tamer.page.tl
  سخره لك
 

الكون كله لك أنت

لقد رأينا قبل ذلك عظمة هذا الكون بأرضه وسمائه ونجومه ومجراته ....الخ فعرفنا عوالم تذهل لإدراكها العقول وما عرفنله قليل من كثير مما لا نعلمه، العجيب أن كل ذرة من ذرات هذا الكون تسجد لله وتسبح بحمده وهذا يعني أن كل ما تراه عينك خاضع لله على رضاً ومحبة وأنت تتأبى على الله وتبارزه بالمعاصي ليلاً ونهاراً!!!

إذا كان هذا هو حالنا مع الله فلنعلم أن هذا الكون الساجد لربه مسخر لنا وفي خدمتنا فلعل ذلك يحرك فينا الساكن، تخيل ما حولك خلقه الله ليخدمك وأنت تعصيه بالله عليك هذا رب يعصى!!!

لا أريد منك إلا أن تستمع بأذني قلبك لهذا الحديث وتقرأه أيضاً بعيني قلبك لتعرف قدرك عند الملك وبعدها تقارن بين معاملته لك ومعاملتك معه ونرى ماذا ستكون النتيجة؟!!

لقد وردت كلمة «سخّر» ومشتقاتها في القرآن الكريم حوالي اثنين عشرين مرة تعنى أكثرها بكرامة الإنسان على الله ولهذا ذلل له كل ما في الكون ولن أعرضها عليك كلها وإنما أريدك أن تردد هذه الآيات التي سأذكرها لك بتدبر وانظر إلى ما هيأه الله لك فيها

1- "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ(32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" وانظر إلى نهاية الآيات تجدها تذكر حقيقتنا في تعاملنا مع الملك وبدقة " إن الإنسان لظلوم كفار"

2- "وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "وانظر أيضاً إلى عجيب التناسق بين هذه الآيات والتي قبلها وكأن الله يقول إذا كنتم ظلمتم أنفسكم بمعصيتي وعميتم عن نعمتي

فكفرتموها فإني غفور رحيم لمن وقف على بابي وطلب الفضل من جنابي، لله ما أعظمه من إله!!!

-  قال ابن القيم "يا من هو من أرباب الخبرة هل عرفت قيمة نفسك إنما خلقت الأكوان كلها لك يا من غذى بلبان البر وقلب بأيدي الألطاف كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة وصورة وأنت المعنى وصدف وأنت الدر ومخيض وأنت الزبد منشور اختيارنا لك واضح الخط ولكن استخراجك ضعيف متي رمت طلبي فاطلبني عندك اطلبني منك تجدني قريبا ولا تطلبني من غيرك فانا أقرب إليك منه لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي إنما أبعدنا إبليس إذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك فوا عجبا كيف صالحته وتركتنا لو كان في قلبك محبة لبان أثرها علي جسدك"

حقاً فإنها لا تعمى الأبصار انظر حولك إلى ما بث الله في كونه لك لترى

- في جو السماء الهواء الذي يعد عنصرا أساسيا وضروريا لحياة الإنسان، وبقائه، وكذلك بقية المخلوقات والنباتات وفي السماء الكواكب العجيبة، والشمس التي يستفيد منها الإنسان والحيوان، وفيها القمر الذي يحقق للبشرية الكثير من الفوائد، سواء منها ما يعود للإنسان مباشرة، أو ما يعود عليه من خلال إفادة النباتات التي يتغذى منها الإنسان والحيوان، أو ما يكتسب منه في المجال الضوئي وغيره وهذا كله: يؤدي حتما إلى إزالة تبلد الحس عند صاحبه، ويحرك مشاعر الإيمان والفطرة السليمة، التي تقر بوجود الله ، وعظمته، ووحدانيته لأنه المستحق للعبادة، دون شريك

- إن الشمس تفقد من طاقتها في الثانية الواحدة ما يعادل خمسمائة وثمانية آلاف مليون حصان؛ إذ هي كوكب ناري ملتهب في كبد السماء يشع الضوء والحرارة والطاقة، وعليها تتوقف الحياة، وجميع الظواهر الطبيعية في الغلاف الغازي متوقفة عليها أيضا، فمن أشعتها تكتسب جميع الكائنات الحية عناصر نمائها وإكسير حياتها وما ينـزل منها من الحرارة يتلاءم ومصالح البشر، وتستقيم به الحياة على الأرض، فلو زادت حرارتها لأحرقت الأرض وما عيها، ولو نقصت لأدت إلى تجمد كل ما على الأرض وهي: المسئولة عن عملية التمثيل الضوئي في النباتات، وبضوء الشمس تتم التفاعلات الكيميائية في أوراق الشجر، وينتج الغذاء، وينمو النبات ويثمر.

- والقمر كذلك جرم سماوي من المجموعة الشمسية التي تتكون من أربعة وثلاثين قمرا وفي القمر آيات بينات، ومعجزات باهرات، ففيه ما يفيد الإنسان من حيث معرفة الأوقات، والأزمنة والشهور، والسنين، وصالح المعاش، ومعرفة أوقات نضج الثمار والزروع، يفيد المقيم بنوره، والمسافر في ظلمة الليل، وقد استمد القمر نوره هذا من الشمس، كما يسبب حدوث عمليتي المد والجزر حسب منازله وبعده وقربه عن الأرض التي يستفيد منها الملاحون (البحارة)، قبل الدخول أو الخروج من أي ميناء، وكذلك صيادو الأسماك والمحار وغيرهم. تطهر عملية المد والجزر هذه تطهر الشواطئ من الفضلات والمخلفات، كما يستفاد منها في توليد الكهرباء، ولقد اثبت علماء القمر أن ضوء القمر يساعد على نضج الثمار، والنباتات، فالثمار والنباتات تحتاج إلى فترة إظلام كي ترتاح وتنام

- النبات يأخذ من الجو ثاني أسيد الكربون ويطرح الأكسجين لتعيش به أنت

- الخيل والبغال والحمير مذللة لنا فما رأينا منها اعترضاً حين نريد ركوبها لأنها تعرف ما خلقت له ولا نعرفه نحن!!! وفي الآيات التي ذكرت كفاية

آن لك أن تشعر

- إن الكون بعظمته مسخر لك أيها الإنسان وهو ليس مسخراً لك لتستخدمه في معصية من سخره لك وإنما هو مسخرٌ لك لتقوم بوظيفتك المحددة بوضوح من قِبل ربك تعالى وهي عبادته, فإن أردت أيها الإنسان أن تستخدم نعمة الله التي لا تُحصى في معصيته, فلتعصه بدون جسدك المملوك لله المسخر لك وبدون كونه المملوك له تعالى المسخر لك حتى تكون قد تحليت ببعض الحياء. فمن قلة الحياء أن تعادي ربك بفضله!

- المشكلة أن الكثيرين منا يتهم ربه ويرى أن الدنيا دوماً تسير على خلاف ما يريد فكيف يكون الكون مسخراً له؟ أقول : هذا من حمقنا في التعامل مع الله ، إن الله لغني عن عذابك، الله ما خلقك ليتعسك، ما خلقك ليؤلمك، ما حرمك من الأولاد والرزق ليذلك بذلك ولكن العيب عندك أنت فراجع نفسك، ولهذا توجد آية في القرآن غاية في معرفة الله وما ينزله بنا وبراءته سبحانه – وحاشاه – من التهمة التي يتهمه بها الكثيرون منا من الحمقى والمغفلين قال تعالى:﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ لكن ما علاقة هذا بالتسخير؟ العلاقة وثيقة لأن تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف وتسخير تكريم: فحينما تحقق الهدف من وجودك قال تعالى:﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾الله عز وجل سخر لك هذا الكون تسخيرين ؛ تسخير تعريف وتسخير تكريم، ينبغي من تسخير التعريف أن تؤمن، وينبغي من تسخير التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك { مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } . أما إن لم تشكروا وتؤمنوا ، فعذابكم تأديب لكم ، لا يعود على الله بشيء "ولماذا وضع الحق الشكر مع الإيمان؟ لنعرف أولاً ما الشكر؟ الشكر : هو إسداء ثناء إلى المنعم ممن نالته نعمتهُ ، فتوجيه الشكر يعني أن تقول لمن أسدى لك معروفا : « كثر خيرك » ، وما الإيمان؟ إنه اليقين بأن الله واحد لكن ما الذي يسبق الآخر الشكر أو الإيمان؟ إن الإيمان بالذات جاء بعد الانتفاع بالنعمة ، فعندما جاء الإنسان إلى الكون وجد الكون منظما ، ولم يقل له أحد أي شيء عن أي دين أو خالق . ألا تهفو نفس هذا الإنسان إلى الاستشراف إلى معرفة من صنع له هذا الكون؟وعندما يأتي رسول ، فالرسول يقول للإنسان : أنت تبحث عن القوة التي صنعت لك كل هذا الكون الذي يحيط بك ، إن اسمها الله ، ومطلوبها أن تسير على هذا المنهج . هنا يكون الإيمان قد وقع موقعه من النعمة . فالشكر يكون أولاً ، وبعد ذلك يوجد الإيمان ، فالشكر عرفان إجمالي ، والإيمان عرفان تفصيلي . والشكر متعلق بالنعمة . والإيمان متعلق بالذات التي وهبت النعمة .... إن الإنسان حين يضع كل المسائل في ضوء منهج الله ، فالله شاكر وعليم؛ لأن الله يرضى عن العبد الذي يسير على منهجه ، وعندما يرضى الرب عن العبد فهو يعطي له زيادة . فالله شاكر بمعنى أن البشر إن أحسنوا استقبال النعمة بوضع كل نعمة في مجالها فلا تتعدى نعمة جادة ، على نعمة هازلة ولا نعمة هازلة على نعمة جادة ، فالله يرضى عن العباد ومعنى رضاء الله أن يعطي البشر أشياء ليست من الضرورات فقط ولكن ما فوق ذلك . فسبحانه يعطي الضرورات للكل حتى الكافر . ويعطي سبحانه ما فوق الضرورات وهي أشياء تسعد البشر إذن فمعنى أن الله شاكر . . أي أن سبحانه وتعالى راض . ويثيب نتيجة لذلك ويعطي الإنسان من جنس الأشياء ويسمو عطاؤه ، مصداقا لقوله الحق : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }الشعراوي

ولعل هاتين الغايتين هما غايتا تسخير ما في الكون للإنسان أما من حيث المسخر فالتسخير نوعان

1-"تسخير عام" يشترك فيه كل الناس بل وحتى الحيوان وذلك كتسخير الكون وما فيه والرزق

من طعام وشراب وغيرها"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ

آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وبئس الْمَصِيرُ"

- والثاني تسخير خاص ولا يكون ذلك إلا لأهل الإيمان والاستقامة على منهج الله فإذا أعزك الله سخر لك أعداءك وإذا أراد أن يذل عبدا أذلَّه أقرب الناس إليه "ومن يهن الله فما له من مكرم" وانظر إلى هذا التسخير الخاص لمن عرف الله وسار على نهجه

1- عن عون بن أبي شداد: بلغني أن الحجاج لما ذكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدا يسمى المتلمس بن أحوص في عشرين من أهل الشام، فبينما هم يطلبونه إذا هم براهب في صومعته، فسألوه عنه فقال: صفوه لي، فوصفوه فدلهم عليه، فانطلقوا فوجدوه ساجدا يناجي بأعلى صوته، فدنوا وسلموا، فرفع رأسه، فأتم بقية صلاته، ثم رد عليهم السلام، فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك، فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة ؟ قالوا: لا بد، فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم ؟ قالوا: نعم فقال: اصعدوا، فإن اللبوة والأسد يأويان حول الدير ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا، قال: لا، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا، قالوا: فإنا لا ندعك، فإن السباع تقتلك، قال: لا ضير، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني، قالوا: فأنت من الأنبياء ؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد، قال إني أعطي العظيم الذي لا شريك له، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله فرضي الراهب بذلك، فقال لهم: اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح، فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم فلما صعدوا وأوتروا القسي، إذا هم بلبوة قد أقبلت، فلما دنت من سعيد، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه وأقبل الأسد يصنع كذلك فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا، نزل إليه، فسأله عن شرائع دينه، وسنن رسوله، ففسر له سعيد ذلك كله، فأسلم، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون: يا سعيد، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت، قال: امضوا لأمركم، فإني لائذ بخالقي ولا راد لقضائه، فساروا حتى بلغوا واسطاً فقال سعيد: قد تحرمت بكم وصحبتكم، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت، وأستعد لمنكر ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون فقال بعضهم: لا تريدون أثرا بعد عين، وقال بعضهم: قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير، فلا تعجزوا عنه وقال بعضهم: يعطيكم ما أعطى الراهب،ويلكم أما لكم عبرة بالأسد ؟ ! ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه، وشعث رأسه، واغبر لونه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحبوه، فقالوا: يا خير أهل الأرض، ليتنا لم نعرفك، ولم نسرح إليك، الويل لنا ويلا طويلا، كيف ابتلينا بك ! اعذرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر، فإنه القاضي الأكبر، والعدل الذي لا يجور قال: ما أعذرني لكم وأرضاني لما سبق من علم الله في فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة، قال كفيله: أسألك بالله لما زودتنا من دعائك وكلامك، فإنا لن نلقى مثلك أبدا ففعل ذلك فخلوا سبيله فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله، ينادون بالويل واللهف فلما انشق عمود الصبح، جاءهم سعيد فقرع الباب، فنزلوا وبكوا معه، وذهبوا به إلى الحجاج، وآخر معه فدخلا، فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير؟ قالوا نعم،وعاينا منه العجب فصرف بوجهه عنهم..."سير أعلام النبلاء

2- ذكر بن كثير بسند جيد أن صلة بن أشيم التابعي ، كان يغزوا في خراسان مع قتيبة بن مسلم وكان صلى بن أشيم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر في عبادة وفي بكاء طوال الليل وصلة بن أشيم يصلي داخل الغابة فقام يصلي ويتنفل فأتى أسد فدار عليه فما تحول ولا تحرك وما اضطرب فلم سلم من الركعتين قال يا حيدرة إن كنت أمرت بأكلي فكلني فإنه ليس معي سلاح إلا حماية الله وإن كنت ما أمرت بقتلي فانطلق إلى حال سبيلك واتركني أصلي فقام الأسد فولى ذنبه وخفض صوته وذهب إلى حال سبيله،وقال ابن رجب وهو يروي عن مالك بن دينار قال: نمت في حديقة، فاستيقظت من نومي وإذا بحية أخذت زهرة في فمها وهي تزيل البعوض والذباب عن وجهي.

- بل أحياناً يسخر الله لك شيئاً لا تتوقعه ليكون رسالة منه أنه يريدك ومن ذلك ما جاء يوسف بن الحسين يقول كنت مع ذي النون المصري على شاطىء غدير فنظرت إلى عقرب أعظم ما يكون على شط الغدير واقفة فإذا بضفدع قد خرجت من الغدير فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت فقال ذو النون إن لهذه العقرب لشأنا فامض بنا فجعلنا نقفوا أثرها فإذا رجل نائم سكران وإذا حية قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهي تطلب أذنه فاستحكمت العقرب من الحية فضربتها فانقلبت وانفسخت ورجعت العقرب إلى الغدير فجاءت الضفدع فركبتها فعبرت فحرك ذو النون الرجل النائم ففتح عينيه فقال يا فتى انظر مما نجاك الله هذه العقرب جاءت فقتلت هذه الحية التي أرادتك ثم أنشأ ذو النون يقول يا غافلا والجليل يحرسه* من كل سوء يدب في الظلم* كيف تنام العيون عن ملك*تأتيه منه فوائد النعم*فنهض الشاب وقال إلهي هذا فعلك بمن عصاك فكيف رفقك بمن يطيعك ثم ولى فقلت إلى أين قال إلى البادية والله لا عدت إلى المدن أبدا

 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free