قرة عين
سنتحدث اليوم عن الصلاة هذه الفريضة التي أبي الله عز وجل أن تفرض على نبيه إلا من فوق سبع سموات ، فكل الفرائض فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض ، فالله عز وجل يأمر أمين الوحي جبريل عليه السلام فينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم يا محمد فرضت عليك الزكاة ، يا محمد فرض عليك الصيام ، يا محمد فرض عليك الحج ، إلا الصلاة فإن الله عز وجل لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرفع وتفرض عليه الصلاة ، فالصلاة هي عماد الدين ، فالصلاة هي موضوع ينبغي أن ينشغل به المسلم ، ولكن هل الصلاة التي أرادها الله من رسوله هي الصلاة التي نصلاها الأن ؟ هذه الصلاة التي نصليها برتابه وروتينية ؟ كلا لذلك كان حديثنا اليوم عن قرة عين رسول الله الصلاة ، هذه الصلاة التي كان رسول الله يستمتع بها ، هذه الصلاة التي كان رسول الله يناجي ربه فيها ، هذه الصلاة التي كان رسول الله لا يحب أن تنتهي ولا يحب أن يخرج منها ، أليس هو القائل لسيدنا بلال أرحنا بالصلاة يا بلال ، أليس هو القائل حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ، ولكن كيف نستطيع أن نجعل الصلاة قرة عين لنا وكما عودتكم سوف يكون الحديث مكثفا في هذه العناصر :
1-الصلاة قرة عيني
2-ليتني مثله
3-خشوع النفاق
4-إحذر هذه الموانع
5-كيف أكون منهم
الخشوع في القلب هو التذلل والخضوع والإنكسار ورقة القلب وحضور القلب في الصلاة ،فإذا حضر القلب في الصلاة سكنت الجوارح فإن القلب هو الملك على الأعضاء ، فإذا انصلح حال الملك انصلح حال الجنود والأعضاء ،قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » . طرفه 2051 - تحفة 11624 رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد والحميدي والدارمي وقد مدح الله أناس طبيعتهم وديدنهم هو الخشوع في الصلاة فقال تعالى [إِِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ][الأحزاب : 35] واستوصى الله الخشوع من المؤمنين أو من صفات الصحابة فقال [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ][الحديد : 16] قال ابن مسعود ما كان بين إيماننا ونزول هذه الآية إلا أربع سنين ومع ذلك عاتبهم الله ، ولقد مدح الله الصادقين من أهل الكتاب في ذكر أوصافهم فقال [إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً 107 وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً 108 وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً 109] [الإسراء :107-109] وأثني رسول الله على الخاشعين ووعدهم بالأجر العظيم والجنة فقال في الحديث الذي يرويه عثمان بن عفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ » وفي حديث آخر « مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ » . تحفة 9833 - 228/7 رواه مسلم فخشوعك في الصلاة سبب ٌ عظيم من أسباب مغفرة الذنوب والمعاصي ، بل إن الذي خشع في صلاته كان على الله عهد أن يغفر له من حديث عبادة بن الصامت قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ » . تحفة 5101 معتلى 2999 رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني بل إن الخشوع من أسباب التلذذ بالصلاة فتجده يطيل الصلاة ولا يشعر فهذا أبو إسحاق التبيعي رحمه الله تعالى لما كبر سنه ورق عظمه كان يصلي بـ1000 ركعة ويقول اللهم إنك تعلم أنه قد كبر سني ورق عظمي ولا أقدر على غير هذا ، بل إنه كان يصلي بالبقرة وآل عمران ويعتقد أنه خفف في صلاته ، نحن لا نقول افعل هذا ولكن الذي يخشع في الصلاة لا يحب أن ينتهي منها ، بل إن الخشوع في الصلاة علامة من علامات محبة الله لهذا العبد فهذا العبد أفضل الخلق على الله قال سفيان الثوري وأفضل الناس أخشعهم لله عز وجل ، ولذلك لا تعجب من التحذيرات الرهيبة للعبد الذي ينقر صلاته أو يسرق في صلاته أو لا تجدله طمأنينة في الصلاة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِى يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ « لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا » . أَوْ قَالَ « لاَ يُقِيمُ صُلْبَهُ فِى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ » . معتلى 8768 مجمع 2/120 رواه أحمد وصححه الألباني وفي حديث آخر وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة لعله يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع رواه أبو القاسم الأصبهاني وينظر سند قال الألباني حسن ، لذلك الناس متفاوتون في الصلاة على قدر خشوعهم عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلاَّ عُشْرُ صَلاَتِهِ تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا » . تحفة 10359 » . تحفة 10359 رواه أبو داوود وقال الألباني حسن ، فمن الممكن أن يصلي رجلين الفرق بين هذا وهذا كما بين السماء والأرض ، المهم هنا هو حضور القلب لذلك تجد أناس عاشوا على ذلك تجدهم يدخل أحدهم في الصلاة ويطيل الصلاة ولا يشعر بذلك منهم هم : على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يقل حذيفة رضي الله عنه صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ لَمْ يَرْكَعْ فَمَضَى قُلْتُ يَخْتِمُهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَمَضَى قُلْتُ يَخْتِمُهَا ثُمَّ يَرْكَعُ فَمَضَى حَتَّى قَرَأَ سُورَةَ النِّسَاءِ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى لَا يَمُرُّ بِآيَةِ تَخْوِيفٍ أَوْ تَعْظِيمٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا ذَكَرَهُ رواه مسلم والنسائي وصححه الألباني وقال عنه عبد الله بن الشخير رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَمْ يَقُلْ مِنَ الْبُكَاءِ إِلاَّ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ . تحفة 5347 معتلى 3186 رواه أحمد وقال الألباني صحيح ، وقد كان يبكي حتي يبل لحيته ثم حتى يبل الأرض من تحته وهذا هو أبو بكر رضي الله عنه قَالَتْ عائشة رضي الله عنها لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ ، فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ أي إذا دخل في الصلاة لا يسمع الناس صوته من كثرة البكاء ، إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد وهذا معاذ بن جبل مقدام العلماء يوم القيامة قال فيّ ثلاث خصال لو كانت كل خصالي مثلها لكنت أنا أنا أي لو كانت كل صفاتي مثل هذه الصفات الثلاث لم يكن أحد مثلي : إذا كنت في الصلاة لا أفكر إلا ما أقول وما يقال لي ، وما حدث رسول الله بحديث إلا علمت أنه الحق ولا أجد في قلبي رجسا منه ، ما تبعت جنازة إلا فكرت فيما يقول وفيما يقال لها . بل إن عامر بن عبد قيس رحمه الله تعالى وهو من كبار التابعين كان إذا قام من صلاته كأنه صوت ضفدع فقالوا له يوما إننا إذا دخلنا في صلاتنا لا نفكر إلا في الدنيا فقال عامر : أوتجدون هذا في صلاتكم والله لئن تنطلق الأسنة في جوفي أحب إلي من أن انشغل في صلاتي ، وهذا منصور بن المعتمد بعد وفاته قام غلام صغير إلى أمه وقال لها يا أماه لقد كنت أراى على سطح جيرانينا جذعا طوال الليل فإين ذهب الجذع فقالت يا بني إن الذي تراه ليس بجذع إنما هو منصور بن المعتمد إذا قام في صلاته لا يتحرك ، وهذا الأمام البخاري رحمه الله تعالى صلى يوما ركعتين بعد الظهر فظل يصلى حتى سبح مع آيات القرآن فلما انتهى من صلاته قال انظروا في ثوبي أعلق به شيء ، قالوا فأخرجوا منه زنبورا – ذكر النحل – وقد قرصه 17 مرة فقال له يا إمام فلماذا لم تخرج من صلاتك وقد عذرك الله قال لقد كنت في سورة أحببت أن أكملها. وهذا هو الربيع بن خثيم الذي إذا رأه عبد الله بن مسعود كان يقول له والله لو رأك رسول الله لأحبك وقد كان يطرق على باب ابن مسعود وينظر إلى الأرض فتقول الجارية حضر صاحبك الأعمي فإذا كان في صلاته خشعت جوارحه ويقول والله إذا كنت في صلاتي لا أفكر إلا فيما أقول وما يقال لي ، وكان علي بن الحسين ( زين العابدين ) إذا توضأ وصلى سكنت جوارحه وارتعدت فرائصه فلما سألوه عن هذا ؟ قال أتدرون بين يدي من أريد ان أقوم . وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا قام في صلاته ارتعدت فرائصة فلما سألوه عن هذا ؟ قال إنني أقوم إلى أمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها وحملتها أنا ، فإذا كان هذا هو دأب الصالحين ولكن أخطر شيء على القلب خشوع مصطنع خشوع النفاق وقد قال عنه حذيفة رضي الله عنه لأحد الناس قال: إياك وخشوع النفاق؟ قال الرجل: وما خشوع النفاق قال :أن ترى الجسد خاشعا والقلب لم يخشع ، وقالوا رأى عمر رضي الله عنه شابا خافضا رأسه إلى منكبيه ققال له : يا هذا ليس الخشوع بالمنكبين إنما الخشوع هاهنا وأشار إلى قلبه ، وهذا ما عبر عنه ابن القيم في قوله : الخشوع الصادق يكون من هيبة الله وخشيته وتعظيمه وإجلاله والحياء منه فإذا ما عظم العبد ربه خشع قلبه وجوارحه إما خشوع النفاق فهو خشوع التصنع وهو أن تخشع الجوارح من أجل الناس ولكن القلب لا تزال شجرة الشهوات يانعة فيه ، ولكن هناك موانع تمنع من الخشوع في الصلاة ؟
1- كثرة العبث فبعض الناس في صلاته يعبث في لحيته ويعبث في شعره ويعبث في ثوبه وهذا أعظم منافٍ من منافيات الإخلاص فالخاشع لله لا يهتم بمن حوله فهو لا يعبث بشعره ولا لحيته
2- الإلتفاف حتى ولو بالنظر فتجد بعض الناس واقفا وعينيه تتحركان ناحية اليمين والشمال تراقب الداخل والخارج وهذا ما سألت عنه عائشة رضي الله عنها رسول الله في الحديث قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِى الصَّلاَةِ فَقَالَ « هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ » . طرفه 3291 - تحفة 17661رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد وفي الحديث الآخر عن أَبُو ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لاَ يَزَالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلاً عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِى صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ » . تحفة 11998 رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارمي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال الألباني حسن لغيره
3- الإنشغال بالطعام وغيره والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أمرًا عجيبا وهو أن أحضر الطعام ونودي للصلاة فقدم الطعام على الصلاة هذا إذا كانت نفسك شائقة للطعام لا تستطيع منعها عنه وهذا يكون سببا في الإنشغال بالطعام عن الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ » . تحفة 16269 - 560/67 رواه مسلم وأبي داود وأحمد
4- ألا يأتي الصلاة وهو حاقن أو حافظ أو حاذقا إنما يذهب إلى الخلاء أولا حتى يكون خالي البال والحاقن هو الحاقن بالبول والحافظ هو الحافظ بالغائط والحاذق هو الحاذق بالريح فإذا كان الإنسان في حاجة إلى أن يدخل الحمام أولا فليدخل قبل الصلاة حتى تصلي وأنت مستريح البال مستكينا لله تعالى
5- كثرة الوسواس فبعض الناس يلبس الشيطان عليه في صلاته وقبل صلاته فبعد أن ينتهي من وضوئه أنا توضأت أم لا ؟ بل إن بعض الناس يتوضأ أربع أو خمس مرات فإذا دخل في صلاته وسوس له الشيطان أنه خرج منه ريح أو مثل ذلك وهذا أراحه رسول الله فقال عن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ الَّذِى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّىْءَ فِى الصَّلاَةِ . فَقَالَ « لاَ يَنْفَتِلْ - أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً » . طرفاه 177 ، 2056 - تحفة 5296 ، 5299 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي والحميدي هل سمعت صوتا؟ لا إذن لا تترك صلاتك حتى تسمع صوتا أو تتيقن وهكذا علمنا سلفنا الصالح وعلى رأسهم عبد الله بن عمر فإنه كان إذا انتهى من صلاته يرضح على سراويله بالماء فإذا وسوس له الشيطان أنه قد خرج منه ريح فيقول له إن هذا أثر الماء على ثيابي فانصرف يا رجيم ولكن ما هي الأمور التي تجعلنا نخشع في صلاتنا ؟
إن الذي يدفع للخشوع في الصلاة أمران أولهما قوة المقتضى والثاني دفع الشواغل إن هناك أمران يجعلانك تخشع في صلاتك أولهما قوة المقتضى أي تدبرك للأيات بخشوعك في الصلاة وتفاعلك مع الآيات كما سأوضح بعد قليل ودفع الشواغل ولكن ما معنى دفع الشواغل أي أن تدفع عنك مرض الغفلة بأن تنبه نفسك قبل لاصلاة أنك ستقف بين يدي ملك عظيم وأن تدفع عن نفسك مرض قسوة قلبك الذي لا يستشعر بالقرآن في الصلاة بأن تكثر من الأوراد والأذكار ، بأن تكثر من الأعمال الصالحة ، بأن تكثر من محاسبة نفسك ومعاتبتها أحيانا فإذا ما دفعت الشواغل من غفلة وقسوة قلب بقي أمرٌ مهم ، هذا الأمر هو قوة المقتضى أي ما هي الدوافع التي تدفعك تخشع في صلاتك وتحس بالصلاة ولذة الصلاة
1-الإستعداد والتهيئ للصلاة قبل الدخول فيها إن الذي عنده مقابلة مع ملك من ملوك الدنيا يكون على أتم استعداد ينظف نفسه وجسده ثيابه ويلبس أحسن ما عنده من ثياب ويرجل شعره أي يسرحه فكيف بك وأنت ذاهب إلى لقاء ملك الملوك سبحانه وتعالى ، بعض الناس وسامحوني يذهب ليصلي بالشورت وبعضهم بالفانلة الداخلية فهل الصلاة صحيحة ؟ نعم صحيحة - ولكن هذا مناف للوقار فأنت واقف أمام الله فلا بد من أن تستعد للصلاة لذلك قال الله [يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ] [الأعراف : 31]
2- التبكير إلى الصلاة عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا ، » . أطرافه 654 ، 721 ، 2689 - تحفة 12570 - 160/1 رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك وأحمد والترديد خلف المؤذن والدعاء بعد الأذان والجلوس بين الأذان والإقامة والدعاء بين الأذان والإقامة كل هذه منبهات للقلب حتى إذا ما دخل في الصلاة خشع
3- أيقن وقل لنفسك أن هذه آخر صلاة فكيف سيكون حالها بالله عليك إن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أوصى أبا أيوب فَقَالَ « إِذَا قُمْتَ فِى صَلاَتِكَ فَصَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ » . تحفة 3476 رواه ابن ماجه وأحمد وقال الألباني صحيح واجتمع يوما معروف القرني كان واقفا للصلاة معه محمد بن أبي شيبة فقال معروف لمحمد تقدم للصلاة فصلي بنا فنظر إليهم محمد قال إن صليت بكم هذه الصلاة لا أصلي الصلاة التي بعدها فنظر إليه معروف وقال هداك الله وانت تأمل أنك تعيش من هذه الصلاة إلى الصلاة الآخرى والله ما صليت صلاة إلا وأنا على يقين أني لا أخرج منها فاجعلها شعارك في كل صلواتك هذه آخر صلاة
4- التفاعل مع القرآن في الصلاة والإحساس به فإذا فهمت ما تقرأ من القرآن يقينا ستخشع جوارحك وذلك من خلال أولا قراءة تفسير مبسط للآيات التي ستقرأ بها قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى :إني لأعجب بالرجل يقرأ القرآن ولا يعرف تفسيره كيف يتأثر به فإذا كنت لا تفهم ما تقرأ فكيف تستشعر حلاوة القرآن ثانيا ردد الآيات أكثر من مرة فقد روى عن رسول الله أنه قام ليلة واحدة بقوله [إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ][المائدة : 118] ، وسعيد بن جبير رضي الله عنه في رمضان كان يقوم الليل فمرعلى قوله تعالى [إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ][غافر : 71] فما زال يرددها ويبكي حتى أبكى من حوله ، وقام الحسن البصري ليلة وظل يقرأ آية واحدة وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا [النحل : 18] فلما بزغ الفجر قالوا له يا أبا علي ما قرأت في ليلتك إلا آية واحدة فقال والله ما رفعت طرفي وما خفضته إلا تذكرت نعمة من نعم الله عليّ فرددت الآية وما أخفاه الله علينا من نعمه كثير ثالثا تجميل الصوت وتحسينه في القراءة حتى ولو كان الصوت ليس بحسن نعم وحاول أن تحسن من صوتك فإن رسول الله قال واسمع هذا الحديث جيدا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ » . تحفة 1775 رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي وصححه الألباني وقال أيضا عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ » . تحفة 14997 - 792/233 رواه مسلم وأبو داوود والنسائي و عن الْبَرَاءَ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) فِى الْعِشَاءِ ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً . أطرافه 767 ، 4952 ، 7546 - تحفة 1791 رواه البخاري ومسلم وأحمد رابعا التنويع بين الآيات والسور والأذكار بعض الناس يظل طيلة حياته منذ أن خلقه الله إلا بالإخلاص والمعوذتين فأصبحت أداءا روتينيا ولكن احفظ من القرآن وصلي بما تحفظ ولو تأملت سنة رسول الله وصلاة رسول الله كان يقرأ القرآن كله في صلاته حتى في أذكاره يقرأ مرة في دعاء الإستفتاح وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ومرة سبحانك اللهم وبحمك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ومرة اللهم باعد بيني وبين خطاييا كم باعدت بين المشرق والمغرب وهكذا وفي الركوع مرة سبحان ربي العظيم ومرة سبحان ربي العظينم وبحمده ومرة سبوح قدوس وهكذا في كل المواضع
5- فهم معاني الصلاة فكل حركة في الصلاة لها معنى ولها آثر على القلب فإذا فهمت كل حركة أحسست بالصلاة فتأمل معي حين يقيم المؤذن الصلاة وأنت في الصف تذكر يوم الوقوف والعرض على الله[يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ][المطففين : 6] لذلك كان السلف ترتعد فرائصهم ويبكون لماذا لأنهم تذكروا يوم العرض [يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ][الحاقة : 18] فإذا دخلت في الصلاة وقلت الله أكبر فأعلن حقا أن الله أكبر وكبر الله وعظمه في قلابك قال لي أحد الأخوان في التراويح ما إن قلنا الله أكبر حتى بكي واحد كان يصلي جنب صاحبي فيقول فلما انهينا الصلاة قلت له لماذا بكيت إن الإمام لم يقرأ حتى الفاتحة فمما بكيت قال بكيت لأننا أصبحنا كاذبون نقول الله أكبر ولا نعظم الله في قلوبنا نقولها ولا نفعل ما يأكد هذه الحقيقة نقولها باللسان وحسب قال تعالى[ َومَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ] [الزمر : 67] الله أكبر من الدنيا ومن فيها ومن عليها ، الله أكبر من مالي وعيالي وكل شيء ، فإذا قلت فعلاً الله أكبر فاستشعر حقا أن الله أكبر ، أكبر من نفسي ، أكبر من هواي ، وأكبر من شهواتي ، وأكبر من أولادي ، وأكبر من مالي ، وأكبر من زوجتي ، وأكبر من الدنيا وما فيها فإذا ما استعذت بالله من الشيطان الرجيم فاعلم أنه لا ملاذ لك ولا ملجأ لك ولا عوض لك وقوة لك على هذا الشيطان الذي يراك ولا تراه إلا الذي خلقه وسواه ألا وهو الله ، فإذا ما قرأت الفاتحة استشعر أنك تناجي الله أنك تكلم الله وأن الله يجيب على كلامك ألم يقل رسول الله الذي يرويه ْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِى عَبْدِى وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِى . وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . قَالَ مَجَّدَنِى عَبْدِى - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِى - فَإِذَا قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . قَالَ هَذَا بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ . فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ . قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ » . قَالَ سُفْيَانُ حَدَّثَنِى بِهِ الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فِى بَيْتِهِ فَسَأَلْتُهُ أَنَا عَنْهُ . تحفة 14021 - 395/38 رواه مسلم وأبو داوود والترمذي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارقطني والحميدي وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا قرأ الفاتحة يسكت في بين آياتها فقيل له لماذا ؟ فقال استشعر مناجاة ربي لي فإذا ما ركعت فاعلم أن هذا ذل وخضوع وانكسارٌ لله فإياك أن تخشع جوارحك ولا يخشع قلبك فإنك تقول سبحان ربي الله العظيم وقد كان العرب يأنفون الركوع كما قال لهم الله [وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ] [المرسلات : 48] فاركع بخضوع وتذلل واعلم أن كثيرًا من الحيوانات التي خلقها الله على هذه الهيئة فاحمد الله أنه أذن لك أن ترفع من ركوعك وتكون على حالتك الطبيعية فإذا ما سجدت فأنت الأن في حضرة الله في أعظم مقام ردت الأصل إلى الفرع أو الفرع إلى الأصل وعلمت حقيقة نفسك أنك من التراب ومن الأرض وإلى الأرض ستعود واعلم أنك تناجي قيوم السموات والأرض[وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ][العلق : 19]فالسجود أجمل ما في الصلاة فإذا ما وصلت إلى التشهد لقد جل شأنك وعلت منزلتك فالأن تقول التحيات لله والصلوات والطيبات ثم سلم على سيدك رسول الله وإياك أن تسلم على رسول الله وأنت منشغل لاه ثم سلم على عباد الله الصالحين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم انطق كلمة التوحيد أشهد أن لا إله إلا الله محمد عبده رسول الله لو صليت هكذا لأدركت حلاوة الصلاة وأدركت من يقول والله إن لأصلي ولا أعلم من على يميني ولا من على يساري
أسألك الله العظيم أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه