tamer.page.tl
  أنذرتكم النار
 

هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون

لقد قست القلوب فهي ما بين شواغل الدنيا وصوادفها وملهياتها. ثم إذا أفاقت فإذا هي تفيق إلى نكبات وهموم وغموم تتجاذبها، فإذا حديث الرقائق والرغائب.إذا الحديث المخّوف والحديث المرقق غريب عن القلوب، غريب على الآذان ، قل ما تنصت إليه وقلّ ما تسمعه. لهذا جاء الحديث عن النار , وكما عودتكم سوف يكون الحديث مكثفا في العناصر الأتية

1- ما هي جهنم ؟                           2- أسماءها                           3- لماذا خلق الله النار ؟          4- أنذرتكم النار                       5- هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون              6- صراخ أهل النار              7- من هم أهلها؟      8- ما موقف المسلم منها؟    9- ما الطريق إلى النجاة ؟

قال تعالى : [لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ] [آل عمران:197]. متعب للنفس المسلمة أن ترى الباطل في صولة وسلطان. وأن ترى الحق في ذل وهوان ولكن ذلك يزول عندما تعلم وتوقن أن الدنيا متاع، ولابد للمتاع أن ينفد، وجهنم هي المآل والمصير للباطل وأهله.

فما جهنم؟ ولماذا؟ وما صفتها؟ ومن هم أهلها؟ وكيف النجاة منها؟

أما جهنم: فكما أنه سبحانه جعل مستقر رحمته لأوليائه الجنة فقد جعل مستقر عذابه لأعدائه جهنم.

- أن لجهنم أسماء تدل على شدتها وأهوالها، ومن أسمائها :

  أ/ الهاوية: [فأما من خفت موازينه فأمه هاوية ][القارعة:8-9]. قال ابن زيد: (الهاوية النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها)([1][1]).

 ب/ الحطمة: [كلا لينبذن في الحطمة ][الهمزة:4]. قال ابن كثير: (لأنها تحطم من فيها)([2][2]).

 ج/ لظى: كلا إنها لظى نزاعة للشوى [المعارج:15-16]. فهي تتلظى وتلتهب وتحرق جلدة الرأس وهي الشوى وقيل الجلود والهام وقال الضحاك: (تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا)([3][3]).

2- الداخل إليها لا يموت فيستريح ولا يحيي حياة طيبة: [ ثم لا يموت فيها ولا يحي ]  لأعلى:13]. [لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ][فاطر:36]. وعند ذاك يكون الموت أمنية الداخلين، الموت الذي كان أبغض شيء لهم في الحياة يصير أمنية يتمنونها: [ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ][الزخرف:77]. قال ابن عباس: مكث ألف سنة ثم قال: [إنكم ماكثون ]([4][4]).

وأما لماذا جنهم؟:

1- فلا بد من وجود جنهم حتى لا يمضي الظالم من غير عقاب ، فإذا ما اختلت موازين العدالة في الأرض فإن موازين السماء ثابتة لا تعبث بها الأهواء والمصالح والأموال والوساطات: [ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ][الأنبياء:47].

وللحديث: ((يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله باليد الأخرى تشخب أوداجه دما حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله عز وجل: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان. فيقول الله عز وجل للقاتل: تعست))([5][5]). رواه النسائي وصححه الألباني

حتى يتشفى قلب المؤمن من الطغاة والظلمة الذين سفكوا وقتلوا ونهبوا وحرفوا الأمة عن ربها، ومثلوا دور الأمناء وهم الخونة، والصادقين وهم الكذبة والعلية وهم السفلة. ويوم القيامة هو يوم العدل والقصاص، سخرية تقابلها سخرية: [إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ][المطففين:29]. ويوم القيامة: [فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ] [المطففين :34]. وعذاب يقابله عذاب: [إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ] [البروج:10]. وشتان بين عذاب العباد وعذاب رب العباد للعباد.

2- لأن بواعث النفس للعمل ثلاثة فأما أن يكون الباعث هو معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وهذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((فقد كان يقوم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبدا مشكورا))([6][6]). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والحميدي

وأما أن يكون الباعث الرغبة في الجزاء والمثوبة والجنة: [ إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا  وكواعب أترابا وكأسا دهاقا ] [النبأ:31-34].

وأما أن يكون الباعث للعمل الصالح هو الخوف من عذاب الله وعقابه وناره: [ إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ] [الطور :26-27].

وأما صفة جهنم: الرسول يحذر أصحابه

كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه بمواعظ توجل منها القلوب، وتذرف منه العيون، وترتعد منها الفرائص.

يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب أصحابه بكلمات قليلات  يسيرات مباركات.

فيقول لهم أيها الناس: ((أُريت الجنة والنار فلم أرى كاليوم في الخير والشر، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)).رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني

فما أن يتتام هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخفض الصحابة رؤوسهم، ويكبوا بوجوههم، ولهم ضجيج وخنين بالبكاء.

أما إن نفوسنا بحاجة إلى أن نوردها المواعظ والنذر، ونذكرها بما خوف الله به عباده، وحذرهم منه، وقد حذر المولى جل وعلا وأنذر، حذر عباده أشد التحذير وأنذرهم غاية الإنذار من عذاب النار ومن دار الخزي والبوار، فقال المولى جل جلاله وتقدست أسماؤه:[ فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ ] [الليل:14]. وقال: [إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ نَذِيراً لّلْبَشَرِ] [المدثر:35-36].

فوالله ما أنذر العباد وخوفهم بشيء قط هو أشد وأدهى من النار. وصف لهم حرها ولظاها، وصف لهم طعامها وشرابها، وصف أغلالها ونكالها، وصف حميمها وغساقها، وصف أصفادها وسرابيلها.

وصف ذلك كله حتى إن من يقرأ القرآن بقلب حاضر، ويسمع وصف جهنم فكأنما أقيم على شفيرها فهو يراها يحطم بعضها بعضاً، كأنما يرى أهل النار يتقلبون في دركاتها، ويجرجرون في أوديتها. كل ذلك من المولى جل وعلا إنذار وتحذير. وكذا خوف نبينا صلى الله عليه وسلم من النار وحذر وأنذر، وتوعد وحذر، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الإنذار، شديد التحذير من النار. وقف صلى الله عليه وسلم على منبره فجعل ينادي ويقول: ((أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار)). وعلا صوته صلى الله عليه وسلم حتى سمعه أهل السوق جميعاً، وحتى وقعت خليصة كانت على كتفيه صلى الله عليه وسلم، فوقعت عند رجليه من شدة تأثره وانفعاله بما يقول عليه الصلاة والسلام. رواه احمد والدارمي وصححه الألباني ، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((أنا آخذ بحجزكم عن النار، أقول: إياكم وجهنمَ والحدود، إياكم وجهنم والحدود، إياكم وجهنم والحدود)). فهو صلى الله عليه وسلم أخذ بحجز أمته يقول: ((إياكم عن النار، هلم عن النار، وهم يعصونه ويتقحمونها)). رواه مسلم وأحمد

أيها الأخوة في الله:

ثم أصبح الحديث عن النار وعذابها حديثاً خافتاً لا تكاد تتحرك به الألسنة ولا تستشعره القلوب ولا تذرف له العيون. حديثاً غريباً عن المسامع، بعيداً عن النفوس. مع أن ربنا جل جلاله قد ذكّرنا بها غاية التذكير، وحذرنا منها أعظم التحذير. ألا فلنُشعر القلوب بشيء من أحوالها، ولنذكّر النفوس بشيء من أهوالها، عسى قسوة من قلوبنا تلين، وغفلة من نفوسنا تُفيق.

فإن سألت عن النار فقد سألت عن دار مهولة، وعذاب شديد.

فإن سألت عن أبوابها

فتعال بنا أخي نتعرف على أبوابها :

قال تعالى : [لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ][الحجر : 44] إذن فلها سبعة أبواب  

البـــاب الأول:-
يسمى جهنم لآنه يجهم في وجوه الرجال والنساء فيأكل لحومهم ، وهو أهون عذابا من غيره
.
البــاب الثــاني :-
ويسمى لظــى آكلة اليدان والرجلان تدعو من أدبر عن التوحيد وتولى عما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام
.
البــابا الثالث:-
يقال له سقر انما سمي سقر لأنه يأكل اللحم دون العظم
البــاب الرابــع :-
يقال له الحطمة تحطم العظام وتحرق الأفئدة وترمي بشرر كالقصر فتطلع الشرر إلى السماء ثم تنزل فتحرق وجوهم وايديهم فيبكون الدمع حتى ينفذ ثم يبكون الدماء حتى تنفذ ثم يبكون القيح حتى ينفذ
البـــاب الخامس :-
يقال له الجحيم انما سمي بذلك لأنه عظيم الجمرة ، الجمرة الواحدة اعظم من الدنيا
البــــــاب السادس :-
يقال له السعير سمى هكذا لأنه يسعر فيه ثلاثمائة قصر في كل قصر ثلاثمائة بيت في كل بيت ثلاثمائة لون من العذاب وفيه حيات وعقارب وقيود وسلاسل وأغلال ، وفيه جب الحزن ليس في النار عذاب أشد منه إذا فتح باب الحزن حزن أهل النار حزنا شديداً .
البـــاب السابع :-
يقال له الهاوية من وقع فيه لم يخرج ابدا وفيه بئر الهباب يخرج منه نار تستعيذ منها النار ، وفيه الذين قال الله فيهم {سأرهقه صعودا} ، وهو جبل من نار يوضع أعداء الله على وجوههم على ذلك الجبل مغلولة ايديهم إلى أعناقهم، مجموعة أعناقهم إلى أقدامهن ، الزبانية وقوف على رؤسهم بأيديهم مقامع من حديد إذا ضرب أحدهم بالمقمعة ضربة سمع صوتها الثقلان. وأبواب النار من حديد ..

فإن سألت حرّها وعن قعرها وحميمها وزقومها وأصفادها وأغلالها وعذابها وأهوالها وحال أهلها؟

فما ظنك بحر نار أوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة.

أما بُعدْ قعرها فما ظننا بقعر نار يلقى الحجر العظيم من شفرها فيهوي فيها سبعين سنة لا يدرك قعرها والله لتملأن والله لتملأن والله لتملأن. رواه أحمد صحيح الألباني

أما طعامها وشرابها فاستمع إلى قول خالقها والمتوعد بعذابها [ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ] [ الدخان 43-46 ] وقوله: [ أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم. ] [ الصافات62-66 ]

أما شرابها فاستمع إلى ما يقول ربنا وخالقنا: [ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ] . [ الكهف 29 ]

فهذا الطعام ذا غصة وعذاب أليم وهذا الشراب يسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن وراءه عذاب غليظ.

يقول - عليه الصلاة والسلام - في بيان حال طعام أهل النار: ((لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم)) رواه الترمذي واحمد وابن ماجه وصححه الألباني ، فكيف بمن تكون طعامه، يلقى على أهل النار الجوع فإذا استغاثوا، اغيثوا بشجر الزقوم فإذا أكلوه غلا في بطونهم كغلي الحميم فيستقون، فيسقون بماء حميم إذا أدناه إلى وجهه شوا وجهه فإذا شربه قطّع أمعاءه حتى يخرج من دبره فسقوا ماءا حميما فقطّع أمعاءهم أما سلاسلها وأغلالها فاستمع إلى وصفها: [ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ] [ الحاقة 32 ]  يؤخذ بالنواصي والأقدام أي أن ناصية رأسه تجمع إلى قدميه من وراء ظهره، وينشيء الله لأهل النار سحابة سوداء مظلمة، فيقال لهم: يا أهل النار أي شيء تطلبون، فيقولون الشراب، فيستقون، فتمطرهم تلك السحابة السوداء أغلالا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم، وجمرا يتلهب عليهم ضعيف، أما عذاب أهل النار وكل ما مضى من عذابها، فما ظنك بعذاب دار أهون أهلها عذابا من كان له نعلان يغلي منهما دماغه ما يرى أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم،رواه البخاري و مسلم و أحمد  والترمذي وابن حبان صحيح , أما حال أهلها فشر حال وهوانهم أعظم هوان، وعذابهم أشد عذاب وما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم [ خمسين ألف سنة ] [ المعارج 4 ] لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أكبادهم جوعا، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية قد آذى حرها واشتد نضجها فلو رأيتهم وقد أسكنوا دار ضيقة الأرجاء مظلمة المسالك مبهمة المهالك قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمة المعاصي يسحبون فيها على وجوههم مغلولين النار من فوقهم، النار من تحتهم، النار عن أيمانهم، النار عن شمائلهم، [لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ][الأعراف :41]فغطاؤهم من نار وطعامهم من نار وشرابهم من نار ولباسهم من نار ومهادهم من نار فهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران وضرب المقامع، وجر السلاسل يتجلجلون في أوديتها، ويتحطمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها، تغلي بهم كغلي القدر وهم يهتفون بالويل ويدعون بالثبور، يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق يتفجر الصديد من أفواههم وتتقطع من العطش أكبادهم، وتسيل على الخدود عيونهم وأهدابهم، كلما نضجت جلوده بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب أمانيهم فيها الهلاك وما لهم من أسرها فكاك، فما حال دار إذا تمنى أهلها تمنوا أن يموتوا؟ كيف بك لو رأيتهم وقد اسودت وجوههم؟ فهي أشد سوادا من الحميم، وعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم وقصمت ظهورهم، ومزقت جلودهم وغلّت أيديهم إلى أعناقهم وجمع بين نواصيهم وأقدامهم، يمشون على النار بوجوههم ويطأون حسك الحديد بأحداقهم ينادون من أكنافها ويصيحون من أقطارها: يا مالك قد أثقلنا الحديد، يا مالك قد حق علينا الوعيد، يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك قد تفتتت منا الكبود، يا مالك العدمُ خير من هذا الوجود، فيجيبهم بعد ألف عام بأشد وأقوى خطاب وأغلظ جواب [ إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ] [ الزخرف 77، 78 ] فينادون ربهم وقد اشتد بكاؤهم وعلا صياحهم وارتفع صراخهم [ ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا فإن عدنا فإنا ظالمون ] فلا يجيبهم الجبار جل جلاله إلا بعد سنين، [ فيجيبهم بتوبيخ أشد من العذاب اخسئوا فيها ولا تكلمون ] [ المؤمنون 106 -  110 ] فعند ذلك أطبقت عليهم وغلقت، فيئس القوم بعد تلك الكلمة أيما إياس، فتزاد حسراتهم وتنقطع أصواتهم فلا يسمع لهم إلا الأنين والزفير والشهيق والبكاء، يبكون على تضييع أوقات الشباب ويتأسفون أسف أعظم من المصاب، ولكن هيهات هيهات ذهب العمل وجاء العقاب.

نداءات أهل النار وصريخهم :  قال محمد بن كعب القرظي فيما ذكره البيهقي

لأهل النار 5 نداءات يجابون في أربع منهم وفي الخامسة لا يتكلمون بعدها أبدًا

1-قال تعالى : [ قالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ] [غافر : 11] فيجابون قال تعالى : [ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ] [غافر : 12]

2-قال تعالى : [وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة : 12] فيجابون قال تعالى : [فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ] [السجدة : 14]

3-قال تعالى [أَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ] [إبراهيم : 44] فيجابون [أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ] [إبراهيم : 44]

4-قال تعالى : [وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ] [فاطر : 37]  فيجابون قال تعالى : [أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ] [فاطر : 37]

5-قال تعالى : [قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)] [المؤمنون : 106-107] فيجابون قال تعالى : [قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ] [المؤمنون : 108]

فلا يتكلمون بعدها أبدًا ما هو إلا شهيق وزفير كأصوات الحمير

لقد خاب من أولاد آدم من مشى           إلى النار مغلول القيادة أزرقا

يساق إلى نار الجحيـم مسربلا                سرابيل قطران لباساً محرقـا

إذا شربوا منها الصديد رأيتهـم                   يذوبون من حر الصديد تمزقا

ويزيدهم عذابهم شدة، وحسرتهم حسرة  تذكرهم ماذا فاتهم بدخول النار.

لقد فاتهم دخول الجنان، ورؤية وجه الرحمن، ورضوان رب الأرض والسماء جل جلاله.

ويزيد حسرتهم حسرة، وألمهم ألماً أن هذا العذاب الأليم والهوان المقيم ثمن اشتروه للذة فانية، وشهوة ذاهبة، لقد باعوا جنة عرضها السماوات والأرض بثمن بخس، دراهم معدودة. بشهوات تمتعوا بها في الدنيا ثم ذهبت وذهبوا فكأنها وكأنهم ما كانوا وما كانت. ثم لقوا عذاباً طويلاً، وهواناً مقيماً. فعياذاً بالله من نار هذه حالها. وعياذاً بالله من عمل هذه عاقبته.

وأما من هم أهلها؟:

الملحدون: الذين يدعون العقل ولا عقل، والذين انكروا أن يكون للكون إله وعاشوا وماتوا على ذلك، فإن من العقول من لا تؤمن حتى ترى العذاب: [ لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم ] [الشعراء:201].

المشركون: الذين جعلوا مع الله إلها آخر سواء كان صنما أو شجرا أو طاغية يأخذون منه المنهج والتشريع، وأعرضوا عن منهج الله المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذين اعتقدوا أن غير الله سبحانه هو النافع الضار المحيي المميت، الرازق المانع: [ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب إن القوة لله جميعا وإن الله شديد العذاب ] [البقرة:165].

المنحلون: الذين يريدون أن تنزلق الأمة إلى مهاوي الرذيلة والخنا حتى يسهل قيادها لأعداء الله ويلتمسون لذلك الأساليب من ترويج لصور العاهرات والساقطات حيث لم يتركوا عاهرة إلا وعقدوا معها لقاء وأظهروها بمظهر المتحررة من القيود البالية، ومن يثيرون الغرائز الحيوانية بالكلمة المسموعة أو المقروءة أو المرئية ومن لا يحسنون إلا (أدب الفراش) من شعراء النهود، ومن يتكسبون الأموال بالحفلات الماجنة وتأجير الشقق للدعارة وتحويل البلاد إلى بيت دعارة باسم السياحة والانفتاح قال تعالى: [ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ] [النور:19].

المجرمون: الذين لا تجدهم في مواطن الرجولة والدفاع عن الأمة وساحات الكرامة الذين لا يحسنون إلا قتل الأبرياء والعُزّل من المؤمنين، والأمة إذا فسقت ذلت وهانت وصارت نعلا بقدم الطاغية: [ فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ] [الزخرف:54]. يسلب مالها، ويهتك عرضها، ويسلك بها سبل الضلالة والغواية والسقوط، وهي ترقص وتغني وتضحك وتصفق للمجرم الذين يغتال صالحيها: [ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ] [النساء:93].

المضيعون لفرائض الله سبحانه: [ ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ]         [المدثر:43-45]. قال ابن كثير: (أي ما عبدنا ربنا ولا أحسنا إلى خلقه من جنسنا وكلما غوى غاو غوينا معه حتى جاءهم الموت)([7][19]).

وأما موقف المسلم من جهنم:

فإن العبد كلما ازداد معرفة كلما ازداد خشية وكلما ازداد خشية ازداد صلاحا واغتناما للأوقات قبل رحيلها، فهناك تعظم الحسرات وتسيل العيون بالدموع والعبرات أنهارا: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو اجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم مكان الدمع))([8][20]). وتعض الأيدي ندما وتحسرا: [ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ] [الفرقان:27]. وتصرخ الألسن بالأمنيات: [ ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ] [الأنعام:27]. [ يا ليتني قدمت لحياتي ] [الفجر:24]. [ يا ليتها كانت القاضية ] [الحاقة:27]. [ قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ] [المؤمنون:99-100].

فكان لابد من:

1) أن تعلم أن اللذة والنشوة الحرام سوف تذوي وتذوب عند أول غمسة في النار: ((ويؤتي بأنعم أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغه ثم يقال: يا ابن آدم: هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب))([9][21]).ويصبغ أي يغمس.رواه مسلم وابن ماجه وأحمد

التوبة: [ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ] [التحريم:8]. قال ابن كثير: (التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته وتستغفر منه كلما ذكرته) وقال عمر رضي الله عنه: (إن يتوب الرجل من العمل السيئ ثم لا يعود إليه أبدا)([10][22]) واستيفاء شروط التوبة من الندم والعزيمة على أن لا تعود إلى الذنب ورد الحقوق إلى أصحابها والإقلاع عن المعصية.

المحاسبة: محاسبة النفس لازمة للنجاة يقول عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا) فما وجدته من خير فأحمد الله عليه وما وجدته من شر فاستغفر الله عنه واعزم على أن يكون غدك خير من يومك ويومك خير من أمسك.

2) العمل: فما ذكر الله الإيمان إلا واتبعه بذكر العمل الصالح الذي يصدقه، والذي يوزن يوم القيامة هي الأعمال: [ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ] [القارعة:7-9]. [ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ] [الزلزلة:7-8].

 3) المجاهدة: [ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ] [العنكبوت:69]. ((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره))([11][23])رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والدارمي مخالفة هوى النفس وطاعة الرحمن هي السبيل إلى تلك الجنان.

4) أن تحفظ جوارحك وحواسك عن الحرام: [ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ] [الإسراء:36]. [ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ] [النبأ:40]. ((من يضمن لي ما بين لحييه (عظما الحنك أي اللسان) وما بين رجليه (الفرج كناية عن الزنا) ضمنت له الجنة))([12][24]). رواه البخاري والترمذي

وسأل عقبه بن عامر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله ما النجاة؟ قَالَ « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ))).رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني

5) أن يكون لك ورد تحافظ عليه في يومك وليلتك:

من قراءة لجزء من القرآن في كل ليلة ما أمكن.

والمحافظة على الصلوات المكتوبة في المسجد، والمحافظة على السنن الراتبة.

وأن يكون لك ركعات بعد صلاة العشاء ومن الليل.

وأن تكون محافظا على الأوراد والأدعية.

وأن تكون لك في كل باب من أبواب الخير نصيباً، لعلك تنجو وتزحزح وتفوز.

اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو فعل أو عمل

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه



 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free