خطبة الإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
روى البيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله عنها قالت قام رسول الله صلى الله عليه و سلم من الليل يصلي فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجعت فلما رفع إلي رأسه من السجود و فرغ من صلاته قال :يا عائشة أو يا حميراء أظننت أن النبي قد خاس بك قلت : لا و الله يا رسول الله و لكنني ظننت أنك قبضت لطول سجودك فقال : أتدرين أي ليلة هذه ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : هذه ليلة النصف من شعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين و يرحم المسترحمين و يؤخر أهل الحقد كما هم"هذه الليلة التي ستبدأ بعد غروب شمس هذا اليوم والمتأمل في الواقع يجد كثيرا من المشكلات والشحناء والبغضاء بين الناس وبعضهم البعض واسباب هذه المشاكل كثيرة لعل أهمها وأخفاها في الوقت ذاته هو فقد من يعملون على اصلاح ذات البين فقد أهل الخير ممن يتصدقون ببذل أوقاتهم وأموالهم لحل المشكلات فقد الذين يعملون على تعمير البيوت لا تريبها ونشر الألفة والوئام بين الناس بدلاً من الخصام لذا كان هذا الحديثمع حضراتكم عن هذه السنة المفقودة وكيف يمكن أن نطبقها هذا الحديث الذي عنونت له ب" اصلاح ذات البين" والذي جاء في ثلاث نقاط
1- تعريف الاصلاح حتمية الاختلاف
2- أجر المصلحين
3- أهم قواعد الاصلاح بين الناس
الإصلاح بين الناس والوساطة كلمتان متطابقتان في المعنى إلا أن الإصلاح مصطلح شرعي والوساطة مصطلح إداري قانوني وكل منهما يناسب أن يعرف به الآخر
أما الاصلاح فهو:السعي والتوسط بين المتخاصمين لأجل رفع الخصومة والاختلاف عن طريق التراضي والمسالمة تجنبا لحدوث البغضاء والتشاحن وإيراث الضغائن والوساطة بتعريفها الإداري :هي أسلوب من أساليب الحلول البديلة لفض النزاعات يقوم بها شخص محايد يهدف إلى مساعدة الأطراف المتنازعة للاجتماع والحوار وتقريب وجهات النظر وتقييمها لمحاولة التوصل إلى حل وسط يقبله الطرفان أما عن حتمية الاختلاف فإنه شيء وارد ومشاهد في المجتمع ويحدث الخصام بين جميع فئات المجتمع بين الرجل وزوجته وبين القريب وقريبه وبين الجار وجاره وبين الشريك وشريكه وبين العشائر بعضها مع بعض ، وهذا أمر طبيعي ومشاهد لا يمكن إنكاره ،بل إنه أمرٌ حتميٌ حيث خلق الله الخلق كلٌ بطبعه وفكره وطريقة حياته فإذا ما تصادمت أفكارك مع الآخرين أو لم ينسجم طبعك مع طبعهم ظهر الاختلاف قال الله تعالى"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ "ولا شيء في ذلك لطالما أنه لا يفسد فيما بين الناس وبعضهم البعض لكن المصيبة كل المصيبة فيما يصدر منا حيث نحول الاختلاف الى خلاف والجمع الى فرقة والوصل الى قطيعة والتواصل الى هجران وهذا الذي حذر منه رسول الرحمن وبين أنه غاية الشيطان فقال فيما رواه عنه جابر بن عبد الله« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِى التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ »أخرجه مسلم
والواقع خير شاهد على ذلك فالشيطان لا يدع هذه الفرصة تفوت عليه ولا يتوانى هو وأعوانه - النفس الأمارة بالسوء والهوى المتبع وأهل الإفساد والشر والنميمة - في التحريش بين الناس وإذكاء نار العداوة والبغضاء حتى تتحول هذه الشرارة إلى فتنة عظيمة وشر مستطير لها عواقبها الوخيمة ؛ فيساء الظن ويقع الإثم وتحل القطيعة ويفرق الشمل وتهتك الأعراض وتسفك الدماء وتنتهك الحرمات ويتحول الحال ؛ فبعد المحبة والصفاء تحل العداوة والبغضاء وبعد القرب والوصال تكون القطيعة والهجران ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم والمستقبل وحين يكون ذلك من الشيطان لا بد أن يتصدى له جند الرحمن الذين جعلهم الله أسبابا للتريب بين الناس واحلال الصفاء محل العداوة والبغضاء وينبغي أن يتمثل هذا الدور كل مسلم رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد رسولا وهذا هو الذي يدعو اليه الحديث ولما اعتاد الانسان على أن يعمل إذا كان هناك مقابل واستفاد من هذا العمل فقد جعل الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عظيم الجزاء على هذا العمل وهذا بعض أجر المصلحين
أولاً : الثواب العظيم
هذا الثواب الذي لا يعلم قدره الا الذي تحدث عنه، إنا في تعاملنا مع البشر نقدر قدراتهم فإذا قال لك سخي يملك مالا قليلا سوف أعطيك أجرا عظيما على هذا العمل فإنك تقدر ما يعطيك إياه بخلاف ما لو قال لك هذا القول سخيٌ يملك ثروات عظيمة فكيف والذي وعدك بالثواب العظيم هو مالك الملك كله قال الله"لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)" وعن أبي الرداء قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى ، قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح ، وللترمذي ( لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) وقال أيضاً: ( أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) · أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني وقد أدرك السلف الصالح هذا الفضل حتى قال الأوزاعي رحمه الله : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين )
ثانياً: الاقتداء بفعل الملك
فالله تعالى يصلح بين المتخاصمين ويحب أن يقتدي به عبده في أفعاله ما أمكنه ذلك لهذا قال رسول الله" إن الله محسن يحب الإحسان إلى كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" مصنف عبد الرزاق وورد في الأثر "تخلقوا بأخلاق الله"
لكن أين نجد الاصلاح من الله تبارك وتعالى؟ لقد ورد ذلك في حديث ماتع أخرجه الحاكم في مستدركه وذكره ابن كثير في تفسيره لقول الله " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" عن أنس، رضي الله عنه، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: "رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة، تبارك وتعالى، فقال أحدهما: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى: أعط أخاك مظلمتك. قال: يا رب، لم يبق من حسناتي شيء. قال: رب، فليحمل عني من أوزاري" قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: "إن ذلك (3) ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه فقال: يا رب، أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن. قال: يا رب، ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك. قال: يا رب، فإني قد عفوت عنه. قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة"الله الله على عطف الله وجمال الله وكرم الله وصفاته وأفعاله التي لا تتناهى حسنا وجمالا فهنيئاً للمصلحين وهم يقتدون بربهم جل وعلا في فعله
ثالثاً : الاصلاح سنة الأنبياء والمرسلين
قال الله على لسان شعيب عليه السلام" وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ
مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"وقد ضرب رسولنا صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الاصلاح بين المتخاصمين فلم يكن ينتظر حتى يدعى الى الاصلاح ولكنه بمجرد معرفته بالمشكلة يسارع الى حلها والاصلاح بين أطرافها ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : ( اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ )
أهم قواعد الاصلاح
1- إخلاص النية لله
وذلك لأن الاخلاص روح الأعمال ولا يصح عمل الا به فمن الحمق أن تعاني وتتعب نفسك وفكرك ووتضيع وقتك وجهدك وأحيانا مالك سدى لغير الله جل وعلا وحتى يكون أمر الاخلاص مهما في نفوس المصلحين فلا يغتروا بما يفعلون – لأنه أحيانا يأخذ الغرور بعض المصلحين الذين يلجأ الناس اليهم في مشكلاتهم ويقبلون عليهم في معضلاتهم فيضيع ذلك أعمالهم- لذا قال الله"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا" لذلك لما بعث عمر رجلين مصلحين الى رجل على خلاف مع زوجته ورجعا بغير اصلاح علاهما بالدرة وقال لو أردتما اصلاحا لوفق الله بينهما فحسنا نيتهما ورجعا فوجدوهما قد اصطلحا وأغلقا عليهما الباب على أن لكل قاعدة شذوذ فأحيانا تذهب لحل مشكلة وتريد الاصلاح الا أنك تجد أن المتخاصمين متعنتين أو ليسوا أهلا للإصلاح عندها - ولطالما كانت نيتك لله-فاعلم أن التصير منهما تماما كالمريض الي يعطيه الطبيب الحاذق دواءاً فيه الشفاء بإذن الله فما ذنب الطبين إذا لم يتناول المريض هذ الدواء وهلك أو زاد مرضه!!!
2- المرجعية الى الله ورسوله
وهذا أول ما ينبغي أن يلفت اليه المصلح نظر المتخاصمين وإذا كان المثل الشائع يقول" اللي ملهوش كبير يشتري كبير" والواقع يجعل المرجعية في كل أمر لما يتناسب معه فإذا كان الخلاف عرفي رجعنا الى العرف وإذا كان عقلي رجعنا الى العقل فإن المسلم ينبغي أن تكون مرجعيته لله ورسوله قال الله آمراً بذلك"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"وقال مثنيا على المؤمنين"إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" وانظر الى هذه الصورة الرائعة من الاستجابة لله ورسوله"عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : سَمِع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَ ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُول:ُ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ (أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ ؟ فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ ) رواه البخاري ومسلم
3- الصبر
فعلى المصلح أن يتحلى بالحلم وسعة البال والصبر والتأني وعدم العجلة لأنه سيدخل بين أطراف متخاصمين والخصومة مظنة الظلم والاعتداء وطيش العقل وفلتان اللسان وليعلم أن مهمته مرهقة فليوطن نفسه على التحمل وسعة الصدر ولين الجانب ومقابلة الإساءة بالإحسان واحتمال ما يصدر من سفه وتطاول وترديد كلام، وليستعين على ما يصدر من المتخاصمين من طيش وسفه وخطأ أنه يعمل ذلك لله
4- طلاقة الوجه وخفة الروح وحلاوة المنطق
وذلك يعمل عمل الملين الذي يذلل صعوبات الخصومات ويكسر حدتها ويخفف شدتها ويضرب الشيطان في مقتل إذ ير الجميع يضحكون ويمزحون وذلك على خلاف ما أراد كما أنه يلقي القبول في نفوس المتخاصمين تجاه المصلح ويدخلون شراك وده مما يسهل مهمته ويسهل قبول ما يحكم به لذا قال سفيان الثوري" البشاشة مصيدة المودة والبر شيء هين وجه طليق وكلام لين"
وما أجما هذا الموقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ قَالَتْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ"متفق عليه وعند مسلم أن سهلا قال مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِي التُّرَابِ وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا فَقَيلَ لَهُ أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِهِ لِمَ سُمِّيَ أَبَا تُرَابٍ قَالَ: وساق الحديث
5- ترقيق قلب أحد الخصمين على الآخر
فإذا جلست مع هذا ذكرت له خير ما قال فيه صاحبه وان لم يكن ذكره بخير فقد أجاز لك الشرع أن تكذب إذا كان ذلك سيقرب بينهما فعن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا"متفق عليه
- كنت مرة في حل مشكلة بين زوج وزوجته فذهبت مع جار له الى أهل الزوجة فتكلموا في حق
الزوج كلاما سيئا – وهذا طبيعي بين المتخاصمين- فلما رجعنا الى الزوج يسألني ماذا حدث؟ فلم أذكر له ذلك ووجدت من كان معي يقول له : دول ناس مش محترمين قالوا عنك كيت وكيت...فاستشاط الزوج غضبا على غضبه فقلت للرجل الله يهديك لماذا تذكر له ذلك قال علشان يعرف!!! سبحان الله إذا كان الله يبيح الكذب فمن باب أولى عدم ذكر ما يزيد الخلاف بين المختلفين هذا إضافة الى محاولة الوصول الى معرفة نفسيات المتخاصمين فإذا كان يحب المدح مدح وإذا كان يلين بالتخويف خوِّف وإذا كان يستجيب للبشريات بشِّر وهكذا
6- اقصد البحر وخل القنوات
بمعنى أن تقصد السبب الرئيس للمشكلة فكثيرا ما يتكلم المتخاصمون في قضايا بعيدة عن الموضوع الرئيس وهذا يضيع الفائدة من الصلح لأنه يفتح موضوعات جانبية وينسي المشكلة الرئيسية ومن ثم يصعب حلها ورحم الله عمر حين كان ينظر بين المتخاصمين الى لب المشكلة فعن عطاء بن مصعب قال : جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين لا أنا ولا زوجي ، فقال لها : وما لك من زوجك ؟ قالت : مر بإحضاره ، فأحضر ، فإذا رجل قذر الثياب قد طال شعر جسده وأنفه ورأسه ، فأمر عمر أن يؤخذ من شعره ، ويدخل الحمام ، ويكسى ثوبين أبيضين ، ثم يؤتى به ، ففعل ذلك ، ودعا المرأة فلما رأت الزوج قالت : الآن فقال لها عمر : اتقي الله ، وأطيعي زوجك ، قالت : افعل يا أمير المؤمنين . فلما ولت قال عمر : تصنعوا للنساء فأنهن يحببن منكم ما تحبون منهن
7- مربع الوفاق
من الأساليب الإدارية الحديثة في حل النزاع والتي يناسب أن يتعلمها المصلح ويطبقها خاصة في النزاعات التي تكون على حقوق ( أموال أو أراضي أو عقار ونحوه ) إيجاد ما يطلق عليه مربع اتفاق ففي موقف الصراع يتخذ الطرفان موقفين متضادين تماما بعيدين عن أي حل وفي العادة يكون الحل الذي سيرضاه كل طرف وسطا بين ما يرغبه فعليا وما يمكنه قبوله وأي اتفاق بين الطرفين في مربع الاتفاق هذا سوف يكون مقبولا ودورك أيها المصلح هو تحريك الطرفين في اتجاه مربع الاتفاق الذي يمثل الحل الوسط بين الطرفين فلا بد من تنازلات من كل من الطرفين حتى تتم عملية الاصلاح على الوجه الأكمل ولا ينبغي أن يطمع طرف في كل شيء أو أن ما يريده ينفذ كله وبالحرف الواحد فما لا يدك كله لا يترك كله وهذا رسول الله يعلمنا ذلك فعن كَعْبٍ بن مالك أَنَّه تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتٍه فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ : يَا كَعْبُ فَقَالَ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه، ِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ كَعْب:ٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُمْ فَاقْضِه ) رواه البخاري
وهذه الصفة مما يتميز به المصلح الحاذق ويعينه على ذلك المتشاحنين فعن حبيب بن الشهيد قال كنت جالسا عند إياس بن معاوية- قاضي البصرة العلامة أبو واثلة كان يضرب به المثل في الذكاء والدهاء والسؤدد والعقل توفي سنة إحدى وعشرين ومئة كهلا- فأتاه رجل فسأله مسألة فطول فيهم فقال إياس إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي وان كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى وان كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل وتدري ما يقول لك يقول لك حط شيئا ويقول لصاحبك زده شيئا حتى نصلح بينكما وان كنت تريد الشغب فعليك بصالح السدوسي وتدري ما يقول لك يقول لك أجحد ما عليك ويقول لصاحبك ادع ما ليس لك وادع بينة غيبا
8- العلم والعدل
والعلم يقتضي العلم بالأحكام الشرعية المتعلقة بالخصومة فلا يمكن أن يقضي رجل بين زوج وزوجته في طلاق وهو لا يعلم أحكامه وما أكثر ما يقع ذلك- حتى انه استوقفني أحد الإخوة أول أمس فذكر لي أنه قال لمرأته لو ما عملتيش كذا تبقي زي اختي اعمل ايه؟ قلت هذا ظهار فيه كفارة الظهار فقال لي كان واحد صاحبي قال لي الحلف ما بيوقعش في الثلاثة شهور رجب وشعبان ورمضان فقلت له الحلف يقع في أي وقت كان- وهكذا سائر الأحكام اضافة الى العد بمعنى أن يكون المصلح محايدا في صلحه وليس مع طرف ضد الآخر قال الله"وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" بمعنى أن تنسى أن هذه الطائفة كانت باغية لطالما رجعت عن بغيها فلا أقول هي رجعت لخسارتها أو مضطرة أو ....ولكن لا بد من العدل وعدم النظر الى ما فات إذ أنك أحيانا ترى رجلا يخاصم آخر ويعرض المصلحين على هذا الآخر أكثر من حل فيرفضه فيتوجه صاحبه الى القانون فيخاف الباغي المتعنت فيرجع عن بغيه هنا يقول الله وأقسطوا