تذكر لحظة الوداع
يقول الشاعر
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا *****مستوحشا قلق الاحشاء حيرانا
والنار تلهب من غيظ ومن حنق****على العصاه ورب العرش غضبانا
اقرا كتابك يا عبد على مهل******فهل ترى فيه حرفا غير ما كان
فلما قرات ولم تنكر قر اءته******واقررت اقرار من عرف الاشياء عرفانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى***وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا
العاصون غدا فى النار يلتهبوا***والموحدون لدار الخلد سكانا
قال تعالى : [ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) ] [ سورة الإسراء : 13 – 15 ]
قوله تعالى: «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه» قال الزجاج: ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق. وقال ابن عباس: «طائره» عمله وما قدر عليه من خير وشر، وهو ملازمه أينما كان قال بن ادهم : كل آدمي في عنقه قلاده يكتب فيها نقطة عمله فإذا مات طويت وإذا بعث نشرت وقيل له إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا , «ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا» قال الحسن: يقرأ الإنسان كتابه أميا كان أو غير أمي. يعرف القراءة أو لا يعرفها ينطق ويقرأ في هذا اليوم تفسير القرطبي
فتخيل نفسك إذا تطايرت الكتب ونصبت الموازين وقد نديت اسمك على رؤوس الخلائق أين فلان بن فلان ......... استعد للوقوف بين يدي الله هلم للعرض على الله وقد وكلت الملائكة بأخذك قربتك إلى الله لا يمنعها ارتباط الأسماء باسم أبيك أو جدك فإذا علمت أنك المقصود بالدعاء وإذا قرع النداء قلبك وعلمت أنك المقصود فارتعدت فرائصك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك لعلمك أين يراد بك ...وتخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض على الله و الوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم عن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة ( متفق عليه) والترمذي والبيهقي وصحيح الجامع قال الترمذي : حسن صحيح قال الشيخ الألباني : صحيح
فتخيل عبد الله نفسك وقفا بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بقلب منكسر ذليل كم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها , وكم من سيئة قد كنت أخفيتها أظهرها , وكم من عمل ظننت أنه قد سلم وخلص لك فرده عليك واحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيمًا , فيا حسرتك واسفك على ما فرطت يه من طاعة ربك عن عَائِشَةُ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هَلَكَ » . فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ عُذِّبَ » . متفق عليه
ثم يبدأ الحساب وتكشف الحقائق وتظهر الفضائح
فتذكر أنك موقوف بين يدي الله ليس بينك وبينه ترجمان , ستقف وستسأل عن القليل والكثير , عن الصغير و الكبير , عن العمر و الشباب , عن المال , عن كل نظرة , عن كل كلمة قلتها قال تعالى : [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ] [آل عمران : 30] ستسأل عن كل صلاة تخلفت عنها , هل حَافِظتَ على الصوم والزكاة , هل أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر , هل دافعت عن أعراض المسلمين . ستسأل عن حقوق وواجبات , وأوامر ومنهيات فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورًا , ومنهم من يحاسب حسابًا عسيرًا ويدعو ثبورًا . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يدني المؤمن فيضع على كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول نعم يا رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك . قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) . متفق عليه فحاسبوا أنفسكم عباد الله واستعدوا للعرض أمام الله جل في علاه .
إلى متى الغفلة عبد الله؟ ومنادي الله يناديكم [ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ ] [الأنبياء : 1] اعلم رعاك الله أنه عند صفحة الموت لا حسرة تقال , ولا توبة تنال كان خليد العصري : كلنا أيقن الموت وما نرى له مستعدًا , وكلنا أيقن بالنار وما نرى لها خائفا , وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى له عاملا ً .
إلى متى الغفلة عبد الله؟ أين ندمك على ذنوبك ؟ أين حزنك على عيوبك ؟ إلى متى تؤذى بالذنب نفسك وتضيع يومك كما ضيعت أمسك , لا مع الصادقين لك قدم , ولا مع التائيين لك ندم . فهلا بسطت يدا سائلة , وهلا أجريت دموعا سائلة
انتبه قبل أن تنادي [ رَبِّ ارْجِعُونِ ] [ المؤمنون : 99 ] فيقال لك [ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ] [ سبأ : 54 ]
انتبه قبل أن تقف للعرض أمام الله فتقول [ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ] [الزمر : 56] . يقول تعالى [حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ (101) ] [ المؤمنون 99 – 101 ] . مر الحسن البصري على أقوام يضحكون فقال : هل مررتم على الصراط . قالوا : لا قال : أتدرون إلى الجنة يُأخذ بكم أم إلى النار قالوا : لا . قال : فعلام الضحك لا إلى الصراط مررتم ولا إلى الجنة تأخذون ولا من النار تنجون وتضحكون [ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ] [الحجر : 3] فاتقوا الله عباد الله [وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ] [البقرة : 281] أدوا الحقوق وتحلوا من بعضكم قبل الآ يكون درهم ولا دينار , أخلصوا أعمالكم لله , حافظوا على الصلوات , انتهوا عن الفواحش والمنكرات . وتوبوا إلى الله توبة نصوحًا [ يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ] [التحريم : 8]
