سنتحدث اليوم كيف حدث الإختلاف بين السلف وما حدث من إختلاف في المذاهب الأربعة او المذاهب السبعة كيف جاء أصلا
عناصر
1- أسباب الخلاف بين العلماء 2-أنواع الإختلافات ( الخلاف المحمود والمذموم ) 3-ضوابط الخلاف 4- آداب الإختلاف بين العلماء
قد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم في البحث في المسائل الفقهية هو النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد.
والدليل على هذا الشرط حديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور(3)، إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة.
أما الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها فيمكن إجمالها فيما يأتي:
أولاً: أن تكون هذه المسألة غير منصوص(2) أو مجمع عليها.
والدليل على هذا الشرط حديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور(3)، إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة.
وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد(4).
ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطًا مع وجود النص.
وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحكام ولم يصنفهم كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال: لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض فنظروا إلى المعنى واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا نظروا إلى اللفظ وهؤلاء سلف أهل الظاهر وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس.
ثانيًا: أن يكون النص الوارد في هذه المسألة -إن ورد فيها نص- محتملاً، قابلاً للتأويل، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»(1). فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على الفريقين ما فهم، ولم يعنف الطرفين على ما فعل(2).
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَرَجَ رَجُلاَنِ فِى سَفَرٍ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا صَعِيداً طَيِّباً فَصَلَّيَا ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِى الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلاَةَ وَالْوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِى لَمْ يُعِدْ « أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلاَتُكَ » . وَقَالَ لِلَّذِى تَوَضَّأَ وَأَعَادَ « لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ » رواه أبو داود
الأسباب الموجبة لإختلاف الفقهاء
1-إختلاف النص القرآني
يعني هل القرآن كله محكم طبعا لا فيه محكم ومتشابه قال تعالى :[ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ][آل عمران : 7 ] فلما كان هناك محكم ومتشابه من أجل ذلك حدث اختلاف في فهم نصوص العلماء يعني كان النبي قادر على أن يجعل الله أن ينزل تفسير للقرآن لا يخرج عنه أحد وهذا هو التفسير الوحيد للقرآن إنما لم يفسر النبي القرآن من أجل يبقى فيه اجتهاد إلى يوم القيامة
2-إختلاف الإئمة في العمل في الأحاديث النبوية تبعا لإختلافهم في قبول الأحاديث أو رفضها ، واختلاف تبعا في الجمع بين الأحاديث فكما قال ابن تيمية هل يستطيع أحد أن يرفض حديث النبي يعنى مثلا أبو حنيفة هل يقدر أن يرفض حديث النبي ؟ إنما كان لو قواعد في قبول الأحاديث وكان متشدد قليلا من أجل الأهواء كانت كثيرة في العراق فالعالم الذي لم يأخذ بحديث النبي إما أن الحديث لم يصل إليه ( لم يسمع به ) أو نسخ الحديث بعد ذلك فلم يأخذ به أو رجح غيره من الأحاديث
3-الإختلاف دلالات اللغة في القرآن اللفظي ، ففيها اللفظ المشترك ، وفيها الحقيقة والمجاز فمثلا [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ] القروء في اللغة لها معنين منها حيضات ومنها طهرات أي تحتمل 3 حيضات متتالية أو تحتمل 3 طهرات متتالية
4-الإختلاف بسبب التفاوت بين المجتهدين في القدرة على الإستباط ، وقوة الملاحظة ، والغوص وراء أعماق المعاني فعطاءات الله لكل شخص مختلف ففي حديث النبي من معاوية وَمَنْ (1) يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا، يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَيُعْطِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ رواه أحمد وهو صحيح على شرط الشيخين
فوائد الإختلاف
1-أن الإختلاف أثرى الفكر الإسلامي بما تضمنه من أحكام واجتهادات ، نظرًا لأن كل رأي يستند إلى أدلة شرعية أفرزتها عقول كبيرة ، تجتهد وتسنتبط وتقيس وتحسن ، وتوازون ترجح وتوصل الأصول ، وتفروع الفروع .
2-أن هذا الأختلاف كان رحمة بالأمة وتوسعة عليها لأنه إذا لم يوافقك قول أبو حنيفة في مسألة ما قد يوافقك قول مالك أو أحمد أو الشافعي وهكذا لذلك كان اختلافهم رحمة لك
* قال عمر بن عبد العزيز :
ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولا واحدًا كان الناس في ضيق، وإنما أئمة يقتدى بهم؛ فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة
* قال القاسم بن محمد :
لقد نفع الله بهذا الإختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم ، لا يعمل رجل بعمل واحد منهم إلا رأى أنه في سعة
* أخرج البيهقي في السنن عن أنس رضي الله عنه قال : إنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كنا نسافر فمنا الصائم ومنا المفطر ومنا المتم ومنا المقصر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ولا المقصر على المتم ولا المتم على المقصر
أنواع الإختلاف
1-الأختلاف المحمود : وهو الإختلاف الفقهي وهو استنباط واجتهاداتهم عن طريق النظر القائم على الإجتهاد في النصوص الشرعية
2-الإختلاف المذموم : هو ما كان في الأصول والعقائد وهو ما خالف به أصحابه جمهور الأئمة وعلماءها وانساقوا وراء الأهواء تاركين الأدلة الشرعية كالقدرية والمرجئة والخوارج
لذلك قال ابن المبارك لأحد تلاميذ تعلم ةيا بني الفقه ولا تتعلم علم الكلام ( التوحيد والعقيد ) فأنك إن أخطات في الفقه قال أخطأ فلان أما إن أخطأت في التوحيد قالوا كفر فلان أو فلان ضال
ضوابط الإختلاف بين الفقهاء
1-عدم إلزام الآخرين بما يراه العالم أو يثبت القول به :
جاء في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله أن رجلا سأله عن مسألة في الطلاق فقال إذا فعله يحنث ، فقال السائل إن أفتاني أحد بأنه لا يحنث ( يعني يصح ) فأجابه الإمام نعم ودله على من يفتيه
2-ترك الإنكار على المخالفين وعدم التشنيع بهم ، والتخلي عن إتهام الآخرين بالإبتداع أو الخروج عن جادة الصواب : أي تجعل الأخرين على ضلالة
* ذكر أن أبا حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم كانوا يصلون خلف أئمة المدينة وكانوا لا يقرأون البسملة لا سرًا ولا جهرًا احتراما لمالك رحمه الله تعالى والإمام مالك في مذهبه لا تجهر ولا تسر بالمسألة مع أن القول مردود عليه
* كان الإمام أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعائف( إذا نزل منه دم يتوضأ ) والحجامة فقيل له :فإن كان الإمام قد خرج منه دما ولم يتوضأ تُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لَا أُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَالِكٍ.
3-عدم التكبر أو التعالي عن الرجوع إلى الحق :
* ذكر الحافظ ابن حجر عن عبد الرحمن بن مهدي أنه سأله شيخه ابن حسن العنبري عن مسألة فغلط فيها فقال له أصلحك الله القول فيها كذا وكذا فأطرق ساعة ثم رفع رأسه قال إذن أرجع وأنا صاغر لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل
* وقال الشافعي رحمه الله : ما ناظرت احدا قط الا احببت ان يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ وما ناظرت احدا الا ولم ابال بين الله الحق على لساني أو لسانه.
4-حرص العلماء على ترك المسائل المثيرة للشغب
* قصة مالك رحمه الله
قال رجل: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه فأطرق مالك وأخذته الدحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما. وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه، فأخرج الرجل.
أداب الإختلاف بين العلماء
1-كثرة ثناء الإئمة بعضهم على بعض
* قال الإمام مالك في شأن الإمام أبي حنيفه : لو ناظرني أبو حنيفة في أن تصف هذه الإسطوانة ذهبا أو فضة لذهب بحجته
* قال الشافعي عن أبي حنيفة : الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه
* قال الشافعي عن مالك رحمه الله : إذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب
* قال أحمد بن حنبل عن الشافعي : ما أحد مس محبرة ولا قلماً إلا وللشافعي في عنقه منة
* قال الشافعي عن أحمد : خرجت من بغداد وما خلفت بها أورع ولا أتقى ولا أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل
* وقال أيضا : كل ما في كتبي حدثني الثقة فهو أحمد بن حنبل
2- الإحترام المتبادل فيما بينهم
* نقل عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال كنت أصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحا رقيقا هيبة له ، لئلا يسمع وَقْعَهَا
* وذكر أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى صلى الصبح قريبا من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت تأدبا معه مذهب الشافعي أن يقنت في صلاة الفجر احتراما لأبي حنيفة
3-دعاء بعضهم لبعض بظهر الغيب :
سمعت أحمد بن حنبل يقول ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي فقال عبد الله بن أحمد بن حنبل يا أبة أي رجل كان الشافعي سمعتك تكثر من الدعاء له فقال يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو عوض