العدل
العدل
* لغة : هو مصدر عدل يعدل عدلاً وهو مأخوذ من مادة ( ع د ل ) التي تدل كما يقول ابن فارس على معنين متقابلين : أحدهما يدل على الإستواء ، الآخر على اعوجاج ويرجع لفظ العدل هنا إلى المعنى الأول ، غذا كان العدل مصدرا فمعناه خلاف الجور وهو ما قام في النفوس أنه مستقيم
· اصطلاحا :
العدل هو أمر متوسط بين الإفراط والتفريط
قال ابن حزم : هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه
· العدالة في الشريعة
عبارة عن الإستقامة على طريق الحق بالإجتناب ما هو محظور دينا
· حديث القرآن عن العدل
تجد أن القرآن في الحديث عن اعدل وإقامة العدل في المجتمع من الفرائض التي فرضها الله في هذا الكون وإقامة العدل ليست واجبة أن تكون بين مسلم ومسلم فقط بل إقامة العدل فريضة إسلامية بين المسلم وبين من يخالفه في الإعتقاد بل من يعاديه في العقيدة .
1- أمر الله بالعدل
· فتجد الله يقول لك :[ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ][النحل : 90]
قال القرطبي ما ملخصه : اختلف علماء التفسير في تأويل العدل والإحسان
قال ابن عباس: العدل لا إله إلا الله، والاحسان أداء الفرائض.
( لأن لأنك لست عبدا لأي صنم فهذه هي قمة التحرر - فانت عبدٌ لواحد فقط أنت عبدٌ لله )
وقيل: العدل الفرض، والاحسان النافلة.
وقال ابن العربي: العدل بين العبد وبين ربه إيثار حقه تعالى على حظ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر والامتثال للاوامر.
وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعها مما فيه هلاكها ، وأما العدل بينه وبين الخلق فبذل النصيحة، وترك الخيانة فيما قل وكثر، والانصاف من نفسك لهم بكل وجه
ومن هذا الكلام الذي نقلناه بشئ من التلخيص عن الإِمام القرطبى ، يتبين لنا أن العدل هو أن يلتزم الإِنسان جانب الحق والقسط فى كل أقواله وأعماله تفسير سيد طنطاوي
قال ابن عادل في اللباب :
* قال ابن مسعود : إن أجمع آية في القرآن هي هذه الآية لأن كل أبواب الخير والإحسان موجوده فيها
* قتادة بن دعامة السدوسي من كبار المفسرين قال
ليس في القرآن من خلقٍ حسنٍ، كان في الجاهلية يعمل، ويستحسن، إلاَّ أمر الله - تعالى - به في هذه الآية، وليس من خلقٍ سيِّءٍ، إلاَّ نهى عنه في هذه الآية. يعني إنه ما من خيرٍ كان في الجاهلية وأرتضاه الله عز وجل في الإسلام إلا ذكره الله عز وجل في هذه الآية وكل شر
أمرك بالبعد عته أيضا إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى أما الشر وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل : 90] تفسير اللباب في علوم الكتاب
· عن علي عليه السلام أنه قال : أمر الله تعالى نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب ، فخرج وأنا معه وأبو بكر فوقفنا على مجلس عليهم الوقار فقال أبو بكر : ممن القوم؟ فقالوا : من شيبان بن ثعلبة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشهادتين وإلى أن ينصروه فإن قريشاً كذبوه فقال مقرون بن عمرو : إلام تدعونا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان } الآية فقال مقرون بن عمرو : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك تفسير الرازي
· قال ابن كثير رحمه الله :يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كما قال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } [النحل : 126] ، وقال { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [الشورى : 40] ، وقال { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [المائدة : 45] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا، من (1) شرعية العدل والندب إلى الفضل.
2- أمر الله بالعدل والأنصاف حتى ولو كان على حساب النفس والأهل والأقارب
· الآية الثانية جاءت في سورة النساء والغريب أن السورة التي بعدها هي سورة المائدة تجد آيه شبيه بها ولكن اختلاف في ترتيب الآية
قال تعالى :[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ][النساء : 135] أول سورة المائدة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ][المائدة : 8]
ولكن لماذا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ النداء هنا لأهل الإيمان لكي يخبرك أنك عندك صفة تعطيك هوية عن العالم كله هذه الهوية أنك أصبحت من أهل الإيمان وما دمت من أهل الإيمان أصبحت لك هوية وأهداف ومخططات تخالف كل أهداف غيرها في العالم فهذا هو النداء لاذي يجب أن ترخي له سمعك ، كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ قوامين هذه في اللغة تسمى في اللغة صيغة مبالغة وصيغة المبالغة تكون عندما يكون هناك تفاعل بين شيئين يعني يخبرك كونوا قوامين بالقسط يعني آيه كان هناك أهواء داخلية ومشاعر فطرية وهناك أمور فطرية محيطة بالإنسان ستصرفك عن إقامة العدل كما سنوضح الأن وهذه الأمور حبك لأبيك وأبن عمك قريبك ..... المشاعر الإجتماعية إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا عندما ترى لص فقير فتشفق عليه وهذا لص كبير هذا خط أحمر كيف يعاقب فاعلم أن الله أرحم بهما وأرأف بهما وأولى بهما منك فتأتي الآية إقامة العدل لابد أن تتجرد من كل هذا لأنك أصبحت مصبوغا بصبغة الإيمان كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ أي شهادتك قائمة بالحق إبتغاء وجهه الله لله ليس من أجل نفسك أو وزارة أو وجاهة اجتماعية ، أو من أجل أن يكتب اسمك بالبنط العريض في الأخبار أو الأهرام - ثم يقول لك اشهد شهادة الحق ولو كان الضرر سيكون على ذاتك ، وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ َوالأَقْرَبِينَ يعني لا يصلح أن تقول هو سرق نعم ولكن لما تقام عليه العقوبة إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا يعني أقم العدل حتى ولو كان على رئيس الدولة ، أقم العدل حتى على أفقر رجل في الدولة ، ولكنه فقير أنت لست أرحم به من خالقه ما دمت ستحاكم لابد أن تحاكم الكل أي كان كبر سنه أم صغر ، فقير ، غني ، دخله كبير دخله صغير ، وزير مستشار .... ليس لك شان بهذا ( القرآن يعلمنا هذا ) إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى ما هو الهوى قال ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى ما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار ، الهوى هو كل ما تشتهيه النفس وتحبه أنا أحب ألا أحاكم وأحب أن يكون أخي جيد ويكون معم مليارات ولكن عندما تأتي المحاكمة لايحاكموا ، أنا أحب أبي وأمي ولكن المحاكمة لا فالقرآن يقول لك فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ ما معنى اللي يعني التحريف والإعراض معناه الكذب – يعني أنت ستذهب للشهادة أمام القاضي أو ستكتم الشهادة وستقول أنا لم أرى شيئا فالله يهددك ويعدك وَإِن تَلْوُواْ أي تحرفوا في الشهادة أَوْ تُعْرِضُواْ أي تكتموها فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً لم يقل هنا فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ عليما لأنه عليمٌ بما تخباه الضمائر وتكنه النفوس ، عليمٌ بدقائق الأشياء وبظاهرها ، يعلم أنت لماذا لم تذهب ؟ لأنك خائف من فلان صاحب النفوذ والسلطان أو لأنه قريبك أو أخوك فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
قال القشيري
القسط العدل ، والقيام بالله العدل بإيفاء حقوقه من نفسك ، واستيفاء حقوقه مِنْ كلِّ مَنْ هو لَكَ عليه أمر ، وإلى تحصيل ذلك الحق سبيل إمَّا أمر بمعروف أو زجر عن مكروه أو وعظ بنصح أو إرشاد إلى شرع أو هداية إلى حق .
ومَنْ بقي لله عليه حق لم يباشر خلاصة التحقيق سره لله .
وأصل الدِّين إيثار حق الحق على حق الخلق ، فمن آثر على الله - سبحانه أحداً إمَّا والداً أو أُمّاً أو وَلَداً أو قريباً أو نسيباً ، أو ادَّخر عنه نصيباً فهو بمعزل عن القيام بالقسط .
قال صاحب الظلال
إنه نداء للذين آمنوا . نداء لهم بصفتهم الجديدة . وهي صفتهم الفريدة . صفتهم التي بها أنشئوا نشأة أخرى؛ وولدوا ميلاداً آخر . ولدت أرواحهم ، وولدت تصوراتهم ، وولدت مبادئهم وأهدافهم ، وولدت معهم المهمة الجديدة التي تناط بهم ، والأمانة العظيمة التي وكلت إليهم . . أمانة القوامة على البشرية ، والحكم بين الناس بالعدل . . ومن ثم كان للنداء بهذه الصفة قيمته وكان له معناه : { يا أيها الذين آمنوا . . . } فبسبب من اتصافهم بهذه الصفة ، كان التكليف بهذه الأمانة الكبرى . وبسبب من اتصافهم بهذه الصفة كان التهيؤ والاستعداد للنهوض بهذه الأمانة الكبرى . .
وهي لمسة من لمسات المنهج التربوي الحكيم؛ تسبق التكليف الشاق الثقيل :
{ كونوا قوامين بالقسط ، شهداء لله - ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين . إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما } . .
إنها أمانة القيام بالقسط . . بالقسط على إطلاقه . في كل حال وفي كل مجال . القسط الذي يمنع البغي والظلم - في الأرض - والذي يكفل العدل - بين الناس - والذي يعطي كل ذي حق حقه من المسلمين وغير المسلمين . . ففي هذا الحق يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين - كما رأينا في قصة اليهودي - ويتساوى الأقارب والأباعد . ويتساوى الأصدقاء والأعداء . ويتساوى الأغنياء والفقراء . .
{ كونوا قوامين بالقسط ، شهداء لله } . .
حسبة لله . وتعاملا مباشراً معه . لا لحساب أحد من المشهود لهم أو عليهم . ولا لمصلحة فرد أو جماعة أو أمة . ولا تعاملاً مع الملابسات المحيطة بأي عنصر من عناصر القضية . ولكن شهادة لله ، وتعاملاً مع الله . وتجرداً من كل ميل ، ومن كل هوى ، ومن كل مصلحة ، ومن كل اعتبار .
{ ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } . .
وهنا يحاول المنهج تجنيد النفس في وجه ذاتها ، وفي وجه عواطفها ، تجاه ذاتها أولاً ، وتجاه الوالدين والأقربين ثانياً . . وهي محاولة شاقة . . أشق كثيراً من نطقها باللسان ، ومن إدراك معناها ومدلولها بالعقل . . إن مزاولتها عملياً شيء آخر غير إدركها عقلياً . ولا يعرف هذا الذي نقوله إلا من يحاول أن يزاول هذه التجربة واقعياً .
ثم هو يجند النفس كذلك في وجه مشاعرها الفطرية أو الاجتماعية؛ حين يكون المشهود له أو عليه فقيراً ، تشفق النفس من شهادة الحق ضده ، وتود أن تشهد له معاونة لضعفه . أو من يكون فقره مدعاة للشهادة ضده بحكم الرواسب النفسية الاجتماعية كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية . وحين يكون المشهود له أو عليه غنياً؛ تقتضي الأوضاع الاجتماعية مجاملته . أو قد يثير غناه وتبطره النفس ضده فتحاول أن تشهد ضده! وهي مشاعر فطرية أو مقتضيات اجتماعية لها ثقلها حين يواجهها الناس في عالم الواقع . . والمنهج يجند النفس تجاهها كذلك كما جندها تجاه حب الذات ، وحب الوالدين والأقربين .
{ فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } . .
والهوى صنوف شتى ذكر منها بعضها . . حب الذات هوى . وحب الأهل والأقربين هوى . والعطف على الفقير - في موطن الشهادة والحكم - هوى . ومجاملة الغني هوى . ومضارته هوى . والتعصب للعشيرة والقبيلة والأمة والدولة والوطن - في موضع الشهادة والحكم - هوى . وكراهة الأعداء ولو كانوا أعداء الدين - في موطن الشهادة والحكم - هوى . . وأهواء شتى الصنوف والألوان . . كلها مما ينهى الله الذين آمنوا عن التأثر بها والعدول عن الحق والصدق تحت تأثيرها .
وأخيراً يجيء التهديد والإنذار والوعيد من تحريف الشهادة ، والإعراض عن هذا التوجيه فيها . .
{ وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً } . .
ويكفي أن يتذكر المؤمن أن الله خبير بما يعمل ، ليستشعر ماذا وراء هذا من تهديد خطير ، يرتجف له كيانه . . فقد كان الله يخاطب بهذا القرآن المؤمنين!
3- أمر الله بالعدل والأنصاف حتى ولو كان ذلك وأنت تحارب العدو
أما آية المائدة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ][المائدة : 8] ليكن قيامك لله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لمن لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ نزلت هذه الآية في يهود بني النضير حين ائتمروا على الفتك برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم،وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خرج ومعه أبو بكر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود بني النضير يستعينهم في عقل (دية) أصابه، فقالوا: نعم، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس فقال حيي بن أخطب لأصحابه:
لا ترونه أقرب منه الآن، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه، ولا ترون شرا أبدا، فجاءوا إلى رحى عظيمة، ليطرحوها عليه، فأمسك اللّه عنها أيديهم، حتى جاءه جبريل، فأقامه من ثمة، فأوحى اللّه إليه بذلك، ونجا من كيدهم، فأرسل عليه الصلاة والسلام يأمرهم بالرحيل من جوار المدينة، فامتنعوا وتحصنوا بحصونهم، فخرج عليه الصلاة والسلام إليهم بجمع من أصحابه، وحاصرهم ست ليال، اشتد الأمر فيها عليهم، فسألوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يكتفي منهم بالجلاء، وأن يكف عن دمائهم، وأن يكون لهم ما حملت الإبل، وكان البعض من المؤمنين يرى لو يمثل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بهم، ويكثر من الفتك فيهم، فنزلت الآية لنهيهم عن الإفراط في المعاملة بالتمثيل والتشويه، فقبل النبي عليه الصلاة والسلام من اليهود ما اقترحوه. فأنزل الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ – أي بغض قوم - عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ - انظر إلى الإسلام انظروا إلى ديننا حتى ولو كان عدوك نعم حتى ولو كان من أعدى أعداء الإسلام اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ][المائدة : 8]
* قال ابن كثير
وقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ } أي: كونوا قوامين بالحق لله، عز وجل، لا لأجل الناس والسمعة، وكونوا { شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ } أي: بالعدل لا بالجور. وقوله: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا } أي: لا يحملنكم بُغْض قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقا كان أو عدوًا؛ ولهذا قال: { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } أي: عَدْلُكم أقرب إلى التقوى من تركه. ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه، كما في نظائره من القرآن وغيره، كما في قوله: { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } [ النور : 28 ]وقوله: { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء، كما في قوله [تعالى] (4) { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } [ الفرقان : 24 ] وكقول (5) بعض الصحابيات لعمر: أنت أفَظُّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (6) قال تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي: وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها، إن خيرًا فخير، وإن شرا فشر؛ ولهذا قال بعده: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ }
* تفسير السراج المنير
أمرهم بالصدق في أفعالهم وأقوالهم، وتقدّم نظير هذه الآية في النساء، إلا أنّ هناك قدم لفظة القسط وهنا أخرّها، قال ابن عادل: فكان الغرض من ذلك والله أعلم إنّ آية النساء جيء بها في معرض الإقرار على نفسه ووالديه وأقاربه فبدأ فيها بالقسط الذي هو العدل من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة والتي هنا جيء بها في معرض ترك العداوة فبدأ بالأمر بالقيام؛ به لأنه أردع للمؤمنين ثم ثني بالشهادة بالعدل فجيء في كل معرض بما يناسبه.
* وفي الحديث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ خَيْبَرَ ويخرص معناها يقدر ما على النخل من الرطب تمر - قَالَ - فَجَمَعُوا لَهُ حَلْياً مِنْ حَلْىِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا لَهُ هَذَا لَكَ وَخَفِّفْ عَنَّا وَتَجَاوَزْ فِى الْقَسْمِ أي في الجزية. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَىَّ وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِى عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ – ألا أعدل فيكم - فَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرُّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وَإِنَّا لاَ نَأْكُلُهَا . فَقَالُوا أي اليهود بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ . رواه مالك
4- أمر الله بالعدل والأنصاف في الإصلاح بين المتخاصمين
* الآية التي بعد ذلك تتحدث في العدل في الإصلاح بين المتخاصمين[وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ][الحجرات : 9]
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لم يخرجهما من عهدة الإسلام ولم يقول احضر أمريكا للإصلاح بينهما إنما قال فَأَصْلِحُوا أنتم بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فإن رجعت عن ظلمها فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وفي صحيح مسلمِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قِيلَ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ قَالَ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ وَرَكِبَ حِمَاراً وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ وَهِىَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِلَيْكَ عَنِّى فَوَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِى نَتْنُ حِمَارِكَ . قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْيَبُ رِيحاً مِنْكَ - قَالَ - فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ - قَالَ - فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ - قَالَ - فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَبِالأَيْدِى وَبِالنِّعَالِ - قَالَ - فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) . متفق عليه
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السّدّي قال: كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها، وجعلها في علّية له، لا يدخل عليها أحد من أهلها، فبعثت المرأة إلى أهلها، فجاء قومها، وأنزلوها لينطلقوا بها، واستعان الرجل بقومه، فجاءوا ليحولوا بين المرأة وأهلها، فتدافعوا وكان بينهم معركة، فنزلت فيهم هذه الآية، فبعث إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر اللَّه تعالى.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: كانت تكون الخصومة بين الحيين، فيدعون إلى الحكم، فيأبوا أن يجيبوا، فأنزل اللَّه: وَإِنْ طائِفَتانِ ... تفسير المنير
ملخص الآيات
1- الأمر بالعدل 2- شهادة الحق حتى ولو على حساب نفسك أو أحد أفراد عائلتك أو ذوي الجاه والمنصب أو فقير 3- العدالة وأنت في محاربة العدو 4- الأمر بالعدل حتى في الإصلاح بين المتخاصمين
ثم انظر إذا رزق الله الأمة بإمام عادل ولا أشخص قصد رئيس الدولة فكل في مكانه في مصنع أو مكان عمله أو بيته ......... لأن المجتمع قطاعات لو كل واحد له سلطان على من تحته أو من دونه فعدل فيمن بينهم لأصلاح الله حال الأمة
الشاهد أن الإمام العادل هدية من الله عز وجل للأمة الصالحة فإذا انصلحت الأمة أصلح الله حكامها
ثمرات العدل
والإمام العادل إما مع النبي في أعلى فراديس الجنان أو نأخذه إلى أسفل دركات النيران
1- هو من أهل الجنة
* قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ - قَالَ - وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ الضَّعِيفُ الَّذِى لاَ زَبْرَ لَهُ الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعاً لاَ يَتْبَعُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً وَالْخَائِنُ الَّذِى لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلاَّ خَانَهُ وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِى إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ » . وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ « وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ » . وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو غَسَّانَ فِى حَدِيثِهِ « وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ » . رواه مسلم
2- هو من أعظم أسباب النجاة
وفي حديث رواه أبو داود وحسنه الألباني قال عن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ كفاراتٌ، وثلاثٌ درجاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ، فأمَّا الكفاراتُ: فإسباغُ الوُضوءِ في السَّبَرَاتِ -يَعني الشدائدَ-، وانتظارُ الصلواتِ، ونقلُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، وأمَّا الدَّرجاتُ: فإطعامُ الطعامِ، وإفشاءُ السلامِ، والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ، وأمَّا المنجياتُ: فالعدلُ في الرِّضا والغضبِ، والقصدُ في الغِنى والفقرِ، وخشيةُ اللهِ تَعالى في السرِّ والعلانيةِ، وأمَّا المهلكاتُ: فشُحٌّ مطاعٌ، وهَوى مُتبعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ». رواه البزار والهيثمي في الزوائد والطبراني والبيهقي وقال الألباني هو حسن لغيره
3- الإمام العادل يعيش في أمان في الدنيا والآخرة
حتى لو أنك مخطأ ستقول كلمة الحق ، وعندما يشيع العدل في المجتمع ستجد أن هذا الرئيس هو أحب إلى نفوس شعبه من أولادهم ولكن متى لمّا يحقق العدل في المجتمع
جاء رجل أرسله كسرى من بلاد فارس ليفاوض عمر بن الخطاب - عمر العادل الأمين الصادق، عمر الزاهد العابد-: فأتى الرجل فقال: كيف أقابل عمر؟ وكيف أدخل عليه؟ وكيف أستطيع أن أتكلم مع هذا الرجل الذي ضربت جيوشه الدنيا؟ قياداته وكتائبه وصلت إلى المدائن، فقال هو والوفد: أين بيت الخليفة عمر؟ قالوا: تلقاه في تلك السكة، فذهبوا إليه، فوجدوا بيت عمر مطروحاً في سكة من سكك المدينة، قال: أهذا بيته؟ قالوا: نعم. هذا بيته، قال: أين هو؟ قالوا: نطرق عليه الباب، طرقوا فخرج ابن لـ عمر فقال: التمسوا أبي في المسجد، فإن من عادته أن ينام في الضحى، فذهبوا إلى المسجد، فبحثوا فلم يجدوه في المسجد، فوجدوه نائماً تحت شجرة عليه بردة فيها أربع عشرة رقعة، وقد أخذ حجراً مخدة تحت رأسه واستقبل القبلة وبجانبه عصاً اسمها (الدرة) فقال الرجل : أهذا أمير المؤمنين؟! قالوا: هذا أمير المؤمنين، قال: أهذا عمر؟! قالوا: هذا عمر، قال: أهذا الخليفة؟! قالوا: هذا الخليفة، فأخذ يرتعد ويقول وعمر نائم: حكمت فعدلت فأمنت فنمت.
4- الحاكم العادل سيجعل إنتماء الشعب له يوما بعد يوم
إذا لم يتحقق العدل في مجتمع سيفقد هذا الشعب إيمانه بوطنه وبلده أليس هذا الذي كان يحدث أسأل أي شاب ماذا تريد سيقول لك أن أترك هذه البلاد ؟ لماذا لنه لا يوجد كرامة أو احترام الأدمية ولا احترام لحقوق الإنسان وبطالة ...............
5- الإمام العدل لا ترد دعوته
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ » . رواه الترمذي وقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
6- في ظل عرش الرحمن
يأتي يوم القيامة معلما معروفا بعلامتين أولا سيكون في ظل عرش الرحمن & سيجعل له يوم القيامة منبر من نور يجلس عليه ليعلم حاله وعدله
* عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل و شاب نشأ في عبادة الله و رجل قلبه معلق بالمساجد و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرقا عليه و رجل دعته امرأة ذات منصب و جمال فقال : إني أخاف الله و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه روى البخاري و مسلم والنسائي والترمذي ومالك وأحمد
7- يجلسون على منابر من نور
* وََفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ – من هؤلاء يا رب - الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا » رواه مسلم ليس رئيس الدولة فقط بل انت إذا لم تعدل في بيتك ستعاقب وإذا عدلت جعل الله لك منبر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن
8- لقد جعل من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ » . أَوْ « أَمِيرٍ جَائِرٍ » . رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
9- لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض عدلا
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ » . قَالَ زَائِدَةُ فِى حَدِيثِهِ « لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ » . ثُمَّ اتَّفَقُوا « حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى » . أَوْ « مِنْ أَهْلِ بَيْتِى يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِى » . زَادَ فِى حَدِيثِ فِطْرٍ « يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً » . وَقَالَ فِى حَدِيثِ سُفْيَانَ « لاَ تَذْهَبُ أَوْ لاَ تَنْقَضِى الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِى يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى » . قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَفْظُ عُمَرَ وَأَبِى بَكْرٍ بِمَعْنَى سُفْيَانَ . رواه أبو داود والترمذي حسن صحيح
روائع من العدل في الإسلام
العدالة في الإسلام إلى أي حد وصلت
وصلت لدرجة أن رئيس الدولة يقوم أحد أفراد الشعب سيرد عليه ويقول له إذا لم تعدل قومناك بسيوفنا وأنه لم يخطأ الرئيس يحاكم الرئيس أو يرد على خطأه
أولا العدالة عند حكام المسلمين
* رسول الله عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ دَيْناً كَانَ عَلَيْهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلاَّ قَضَيْتَنِى . فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا وَيْحَكَ تَدْرِى مَنْ تُكَلِّمُ قَالَ إِنِّى أَطْلُبُ حَقِّى . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « هَلاَّ مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ » . ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا « إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ فَنَقْضِيَكِ » . فَقَالَتْ نَعَمْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ فَأَقْرَضَتْهُ فَقَضَى الأَعْرَابِىَّ وَأَطْعَمَهُ فَقَالَ أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ . فَقَالَ « أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ » .
* أبو بكر رضي الله عنه كما أخرج الحافظ البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن أبا بكر الصديق قام يوم الجمعة فقال إذا كان بالغداة فأحضروا صدقات الإبل نقسم فلا يدخل علينا أحد إلا بإذن فقالت امرأة لزوجها خذ هذا الخطام لعل الله يرزقنا جملا فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما فالتفت أبو بكر فقال ما أدخلك علينا ثم أخذ منه الخطام فضربه فلما فرغ أبو بكر من قسم الإبل دعا بالرجل فأعطاه الخطام فقال استقد فقال له عمر والله لا أستقيد لا تجعلها سنة قال أبو بكر فمن لى من الله يوم القيامة فقال عمر أرضه فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة ورحلها وقطيفة وخمسة دنانير وأرضاه بها (البيهقى وروى آخره ابن وهب فى جامعه) [كنز العمال 14058]
مع أنه أكبر مئسول في الدولة
* عمر بن الخطاب رضي الله عنه
* عن أبى موسى قال : إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعثنى إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظف طرقكم
* "في عام الرمادة أمَر يوماً بنحر جَزورٍ، وتوزيع لحمه على أهل المدينة ! وعند الغداء وَجَدَ عمرُ أمامه سَنامَ الجزور وكَبِدَه، وهما أطيب ما فيه، فقال: من أين هذا؟ قيل: من الجزور الذي ذُبح اليوم، قال: بخٍ... بخٍ، بئس الوالي أنا إن طَعِمتُ أطْيَبَها، وتركتُ للناس كَرَاديسَها ـ يعني: عظامها ـ ثم نادى خادمه أسلم، وقال له: يا أسلم، ارفع هذه الجَفنةَ، وائتني بخبزٍ وزيت".
* وروي عن إياس بن سلمة عن أبيه قال : مر بي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأنا قاعد في السوق وهو مار لحاجة له معه الدرة ، فقال : هكذا يا سلمة عن الطريق ! فغفقني بها غفقة فما أصاب إلا طرفها ثوبي ، قال : فأمطت عن الطريق فسكت عني حتى إذا كان العام المقبل لقيني في السوق فقال : يا سلمة أردت الحج العام ؟ فقلت : نعم ، فأخذ يدي فما فارق يده يدي حتى أدخلني بيته فأخرج كيسا فيه ستمائة درهم فقال : يا سلمة خذها واستعن بها على حجك واعلم أنها من الغفقة التي غفقتك بها عام أول ! قلت : يا أمير المؤمنين ، والله ما ذكرتها حتى ذكرتنيها فقال عمر : أنا والله ما نسيتها
ما الفرق أن هؤلاء تضخمت في أعيونهم الآخرة فأصبحوا ما يتكلمون ولا يخاصمون إلا خوفا من عقاب الله يوم القيامة ، أما هؤلاء لما هان عليهم أمر الله
* عثمان بن عفان
يغضب على خادم له يوماً فيفرك أذنه حتى يوجعه، ثم سرعان ما يدعو خادمه ويأمره أن يقتص منه فيفرك أذنه، فيأبى الغلام ويأمره عثمان فيطيع، ثم يقول: زد يا غلام! فإن قصاص الدنيا أرحم من قصاص الآخرة
* علي بن ابي طالب
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَرْقَمِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عَلِيًّا وَهُوَ يَبِيعُ سَيْفًا لَهُ فِي السُّوقِ ، وَيَقُولُ : " مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي هَذَا السَّيْفَ ؟ فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ لَطَالَمَا كُشِفَ بِهِ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَمَنُ إِزَارٍ مَا بِعْتُهُ " حلية الأولياء
*عمر بن عبد العزيز
كتب عمر بن عبد العزيز ذات يوم إلى واليه في مصر قائلاً له: بلغني أن الحمالين في مصر يحملون فوق ظهور الإبل فوق ما تطيق، فإذا جاءك كتابي هذا، فامنع أن يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل.
وأختم هذه الفقرة بقولة عمر رضي الله عنه عن طاووس : أن عمر قال : أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أقضيت ما على : قالوا : نعم ، قال : لا حتى أنظر فى عمله أعمل بما أمرته أم لا (البيهقى ، وابن عساكر) [كنز العمال 14328]
ثانيا العدل عند قضاة المسلمين
* ذكر الحافظ بن كثير في ترجمة القاضي أبي يوسف وقال : وليت هذا الحكم ، وأرجو الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل إلى أحد إلا يوما واحدا; جاءني رجل فذكر أن له بستانا ، وأنه في يد أمير المؤمنين ، فدخلت إلى أمير المؤمنين فأعلمته ، فقال : البستان لي ، اشتراه لي المهدي . فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يحضره لأسمع دعواه . فأحضره فادعى بالبستان ، فقلت : ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال : هو بستاني . فقلت للرجل : قد سمعت ما أجاب . فقال الرجل : يحلف . فقلت : أتحلف يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا . فقلت : سأعرض عليك اليمين ثلاثا ، فإن حلفت وإلا حكمت عليك . فعرضتها عليه ثلاثا فامتنع ، فحكمت بالبستان للمدعي . قال : فكنت في أثناء الخصومة أود أن ننفصل ، ولم يمكني أن أجلس الرجل مع الخليفة . وبعث القاضي أبو يوسف في تسليم البستان إلى الرجل .
كتاب البداية والنهاية لأبن كثير
* ذكر ابن خدكان من خبر غنام بن حفص قال : باع رجل من أهل خراسان جمالاً بثلاثين ألف درهم من مرزبان المجوسي وكيل أم جعفر فمطله ثمنها وحبسه عن سفره، وطال ذلك على الرجل، فأتى بعض أصحاب حفص بن غياث فشاوره فقال له: اذهب إليه فقل له: أعطني ألف درهم وأحيل عليك ببقية المال وأخرج إلى خراسان، فإذا فعلت هذا فأخبرني حتى أشير عليك؛ ففعل الرجل وأتى مرزبان فأعطاه ألف درهم فرجع إلى الرجل فأخبره فقال: عد إليه فقل له: إذا ركبت غداً فطريقك على القاضي تحضر، وأوكل رجلاً بالقبض على المال واخرج فإذا جلس إلى القاضي فادع عليه بما بقي لك من المال، فإذا أقر حبسه القاضي وأخذت مالك. فرجع إلى مرزبان فسأله فقال: انتظرني بباب القاضي؛ فلما ركب من الغد وثب إليه الرجل وقال: إن رأيت أن تترك إلي القاضي حتى أوكل بقبض المال وأخرج، فنزل مرزبان إلى حفص المذكور فقال الرجل: أصلح الله القاضي، لي على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم، فقال حفص: ما تقول يا مجوسي قال: صدق، أصلح الله القاضي، فقال القاضي: ما تقول يا رجل فقد أقر لك، فقال: يعطيني مالي، فأقبل حفص على المجوسي فقال: ما تقول فقال: هذا المال على السيدة، فقال: أنت أحمق تقر ثم تقول على السيدة ما تقول يا رجل قال: أصلح الله القاضي إن أعطاني مالي وإلا حبسته، قال حفص: ما تقول يا مجوسي قال: المال على السيدة، فقال حفص: خذوا بيده إلى الحبس؛ فلما حبس بلغ الخبر أم جعفر فغضبت وبعثت إلى السندي: وجه إلى المرزبان، وكانت القضاة تحبس الغرماء في مجلس الشرط، فأخرجه. وبلغ الخبر حفصاً فقال: أحبس أنا ويخرج السندي لا جلست مجلسي هذا أو يرد مرزبان إلى الحبس فجاء السندي إلى أم جعفر فقال: الله الله في، إنه حفص ابن غياث وأخاف من أمير المؤمنين أ، يقول لي: بأمر من أخرجته رديه إلى الحبس، وأنا أكلم حفصاً في أمره؛ فرجع مرزبان إلى الحبس وفيات الأعيان (2 / 199):
ثالثا العدل مع غير المسلمين
إن غير المسلمين ما عاشوا في أمان واستقرار إلا في كنف الإسلام فقط
يكفي أن الله أنزل صفحة في القرآن تنعي على خير ولد ابن آدم محمد أن هواه كان مع غير الحق لحظة كيف ؟
روى الترمذي والحاكم وابن جرير عن قتادة بن النعمان: أن هؤلاء الآيات أنزلت في شأن طعمة بن أبيرق، وكان رجلا من الأنصار، ثم أحد بني ظفر، سرق درعا لعمه كان وديعة عنده، وقد خبأها في جراب دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه، وخبأها عند زيد بن السمين من اليهود، فالتمسوا الدرع عند طعمة، فلم يجدوها، وحلف بالله: ما أخذها وما له به من علم، فساروا في أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي، فأخذوها، فقال: دفعها إليّ طعمة، وشهد له ناس من اليهود بذلك، ولكن طعمة أنكر ذلك، فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة: انطلقوا بنا إلى رسول الله، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبرئ اليهودي فهمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يفعل وكان هواه معهم، وأن يعاقب اليهودي فنزلت[ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) إلى قوله تعالى ...... وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ][النساء : 105-113] تفسير المنير
فكان الظن الغالب أن هذا الرجل مسلما وإن كان بعذ أهل التفسير قالوا أنه كان منافقا وأنه ارتد عن الإسلام وروي أن طعمة هرب إلى مكة وارتد، وسقط عليه حائط في سرقة، فمات.فالظاهر أن هذا مسلم وهذا يهودي ولكن الله أنزل صفحة كاملة تدافع عن اليهودي إنه العدل
* مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشيخ كبير ضرير البصر عضد من خلفه وقال من أي أهل الكتاب أنت ؟ فقال يهودي ، قال فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن فأخذ عمر بيده وذهب إلى منزل له فرضخ له نشئ من المنزل ثم أرسل إلى خازن بيت المال وطلب إليه أن يجرى عليه رزقا مستمرا من بيت المال وقال له انظر إلى هذا وضربائه فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نذله عند الهرم ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) والفقراء هم المسلمين وهذا من المساكين من أهل الكتاب ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.
وقد أمر عمر رضي الله عنه أن يعطى الصدقات قوم من النصارى مصابون بالجذام وأن يرتب لهم القوت.
* وعن هِشام بن حكيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنهما : أنَّه مَرَّ بالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ ، وَقَدْ أُقيِمُوا في الشَّمْسِ ، وَصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الزَّيْتُ ! فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قيل : يُعَذَّبُونَ في الخَرَاجِ - وفي رواية : حُبِسُوا في الجِزْيَةِ - فَقَالَ هِشَامٌ : أشهدُ لَسَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : (( إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاس في الدُّنْيَا )) . فَدَخَلَ عَلَى الأمِيرِ ، فَحَدَّثَهُ ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا . رواه مسلم .
* عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . رواه أبو داود وصححه الألباني
( فَأَنَا حَجِيجه ) أَيْ خَصْمه وَمُحَاجّه وَمُغَالِبه بِإِظْهَارِ الْحِجَج عَلَيْهِ .
رابعا العدل بين الأولاد
لأنه إذا شاع الظلم في إطار الأسرة انطلق ثوابت الظلم إلى المجتمع ومن المجتمع غلى الأمة فتصير الأمة كلها ظالمة وقائمة على الظلم فلذلك أمر الله وأول ما أمر بالعدل امر أن يكون قائما بين الوالد وأبنائه ومع الأم وبناتها . والأو وجدنا كثير من الظلم من الأباء للأبناء ، يعني كثير من الأباء ظلموا أبنائهم فلما كبروا ذاقوا نتيجة معاملتهم عند الكبر فأنت ما بررت بولدك وهو صغير حتى يبرك وأنت كبير ، فمن برك بولدك أنت تعدل بينك وبين أخيه الذي يقاسمه في المنزل ، هذه المعاملة لا يجب أن تكون مادية فقط ، بل إن المعاملة النفسية أكثر بكثير من المعاملة المادية ، فتجد ولد منطلق بشوش اجتماعي وآخر منطوي هادي غير اجتماعي فيحب الحبوب ويهمل المنطوي وهكذا تفضل الجميل على الأقل جمالا وهكذا ........... نحن لو تعاملنا في تربيتنا لأولادنا بأهوائنا وعواطفنا سنظلم أولادنا كثيرًا ونحن الذين سنجني هذه الثمار المرة
* قال النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حَتَّى يَشْهَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ عَطِيَّةٌ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدُكَ، فَقَالَ: أَعْطَيْتَ كُلَّ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ، زَادَ الْحَرْبِيُّ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ: فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. رواه البخاري
* عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِى وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِى وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( عَذَابٌ مُهِينٌ ) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح
فالوصيه للعبد كالميزان إنما إلى الجنة وإنما إلى النار
خامسا العدل مع الزوجات
· عن يحيى بن سعيد : أن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كانت له امرأتان ، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ من بيت الأخرى ثم توفيتا في السقم الذي أصابهما بالشام والناس في شغل ، فدفنتا في حفرة ، فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر . حلية الأولياء
· قال تعالى:[ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ][النساء : 129]
· عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقَّيْهِ سَاقِطًا أَوْ مَائِلًا "
· قال ابن قدامة في المغني لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي الْقَسْمِ خِلَافًا
سادسا العدل في إقامة الحدود
عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ ، قَالَ عُرْوَةُ فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ « أَتُكَلِّمُنِى فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ » . قَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيباً ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » . ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا ، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَزَوَّجَتْ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي نحن نحتاج إلى هذا هذه الشفافية فإذا كنت ستحاسب حاسب الكل على حد سواء الغني والفقير الرئيس والمرؤوس والصغير والكبير الكل على حد سواء
سابعا العدل في الكلام والقول
· قال الله تعالى :[وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ][الأنعام : 152]
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ لأنك مطالب بالعدل في كل شئون الحياة والعمل فلما قال الله وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ لأنك أكثر مجالات العدل تكون في الكلام لأنك إما ستكون حاكم أو قاضي وحتى الأفعال التي ستعدل فيها ستكون داخل النصوص فإنه واجب عليك غذا وقفت للقضاء أن تقول كلمة الحق حتى ولو كان على نفسك
قال سيد طنطاوي في تفسيره الوسيط إذ العدل هو أساس الحكم السليم : العدل فى القول ، والعدل فى الحكم ، والعدل فى كل فعل .
وإنما خصصت الآية العدل فى القول مع أن العدل مطلوب فى الأقوال والأفعال وفى كل شىء ، لأن أكثر ما يكون فيه العدل أقوال كالشهادة ، والحكم ، ثم الأقوال هى التى تراود النفوس فى كل حال . فالإنسان حين تصادفه قضية من القضايا القولية أو العملية يحدث نفسه فى شأنها ، ويراوده معنى العدل وكأنه يطالبه بأن ينطق به ويؤيده ، فيقول فى نفسه سأفعل كذا لأنه العدل ، فإذا لم يكن صادقا فى هذا القول فقد جافى العدل وقال زوراً وكذبا .
فالقرآن يرتفع بالضمير البشرى إلى مستوى سامق رفيع ، على هدى من العقيدة فى الله ، بأن يكلفه بتحرى العدل فى كل أحواله ولو إزاء أقرب المقربين إليه . الوسيط لسيد طنطاوي (ص: 1571، بترقيم الشاملة آليا)
· قال تعالى :[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ][الطلاق : 1]
· قال الله تعالى :[ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ ][المائدة : 106]
قال ابن حزم: "أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبّه وعلى الحقّ وإيثاره" مداوة النفوس
ورحم الله بن تيمية حين قال فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة". كتاب الحسبة لإبن تيمية تحقيق الشحود
وقال ابن القيم رحمه الله
وَالتَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ هُمَا جِمَاعُ صِفَاتِ الْكَمَالِ كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3 / 423):