ففروا إلى الله
· تمهيد: لماذا الحديث عن الفرار؟
* على المسلم أن يفر إلى الله في زمن الانفتاح الشديد على الدنيا و تغلب الجانب المادي على حياة الناس أكثر، و ما ترتب عن ذلك من تكالب على حطامها دون تمييز بين حلال و حرام وطيب و خبيث، فحصل التنافس الشديد على حطامها و صار الحب والبغض من أجلها ، بل والقتال من أجلها والعياذ بالله.
* على المسلم أن يفر إلى الله في زمن حصلت فيه الغفلة الشديدة عن الآخرة و الغاية التي من أجلها خلقنا، و تحولت هذه الدنيا الفانية من كونها خادمة إلى مخدومة ، قد ذلت كل عزيز و غدرت بكل طامع و أسكرت أقواما تعلقت قلوبهم بها ففقدوا وعيهم، و ضلوا طريقهم، فمن أجلها يظلمون ويبغون على بعضهم البعض و يعيشون كسباع الغابة يفترس القوي الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير من أجل مال أو امرأة أو شهرة أو منصب أو غير ذلك
* على المسلم أن يفر إلى الله في زمن ظهرت فيه الفتن المتلاطمة التي يوقظ بعضها بعضا، و تساقط فيها خلق كثير ما بين هالك فيها بقلبه أو بلسانه أو بيده...
· معنى الفرار
الفرار لغة : في لسان العرب لابن منظور وفي القاموس المحيط
هو الفَرّ والفِرارُ: الرَّوَغان والهرب. فَرَّ يَفِرُّ فراراً: هرب.. ورجل فَرُورٌ وفَرورَةٌ وفُرَرَةٌ كهُمَزَة وفَرَّارٌ وفَرٌّ
وفي حديث الهجرة قال سُراقةُ ابن مالك حين نظر إِلى النبي صلى الله عليه وسلم وإِلى أَبي بكر رضي الله عنه مُهاجِرَيْنِ إِلى المدينة فمرّا به فقال هذان فَرُّ قريشٍ أَفلا أَردّ على قريش فَرَّها ؟ يريد الفارَّين من قريش
اصطلاحا
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
فِرُّوا إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ. وَعَنْهُ فِرُّوا مِنْهُ إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ
قال الطبري :
اهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته
قال القرطبي
قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ قُلْ لِقَوْمِكَ: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أَيْ فِرُّوا مِنْ مَعَاصِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ.
وقال الشوكاني
فِرُّوا إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ عن الكفروالمعاصي وقيل (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) اخرجوا إلى مكة.
وقال الحسين ابن الفضل:
احترزوا من كل شي دُونَ اللَّهِ فَمَنْ فَرَّ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ:
فِرُّوا مِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ.
وَقَالَ الْجُنَيْدُ:
الشَّيْطَانُ دَاعٍ إِلَى الْبَاطِلِ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ يَمْنَعُكُمْ مِنْهُ.
وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ:
فَفِرُّوا مِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الشُّكْرِ
إذن الفرار هو أن يفزع الإنسان ويهرب من عقاب الله ومن الشّيطان والمعاصي والجهل وكلّ ما عدا الله إلى طاعة الرّحمن والدّخول في الإيمان. مختصر موسوعة نضرة النعيم
قال ابن القيّم- رحمه الله-:
من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) : منزلة الفرار:
قال الله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ وحقيقة الفرار:
الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السّعداء، وفرار الأشقياء.
ففرار السّعداء: الفرار إلى الله- عزّ وجلّ- وفرار الأشقياء الفرار منه لا إليه.
وأمّا الفرار منه إليه: ففرار أوليائه. مدارج السالكين جـ 1 صـ 469
مختصر موسوعة نضرة النعيم
· تأملات في الآية
التأمل الأول
لماذا عبر الحق تبارك وتعالى بلفظ الفرار :
قال ابن عطية وجعل الأمر ذلك بلفظ الفرار لينبّه على أنّ وراء النّاس عقابا وعذابا وأمرا حقّه أن يفرّ منه ، فجمعت لفظة ففرّوا بين التّحذير والاستدعاء، وينظر إلى هذا المعنى في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
قال الرازي
قوله تعالى : { فَفِرُّواْ } ينبىء عن سرعة الإهلاك كأنه يقول الإهلاك والعذاب أسرع وأقرب من أن يحتمل الحال الإبطاء في الرجوع ، فافزعوا إلى الله سريعاً وفروا .
* فالفرار ليس له صورة واحدة ألا وهي الإنطلاق بكل ما أوتي الفار من قوة طالبا للنجاة ، تصور أن إنسانا واقفا وفجأ برز له أسد وأخذ يعدو وراءه ، أو برز له عدو مسلح وأخذ يطارده فكيف يكون ردة فعل المطارد أيمشي على هون ، أينظر يمنة ويسرة ، أم أنه ينطلق بكل ما اوتي من قوة يعدو ولا يشغل باله في تلك اللحظات إلا النجاة والأمان من مطارده .
* ولا يعني الفرار إلى الله تعطيل الحياة الدنيا ، لا لكن يوم أمرنا الله بالسعي لطلب الرزق لم يامرنا بالسعي وإنما أمرنا بالمشي قال تعالى :[ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) ][الملك : 15]والمشي له صور فالكبير يمشي ، والصغير يمشي ، والشاب يمشي ، والعجوز يمشي والرجل يمشي والمرأة تمشي ولكل مشيته فمنهم من يمشي مسرعا ومنهم من يمشي على مهل فهل أدرك العباد الفرق بين المشي والسعي ، فالسعي له له صورة واحدة أما المشي فله صور متعددة ، الماشي قد يمشي ويشغل باله بأمور عدة ، ولكن الفار ّ لا تسيطر على فكره إلا فكرة واحدة وهي النجاة
قال صاحب الظلال
والتعبير بلفظ الفرار عجيب حقاً . وهو يوحي بالأثقال والقيود والأغلال والأوهاق ، التي تشد النفس البشرية إلى هذه الأرض ، وتثقلها عن الانطلاق ، وتحاصرها وتأسرها وتدعها في عقال . وبخاصة أوهاق الرزق والحرص والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود . ومن ثم يجيء الهتاف قوياً للانطلاق والتملص والفرار إلى الله من هذه الأثقال والقيود! الفرار إلى الله وحده منزهاً عن كل شريك . وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر : { إني لكم منه نذير مبين } . . وتكرار هذا التنبيه في آيتين متجاورتين ، زيادة في التنبيه والتحذير!
التأمل الثاني
قالت الآية :أن الفرار سيكون إلى واحد فقط لا شريك له إنه الله
لأنك لن تجد الراحة إلا في رحابه ، إنه الله الذي خلقك وخلق لك كل شيء قبل أن يخلقك ، إنه الله الذي أسجد لأبيك آدم ملائكته وأنت في صلبه ، إنه الله ، الذي طرد إبليس من رحمته ، وأخرج من حظيرة القدس من أجلك ، إنه الله الذي تكفل بن قك وأنت جنين في بطن أمك ، إنه الله الذي يحفظك من أعدائك بل حتى من نفسك ، لا يوجد أحد في الكون كله يحبك كأمك ولكن أمك لا تستطيع أن تجلب لك السعادة ، الله وحده هو القادر على ذلك ، أمك ربما تربيك لترعاها في شيخوختها وتحسن إليها في ضعفها ، وإن أساءت غليها منت عليك وقالت خسارة فيك تربيتي ، لكن الله يعطيك ويمنحك وينعم عليك ويتحفك وهومستغن عنك [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ][فاطر : 3]
طالع بقلبك اسم الله الأول
كان الله ولا سماء ولا أرض ولا حياة ولا نجوم ولا بشر ولا حيوان ولا اي شيء معه قال صلى الله عليه وسلم إن أول ما خلق الله القلم فقال اكتب قال وما أكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة مسند الشاميين
إذا رجعت بخيالك إلى ما قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة حيث كتبت يومها حيث لا جن ولا أنس ولا جبال ولا أمطار ولا سماء ولا أرض كتبت أنت فلان ابن فلان تتزوج فلانة وترزق كذا ولون عينيك كذا ، وطول انفك كذاحجم اذنيك كذا وطول قامتك كذا وتفعل كذا يوم كذا وتسمع كذا يوم كذا ، ونفعل كذا يوم كذا وكذا يوم كذا أين كنت يومها ، كنت في عالم الغيب ، لم تقدم شيئا ولم تطلب شيئا بل لم تتطلب ولم تتمنى
مثال : في الآية الآية التي فبلها إشارة إلى قضية الزواج [وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ][الذاريات : 49] فانظر إلى زوجتك لو رجعت إلى عشرة أجداد إلى الخلف كيف كان جدهاوجدك ، ولربما كنت في بلاد نائية لا تعلم شيئا عن بعضها ........ ثم يسوق الله الأقدار وتتعارك وتتصارع وتتزاحم الأقدار لتسوقك في النهاية إلى مكان كذا إلى أن تلقى هذه المراة التي تنكحها فكأن هذه الأقدار تعمل لك ومن أجلك . هل نستحق أنا وأنت هذه العبارة من الله ذي الجلال
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
يوم كتب الله زوجك وولدك ، من يومها توسط عند الله ليزيد من أجلك ، أي أسباب يومها كانت ، لم يكن هناك أحد إلا الله ، فلم يكن هناك بشر أو أعمال أو مسببات إنما كان ولم يزل هو الله
لو نظرت في قضية الرزق وعلمت أن الله هو الرازق الذي قضى لك هذا الرزق فلم يكن عندها شركات ولا مؤسسات ولا بشر وكتب لك رزقك لعرفت معنى فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
التأمل الثالث :
قال الرازي رحمه الله
بيان المهروب إليه ولم يذكر الذي منه الهرب لأحد وجهين ، إما لكونه معلوماً وهو هول العذاب أو الشيطان الذي قال فيه : { إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً } [ فاطر : 6 ] وإما ليكون عاماً كأنه يقول : كل ما عدا الله عدوكم ففروا إليه من كل ما عداه ، وبيانه وهو أن كل ما عداه فإنه يتلف عليك رأس مالك الذي هو العمر ، ويفوت عليك ما هو الحق والخير ، ومتلف رأس المال مفوت الكمال عدو ، وأما إذا فررت إلى الله وأقبلت على الله فهو يأخذ عمرك ولكن يرفع أمرك ويعطيك بقاء لا فناء معه .
التأمل الرابع
قال رحمه الله
الفاء للترتيب معناه إذا ثبت أن خالق الزوجين فرد ففروا إليه واتركوا غيره تركاً مؤبداً .
التأمل الخامس
قال رحمه الله
في تنوع الكلام فائدة وبيانها هو أن الله تعالى قال : { والسماء بنيناها } [ الذاريات : 47 ] { والأرض فرشناها } [ الذاريات : 48 ] { وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا } [ الذاريات : 49 ] ثم جعل الكلام للنبي عليه السلام وقال : { فَفِرُّواْ إِلَى الله إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ولم يقل ففروا إلينا ، وذلك لأن لاختلاف الكلام تأثيراً ، وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثيراً ، ولهذا يكثر الإنسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن الجادة ، ويجعل الكلام مختلفاً ، نوعاً ترغيباً ونوعاً ترهيباً ، وتنبيهاً بالحكاية ، ثم يقول لغيره تكلم معه لعلّ كلامك ينفع ، لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر ، والله تعالى ذكر أنواعاً من الكلام وكثيراً من الاستدلالات والآيات وذكر طرفاً صالحاً من الحكايات ، ثم ذكر كلاماً من متكلم آخر هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن المفسرين من يقول تقديره فقل لهم ففروا وقوله : { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ } إشارة إلى الرسالة .
وفيه أيضاً لطائف . إحداها : أن الله تعالى بيّن عظمته بقوله : { والسماء بنيناها } { والأرض فرشناها } وهيبته بقوله : { فنبذناهم فِى اليم } [ القصص : 40 ] وقوله تعالى : { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم } [ الذاريات : 48 ] وقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة } [ النساء : 153 ] وفيه إشارة إلى أنه تعالى إذا عذب قدر على أن يعذب بما به البقاء والوجود وهو التراب والماء والهواء والنار ، فحكايات لوط تدل على أن التراب الذي منه الوجود والبقاء إذا أراد الله جعله سبب الفناء والماء كذلك في قوم فرعون والهواء في عاد والنار في ثمود ، ولعلّ ترتيب الحكايات الأربع للترتيب الذي في العناصر الأربعة وقد ذكرنا في سورة العنكبوت شيئاً منه ، ثم إذا أبان عظمته وهيبته قال لرسوله عرفهم الحال وقل أنا رسول بتقديم الآيات وسرد الحكايات فلإردافه بذكر الرسول فائدة .
ثانيها : في الرسالة أمور ثلاثة المرسل والرسول والمرسل إليه وههنا ذكر الكل ، فقوله : { لَكُمْ } إشارة إلى المرسل إليهم وقوله : { مِنْهُ } إشارة إلى المرسل وقوله : { نَّذِيرٍ } بيان للرسول ، وقدم المرسل إليه في الذكر ، لأن المرسل إليه أدخل في أمر الرسالة لأن عنده يتم الأمر ، والملك لو لم يكن هناك من يخالفه أو يوافقه فيرسل إليه نذيراً أو بشيراً لا يرسل وإن كان ملكاً عظيماً ، وإذا حصل المخالف أو الموافق يرسل وإن كان غير عظيم ، ثم المرسل لأنه متعين وهو الباعث ، وأما الرسول فباختياره ، ولولا المرسل المتعين لما تمت الرسالة ، وأما الرسول فلا يتعين ، لأن للملك اختيار من يشاء من عباده ، فقال : { مِنْهُ } ثم قال : { نَّذِيرٍ } تأخيراً للرسول عن المرسل . ثالثها : قوله : { مُّبِينٌ } إشارة إلى ما به تعرف الرسالة ، لأن كل حادث له سبب وعلامة ، فالرسول هو الذي به تتم الرسالة ، ولا بد له من علامة يعرف به ، فقوله : فقوله : { مُّبِينٌ } إشارة إليها وهي إما البرهان والمعجزة .
ثانيا أصول الفرار إلى الله
من محاضرات الشيخ يعقوب
1- تكون دائم الفرار إلى الله
قال تعالى :[ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)][طه : 124-127] قال تعالى :[ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ][العنكبوت : 4]
قال تعالى :[إنى ذاهب إلى ربي سيهدين] [الصافات : 99]فأنت ذاهب إلى ربك فار إليه من شهواتك ومن ذنوبك ومعاصيك وآفاتك ومن خلقه أجمعيــــن
وفي الفرار والهرب معنى الإسراع واللهفة بعد الشعور بالخطر
وأحدثكم عن واقع: لقيت إخوة كانوا معنا ثم فروا منا من انتكس ومن رجع ومن فتر ومن ترك ثم عادوا بعد مدة وسألتهم كل على حدى ... والله ماذا وجدت بعيداً عن الطريق إلى الله ؟؟ ... فكان أحدهم ابتلى فحلق لحيته وترك وكان قبل أن يحلق لحيته يقول إذا تحدثنا عن المنتكسين والفتور: لا تحدثنا عن ذلك فإن حديثك عنهم يشجعنا ان ننتكس...وقدر الله له الأسباب وحلق مشى في الذنوب ورجع بعدها بسنة....فقلت له ماذا وجدت بعيد عن الله ؟؟ فقلد أتيت كل الشهوات كلها من أبوابها وشبابيكها؟!!والمعاصي علانيتها وسرها ثم....؟!!
قال العذااااااااااااااااااب
فليس بعيدا عن الله إلا العذاب
اسمع قول ابن القيم
والمؤمن لا تتم له لذة بمعصية أبدا فهو لا يباشرها إلا والحزن يخالط قبله وإنما هو بمنزله السكير حال سكره يحطم ما بين يديه فإذا أفاق رأى دمه
الشاهد أن أول أصل من أصول الفرار أن تفر من كل شئ إلا الله وتفر إليه وحده فلا يدخل على الله إلا بالفقر
2- أن تفر على شرطه وليس على شرطك
فبعض الناس يريد ان يلتزم التزام 5 نجوم...يريد ان يدخل الى الدين على مزاجه وهواه يريد دين يوافق طباعه وهواه .. فالفرار فرار عبد إلى الله..
فشرط الله أن تأتيه عبداً ذليلاُ مستسلما
3- أن تأتيه فقيرا محتاجاً لا غنياً متألياً
فاسمع:قال تعالى:[وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ][التوبة : 118]
فتقبل على الله وتظهر فقرك ومسكنتك وحاجتك وتقول إلاهي وسيدي إليك جئت.
في ناس بتيجي لربنا علشان يكمل برستيجه...زي اللى بيحفظ قرآن مش لله للصورة..هو ده بيع الغناوة فيفر إلى الله لا على الصدق والفقر ولكن من باب الغنى والتكميل..
اسأل نفسك أتيت إلى طريق الله ليــــــــــــــه؟؟
علشان ربناولا علشان مين؟
على شرطه ولا على شرط الله؟
جاى لربنا عبد ولاجاى طالب ملك؟؟
4- أن تفر إلى الله باليقين
زي واحد عنده صداع ياخد ادوية كثير والصداع لم يذهب فقال له شيخه قال له ضع يمينك على ما تألم به وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر 7 مرات...قال طيب لما أجــــــــــرب؟!!
فالله لا يجرب..
كن على يقين أنك لن تجد السعادة ولا الرحاة ولا الأمان ولا السكينة إلا مع الله فكل ما عداه أوهام وسراب
قال تعالى :[ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ][الرعد : 28]
قال تعالى :[الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ][الرعد : 29]
قال تعالى :[ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ][مريم : 96]
والناس في الفرار إلى الله قسمين فار من الله وفار إلى الله
ثالثا فرار السعداء
الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السّعداء، وفرار الأشقياء.
ففرار السّعداء: الفرار إلى اللّه- عزّ وجلّ- وفرار الأشقياء الفرار منه لا إليه.
وأمّا الفرار منه إليه: ففرار أوليائه.
هو الهرب ممّا لم يكن إلى من لم يزل. وهو على ثلاث درجات:
1- فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا.
2- ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما.
3- ومن الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء.
أولا : فرار العامّة من الجهل إلى العلم عقدا وسعيا.
فالفار يفر من الجهل بالله بدينة بأوامره ونواهيه وبحدوده إلى العلم بالله تبارك وتعالى وأسماءه الحسنى وصفا العلي ، إلى معرفة حدوده ومعرفة أوامره ونواهيه
* (قال عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه-:
«اغد عالما أو متعلّما ولا تغد فيما بين ذلك فإنّ ما بين ذلك جاهل، وإنّ الملائكة تبسط أجنحتها للرّجل غدا يبتغي العلم من الرّضا بما يصنع») الدارمي (1/ 109) رقم (339).
* قالوا: «من لم يحتمل ذلّ التّعلّم ساعة، بقي في ذلّ الجهل أبدا)* جامع بيان العلم وفضله (1/ 99).
* قال بعضهم :
تعلّم فليس المرء يولد عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإنّ كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفّت عليه المحافل)
جامع بيان العلم وفضله (1/ 159).
وقال آخر :
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسامهم قبل القبور قبور
وإنّ امرأ لم يحي بالعلم ميّت ... فليس له قبل النّشور نشور
أدب الدنيا والدين (51).
قال ابن القيم في مدارج السالكين
(الجهل) نوعان: عدم العلم بالحق النافع وعدم العمل بموجبه ومقتضاه فكلاهما جهل لغة وعرفا وشرعا وحقيقة قال موسى: 2 :67 {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} لما قال له قومه: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} أى من المستهزئين وقال يوسف الصديق: 12 :33 {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أي من مرتكبي ما حرمت عليهم وقال تعالى: 4 :17 {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} قال قتادة: "أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما عصى الله به فهو جهالة" وقال غيره: "أجمع الصحابة رضي الله عنه أن كل من عصى الله فهو جاهل"
وسمى عدم مراعاة العلم جهلا إما لأنه لم ينتفع به فنزل منزلة الجاهل وإما لجهله بسوء ما تجني عواقب فعله.
فالفرار المذكور: هو الفرار من الجهلين: من الجهل بالعلم إلى تحصيله اعتقادا ومعرفة وبصيرة ومن جهل العمل إلى السعي النافع والعمل الصالح قصدا وسعيا.
ثانيا الفرار من الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما.
قال تعالى :[ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ]
قال تعالى :[ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ][المؤمنون : 115]
* أنت مفكر الموضوع لعبة أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ هذا الأمر تبذل فيه الأموال لا بل تبذل فيه الأرواح والمهج ، فتلقى الأوامر يحتاج إلى عزم وجد قال الله [خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ][البقرة : 63] [وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ][الأعراف : 145] [يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ][مريم : 12] أي بجد واجتهاد وعزم لا بمن يأخذ ما أمر بتردد وفتور
* إذن لابد أن تفر من إجابة داعي الكسل إلى داعي العمل والتّشمير بالجدّ والاجتهاد. والجدّ ههنا هو صدق العمل، وإخلاصه من شوائب الفتور، ووعود التّسويف والتّهاون، وهو تحت السّين وسوف، وعسى ولعلّ، فهي أضرّ شيء على العبد، وهي شجرة ثمرها الخسران والنّدامات
* قال الله عن المنافقين :[ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ][النساء : 142]
* عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ » رواه مسلم
* إن الكسل جرثومة خطيرة تبدأ بإهلاك فرد إلى تدمير أمة ، لقد أصبح في مجتمعنا مجموعة من الكسالى كسلوا عن العمل وامتهنوا الشحاذة حتى صاروا عبئا على المجتمع ، وأنت منذ متى تريد أن تغير من ذاتك وتقول ساتوب وأصلي عندما أتزوج ثم عندما أعمل ثم عندما تنجب زوجتي ثم عندما ينتهي الأولاد من التعليم ثم عندما أفرغ من زواجهم ثم عندما أخرج على المعاش ثم تجد أن العمر ذهب وولى والجسم ضعف والعظم وهن وحينئذ تندم ولات ساعة مندم
* قال لبيد بن ربيعة
إنّ تقوى ربّنا خير نفل ... وبإذن اللّه ريثي والعجل
أحمد اللّه فلا ندّ له ... بيديه الخير ما شاء فعل
أعمل العيس على علّاتها ... إنّما ينجح أصحاب العمل
وإذا رمت رحيلا فارتحل ... واعص ما يأمر توصيم الكسل
من كتاب تاريخ الأدب العربى، للزيات.
ثالثا الفرار من الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء.
فالعبد يهرب من ضيق صدره بالهموم والغموم والأحزان والمخاوف الّتي تعتريه في هذه الدّار من جهة نفسه. وما هو خارج عن نفسه ممّا يتعلّق بأسباب مصالحه، ومصالح من يتعلّق به، وما يتعلّق بماله وبدنه وأهله وعدوّه. يهرب من ضيق صدره بذلك كلّه إلى سعة فضاء الثّقة باللّه تبارك وتعالى،قال تعالى :[ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ][الطلاق : 2] قال الربيع بن خثيم: "يجعل له مخرجا من كل ما ضاق على الناس" وقال أبو العالية: "مخرجا من كل شدة وهذا جامع لشدائد الدنيا والآخرة ومضايق الدنيا والآخرة فإن الله يجعل للمتقي من كل ما ضاق على الناس واشتد عليهم في الدنيا والآخرة مخرجا" وقال الحسن: "مخرجا مما نهاه عنه" 65 :3 {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافي من يثق به في نوائبه ومهماته يكفيه كل ما أهمه و(الحسب) الكافي 9 :59 {حَسْبُنَا اللَّهُ} كافينا الله.
وكلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له صادق التوكل عليه: فإن الله لا يخيب أمله فيه ألبتة فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل ولا يضيع عمل عامل
إنها الثقة التي ملأت قلب الحبيب حينما ناداه الصديق فقال : يا رسول اللّه لو أنّ أحدهم رفع قدمه رآنا. قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : «ما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما») لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا
قال أَبُو قُدَامَةَ الرَّمْلِيُّ ، قَالَ : " قَرَأَ رَجُلٌ هَذِهِ الآيَةَ : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا سورة الفرقان آية 58 ، فَأَقْبَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ الْخَوَّاصِ ، فَقَالَ : يَا أَبَا قُدَامَةَ ، مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ فِي أَمْرِهِ ، ثُمَّ قَالَ : انْظُرْ كَيْفَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ سورة الفرقان آية 58 ، فَأَعْلَمَكَ أَنَّهُ لا يَمُوتُ ، وَأَنَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ يَمُوتُونَ ، ثُمَّ أَمَرَكَ بِعِبَادَتِهِ ، فَقَالَ : وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ سورة الفرقان آية 58 ، ثُمَّ أَخْبَرَكَ بِأَنَّهُ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ يَا أَبَا قُدَامَةَ ، لَوْ عَامَلَ عَبْدٌ اللَّهَ بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ ، وَصِدْقِ النِّيَّةِ لَهُ بِطَاعَتِهِ ، لاحْتَاجَتْ إِلَيْهِ الأُمَرَاءُ فَمَنْ دُونَهُمْ ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا مُحْتَاجًا ، وَمَوْئِلُهُ وَمَلْجَؤُهُ إِلَى الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ ؟ " .
ذكر بهيم أبو بكر العجلي عن رجل، من أهل الكوفة قال: «بينا أنا في، بستان لي، إذ خيل لي رؤية شخص أسود، ففزعت منه، فقلت: حسبي (1) الله ونعم الوكيل، فساخ (2) في الأرض وأنا أنظر إليه، وسمعت صوتا من ورائي يقرأ هذه الآية: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره (3)) ، فالتفت، فلم أر شيئا» رواهما ابن أبي الدنيا في التوكل على الله
قصة فرار مالك بن دينار إلى الله
هاهو مالك بن دينار -كما يذكر أهل السِيَر-: كان شرطياً من شُرط بني العباس، وكان يشرب الخمر، وكان صادّاً نادّاً عن الله عز وجل، ويشاء الله عز وجل أن يتزوج بامرأة أحبها حباً عظيماً، لكنه كان لا يترك الخمر، يشربها في الصباح والمساء.
ويشاء الله عز وجل أن يرزق بمولودة من هذه المرأة، فما كان منه إلا أن ملكت عليه لبه هذه الطفلة، وملكت عليه لبه، وملكت عليه قلبه، فكان لا ينتهي من عمله حتى يأتي إليها ليداعبها ويمازحها، وكان يؤتى بالخمر، فإذا رأته يشرب الخمر ذهبت وكأنها تريد أن تعتنقه، فأسقطت الخمر من يده وكأنها تقول: يا أبت اتقِ الله! ما الخمر لمسلم أبداً.
هكذا حالها معه، وفي يوم من الأيام يأتي من عمله ويأتي ليداعبها ويلاعبها ويرميها فتسقط ميتة، فيحزن حزناً عظيماً، ويجِدُ عليها وَجْداً عظيماً، فما كان منه في تلك الليلة -كما يخبر عن نفسه- إلا أن شرب الخمر، ثم شرب ثم شرب حتى الثمالة، قال: ثم نمت في تلك الليلة وبي من الهمِّ ما لا يعلمه إلا الله، قال: فرأيت -فيما يرى النائم- كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس قد خرجوا من القبور حفاة عراة غرلاً بُهماً، يدوك الناس في عرصات القيامة، وإذ بهذا الثعبان العظيم فاغراً فاه، يقصدني من بين هؤلاء الخلق جميعهم، ويأتي إليَّ يريد أن يبتلعني، قال: وأهرب منه ويطاردني، وأهرب منه ويطاردني، كاد قلبي أن يخرج من بين أضلاعي، وإذا أنا بهذا الشيخ الحسن السَّمْت، الرجل الوقور، قال: فتقدمت إليه فقلت: بالله عليك أنقذني، قال: لا أستطيع، ولكن اذهب إلى من ينقذك.
قال: فبقي يطاردني، فما وقفت إلا على شفير جهنم قال: فبقى من ورائي، وجهنم من أمامي.
قال: فقلت أرمي بنفسي في جهنم، وإذا بهاتف يهتف، ويقول: ارجع، لست من أهلها.
قال: فرجعت لأدوك في عرصات القيامة وهو ورائي يطاردني، ورجعت إلى ذلك الشيخ الوقور، فقلت له: أسألك بالله أن أنقذني أو دلني، قال: فأما إنقاذك فلا، ولكني أدلُّك على ذلك القصر، لعل لك فيه وديعة.
قال: فانطلقت إلى القصر، وهو لا يزال يطاردني، قال: وإذا بهذا القصر من زبرجد وياقوت، مكلل باللؤلؤ والجوهر، وإذا بالسُتُر ينادي بفتحها: افتحوا السُتُر، قال: ففتحت الستر عن أطفال مثل فلق القمر، وإذا بكل واحدة وواحد ينظر إلى هذا المنظر المهول، وإذا بابنتي من بينهن تقول: أبتاه! ثم ترمي بنفسها من القصر بيني وبين الثعبان، قال: ثم تقول للثعبان بيمناها -هكذا- فينصرف.
فتضرب على لحيتي، ثم تضرب على صدري، وتقول: أبتاه! {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] قلت: بل آن! بل آن! ثم قلت: ما ذاك الثعبان؟ قالت: ذلك عملك السيء كاد يرديك في جهنم، قال: وما ذلك الشيخ الوقور؟ قالت: ذلك عملك الحسن ضعفته حتى ما استطاع أن يقاوم عملك السيء، قال: ثم تضرب صدري ثانية، وتقول: أبتاه! {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ} [الحديد:16].
قال: ففزعت من نومي، وقلت: بل آن! بل آن! قال: ثم توضأت، ثم انطلقت إلى المسجد، فذهبت لأداء صلاة الفجر، قال: وإذا بالإمام يقرأ الفاتحة، ثم يبدأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] فقلت: والله ما كأنه يعني إلا إياي.
محاضرة للدكتور عمر عبد الكافي
· فرار الخاصة
هو الفرار من عالم الغيب إلى عالم الشهادة :
* قال الحسن البصري رضي الله عنه : أدعو الله عز وجل، فأرى يد الله تكتب لي الإجابة
* كانت عائشة تعطر الدرهم وتعطيه للفقير، قالت: أعلم أنه لا يقع في كف الفقير، ولكن يقع في كف الرحمن. والفقير يدعو لها: جزاك الله خيراً يا أم المؤمنين! وتقول: بل جزاك أنت؛ لأنك حملت زادنا إلى الآخرة، ويقال لها: يا أم المؤمنين! هذا هو الذي ينبغي أن يدعو؛ فهو الذي يأخذ، فتقول: دعوة بدعوة؛ ليضل لنا الثواب كاملاً عند الله يوم القيامة.
* ويقول سيدنا عمر: أنا لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء.
· فرار خاصة الخاصة
وهو فرار مما دون الحق، فكل شيء لله عز وجل ، فهو يرى الله في كل شيء
من فوائد (الفرار إلى اللّه)
(1) رضوان اللّه سبحانه وتعالى والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
(2) ترك المعاصي والبعد عن الشّبهات.
(3) طهارة القلوب وصفاء النّفس.
(4) حبّ النّاس والعطف عليهم.
(5) يشعر بالسّعادة والفرح دائما.
(6) البعد عن الدّنيا وعدم الانشغال بمباهجها وماثرها.