tamer.page.tl
  قد أفلح من زكاها
 

هذا الحديث يأتي كحلقة ثانية لسابقة المتهم الول عن النفس وخطورتها وكيف الخلاص منها والذي ذكر منه خطوة أولى وهي محاسبة النفس وهذا تتمة لما سبق وينظم في ثلاث نقاط :

1-والذين جاهدوا فينا           2-قد أفلح من زكاها                  3-أدرك نفسك قبل الفوات

4- خالف تعرف                                       5- وإذا انت اكرمت اللئيم تمردا

 

إن النفس الإنسانية ميالة بطبعها إلى الكسل والضعف والإهمال والإقدام عى المعاصي لأنها شهوات وملذات وراحات تركن إليها عن الطاعات لمشتقتها عليها لذا كان لزاما على من عرف خطر نفسه أن يحاسبها ما لها وما عليها وبعد أن يتبين له مواطن الربح ومزالق الخسران يجاهد نفسه في اغتنام هذا واجتناب ذاك وهذا لا يكون إلا بالمجاهدة التي قال عنها ربنا [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)][العنكبوت :69]

وقال عنها رسول الله : الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ لِلَّهِ " أَوْ قَالَ: " فِي اللهِ  رواه أحمد وابن حبان وأسناده صحيح

قال عنها ابن بطال وجهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكبر قال الله [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)][النازعات : 40-41]

ومن أهم عناصر المجاهدة إن أراد ترويض نفسه الطاعة وترهيبها وإقصاؤها عن المعصية شيئين :

1-  المخالفة :

حيث أن النفس إن صارت هي القائد المتحكم في الإنسان أوبقت دنياه وآخرته حتى أنك قد تجد آيات القرآن تنسب الظلم غليها لأن أصحابها اتبعوها علي غيربصيرة فقادهم غلى الهاوية قال تعالى :[وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)][آل عمران : 117][النحل : 33] وبين رسولنا عجز من تقوده نفسه وأنه عاجز حقا فقال  الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وأحمد وغيرهم كثير

لذا ضرب أصحاب محمد ومن بعدهم أروع الأمثلة في هذه المخالفة ولك ان تسترجع ذاكرتك التاريخية حوالى 1420 لتلحظ رسول الله في المدينة مع أصحابه وقد جهز جيشا موجها إلى الشام قوامه 3000 والنصارى 200000مقاتل في غزوة مؤته لم يخرج فيها رسول الله ولكن  الله كشف له الحجاب فرأها ووصفها كانه فيها ولذا سميت غزوة ، تلحظ القدة يستشهدون واحدًا بعد واحد زيد بن الحارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم ياتي دور ابن رواحة فتحاول نغسه أن تتكأ فيخالفها أشد مخالفة ليس في طعام أو شراب أو طاعة أو شهوة كالذي نريد ولكنه يخالفها في موتها لأنها لا تريده وهو خير لها يناجيها قائلا إلى أي شيء تتشوقين إلى فلانة فهي طالق ثلاثًا وإلى  وإلى فلان وفلان عبيد له وإلى حائط كذا كل ذلك صدقة لله ورسوله ثم ينشد :

وأقسمت يا نفس لتنزلنه *** مكرهه أو لتطاوعنه

إن أجلب الناس وشدوا العرنة *** ما لي أراك تكرهين الجنة

 قد طال ما قد كنت مطمئنة ***  هل أنت إلا نطفة في شنة
 يا نفس إلا تقتلي تموتي ***  هذا حمام الموت قد صليت

 وما تمنيت فقد أعطيت *** إن تفعلي فعلهما هديت

ثم تقدم وقاتل حتى استشهد

وهذا أبي أمية الغفاري يقول : كنا في غزوة لنا فحضر عدوهم فصيح في الناس فهم يثبون إلى مصافحهم في يوم شديد الريح إلى رجل أمامي رأس فرسي عند عجز فرسه وهو يخاطب نفسه فيقول وهو يخاطب نفسه ويقول أي نفس ألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلت أهلك وعيالك فأطعتك ورجعتألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلت أهلك وعيالك فأطعتك ورجعت والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك أو تركك فقلت لأرمقنه اليوم فرمقته فحلم الناس على عدوهم فكان في أوائلهم ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في حماتهم ثم إن الناس حملوا فكان في أوائلهم ثم حمل العدو وانكشف الناس فكان في حماتهم قال فوالله ما زال ذلك دأبه حتى رايته صريعا فعددت به وبدابته ستين أوأكثر من ستين طعنة

صفة الصفوة

* ليعلم كل المسلمون أن هؤلاء ما وصلوا إلى هذا القدر إلا حين خافوا أنفسهم في شهواتهم وفي طاعاتهم فاكرها أنفسهم عليها وفي المباحات فتروا على المخالفة فوصلوا إلى هذه المنازل العلى ليسمع الكون كله ذلك حتى لا يدعي مسلم الآن أنه يحب الإسلام ونصرته والجهاد في سبيله ويتمنى لو باع نفسه لله إن الإدعاءات كثيرة والتجربة واضحة وأول ذلك عدم صبرنا على الطاعة وعدم مخالفتها في المعصية

* هذا عمر بن عبد العزيز يحب إحدى جواري فاطمة زوجته فيسألها إياها فتأبى عليه إلى أن ولى الخلافة وبعد فترة أرادت أن تسره وتفرحه فأخبرته بأنها وهبتها له فقال لها تجهزي فتجهزت ثم دخلت عليه فقال أين كنت قبل أن تأتي إلى فاطمة فقالت كنت عند رجل باع الحجاج عليه ما يملكه فكنت ممن ما يملك فأخذني الحجاج وأعطاني إلى عبد الملك فأهداني إلى ابنته فقال لها هل لهذا الرجل ولد قال نعم قال شدي عليك ثيابك ثم بعث إليه فلما جاء أعطاه إياها فتعجبت وقالت يا أمير المؤمنين وأين وجدك على وحبك لي فقال والله كما هو بل زاد ولكني أرادت أن أخالف نفسي وإلا فلست ممن ينهى النفس عن الهوى .

وهذا زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول اجلسي أين تريدين اين تذهبين أتخرجين إلى احسن من هذا المسجد انظري إلى ما فيه تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان أو أن تتسامري مع فلان وفلان كفي عن هذا . ليسمع الذين يتقلبون على اليمين والشمال في المساجد وكأنهم يتقلبون على جمر ولو أن احدهم على مقهى أو في الشارع أو على التيفزيون لما مل من الساعات الطوال ولكنها النفس الخبيثة الأمارة بالسوء لو تفكر بعين بعيدتها وتذكر حينها وهو يقول وخير بقاع الأرض المساجد  لما أرادت أن تخرج منه إلا محمولة على الأعناق ولكن إلى الله المشتكى وإليه المفزع

ولم يتوقف الأمر بالمخالفة عند ترك الشهوة الباحة أو فعل شيء محبوب شرعا فحسب بل كانت مخالفة النفس حتى في المباح وإن الكبار حتى تعتاد أن تكون منقاده وليست قائده ومنساقه وليست سائقة وأمة وليست سيدة

إن الأزمة التي يعيشها المسلم في ضعفه أما شهوة المعصية وكسله وعجزه أمام صعوبة الطاعة من وجهة نظره لنذير هلاك والضياع بل غن ما أدرك المسلمين من ذلة وهوان كان للنفس الدور الأكبر فيها

ولله در الفاروق عمر يعلمنا تربية النفوس الكبار

تشتهي نفسه اللحم فيطعمها الزيت فتشمئز منه فيتركها تأكله فتشمز حتى ألفته فلما ألفته أطعمها خلا فاشمئزت منه فيتركها تأكله فتشمز حتى ألفته فأعادها إلى الزيت وقال هكذا دأبي ودأبك والله لن تغلبينني لئن تكوني أمة لي خير من أن أكون عبدا لك

لماذا كل هذا العناء حتى فيما أحل الله

لأنهم علموا أن النفس إذا اعتادت شيئا ألفته فصعب أن تنفك عنه فعودها المخالفة حتى يملكوها كما قال البوصيري :

والنَّفْسُ كَالطِفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى ... حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ

وقال أحدهم :

إن استطعت أن تدع مما أحل الله ليكون حاجزا بينك وبين ما حرم الله فإن من استوعب الحلال تاقت نفسه إلى الحرام

أولا ترى هذا واقعا

هو تعود يقعد على القهوة          إتعود يصاحب فلان وفلان شلة سوء

ما تعود يصلي في المسجد             إتعود يسمع تليزيون         إتعود يسمع أغاني

إتعودت على لبس البناطيل          إتعودت تخرج بشعرها أو بطرحه لف ومش بخمار

إتعودت ............إتعود     هل يمكن أن تخالف هذه العادات

ثانيا المعاهدة

إن لم أستطع ان أقطع عادات بالمخالفة التي هي أسس المجاهدة فعلي بمعاقبتها فالنفس كالإبن العاق إن لم يعاقب شرد وكالعبد السيء الخلق إن لم يعاقبة استفحل شره وكالبذيء المتطاول إن لم يعاقب ازداد تطاوله

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا

وما يوجد عندنا ألئم من النفس

إذا أكرمتها بالإطعام تكاسلت عن الصلاة والقيام

إذا أكرمتها بالمنام نامت عن القيام

إذا أكرمتها بالشهوات ابعدتك تماما عن رب الأرض والسماوات

والجملة إذا أهنتها أكرمتك وإذا أكرمتها أهانتك (هذا في جانب التعامل مع الله ) لذا لابد من معاقبته

معاقبته على التقصير في الطاعة

يعني لو تركت صلاة الجماعة مثلا أتصدق بجنيه أو بشرة أو اصوم يوم أو ......

يعني لو تركت قيام الليل مثلا أتصدق بكذا

أنا أحفظ القرآن إذا لم احفظ أو أقرأ حزبي لا أنام الليلة وأقومها كلها

رحم الله عمر خرج عمر يَوْمًا إِلَى حَائِط لَهُ فَرجع وَقد صلى النَّاس الْعَصْر فَقَالَ عمر إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون فاتتني صَلَاة الْعَصْر فِي الْجَمَاعَة أشهدكم أَن حائطي على الْمَسَاكِين صَدَقَة ليَكُون كَفَّارَة لما صنع عمر رَضِي الله عَنهُ والحائط الْبُسْتَان فِيهِ النخل

وهذا ابنه كان إذا كان إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة

كذلك المعاقبة على المعصية

وهذا كثير غالبا يجب أن نقضي عليه إن المعاصي قد انتشرت واستشرت ويجب القضاء عليها بمثل هذا أن اجعل للمعصية التي افعلها وأديم عليها ولا تفارقني عقوبة مناسبة من صلاة أو صوم أو صدقة أو غير ذلك

فمثلا هو اعتاد التدخين ( ولا يستطيع أن يتوقف ) يجعل له زيمة وعقوبة إن عاد وإلا فليعترف بأن نفسه تملكه وليتنازل في بطاقته عن خانة ذكر وبن الناس في تصنيفه رجل ، اعتاد الغيبة ........اعتاد كثرة الكلام .......... اعتاد سماع الأغاني..........

وهكذا

ولله در وهيب بن ورد حين قال اعتدت الحديث عن الناس الغيبة فعزمت على نفسي إن ذكرت أحد غيبة لأصومن يوم قال فلما كان الصيام لدي مألوف فقلت لإن ذكرت أحد لأنفقن عشرة دراهم فلما كان المال عزيزا عدي ورأيت أن يخرج كففت عنها

حتى فيما لا يعني انوا يعاقبون أنفسهم على الدخول فيه

فهذا حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها

وقال مالك بن ضيغم جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر فقلنا إنه نائم فقال أنوم هذه الساعة هذا وقت نوم ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا وقلنا له ألا نوقظه لك فجاء الرسول وقال هو أشغل من أن يفهم عني شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول أقلت وقت نوم هذه الساعة أفكان هذا عليك ينام الرجل متى شاء وما يدريك أن هذا ليس وقت  نوم تتكلمين بما لا تعلمين أما إن لله على عهدا لا أنقضه أبدا لا أوسدك الأرض لنوم حولا إلا لمرض حائل أو لعقل زائل سوأة لك أما تستحين كم توبخين وعن غيك لا تنتهين قال وجعل يبكى وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته

* هكذا ينبغي معاقبة النفس على ما يصدر منها أشد معاقبة الرجل لدابته حتى تصير لينة معه أينما قيدت إنقادت وهذا هو ثمن مرافقة النبي في الجنة هو ثمن الجلسة م أصحابه فالمحبة ليست إداء وإنما عمل أنى لنا ذلك ونحن منكبون على المعاصي مقبلون على الشهوات مضيعون لللطاعات كل ذلك سببه النفس الخبيثه ركبت فينا فقادتنا قود النعم لصاحبها مغمض العيون مصمتة السمع ، لقد كان السلف يؤدبونها تأديبا حقيقيا يناسب حقارتها

أبو مسلم الخولانى قد علق سوطا في مسجد بيته يخوف به نفسه وكان يقول لنفسه قومى فوالله لأزحفن بك زحفا حتى يكون الكلل منك لا منى فإذا دخلت الفترة تناول سوطه وضرب به ساقه ويقول أنت أولى بالضرب من دابتى وكان يقول أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أن يستأثروا به دوننا كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالا

بعد ذلك تأتي التزكية كعملية تخلية بجوار عمليات التخلية السابقة تأتي لتثبت هواء الإيمان البارد في النفس فتستروح حلاوته وتذوق لذته فلا تفتر عنه ولا تستغني ن ملازمته ولا ترضى عن الله بديلا ، وقد جاءت مادة التذكية المرادة بالنفس 28 مرة مختلفة الدلالات في القرآن  منها ما يعضد به الأخلاق

وهو عظيم مراد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ " رواه أحمد وابن سعد في الطبقات والبيهقي صحيح بشواهده ، لذا لما دعا ابراهيم ربه ببعثة النبي قال :[ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ][البقرة :129] فاستجاب الله لذلك وبث النبي الخاتم وكانت أهم الأسس في رسالته هو تزكية النفوس ببث الخلق الفاضل فيها قال تعالى :[كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ][البقرة :151] وقال تعالى :[هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ][سورة الجمعة : 2] وقد كان رسول الله أرفق الناس وألين الناس وأرق الناس وأحستن الناس ولقد كان خلقه القرىن ، وهذا من أعظم ما يزكي النفس

ثم تأتي التزكية كمراد للتقوى عموما

والتي هي مراد الله من الباد في كل ما شرع قال تعالى :[وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ][النساء : 131] وتجد التزكية ترادفها في مثل قول الله تعالى [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)][الشمس :7-10]وقوله [فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى][النجم :32] وقول النبي صلى الله عليه وسلم اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا

وهنا يجب التنبيه على أن :

الله عز وجل أمر بتزكية النفس أو مدحها وفي موضعين نهى عنها فقال [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ][النساء : 4] وقال [فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى][النجم :32] هل هناك تعارض ؟ والجواب لا

لأن التزكية الممدوحه محاولة لفصل النفس من أدرانها والإطلاع على عيوبها ومحاولة إصلاحها وعلى الحيز الذي فيها ومحاولة تنسيق كل ذلك وهو يفعل كل ذلك وهو غائب عن أنفس الناس غير راض عن نفسه وكما ذكر عن الربيع عندما ذكروا له هذا الرجل يريدون حكما له فقال لهم والله إني لست براض عن نفسي أفحكم على غيري   أما المنهي عنه فهي ما دلت علي العجب والرضى بالنفس وهذا ما ذكرناه قبل ذلك أنه من اعظم آفات الواقع لأن الله هو وحده أعلم بالمتقين ولما كانت معاني التزكية عامة أردت أن أركز على ثلاثة منها كشيء عملي أستفيد به أنا وأنت على تزكية أنفسنا

أولا الصلاة

وعلى رأسها قيام الليل فإنها تفعل العاجيب في تنقية النفس لأنه ليس إلا الله ثم أنه لا ثالث معكما فيتجلى الله عليك بانواره ليخرق ظلمة النفس ويقضي عليها فيحل نوره محل هذا الظلم [وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ][النور : 34]

قال أبو سليمان أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وقال أيضا لو عوض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه من اللذة لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم

قيل للحسن ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها قال لأنهم خلوا بالرحمن بالرحمن فألبسهم نورا من نوره

قال أبو الدرداء : لا ينام اليل كله إلا منافق

قال تعالى : [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)][السجدة : 16-17]

ثانيا الذكر

وهو ما يصنع الأعاجيب في تزكية النفس وقد قال الله [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)][الأعلى : 14-15] وأعظمه ما كان القلب فيه حاضر وإلا فليعتاده اللسان أي نوع الذكر أحب أن يخالف التوفيق فيه حتى وإن يعد القلب قد تعود عليه اللسان يجلب مع الوقت حضور القلب قال بن عطاء الله : لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره. فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة. ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور. ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور {وَما ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ َ ][ابراهيم : 20]

عن سهل بن عبد الله قال: قال لي خالي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ فقال لي: قل بقلبك عند تقلُّبك في ثيابك ثلاث مرات. من غير أن تحرِّك به لسانك: الله معي، الله ناظرٌ إليَّ، الله شاهد عليَّ.

فقلت ذلك ثلاث ليال، ثم أعلمته، فقال لي: قل في كل ليلة سبع مرات. فقلت ذلك ثم أعلمت، فقال: قل في كل ليلة إحدى عشرةَ مرَّة، فقلت ذلك، فوقع في قلبي له حلاوة.

فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علَّمتك، ودُم عليه إلى أن ندخل القبر، فإِنه ينفعك في الدنيا والآخرة.

فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لها حلاوة في سرِّي ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل، من كان الله معه، وهو ناظر إليه، وشاهدُه، أيعصيه؟ قلت لا قال عرفت فالزم  قال فما فعلت معصية إلا ما قد كان ، من عليه الهوى ونسيان المراقبة ويكفيك بالذكر تزكية ذكر الملك لك عند ذكرك له قال تعالى :[فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ][البقرة : 152]

ثالثا الصدقة

قال الله :[خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ][التوبة : 103 ] وقال [وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)][الأعلى : 17-18] وذلك لأن النفس مجبولة على الحرص والطمع

وفي قبض كفّ الطفل عند ولوده ***  دليل على الحرص المركب في الحي

 وفي بسطها
عند الممات إشارة ***  ألا فانظروني قد خرجت بلا شيّ

لذا قال رسول الله ما يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحيي سبعين شيطان رواه ابن خزيمة في صحيحه

وقد أنزلت الآيات من الليل في الصديق المتصدق الذي قال عنه حبيبه ما سبقتم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه

* ويمكن ان يضاف إلى هذه الثلاثة صوم النافلة العفة [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)][النور : 30-31 ]

 

قال رسول الله كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا أَوْ مُعْتِقُهَا "رواه أحمد وابن حبان حديث صحيح قال الله تعالى :[لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ][البلد : 4] فمن أيهم أنت وأنا هل نقوي على النار وقد أمرنا بالوقاية منا فقال :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ][التحريم : 6 ] مع العلم أن مع النفس إن لم تشغل بالطاعة شغلت بالمعصية

قال ابن القيم وقد خلق الله النفس شبيهة بالرحى الدائرة ولا تسكن أبدا ولابد من شيء تطحنه فإن وضع فيها حب طحنته وَإِن وضع فِيهَا تُرَاب أَو حصا طحنته فلأفكار والخواطر الَّتِي تجول فِي النَّفس هِيَ بِمَنْزِلَة الْحبّ الَّذِي يوضع فِي الرحا وَلَا تبقى تِلْكَ الرحا معطلة قطّ بل لَا بُد لَهَا من شَيْء يوضع فِيهَا فَمن النَّاس من تطحن رحاه حبا يخرج دَقِيقًا ينفع بِهِ نَفسه وَغَيره وَأَكْثَرهم يطحن رملا وحصا وتبنا وَنَحْو ذَلِك فَإِذا جَاءَ وَقت العجن وَالْخبْز تبيّن لَهُ حَقِيقَة طحينه من كتاب الفوائد

وبالتعود على الطاعة تستجلب الطاعة كما قالوا العوائد تنقل الطبائع وقد أوحيت امراة أولادها فقالت تعودوا حب الله بطاعته فإن المتقين ألفوا الطاعة فاستوحشت جوارحهم من غيرها فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرت بهم محتشمة فهم لها منكرون وفي ذلك نذكر قول عمر كنا نرى الشيطان يهابه في أمر الخطيئة وأخيرا قول إبراهيم التيمي مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي يا نفس أي شيء تريدين فقالت أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاقلت فأنت في الأمنية فاعملي

قال تعالى : [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ][الزمر :53] وقال تعالى : [وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ][الزمر 60]

 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free