بعد أن تحدثنا عن القبر وأهواله نتحدث اليوم عن العلامات التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للساعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين علامات للساعة صغرى وكبرى وقد تحدث ربنا جلا وعلا عن هذه العلامات وذكرها بالأشراط فقال [فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ][محمد : 18] فربنا جل وعلا يتحدث عن المنافقين كيف يرون هذه العلامات ولا يعتقدون أن الساعة قريبة ، الحديث عن هذه الأشراط أو عن هذه العلامات حديث ماتع ، حديث جل الفوائد ، نأخذه من لسان الذي لا ينطق عن الهوى وقد سماها ربنا كما قلنا أشراط وسماها نبينا أمارات وليس أدل على ذلك من حديث جبريل المشهور حين جاء يعلم الناس دينهم ............. قَالَ فَمَتَى السَّاعَةُ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ قَالَ فَمَا أَمَارَتُهَا فتسمى الأشراط والعلامات والأمارات وسنتحدث عنها في سلسلة نجعلها بعنوان فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا وحديثنا اليوم في أول حلقة في هذه السلسلة تحت عنوان القواعد الذهبية لعلامات الساعة
هذا هو المدخل لعلامات الساعة ،هذا الذي يجب أن يقف عليه المسلم قبل أن يتعرف على علامات الساعة الكبرى كانت أم الصغرى ويندرج تحته عنصران
1- سؤال وجواب 2- فهم يجب أن يصحح
ولأن هذا الحديث من الأهمية بمكان نرجو من حضراتكم أن تستحضروا قلوبكم وعقولكم وأسال الله العلي القدير أن يفتح لهذا الحديث القلوب والآذان إنه لا موفق لذلك إلا الله
أما عن القاعدة الأولى : سؤال وجواب فهو سؤال لابد أن يعرف جوابه كل مسلم ما أهمية ذكر علامات الساعة ؟ لماذا ذكر رسول الله علامات الساعة ؟ حتى إن بعض العلماء عدَّ من العلامات الصغرى فقط إلى ما يزيد على 330 منها الصحيح ومنها الضعيف ، الصحيح منها قد يتعدى 100 علامة والعلامات الكبرى التي ذكرها رسول الله تفصيلا ، لماذا كل هذه الأهمية وكل هذه العناية من رسولنا صلى الله عليه وسلم بالحديث عن علامات الساعة ، لم يكن ذلك من رسول الله تخوفا منه أو ضربا من الكهانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وقد أخبر بذلك ربنا جل وعلا حيث قال [وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ][النجم : 3-4] إذن لابد من أن يكون هناك هدف انبنت عليه هذه الأحاديث حتى ذكرها رسولنا صلى الله عليه وسلم، إذن لماذا اعتنت سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعلامات الساعة ؟
أولا إن ذكر علامات الساعة يعد امتدادا للوحي وأنه لا نبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا رسالة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذلك لأنه الرسول الخاتم والحلقة الموصولة بين بعثته وبين قيام الساعة هي هذه العلامات وقد كان من كان قبلنا من الأمم يجيؤهم الرسول ويدعوهم إلى ربهم جل وعلا فإذا انقضت رسالته أرسل الله تعالى غيره وكل رسول لأمة خاصة به فكان رسول الله هو الخاتم وللناس أجمعين، والدليل على أن النبي امتدادٌ للوحي وأنه حلقة الوصل بيننا وبين وحي السماء قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح"عن ْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ كَهَاتَيْنِ » . وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى . رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي والحميدي فكما تلي الوسطى السبابة كذلك الساعة تلي بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم
ثانيا أن هذه العلامات تقوية للإيمان
كيف ذلك؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بهذه العلامات لم تكن قد حدثت بعد ومع ذلك آمن بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي أثني عليهم في سورة البقرة حيث قال [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) قال بعدها الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ] هذا الغيب الذي آمن به أصحاب النبي لم يروه ولكنه قد صار واقعاً عندنا من خلال علامات الساعة الصغرى وهذا الواقع يثبت لنا صدق النبي صلى الله عليه وسلم ويقوي عندنا الإيمان ويعلمنا أن الغاية العظمى من إرسال الرسل وإنزال الكتب هي عبادته سبحانه وإفراده بالتوحيد قال تعالى :[ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ][الذاريات : 56]أضف إلى ذلك أن المسلم إذا نظر إلى هذا الواقع المضطرب الذي تتكالب فيه كل الأمم على الإسلام ، ثم نظر في هذه العلامات لرأى صدق ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في إعجاز بالغ الدقة لما يحدث وهذا يقوي الإيمان عند المسلم ، خاصة حينما يعلم أنه لا أحد على وجه الأرض يملك نصا معصوما عن هذه العلامات إلا هو ، يعني لا أحد غيرك يملك نصا معصوما عن هذه العلامات من الذي لا ينطق عن الهوى بل وعن كل الفتن التي تحدث بدقة بالغة وإعجاز بالغ والذي نطق بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثالثا أن ذكر علامات الساعة يبين ذكر كرامة أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند الله
فهو يبين قدرك عند الله جل وعلا كيف ذلك ؟ إن أعظم منة من الله جل وعلا على أمة الإسلام أن جعل لهم رسول الله قال تعالى :[ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ][آل عمران : 164] والله الذي لا إله غيره لا تجد منة على المسلم أعظم من أن جعل له رسول الله قائدا ، هذه أعظم منة من الله بها علينا ، ورحم الله الإمام أحمد بعد أن مات رآه أحد أصحابه فقال له ما فعل الله بك يا أحمد؟ وكان إمام أهل السنة والجماعة قال لقد غفر لي الزلات ، وغفر الخطيئات ، وتقبل الحسنات وأدخلني الجنة برحمته ولولا رسول الله لكنت مجوسياً وكان الإمام أحمد من العراق وأهل العراق مجوس يعبدون النار صدق الله لقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ
بعد ذلك يبين لك رسول الله كرامتك عند الله كيف ذلك ؟ لأن المؤمن أو أمة الإسلام تعايش وحيها ونبيها إلى قيام الساعة حتى وإن مات عنا رسول الله فإنه باق لبقاء هذه العلامات ، فما إن تبدو العلامة تلو العلامة إلا وتبين صدق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وبدقة متناهية وهنا لابد وأن تعلم أن رسول الله باقٍ ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معك.
رابعا البيان والتبيين
والبيان هو نطق النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث عن علامات الساعة والتبيين أن يأتي الواقع ليؤيد ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه العلامات يعني يجد المسلم كثيرًا من الأزمات وكثير من الفتن بعضها يتعلق بالأمن الداخلي عند الإنسان أو فيما يتعلق بالأمر الخارجي لأمة الإسلام والعدو الذي يتربص به وذلك الذي أخبر عنه الصادق المصدوق يسمى بيانا ثم جاء الواقع ليبين صدق ما أخبر به الذي لا ينطق عن الهوى وهذا يدعونا إلى أن نتدبر في هذه العلامات لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرها إلا بيانا وتبينا لنا يعني يوم أن يصف الفتن التي يعيش فيها المسلم وتكالب الأمم على أمة الإسلام ولم يذكر ذلك فقط وإنما أوقفنا على الأسباب التي تجعلنا تعساء ففي الحديث الصحيح الذي يحفظه أكثرنا عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا » . قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ « أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ » . قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ » رواه أحمد بسند حسن لغيره ,وأحيانا يبدأ رسول الله ببيان العلاج قبل أن يذكر الفتن كما في الحديث المتفق على صحته عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ هنا الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ رواه مسلم والترمذي وقال حسن صحيح وأحمد وصححه الألباني
خامسًا التسلية لبعض المؤمنين الذين يعايشون الفتن
والتي هي من علامات الساعة يعني تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الفتن التي ستحدث بعده بدقة متناهية بجوامع الكلم منه صلى الله عليه وسلم وقد بدأت الفتن في عهد عثمان فالنبي يمكن أن يذكر بعض العلامات ليسلي المؤمنين الذين يواقعون هذه الفتن ويهون عليهم, وأول من وقع في هذه الفتن هو ذو النورين الذي تستحي منه الملائكة والذي زوجه رسول الله من ابنتيه ماذا حدث ؟ وما هي الفتنة التي ابتلي بها عثمان رضي الله عنه ؟ لقد كان عثمان يعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيمر بفتن وما أجمل الحديث الذي ذكر هذه العلامة وبين أنها من الفتن ومن العلامات ومن الابتلاءات التي ابتلي بها عثمان بن عفان رضي الله عنها والحديث متفق على صحته ,عن أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ ، فَقُلْتُ لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِى هَذَا . قَالَ فَجَاءَ الْمَسْجِدَ ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا ،قالت زوجات النبي توجه من هنا فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ وهي بئر في حديقة بالقرب من قباء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو بنفسه أو بربه ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ ، فَتَوَضَّأَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا أي جلس في حافته ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ ، فَقُلْتُ لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » الله أكبر تخيل لو أن واحدًا منا واقفا على الباب فهنيئا له ونسأل الله ألا يحرمنا صحبته وصحبة صاحبه. فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ ادْخُلْ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ . فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ فِى الْقُفِّ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ ، كَمَا صَنَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِى يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِى ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْراً - يُرِيدُ أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ . فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَجِئْتُ فَقُلْتُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ . فَدَخَلَ ، فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِى الْبِئْرِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ ، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْراً يَأْتِ بِهِ . فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ . فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ . فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ . فَقَالَ « ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ » فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ . فقال اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ . قَالَ شَرِيكٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ . رواه البخاري ومسلم
يموت رسول الله فيدفن ويموت أبو بكر فيدفن عن يمينه ويموت عمر فيدفن عن شماله ويموت عثمان فيدفن في المقابل في البقيع , أما البلوى التي أصابته فهي اجتماع الثوار من شتى البلاد حول بيته وقد رفض الصحابة والعبيد كلهم أن يتركوه ووقفوا بالسيوف وتأهبوا للقتال ولكن الخليفة عثمان بن عفان أبى أن يراق دم للمسلمين بسببه وإن قتل قالوا والله يا أمير المؤمنين لن يصلوا إليك ونحن أحياء فقال من وضع سيفه فهو حر لوجه الله حقنا لدماء المسلمين فدخلوا عليه وضربوه وهو صائم لله جل وعلا قارئ للقرآن لذلك وكما قلنا ترويح للمؤمنين
يأتي بعده ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب تزداد الفتن ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يطمئنه والحديث عند الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات أَلَا أُحَدِّثُكُمَا بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ ؟ " قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ هو قدار بن سالف ، وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ، يَعْنِي قَرْنَهُ ، حَتَّى تُبَلَّ مِنْهُ هَذِهِ، يَعْنِي لِحْيَتَهُ قال الأرنؤوط حسن لغيره وصححه الألباني ، حتى لما زادت الفتن كان يقول متى يأتي أشقاها ؟ يوم أن خرج يومًا لصلاة الفجر فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل لدماغه ليلقى رسول الله شهيدًا كما أخبر بذلك رسول الله
ثم بعد ذلك يأتي ابنه الحسن الذي اصطلح مع معاوية وتنازل له عن الخلافة لحقن الدماء،حتى هذه أخبر بها رسول الله فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر والحسن بن علي رضي الله عنهما معه إلى جنبه وهو يلتفت إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين رواه البخاري في الصحيح والبيهقي في سننه الكبرى
ثم يأتي بعد ذلك مقتل الحسين في العراق ، ماذا الذي دعاه إلى ذلك ؟ إن الذي دعاه إلى ذلك هو القدر الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبراني في الكبير والأوسط رجاله ثقات وقال الهيثمي في الزوائد هو حسن بشواهده قال رسول الله: يا عائشة إن جبريل عليه السلام أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطفو وأن أمته ستختلف بعده"والطف هو ما أَشْرَفَ من أَرض العرب على رِيف العراق ، واسم موضع بناحية الكوفة .وتسمى الآن بأرض كربلاء بالعراق
وقد أخرج الأمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرَى النَّائِمُ بِنِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ قَائِمٌ أَشْعَثَ أَغْبَرَ بِيَدِهِ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ فَقُلْتُ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا قَالَ « هَذَا دَمُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَلْتَقِطُهُ مُنْذُ الْيَوْمِ » . فَأَحْصَيْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَوَجَدُوهُ قُتِلَ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ .في شهر الله المحرم رواه أحمد قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم. وقد قتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء في كربلاء في العام الحادي والستين من الهجرة .
إذن كل هذه الأشياء أخبر بها المؤمنين ليسري بها هؤلاء ليروح عنهم وليبين لهم أنهم لما ماتوا كذلك فإن لهم الجنة
سادسا : كشف اللبس عن بعض ما يحدث للمسلمين من الأمور الغامضة
يعني أحيانا يأتي الحديث من رسولنا صلى الله عليه وسلم ليزيل استفاهمًا ، لو أن هذا الأمر ما أخبر به رسول الله لوقعنا في لبس عظيم ، يمكن أن نرى أشياء أهي حقيقة أم كذب فرسول الله عندما يعطيك تفسيرا لها يزيل اللبس الذي يمكن أن يقع لو لم يوضحها رسول الله,علي سبيل المثال في ذلك حديث متفق على صحته عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ فَقَالَ اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقرأ القرآن لا يفهم ما فيه ولا يعمل بما فيه إذا رأيته يصلي قلت أين أنا منه وإذا رأيته يصوم قلت أين أنا منه يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ يخرجون من الإسلام كما يخرج السهم من الرمية ، يَنْظُرُ صَاحِبُهُ إِلَى فُوقِهِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ كَالْبَضْعَةِ ، أَوْ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، يَخْرُجُونَ عَلَى فُرْقَةٍ (1) مِنَ النَّاسِ، يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِاللهِ " قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: " فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنِّي شَهِدْتُ عَلِيًّا حِينَ قَتَلَهُمْ عندما قاتل الخوارج ، فَالْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدَ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » . رواه البخاري ومسلم سبحان الله دقة ما بعدها دقة فَوَجَدَ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخيل لو أن رسول الله لم يبين ذلك لقلنا لم يقاتل عليّ قوما كهؤلاء يصلون ويصمون ويفعلون الخيرات أفضل منا لماذا يقاتلهم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنهم يفعلون أفعال المسلمين لكن لا يغركم ما يفعلون من أفعال المسلمين فربما فعلوا فعلا أخرجهم من الدين بالكلية ولا يخفى علينا حديث أبي يعلى بإسناد جيد قال أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ، غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ قَالَ: «بَلِ الرَّامِي» لأنه رماه بالشرك لأدنى شبهه مع أن الرسول قال ادْرَأُوا الحدود بالشُّبُهات رواه ابن حبان [تعليق الألباني] حسن - «الصحيحة»
نسال الله أن ينجينا من الضلال بعد الهدى ، وأن يثبتنا على التوحيد حتى يتوفانا عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم أننا نرى كثيراً من علامات الساعة الصغرى وانتشارها بوضوح إلا أن هناك فهماً خاطئاً لدى الكثيرين منا نتج عن خطأ الفهم لمراد الله ورسوله في ذكر علامات الساعة,وهذا الخطأ ولَّد الخمول والاستسلام والرضا بالواقع عند دراسة علامات الساعة نظراً لأن الصادق المصدوق أخبر بذلك,ومن أمثلة ذلك قضية اليهود واستيلائهم على فلسطين التي ينبغي أن تكون قضية مصيرية بالنسبة للمسلم فرأينا كثيراً من المسلمين ينتظر أن ينطق الحجر والشجر, وكذا إذا رأينا سوء أحوال المسلمين في البلاد الإسلامية رأينا الكثيرين ينتظر المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا, ولعل من أعظم ما دعا إلى هذا الفهم الخاطئ ظهور كثير من الكتابات الإسلامية تذكر الساعة وعلاماتها وتؤرخ لذلك بالسنوات وأذكر أنني في بداية حياتي الجامعية سنة 2000م ظهر كتاب يحمل اسم هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام, تناول كاتبه – عفا الله عنه- العلامات بالتواريخ فسنة كذا سيحصل كذا وسنة كذا سيقع كذا .....وهكذا وقد اعتمد على أحاديث ضعيفة وموضوعة بل وعلى كهانات بعض الكافرين من أهل الكتاب, والمسلمون كأي بشر شغفوا بذلك وانهالوا على قراءته وغلا سعره من ثلاثة جنيهات إلى عشرة, ورد عليه كثير من العلماء وفندوا ما فيه وأثبتت السنوات زيف ما ادَّعى , المصيبة كل المصيبة أنك بمجرد قراءة هذا الكتاب تصاب بيأس وإحباط شديدين وقد كنت ممن قرأه فاغتممت لذلك وسألت نفسي وقتها هل هذا الذي أراده الله ورسوله للمسلم من بيان السنة لعلامات الساعة؟!! بالطبع لا فليست هذه هي الغاية من الذكر النبوي التفصيلي لعلامات الساعة, وشاء الله أن أتعرض للحديث عن علامات الساعة الصغرى والكبرى من خلال سلسلة الدار الآخرة التي أتناولها مع حضراتكم فكان لا بد من الرد على هذا الخطأ وإزالة هذا الإحساس الذي يمكن أن ينتاب المسلم حين يتعرف على علامات الساعة وهذا ما سنحتاجه وبشدة خلال الأحاديث القادمة إن شاء الله لأن هذا الحديث يؤصل لها جميعا, وقد كانت الخطبة السابقة تحت عنوان " القواعد الذهبية لعلامات الساعة" وهذا الحديث تتمة للحديث السابق وهو يضع الأسس التي ينبغي أن ينبني عليها فكر المسلم في معرفته لعلامات الساعة وهذه الأسس هي:
أولاً: أن هذه الفتن التي ذكرها رسول الله من العلامات ليست شيئا جبرياً على الأمة ولكنها نتائج لمقدمات وقعت فيها الأمة
فبسبب التهاون بدينها واتباعها لليهود والنصارى ومن على شاكلتهم وقعت فيما وقعت فيه, والسؤال الآن هل تعالج النتائج السيئة بالاستسلام لها أم بالاجتهاد في أسبابها وبواعثها؟؟ بالطبع تكون الإجابة هي : الاجتهاد في معالجة أسبابها وبواعثها تماماً كالطبيب إذا قال لمريض إن ظللت تدخن ستصاب بفشل كلوي, العقل يقول أنه لا بد من الامتناع عن التدخين وليس الاستمرار فيه على أساس أنه"كده كده ميت , ومحدش بيموت ناقص عمر, وكله بإيد ربك... وهكذا من المبررات الخاطئة التي ندعيها لنركن إلى اتباع شهواتنا وملذاتنا وننتظر الموت على هذا الحال!!!!
إن أصحاب رسول الله أعمق الناس فهما للقرآن والسنة وأرضاهم بقضاء الله وقدره وقد سمعوا رسول الله يذكر الفتن بين يدي الساعة وكثيراً من العلامات ومع ذلك تفاعلوا معها وتباينت مواقفهم منها كلٌ مع شرع الله يدور وعليه يعتمد في التعامل معها وكانوا يدفعونها لأنهم يوقنون أن ما ذكر رسول الله يجري بقدر الله وما يصنعونه من دفع هذه الفتن من قدر الله أيضاً والعاقل من دفع أقدار الله بأقدار الله كدفع قدر المرض بقدر التداوي وقدر الفقر بقدر السعي وقدر الهزيمة بقدر تجنب أسبابها والأخذ بعوامل الانتصار, ولعل من أجمل ما يدل على ذلك الفهم الصائب هو موقف الفاروق عمر بن الخطاب في طاعون عمواس بالشام, هذا الطاعون الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من علامات الساعة, فعن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهْوَ فِى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ « اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ ، مَوْتِى ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ مُوتَانٌ – موت كثير- يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ – داء يصيب الدواب فتموت فجأة- ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِى الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا »أخرجه البخاري وأحمد, سيأتي الحديث إن شاء الله عن هذه العلامات , لكن الشاهد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حادثة طاعون عمواس في دلالة قوله" ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ - كما أخبر بذلك شراح الحديث,وقالوا لأن هذا الطاعون مات فيه خلق كثير وصلوا إلى خمسة وعشرين ألفاً منهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح, وقد ذكر ابن عباس خبر قدوم أمير المؤمنين عمر إلى الشام أيام الطاعون وموقفه من ذلك فلنسمع إلى هذا الأثر البليغ,عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ – قرية بوادي تبوك في طريق الشام- لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لي الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ, فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا,فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ ، وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ . فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى . ثُمَّ قَالَ ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ,فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّى,ثُمَّ قَالَ ادْعُ لي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ ، إني مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي فِى هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ » . قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ" متفق عليه
وهذا يدل على أنه ليس المطلوب الاستسلام للأقدار بقدر ما هو المطلوب مدافعة الأقدار بالأقدار ولا يتنافى هذا مع طبيعة الإيمان بالقضاء والقدر ولذا قال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله "ليس الرجل الذي يسلِّم للأقدار وإنما الرجل الذي يدفع الأقدار بالأقدار ورحم الله أنس بن النضر حين رأى بعض الصحابة جلسوا بعد إشاعة موت رسول الله في أُحُد فقال لهم وقد ألقوا ما بأيديهم فقال : ما تنتظرون ؟ فقالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال : اللّهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ، فقال : أين يا أبا عمر ؟ فقال أنس : واها لريح الجنة يا سعد، إني أجده دون أحد، ثم مضي فقاتل القوم حتى قتل، فما عرف حتى عرفته أخته ـ بعد نهاية المعركة ـ ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم" زاد المعاد
ثانياً : دفع الخور والهزيمة النفسية عن المسلم من أوضح الغايات في ذكر العلامات.
فعندما يرى المسلم أحوال أمته وواقعها المؤلم وما هي عليه من ذلة واستكانة ومهانة يأخذه اليأس فما إن تعرف على علامات الساعة يرى أنها حادٍ له على القيام بأعباء الرسالة والنهوض من هذه الكبوات وذلك ليقينه أن هذا الواقع ليس حتمياً ولن يستمر وأن الأمة لا بد وأن تعلو وتعز وذلك على الصعيد الداخلي والخارجي ولعل ذلك هو سر جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة, فعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « مَا أَعْدَدْتَ لَهَا » قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ». فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا" متفق عليه, وكذلك حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ" أحمد والبخاري في الأدب وصححه الألباني
ثالثاً : بشريات الساعة لا تعد من المثبطات ولكنها من المعينات
فكثير من الأحاديث جاءت مبشرات كقتال الروم والانتصار عليهم وكذا اليهود وخروج المهدي ....إلخ, ومن مقتضيات الإيمان بهذه الأشياء هو الاستعداد لها فالمهدي مثلاً أخبر رسولُ الله أنه سيجمع الأمة ويملأ الأرض عدلاً... هذا حق لكن:
ليست المشكلة في خروج المهدي ولكن المشكلة الحقيقية في مدى استعداد الأمة لهذا الدين ومدى استقامتها على نهجه وإذا تحققت هذه الاستقامة كان خروج المهدي بمثابة المجازاة للأمة على استقامتها فيسلك بها المهدي سبيل النجاة,ومن هنا فلا يتصور خروج المهدي إلا بعد أن يوجد مهديون كثيرون في الأمة يمهدون له جهده وييسرون له السبيل للوصول إلى ما يريد فالأثر المبارك الذي يحدثه المهدي في الأرض لا يكون بسبب جهده فقط وإنما بسبب جهد رعيل من الربانيين والصديقين ممن يمهدون لجهده وإلا كان خروجه حجة على كل من حضره
ولنا في الأمم السابقة عبرة, فاليهود بعث الله لهم بعض الأنبياء في بعض الفترات بمثابة إقامة الحجة عليهم وذلك لخبث نفوسهم وتمكن الهوى من قلوبهم وعدم استعدادهم لحمل أعباء الرسالة فما كان منهم إلا أن تخلصوا من أنبيائهم في تلك المراحل إما بقتلهم أو بقتل قدسيتهم في نفوسهم من خلال تكذيبهم
والمهدي مهما بلغ فلن يبلغ درجة أدنى نبي فإن وجد في أمة سيطرت عليها الأهواء وتمكن منها حب الدنيا ولم يجد رعيلاً من الربانيين الذين يحملون معه أعباء الرسالة بهمة عالية فعند ذلك لا يتصور أن يعدو خروجه من باب إقامة الحجة ولن يكون حظه في الأمة بأفضل من حظ بعض أنبياء بني إسرائيل.
وعلى ذلك يمكن القول بأن خروج المهدي لا يدل على مرحلة خروج قائد معه النصرة الربانية بقدر ما يدل على ميلاد أمة ونضوجها للقيام بأعباء الرسالة وقيادة العالم كله نحو الهدى والرشاد فما خروج المهدي إلا جائزة لأمة استعدت للقيام بأعباء الرسالة وكانت جديرة بالعزة والتمكين.
لعل الموضوع صعب الاستيعاب لكنه عظيم الأهمية إذ أنه الضابط للاستفادة من ذكر علامات الساعة وتحقيق الغايات المرجوة منها والتي إذا تحققت بفهم المراد من هذه العلامات حققت السعادة للمسلم في الدنيا والآخرة وأنتجت العزة والتمكين لأمة الإسلام خاصة في المرحلة القادمة