tamer.page.tl
  أسئلة الإمتحان الأكبر
 

أسئلة الامتحان الأكبر

هذا هو اللقاء الخامس والثلاثون مع حضراتكم، في هذه السلسلة الماتعة، سلسلة الدار الآخرة، وكنا في اللقاء الماضي قد تعرفنا على حقيقة أكبر امتحان يواجهه الانسان، وهو امتحان العرض على الملك الديان، وتعرفنا في ذلك اللقاء أيضا على أهم القواعد التي يبنى عليها هذا الامتحان.

يتبقى بعد ذلك، جانب الخلاص والنجاة،جانب الرحمة من الله، والذي يتمثل في أنه سبحانه أعطانا تفصيلا كاملا بأسئلة هذا الامتحان،حتى ينجو منه من أراد أن ينجو،وينجح فيه من أراد أن ينجح

ç    إن قمة سعادة الطالب – خاصة طلاب الجامعة – تكون يوم أن يخبره أستاذه بأن هذه الأسئلة هي التي ستأتي في الامتحان، فيعود الطالب فرحا مسروراً ويبدأ بصياغة هذه الأسئلة ، وإعداد الاجابة النوذجية عليها حتى إذا ما دخل لجنة الامتحان دخل آمناً مطمئناًن يعرف الأسئلة ، ويحفظ جوابها، أقول لحضراتكم جميعاً : إننا في هذا العنصر سنلقن أسئلة أهم امتحان في حياتنا، إنه الامتحان الذي ستسعد به أبد الآبدين ، وتكون به من الفائزين، وأجمل ما في هذه الأسئلة أن الذي سيخبرنا بها ليس مدرسا يحسن التوقع ويمكن له أن يخطئ، وليس مدرسا جامعياً يمكن أن يعطينا أسئلة مادته ثم يخدعنا فلا يأتي بشيء منها، وإنما الذي يخبرنا بهذه الأسئلة هو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى فركز معي فيها جيدا، واكتبها بمداد الشوق ، وقلم الحرص، على ورق القلب، وأحفظها وأحسن إجابتها، وستنال بإذن الله تعالى الدرجة النهائية في هذا الامتحان، وهذه الأسئلة هي :

من الأول إلى الرابع : الأسئلة العامة

السؤال الأول : عن عمرك فيما قضيته

هذا العمر الذي هو رأس مالك، هذا العمر الذي محل نجاحك أو خسرانك، كم عمرك الآن ستون سنة ، خمسون ، أربعون، ثلاثون...في أي شيء قضيتها، في المعاصي أم في الطاعات أفنيتها.

إن أكثر أعمالنا تقضى في اللهو واللعب، تقضى في الغفلة والمعصية، ووالله الذي لا إله غيره ليس وراء تلك الغفلات الا الحسرات تلو الحسرات، إن الموتى في قبورهم لا يتحسرون على شيء إلا على زيادة في أعمالهم بتسبيحة وبركعة ومنهم من يسأل الرجعة إلى الدنيا لذلك فلا يقدرون، حقا لقد حيل بينهم وبين ما يشتهون،رؤي بعضهم في المنام فقال : ندمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وأنتم تعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا أحب إليه من الدنيا وما فيها وقال وهب : إن لله مناديا ينادي في السماء الرابعة كل صباح : أبناء الأربعين زرع دنا حصاده أبناء الخمسين ماذا قدمتم وما أخرتم أبناء الستين لا عذر لكم([1])

فيا أبناء العشرين كم مات من أقرانكم وتخلفتم،ويا أبناء الثلاثين أصبتم بالشباب على قرب من

العهد فما تأسفتم،ويا أبناء الأربعين ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم، ويا أبناء الخمسين تنصفتم المائة وما أنصفتم، يا أبناء الستين أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم أتلهون وتلعبون لقد أسرفتم,عَنِ ابْنِ شَمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ قَالَ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِى سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِr بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِr بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِنِّى قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِr مِنِّى وَلاَ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِى قَلْبِى أَتَيْتُ النَّبِىَّr فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ - قَالَ - فَقَبَضْتُ يَدِى قَالَ « مَا لَكَ يَا عَمْرُو » قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ « تَشْتَرِطُ بِمَاذَا » قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِى قَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ » وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِr وَلاَ أَجَلَّ فِى عَيْنِى مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَىَّ مِنْهُ إِجْلاَلاً لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّى لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَىَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِى مَا حَالِى فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلاَ تَصْحَبْنِى نَائِحَةٌ وَلاَ نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِى فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى"([2])

السؤال الثاني : عن شبابك فيما أبليته

والسؤال الثاني من الأسئلة العامة عن مرحلة الشباب خاصة، والشباب يبدأ من سن البلوغ في الخامسة عشرة تقريباً وحتى بداية الثلاثينات، ولكن لماذا خصَّ هذه المرحلة بالسؤال رغم أنها من العمر؟ أجاب العلماء عن ذلك : بأن هذا التخصيص لما لهذه المرحلة من الأهمية، فعليها يبنى باقي العمر، ولهذا أقول لإخواننا جميعا من الشباب إذا سلم شبابكم، سلمت باقي أعماركم، إذا مرت مرحلة الشباب بسلام، فقد فزت بخير الدنيا والآخرة، بل إن الأمة كلها لا تنهض الا بالشباب, ولا تنتصر الا بالشباب، قال الله" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" يقول ابن كثير" والفتية هم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ، الذين قد عتوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسولهr شبابًا وأما المشايخ من قريش، فعامتهم بَقُوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل"والناظر في أعمار السابقين للإسلام، والعشرة المبشرين

بالجنة يتأكد له ذلك، وهذه أعمارهم عند اسلامهم

§       أبو بكر الصديقt 37 سنة

§       عمر بن الخطابt 27 سنة

§       عثمان بن عفانt 30 سنة

§       علي بن أبي طالبt 10 سنوات

§       عبد الرحمن بن عوفt 30 سنة

§       أبو عبيدة بن الجراحt 27 سنة

§       سعد بن أبي وقاصt 17 سنة

§       الزبير بن العوامt 15 سنة

§       طلحة بن عبيد اللهt 13 سنة

§       سعيد بن زيدt 11 سنة

هؤلاء هم آباؤك فأين أنت؟ ولهذا ستسأل يوم القيامة عن هذا الشباب، كيف أبليت شبابك؟ فيمَ أنفقت أيامك؟ هل ضيّعتها فيما يغضب الله سبحانه؟ أو أنك بدّلت ذلك بالحسنات، فكنت ممن يطيع الله ويرتاد المساجد، ويسعى في سبيل إعلاء كلمة الحق والدين؟ هل أمضيت هذه المرحلة في لهو ومعصية وغفلة وإعراض عن الله سبحانه وتعالى؟ أو أنك كنت مستثمراً لطاقتك وفتوتك وهمتك، فكنت تحفظ القرآن، وتدرس حديث النبيr وكنت تدعو إلى الله تعالى بحالك ومقالك، وتغار على حرمات الله، وتحرص أن يقوم دين الله تعالى على الوجه الأمثل؟

إن أحوال شبابنا اليوم يرثى لها، فأكثرهم لا هم لهم الا الشهوات، وترك الصلوات،ومعرفة البنات، والجلوس على الشات، وإدمان الأفلام الاباحية والمواقع الجنسية, والتقليد الأعمى للغرب وللفنانين والممثلين ولاعبي الكرة في لباسهم وشعورهم، وطريقة حياتهم...الخ، بالله عليكم أيها الشباب، هل أنتم راضون عن حالكم هذا؟ أنا أعلم أن أكثركم يجيب بلا، فإذا كنت لا تحب حالك التي أنت عليها فلماذا لا تتصالح مع الله، أوما تشتاق الى حديث رسول اللهr المتفق على صحته عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله،ومنهم ".. وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَرَجُلٌ.." ولقد جاء في بعض الآثار أن اللهU  يقول"أيها الشاب التارك شهوته المبتذل شبابه لأجلي أنت عندي كبعض ملائكتي"([3])

السؤال الثالث : عن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته

وهذا السؤال خاص بالمال, وهو السؤال الوحيد الذي تكون من شقين : شق المورد وشق المصرف

إن الكثير من المسلمين اليوم يقع في المال الحرام، عرف أو لم يعرف، وما الربا والرشوة والتطفيف في الكيل والميزان، والغش في البيع والشراء، وعد اتقان الصناعات، والكذب في التجارة، والتفنن في أكل أموال الناس بالباطل...الخ، أقول : ما هذه الا خطوط عريضة لبعض جزئيات أكل الحرام عندنا، هذا شيء، الشيء الآخر : أن بعض المسلمين يهتم بالمورد الحلال ، ولكنه يبذر ماله فينفقه على التدخين أو المخدرات، أو الشهوات المحرمة، ويقول لك : الحمد لله أهم شيء المال الحلال!!! لا بد وأن نعلم أن الناس في المال يوم القيامة أربعة أقسام

§       قسم اكتسبه من الحرام وأنفقه في الحرام- يعني :مال رشوة مثلاً وأنفقه على المخدرات- فيقذف بصاحبه في النار

§       قسم اكتسبه من الحرام وأنفقه في الحلال- مال الغش في البيع والشراء مثلاً ويبني به مسجد-  فيقذف بصاحبه في النار

§       قسم اكتسبه من الحلال وأنفقه في الحرام – وهذه هي المصيبة لمن يكدون ويكدحون في المال ليأتون به من الحلال ثم ينفقونه في التدخين والمخدرات وغيرها - فيقذف بصاحبه في النار

§       قسم اكتسبه من الحلال وأنفقه في الحلال، وهذا لا يغادر أرض المحشر حتى يسأل عن الفتيل- وهو الشريط الدقيق في بطن النواة - والنقير – النقطة في رأس النواة- والقطمير- الغلاف الرقيق حول النواة- فإذا كانت هذه أقسام الناس في المال يوم القيامة فمن أيهم أنت؟!!!

السؤال الرابع : عن علمك ماذا عملت فيه

وهذا السؤال عام في كل من سمع موعظة أو حديثا ،أو حكما شرعيا، وعليه فكل من يسمع هذه الخطبة الآن سيسأل عما فيها مما يخصه، هل عمل به أم لا، ويأتي على رأس المسؤولين بهذا السؤال( العلماء والدعاة) ولذلك كان همهم أكبر، وتبعتهم أثقل، ويا ويلهم من ربهم إذا خالفوا ما يأمرون الناس به، ولهذا كان العلماء يقشعرون خوفاً من هذا الأمر، ويكفيهم من ذلك حديث أنس بن مالك عن رسول اللهr قال " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ قَالَ : قُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ قَالُوا : خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ، أَفَلاَ يَعْقِلُونَ"([4])

§       قال الفضيل بن عياضt: بلغني أن الفسقة من العلماء يبدأ بهم يوم القيامة قبل عبدة الأوثان

§       وقال الشعبي يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم ما أدخلكم النار وإنما أدخلنا الله الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم فيقولون إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله

ç    ودليل هذه الأسئلة الأربعة ما رواه مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr:لا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟([5])

السؤال الخامس : عن النعيم

وهذا سؤال لا يخلو منه واحد منا ، وذلك لأن نعم الله علينا أكثر مما تحصى،ووالله ما أصعبه من سؤال لا نبالي به، لأن أكثرنا من الغافلين الذين لا يعتبرون هذه النعم من المنهج المقرر عليهم، ولو نظرنا الى عظيم نعم الله علينا، لرضينا عنه ولما فارقنا بابه لحظة، ولكن صدق الله" إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ" والكنود هو :الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه.

ç    ودليل هذا السؤال الصعب للغاية، ما جاء عَن أَنَس،عَن النَّبِيّr أنه قال:يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاث دواوين : ديوان فيه العمل الصالح وديوان فيه ذنوبه وديوان فيه النعم من الله عليه فيقول الله لأصغر نعمه أحسبه قال: في ديوان النعم خذي ثمنك من عمله الصالح ، فيستوعب عمله الصالح ثُمَّ تنحي وتقول:وعزتك ما استوفيت وتبقي الذنوب والنعم وقد ذهب العمل الصالح كله،فإذا أراد الله أن يرحم عبدًا قال:يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك أحسبه قال: ووهبت لك نعمتي"([6])

ç    وصعوبة هذا السؤال تكمن في غفلتنا عنه، مع كثرة مادته، فهناك نعم العافية، ونعم المال، ونعم

الستر، ونعم الولد، ونعم الطعام والشراب.....الخ، وما أجمل هذه القصة التي يلقن رسول اللهr فيها أصحابه هذا السؤال وبعض إجابته،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ : مَا أَخْرَجَنِي إِلاَّ مَا أَجِدُ مِنْ حَاقِّ الْجُوعِ ، قَالَ : وَأَنَا وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنِي غَيْرُهُ ، فَبَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمَا النَّبِيُّr فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟قَالاَ: وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنَا إِلاَّ مَا نَجِدُ فِي بُطُونِنَا مِنْ حَاقِّ الْجُوعِ ، قَالَ : وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَخْرَجَنِي غَيْرُهُ ، فَقُومَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا بَابَ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَّخِرُ لِرَسُولِ اللَّهِr طَعَامًا أَوْ لَبَنًا ، فَأَبْطَأَ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ، فَلَمْ يَأْتِ لِحِينِهِ ، فَأَطْعَمَهُ لأَهْلِهِ وَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلِهِ يَعْمَلُ فِيهِ ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْبَابِ خَرَجَتِ امْرَأَتُهُ ، فَقَالَتْ : مَرْحَبًا بِنَبِيِّ اللَّهِr وَبِمَنْ مَعَهُ ، فَقَالَ لَهَا نَبِيُّ اللَّهِr: فَأَيْنَ أَبُو أَيُّوبَ ؟ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَعْمَلُ فِي نَخْلٍ لَهُ ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِنَبِيِّ اللَّهِr وَبِمَنْ مَعَهُ ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ بِالْحِينِ الَّذِي كُنْتَ تَجِيءُ فِيهِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّr:صَدَقْتَ قَالَ:فَانْطَلَقَ فَقَطَعَ عِذْقًا مِنَ النَّخْلِ فِيهِ مِنْ كُلِّ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَالْبُسْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّr: مَا أَرَدْتُ إِلَى هَذَا،أَلاَ جَنَيْتَ لَنَا مِنْ تَمْرِهِ فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَحْبَبْتُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ تَمْرِهِ وَرُطَبِهِ وَبُسْرِهِ ، وَلَأَذْبَحَنَّ لَكَ مَعَ هَذَا، قَالَ : إِنْ ذَبَحْتَ فَلاَ تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ ، فَأَخَذَ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا فَذَبَحَهُ، وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: اخْبِزِي وَاعْجِنِي لَنَا ، وَأَنْتِ أَعْلَمُ بِالْخَبْزِ، فَأَخَذَ الْجَدْيَ فَطَبَخَهُ وَشَوَى نِصْفَهُ ، فَلَمَّا أَدْرَكَ الطَّعَامُ ، وُضِعَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّr وَأَصْحَابِهِ ، فَأَخَذَ مِنَ الْجَدْيِ فَجَعَلَهُ فِي رَغِيفٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا أَيُّوبَ أَبْلِغْ بِهَذَا فَاطِمَةَ ، فَإِنَّهَا لَمْ تُصِبْ مِثْلَ هَذَا مُنْذُ أَيَّامٍ ، فَذَهَبَ بِهِ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى فَاطِمَةَ ، فَلَمَّا أَكَلُوا وَشَبِعُوا ، قَالَ النَّبِيُّr: خُبْزٌ وَلَحْمٌ وَتَمْرٌ وَبُسْرٌ وَرُطَبٌ وَدَمِعَتْ عَيْنَاهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }فَهَذَا النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : بَلْ إِذَا أَصَبْتُمْ مِثْلَ هَذَا،فَضَرَبْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ ،فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ ، وَإِذَا شَبِعْتُمْ فَقُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ أَشْبَعَنَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا وَأَفْضَلَ، فَإِنَّ هَذَا كَفَافٌ بِهَا فَلَمَّا نَهَضَ قَالَ لأَبِي أَيُّوبَ:ائْتِنَا غَدًا وَكَانَ لاَ يَأْتِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مَعْرُوفًا إِلاَّ أَحَبَّ أَنْ يُجَازِيَهُ،قَالَ:وَإِنَّ أَبَا أَيُّوبَ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ:إِنَّ النَّبِيَّr أَمَرَكَ أَنْ تَأْتِيَهَ غَدًا، فَأَتَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَأَعْطَاهُ وَلِيدَتَهُ،فَقَالَ:يَا أَبَا أَيُّوبَ اسْتَوْصِ بِهَا خَيْرًا ،فَإِنَّا لَمْ نَرَ إِلاَّ خَيْرًا مَا دَامَتْ عِنْدَنَا فَلَمَّا جَاءَ بِهَا أَبُو أَيُّوبَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِr قَالَ:لاَ أَجِدُ لَوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِr خَيْرًا مِنْ أَنْ أَعْتِقَهَا ، فَأَعْتَقَهَا"([7])

ç    ولعل البعض يقول: أي نعيم أنا فيه، مع المرض وضيق العيش، وغلاء الأسعار،ولا نجد ما نأكله من الأطعمة الشهية، وصنوف الحياة الرغدة، فأقول لك: كم من الناس عنده أموال لا نهاية لها ولا يستطيع أن يأكل ما يشتهي، وكم من الناس يتنغص عليه عيشه بسبب مرض أو مشكلة أو حادثة بين عشية وضحاها، وكم من النعم لا يقدر قدرها الا من فقدها

ç    لقد تعجب بعض الصحابة من هذا السؤال، المناقض لحالهم في الظاهر فأكد لهمr وقوعه،

ولفت أنظارهم الى نعم يغفلون عنها، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَىِّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ وَإِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا قَالَ«إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ»([8]) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِr: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ أَصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَأَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ([9])

السؤال السادس : سمعك وبصرك وفؤادك

قال الله" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" وقد خص ربناU هذه الأعضاء بسؤال مخصوص، لأن أكثر الذنوب إنما تتعلق بها وتنتج عنها

§  فالسمع والبصر يدخل فيه كل ما يسمعه الانسان ويراه من اللغو والباطل والغناء والأفلام والمسلسلات، والنساء المحرمات...الخ، وكذلك يدخل في السمع كل ما يقوله اللسان،لأن اللسان وحده لا يؤثر إلا إذا كان هناك سمع يتأثر، ولو تدبرنا آفات اللسان من الغيبة والنميمة والاشاعة وشهادة الزور...الخ، لرأينا أنها لا تؤثر في المجتمع وتنشر الفساد فيه بذاتها، وإنما لما وجدت من أسماع ألفت سماع الباطل، وأبصارٍ ألفت رؤية الغي والفساد وعميت عن رؤية الحق وإدراكه

!    ودليل ذلك وصف الله تعالى لليهود بقوله" وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ

لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ" وقال بعدها "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ"

!    وكذلك تحذيره تعالى من الاستماع الى المنافقين بقوله" لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"

!    وأيضا قوله تعالى،في حديثه عن الافك محذرا المؤمنين"لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" وكرر بعده بآيات الحديث عن السمع أيضا فقال " وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ"

!    وقوله تعالى لرسولهr "إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ"

§  والفؤاد - وهو العضو الثالث – يختص بالسؤال لما يصدقه من رؤية الباطل أو سماعه، فهو المحطة الأخيرة لثبات القلب على الباطل، وتحرك الجسد نحوه، ولهذا جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّr قَالَ « كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ »([10])

§  فعليك أيها المسلم بمراعاة سمعك وبصرك وقلبك،وإذا أرادت أذنك سماع للحرام من غناء وغيبة وإشاعة وأخبار لا تعلم صدقها من كذبها، وإذا اشتهت عينك النظر للمحرمات، في الشارع أو على شاشات التلفاز والكمبيوتر ومواقع النت المحرمة، وإذا حاك في قلبك إثم أو عدوان، فتذكر دوما قول الله" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا"

السؤال السابع : عما استرعاك الله

فكل من تولى أمر بعض الناس، سواءاً كان مديراً في مؤسسة أو شركة، أو كان صاحب عمل، أو حتى صانعاً يتولى أمر من تحت يده من عمال، أو زوج يتولى أمر زوجته وأولاده، أو المرأة في أمانة بيتها وأولادها...الى غير ذلك من كل من تولى مسؤولية صغرت أو كبرت،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَt أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ : كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"([11]) وعَنْ أَنَسٍ،عَنِ النَّبِيِّrقَالَ: ِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ،أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ"([12])

السؤال الثامن: الأمانة

ولأن الأمانة صمام أمان الاسلام، فقد خصها ربناU بسؤال مخصوص، وما أحوجنا في هذه الأيام الى اعادة الصياغة لأنفسنا في أمر الأمانة، إننا لو نظرنا الى واقعنا لوجدناه خاليا من الأمانة ، وقد أصبحت الخيانة هي الصفة الرئيسة في المجتمع، وليست الخيانة مقصورة على الخيانة الزوجية،

أو خيانة المال، وإنما مخالفة أي مأمور به خيانة، فالتفريط في الطهارة والصلاة والصوم وسائر الفرائض خيانة، والغش في البيع والشراء وتطفيف الكيل والميزان خيانة، واستغلال التاجر أو الصانع للمسلمين خيانة، وعدم أداء الأمانات من أموال وودائع الى أصحابها خيانة،وإشاعة الافتراءات والأكاذيب ونقل الكلام بين الناس للإفساد خيانة، والمكر بالأوطان أو الإسلام لأجل منفعة دنيوية أو مصلحة شخصية خيانة....وهكذا

ومن هنا أقول لكل خائن : ستسأل أمام الله تعالى سؤالا لو علمت صعوبته لما استراح قلبك لدنيا ولا لذت عينك بنوم، وها هو السؤال لتسمعه وتعيه، وتعد له الجواب إن أردت النجاة، والحديث عن عبد الله بن مسعود، عن النبيr قال"القتل في سبيل الله يكفر كل شيء" أو قال"يكفر الذنوب كلها ،إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك ، فيقول:أنى يا رب وقد ذهبت الدنيا، فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية ، فيذهب به إليها فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها فيحملها،فيضعها على عاتقه، فيصعد بها في نار جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج ذلت فهوت، وهوى في أثرها أبد الآبدين، قال: والأمانة في الصلاة،والأمانة في الصوم، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع ([13])

السؤال التاسع : إنكار المنكر

وهذا سؤال للذين يرون المنكر فلا ينكروه، سؤال للذين يرفعون شعار" وأنا مالي"، سؤال للذين يخجلون من نصح المسلمين، ويستحيون من إنكار المنكر حتى وإن لم يكن عليهم فيه ضرر.

إن بعض اليهود لما خالفوا نهي الله لهم في صيد السبت، جاءت مجموعة من صالحيهم لتذكرهم بالله، فعتب عليهم في ذلك مجموعة أخرى كالذين يقولون اليوم للآمر بالمعروف" وأنت مالك دع الملك للمالك" فقالوا لهم" وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" فرد عليهم الآمرون بالمعروف"قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)" فلما لم يتعظوا حلَّ بهم عقاب الله، وأخذ الساكتين عن إنكار المنكر معهم، فقال الله"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" وتلك سنة الله في كل زمان ومكان، مع معرفة ضوابط إنكار المنكر وشروطه، وأهمها" الاخلاص، والعلم، والرفق، وألا يؤدي الانكار الى منكر أعظم منه، وأن يكون هذا المنكر مما يتفق على إنكاره، وفي النهاية إن لم تزل المنكر فزل عنه"

أما عن دليل هذا السؤال فما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حيث يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يَقُولَ: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ ؟ فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ ، قَالَ: يَا رَبِّ رَجَوْتُكَ،وَفَرِقْتُ مِنَ النَّاسِ"([14]) وعَنْه أيضاً قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِr:لاَ يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرَ اللهِ فِيهِ مَقَالٌ فَلاَ يَقُومُ فِيهِ فَيُقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : مَخَافَةُ النَّاسِ ، قَالَ : فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخَافَ"([15])

 السؤال العاشر : سؤال في الدين

وهذا سؤال خاص بالذين يستخفون بحقوق الناس ويأكلون أموالهم، خاصٌ بالذين يطلبون القرض فإذا حان وقت السداد رأيتهم يتملصون ويكذبون، بل ويتبجحون مع أصحاب الأموال، وكأنهم أصحاب حق ، ولله ما أعظمها من جريمة!!!

إن أمثال هؤلاء قد بغَّضوا المسلمين في مساعدة المحتاجين وإقراضهم، وهم في ذلك يحملون أوزار كل هذه الحاجات وكأنهم هم الذين منعوها.

وهناك صنف من المسلمين ما دعاه الى القرض الا الحاجة الملحة، وكانت نية الرد وطريقته متوفرة عندهم، ولكن ابتلاهم الله بمصيبة في أموالهم منعتهم الرد، وهؤلاء لا عذر لهم بذلك عند الخلق الا أن الله يوفي خصماءهم يوم القيامة، ودليل ذلك ما جاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِr قَالَ:يَدْعُو اللَّهُ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُقَالُ:يَا ابْنَ آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ، وَفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ، وَلَمْ أشْرَبْ ، وَلَمْ أَلْبَسْ ، وَلَمْ أُضَيِّعْ ، وَلَكِنْ أتَى عَلَى يَدَيَّ إِمَّا حَرَقٌ ، وَإِمَّا سَرَقٌ ، وَإِمَّا وَضِيعَةٌ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي ، أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ الْيَوْمَ فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ ، فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ ، فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ"([16])

ç    هذه هي أهم أسئلة الامتحان الأكبر، والكيس من حفظها ووعاها وأعد لها الجواب الصحيح بالتزام خيرها والبعد عن شرها، والأحمق الأبله الغافل من ضيعها وأهملها وتجرأ على ما نهى الله عنه منها ، فاختر مع أي الفريقين تكون وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من الأكياس الفطناء، إنه لا قادر على ذلك الا الله.



-[1] لطائف المعاف لابن رجب الحنبلي

-[2] أخرجه مسلم

-[3] لطائف المعارف

-[4] أخرجه أحمد والبيهقي وأبو يعلى وصححه الألباني

-[5]  أخرجه الترمذي والبزار والطبراني بسند صحيح

-[6] أخرجه البزار في مسنده بسند ضعيف

-[7] أخرجه ابن حبان والطبراني وقال الهيثمي في المجمع:رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه عبد الله بن كيسان المروزي وقد وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح

-[8] أخرجه الترمذي والبيهقي وأحمد بسند حسن لغيره

-[9] أخرجه الترمذي والحاكم والطبراني بسند صحيح

-[10] أخرجه مسلم

-[11] متفق عليه

-[12] أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان بسند صحيح

-[13] قال الهيثمي في المجمع :رواه الطبراني ورجاله ثقات

-[14] أخرجه ابن ماجة وابن حبان بسند صحيح

-[15] أخرجه أحمد وغيره بسند ضعيف

-[16] قال المنذري رواه أحمد بن حنبل والبزار والطبراني وأبو نعيم، وإسناد أحدهم حسن

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free