فارفع يديك عن طعامه
سيّان كسر رغيفه ... أو كسر عظم من عظامه)
مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق إبراهيم الحربي (5)
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4045)
وقال آخر:
أقاموا الدّيدبان «2» على يفاع «3» ... وقالوا لا تنم للدّيدبان
إذا أبصرت شخصا من بعيد ... فصفّق بالبنان على البنان
تراهم خشية الأضياف خرسا ... يصلّون الصّلاة بلا أذان)
مقدمة إكرام الضيف لأبي اسحاق الحربي (7).
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (9/ 4045)
يُقتِّر عيسى على نفسه... وليس بباقٍ ولا خالدِ.
فلو يستطيع لتقتيره... تنفَّس من منخرٍ
واحدِ
ثامنا ما هي أسباب البخل؟
اعلم أن البخل سبب رئيسي تتفرع منه أسبا ب كثيرة هذا السبب الرئيسي هو حب المال ، والنفس افنسانية مجبولة على حب المال قال تعالى :[ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) ] [الفجر: 20] قال تعالى :[وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)][العاديات: 8] يتفرع منهما سببين وهما :
1- حب الشهوات : وهذه الشهوات لا يتوصل غليها إلا بالمال ، فهو يريد سيارة ، ويريد ان يكون في شقة فخمة من أحدث موديل فيها تحف وافضل الأثاث ، ويريد ان يسافر ويتنزه في اجمل دول العالم ، ويحب أن يلبس أحدث الموضات وهكذا الحل لهذه الموضات وغيرها لا يكون إلا عن طريق المال
a. خوفه على أولاده الإنسان بطبيعته يحب أولاده ، ويحب أن يرحل عن الدنيا وقد أمن لهم المستقبل ، لأنه يعلم أن أولاده من بعده سيحتاجون غلى التعليم وللزواج ولظروف المعيشة ، يخشى عليهم الفقر والضيعة فيكون هذا داع لأن يبخل فما عنده خوفا على أولاده
عَنْ يَعْلَى الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَسْعَيَانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَالَ: «إِنَّ الْوَلَدَ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» سنن ابن ماجه (2 / 1209): وإسناده صحيح
b. طول الأمل
فإن الإنسان لو علم أنه يموت بعد يوم أو يومين ، ربما لا يبخل بماله ، لأن القدر الذي يحتاجه من المال في يوم أو شهر أو سنة
* (دخل رجل على أبي ذرّ الغفاريّ- رضي اللّه تعالى عنه- فجعل يقلّب بصره في بيته فقال:يا أبا ذرّ! أين متاعكم؟ فقال: إنّ لنا بيتا نتوجّه إليه، فقال: «إنّه لا بدّ لك من متاع ما دمت هاهنا»، فقال:«إنّ صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا») جامع العلوم والحكم (332)
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (10/ 4863)
2- أن يحب عين المال فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره إذا اقتصر على ما جرت به عادته بنفقته وتفضل آلاف وهو شيخ بلا ولد ومعه أموال كثيرة ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة ولا بمداواة نفسه عند المرض بل صار محبا للدنانير عاشقا لها يلتذ بوجودها في يده وبقدرته عليها فيكنزها تحت الأرض وهو يعلم أنه يموت فتضيع أو يأخذها أعداؤه هذا فلا تسمح نفسه بأن يأكل أو يتصدق منها بحبة واحدة وهذا مرض للقلب عظيم عسير العلاج لا سيما في كبر السن وهو مرض مزمن لا يرجى علاجه
إحياء علوم الدين (3/ 261)
وهذه قصة (رجل تعلق قلبه بحب المال تعلقًا شديدًا، وقد بلغ من الكبر عتيًا، ليس له أحد يرثه، لا زوج ولا ولد، ولا قريب ولا حبيب، فلما حانت ساعته الأخيرة، ما كان منه إلا أن جمع ذهبه أمامه، وجعل بجواره زيتًا، ثم جعل يخاطب الذهب ويقول: يا حبيبي، يا من أفنيت فيك عمري، أموت وأتركك لغيري، لا والله، أنا أعلم أن موتي قريب، وأن مرضي خطير، ولكني سأدفنك معي، ثم جعل يأخذ دينار الذهب، ويغمسه في الزيت، ويهوي به إلى فمه ليبلعه، فإذا بلعه أصابته كحة شديدة تكاد تذهب بروحه، ثم يأخذ نفسًا ويرفع دينارًا ثانيًا، ثم يغمسه في الزيت، ويهوي به إلى فمه، وهكذا ... حتى مات من جراء ذلك)
ومثال صاحبه مثال رجل عشق شخصا فأحب رسوله لنفسه ثم نسي محبوبه واشتغل برسوله فإن الدنانير رسول يبلغ إلى الحاجات فصارت محبوبة لذلك لأن الموصل إلى اللذيذ لذيذ ثم قد تنسى الحاجات ويصير الذهب عنده كأنه محبوب في نفسه وهو غاية الضلال
إحياء علوم الدين (3/ 261)
3- سوء الظن بالله قال تعالى :[ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ][فصلت : 23] فهذا الذي يبخل بما أعطاه الله لو تمكن اليقين من قلبه ، وعلم أن الذي أفاض عليه من فضله وأعطاه المال ، هو الذي يأمر بالجود وينهى عن البخل ووعده بالخلف لسحت المال نفسه
وأخيرا العلاج
بشيئين
وإنما علاج كل علة بمضادة سببها
1- فتعالج حب الشهوات بالقناعة
* عن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رضى الله عنه - قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِى ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِى ثُمَّ قَالَ لِى « يَا حَكِيمُ ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى » . قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا . فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيماً لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، إِنِّى أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِى قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّىَ رَحِمَهُ اللَّهُ رواه البخاري ومسلم وغيرهم
* عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِى يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ . رواه مسلم
* قال أبو حامد كان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد
إحياء علوم الدين (3/ 239)
* قال الشاعر
كن بما أوتيته مقتنعا ... تقتفي عيش القنوع المكتفي
كسراج دهنه قوت له ... فإذا غرّقته فيه طفي
القناعة لابن السني (47).
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3174)
* قال آخر
اضرع إلى اللّه لا تضرع إلي النّاس ... واقنع بيأس فإنّ العزّ في الياس
واستغن عن كلّ ذي قربى وذي رحم ... إنّ الغنيّ من استغنى عن النّاس
الإحياء (4/ 213)
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3174)
2- فالصبر والمصابرة
قال تعالى :[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] [آل عمران : 200]
وقال القرطبيّ: المصابرة: في قول زيد بن أسلم:
«مصابرة الأعداء» وقال الحسن: «على الصّلوات الخمس»، وقيل: إدامة مخالفة النّفس عن شهواتها فهي تدعو وهي تنزع
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (6/ 2444)
الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل)
بصائر ذوي التمييز (3/ 378)
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (6/ 2471)
إحياء علوم الدين (3/ 262)
3- وتعالج طول الأمل
a. بكثرة ذكر الموت
* عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِى فَقَالَ « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري
* عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَّ بِقَوْمٍ يَضْحَكُونَ وَيَمْزَحُونَ فَقَالَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَعَهُ عَلَيْهِ، وَلَا ذَكَرُهُ وَهُوَ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيِّقَهُ عَلَيْهِ»[المناوى ]أخرجه الطبرانى فى الأوسط (8/256 ، رقم 8560) . قال الهيثمى (10/309) : إسناده حسن .
b. والنظر في موت الأقران وطول تعبهم في جمع المال وضياعه بعدهم قال ابن القيم في الفوائد (2/ 65)
ما مضى من الدنيا أحلام, وما بقي منها أماني والوقت ضائع بينهما.
c. وتعالج التفات القلب إلى الولد بأن خالقه خلق معه رزقه وكم من ولد ولم يرث من أبيه مالا وحاله أحسن ممن ورث وبأن يعلم أنه يجمع المال لولده يريد أن يترك ولده بخير وينقلب هو إلى شر وأن ولده إن كان تقيا صالحا فالله كافيه وإن كان فاسقا فيستعين بماله على المعصية وترجع مظلمته إليه
d. ويعالج أيضا قلبه بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذم البخل ومدح السخاء وما توعد الله به على البخل من العقاب العظيم ، فالبخيل يبغضه أولاده وزوجته وجيرانه واقرباءه بل حتى الحيوانات التي تعيش معه
e. ومن الأدوية النافعة كثرة التأمل في أحوال البخلاء ونفرة الطبع عنهم واستقباحهم له فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره ويستثقل كل بخيل من أصحابه فيعلم أنه مستثقل ومستقذر في قلوب الناس مثل سائر البخلاء في قلبه
f. ويعالج أيضا قلبه بأن يتفكر في مقاصد المال وأنه لماذا خلق ولا يحفظ من المال إلا بقدر حاجته إليه والباقي يدخره لنفسه في الآخرة بأن يحصل له ثواب بذله