tamer.page.tl
  الإستقامة
 

الإستقامة

أيها الموحدون عباد الله انقضى رمضان بحسناته وبركاته ، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ، فاز بالنجاة والعتق من النيران أناس وتنصل الطريق أناس آخرون ، والطريق إلى الله عز وجل طريق طويل مملوء بالمتاعب والأشواك  ، والموانع التي تمنع العبد من سيره إلى الله  لذلك كانت أعظم وصية من الله عز وجل  لأمة النبي صلى الله عليه وسلم هي بلوغ الإستقامة فالصراط الموصل إلى جنة الله عز وجل هو صراط موصول في الدنيا ، من سار على هذا الصراط وثبت عليه إلى أن يلقى الله عز وجل  وفقه الله عز وجل إلى أن يسير على الصراط الموضوع على متن جهنم وعلى قدر ثباتك في صراط الدنيا يكون ثبات قدمك على الصراط يوم القيامة ، لذلك كانت أعظم الكرامة للعبد هي لزوم الإستقامة وهذا هو موضوعنا

ما هي الإستقامة ؟

وما هي الإسباب التي توصل العبد إلى أن يستقيم على المنهج القويم ؟

وما هي فضائل وكرمات أهل الإستقامة ؟

وما هي الأدوات التي توصل العبد إلى أن يستقيم على طريق الله ؟

لقد كنت في رمضان صواما قواما منفقا باذلا قراءا للقرآن ، وفي أول ليلة من ليال العيد  تنصلت طريق الله ، فأغلقت المصحف ونمت عن صلاة الفجر واغلقت حافظة نقودك فلم تخرج منها جنيها واحدا ، فما السبب في ذلك هو البعد عن الإستقامة ؟

فما هي الإستقامة ؟

تخيل أن رجلا أراد أن يسافر إلى بلدة معينة ، عليه أن يعلم أمور أور لابد أن يعلم إلى أين هو مسافر ، ثم معه خارطة تصف له الطريق ، ولا يكفى هذا أيضا إنما عليه أن يكون معه زاد حتى يستطيع أن يصل إلى مراده ، وهكذا الطريق الموصل إلى الله عز وجل لابد أن تعرف أي طريق تريد أن تسلك ؟ فإن الطرق كثيرة فطرق الضلال والإنحراف والغواية كثيرة جدا وعلى رأس كل طريق منها شيطان يوصلك إلى جهنم ، غير ان الصراط الموصل إلى الله عز وجل هو صراط مستقيم ولذلك قالوا

الإستقامة هي لزوم منهج الله عز وجل الذي نصبه إلى عباده في الدنيا من غير أن يلتفت العبد عنه يمنة ولا يسرة الذي يستقل سيارة وهو في طريقه يجد حادثا عن يمينه وحادثا عن شماله لو أنه في كل لحظة أخذ ينظر إلى الحوادث التي تحدث على الطريق سيقع في حادثٍ لا محالة لذلك السائر إلى الله مستقيم على طريق الله مهما وقع الحادثات ومهما تنكب الناس الطريق أصلي لماذا؟  لا أحد يصلي ، لا أنت مستقيم على صراط الله حتى وإن ضل كثيرٌ من الناس عن الصراط المستقيم 

لذلك أول ثمرة من ثمرات الإستقامة

1- أنه لن ينجو العبد من عذاب الله ومن ناره يوم القيامة إلا إذا استقام
فلا نجاة في الدنيا ولا نجاة في الآخرة إلا من استقام على صراط الله المستقيم ولذلك قالوا حقيقة الإستقامة أمران : أمر يقتصر على الطريق أن تعرف طريق الحق وتسير عليه ولن ينجيك هذا إلا بأمر آخر أن تثبت على هذا الطريق حتى تلقى الله عز وجل فلا يكفي أن تسير على طريق الهداية والتوبة شهرا ثم تنام لا بل كما قال الله لنبيه [وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ][الحجر : 99] يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ أي حتى يأتيك أجلك يا محمد وهذا هو تفسير قول الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ][آل عمران : 102] قال العناق إلزموا تقوا الله عز وجل على قدر استطاعتكم وجهدكم ثم أنبذوا على تقوى الله  ثم لا تموتوا إلا وأنتم مسلمين على تقوى من الله ونور فمعرفة الطريق والثبات عليه إلى أن تلقى الله عز وجل وكان وهيب بن الورد الذي قال عنه سفيان الثوري الذي حين انتهى من درسه قال إذهبوا إلى طبيب القلوب بن ورد الذي أخذ على نفسه العهد والميثاق ألا يراه الله أو أحد من خلقه ضاحكا حتى يعلم هل هو من أهل الجنة أم من أهل النار، كان يأتيه أحدهم ويقول له رأيتك في المنام أنك من أهل الجنة فيبكي ويقول أخشي أن تكون هذه من الشيطان فلما وضعوه على خشبة الغسل رأوه متبسما ضاحكا قالوا لقد حقق الله لوهيب بن الورد ما أراد قالوا يوما لوهيب بن الورد العبد إذا فعل معصية هل يذوق لذة الطاعة ؟ فقال وهيب لا ولا من هم بمعصية لا يجد لذة المناجاة ومن أجمل ما قاله  ابن القيم في مدارج السالكين :
إنه لا نجاة للعبد في هذه الدنيا إلا بلزوم صراط الله المستقيم ويسير على منهجه القويم وقد ضرب الله في ذلك مثلا في الصراط الذي نصبه على متن جهنم فمن سار على صراط الله في الدنيا المنصوب على متن جهنم وعلى قدر ثبوت العبد على هذا الصراط في الدنيا تثبت قدمه يوم القيامة فقد جعل الله كما في حديث مسلم جلابيب وخطاطيف وشوك كشوك السعدان لماذا جعلت هذه الكلابيب والخطاطيف ؟هذه الكلابيب والخطاطيف والأشواك إنما هي بمثابة الشهوات والشبوهات التي تجذبك عن الصراط القويم فمن الناس من تجذبه شهوت المال ، ومن الناس من تجذبة شهوة النساء ، ومن الناس من تجذبه شهوة الكرسي والمنصب ، فإن جذبتك الشهوات في الدنيا ، أصابتك الكلابيب في الآخرة وربما أردتك إلى نار الجحيم

2-  من أعظم الكرامات أن يسير العبد على طريق الله المستقيم فهناك فتن كثيرة في هذه الدنيا ولكن أن يثبت الله قدمك على الصراط إلى أن تلقاه هذه أعظم كرامة من الله قال الإمام القشيري في لطائف الإشارات وإن من ثبت على الإيمان والإستقامة حظي بكل كرامة ونال في الآخرة جزيل السلامة.وقال ابن تيمية :أعظم الكرامة لزوم الاستقامة مدارج السالكين (34/  3)

3-  لم يأمر الله بها المؤمنين ولا الطائعين إنما جاء الأمر بها لأشرف الخلق محمد [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا] [هود: 112] ورد في الآثر أن الصحابة قالوا يا رسول الله قد شبت قال : شيبتني هود وأخواتها الطبرانى عن عقبة بن عامر . أبو يعلى ، والطبرانى عن أبى جحيفة قال الهيثمى (7/37) : رجاله رجال الصحيح . والآية التي قالوا أنها شيبت النبي صلى الله عليه وسلم  هي فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ تخيل في الزمن القديم لو جاءك ضابط من أمن الدولة وقال لك استقم عندما تكون في عملك ستلتفت يمنة ويسرة ، تذهب إلى السوق لتشتري الحاجات فتلتفت أمامك وخلفك ، هل هناك أحد يتبعني  ؟ هل هناك أحد ينقل أخباري ؟ هذا في الدنيا من البشر ، فكيف يكون الأمر والذي يأمر رسول الله إنما هو رب البشر ومالك أمرهم [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) ][الزخرف: 43 - 45] وكانت أعظم وصية للنبي إلى أمته هي السير على الإستقامة وعلى صراط الله المستقيم ، قال الله تعالى حاكيا على لسان نبيه [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ َاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ][فصلت : 6] الحديث الذي رواه مسلم  عن سفيان بن عبدالله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك قال: قل آمنت بالله ثم استقم

4-  فأهل الإستقامة هم أهل الكرامة في الدنيا ، وهم أهل الأمن والأمان يوم القيامة
ولكنّ العبد إذا استقام على منهج وثبت على هذا الطريق إلى أن يلقى الله عز وجل أعطاه الله الأمن والأمان يوم تتزلزل الأقدام  فأهل الإستقامة هم أهل الكرامة قال الله عن أهل الإستقامة والملائكة تبشرهم إلا تخافوا ولا تحزنوا  قال الله :[ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ][فصلت : 30]فأهل الإستقامة يوم تأتيهم سكرات الموت وتتزلزل القلوب والمشاعر حينئذ تأتيهم الملائكة فتقول لهم  لَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ ،  لَّا تَخَافُوا بما أنتم قادمون عليه فأنتم قادمون على رب غفور رحيم وَلَا تَحْزَنُوا على ما تركتموه من أموال وأولاد ومتاع وديور وَأَبْشِرُوا بما أنتم قادمون عليه من روح وريحان ورب راض غير غضبان قال العلماء تأتيهم الملائكة عند الموت فتبشرهم ، بل قال بعضهم بل إن الملائكة تأتيهم حين يخرجون من قبورهم حينما يخرج الناس من قبورهم في هلع تأتي ملائكة الله إلى أهل الإستقامة فتقول لهم لَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ والقولان صحيحان

ما هي علامات الإستقامة : ( هل أنت من المستقيمين على الطريق أم أنت من المتنصلين  )

1-  الإستقامة على كلمة التوحيد لا إله إلا الله
فإن كثيرون يشوشون على هذه الكلمة ونورها ، هذه الكلمة هي التي ارسل الله من أجلها الرسل ، وأقام من اجلها الشرائع ، وهي مفتاح الجنة  

2-  الإستقامة على الفروض والواجبات
 فهذا هو المعيار بعد رمضان هل أنت ممن يحافظ على صلاة الفجر أم أنت من الذين أضعت أكثر من صلاة بعد رمضان ، هل أنت محافظ على الصلاة في المسجد ؟ والفروض والواجبات كثيرة نذكر منها :

a.     الإستقامة على الصلاة
قال الله تعالى :[
حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ][البقرة : 238]

b.    الإستقامة على الصيام
عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «
مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ » رواه مسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه والدارمي حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .

c.     الإستقامة على الحج والعمرة لمن يسر الله عليه

d.    الإستقامة على أداء زكاة المال

3-  الإستقامة على النوافل
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ » رواه البخاري  أقل شيء بعد رمضان أن تستقيم على السنن النوافل ففي الحديث عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ صَلَّى فِى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ أَرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ » .رواه الترمذي قَالَ أَبُو عِيسَى حَسَنٌ صَحِيحٌ  والنسائي فمن استقام على الصلاوات الخمس والسنن الرواتب المؤكدات فهذا من أهل الإستقامة حقا

4-  الإستقامة بالبعد عن المحرمات والمحظورات
كنت في رمضان لا تشاهد الأفلام والمسلسلات ، كنت في رمضان لا تقبل الحرام والرشوة ، كنت في رمضان لا تطفف في مكيالك  ،  كنت في رمضان لا تنظر إلى المحرمات والنساء الأجنبيات ، كنت في رمضان لا تغتاب فلان ، بمجرد أن انتهى رمضان وأغلق هذا الشهر امتلأت المجالس بالغيبة والنميمة وفتحت التليفزيونات على المحطات والمحرمات ودخل الشباب على غرف الشات وأصبحوا يبارزون الله عز وجل بالمعصية ، بالأمس كنت استقل أحد وسائل المواصلات ووجدت شبابا في المترو  معهم أداة من أدوات الرقص والطبل  وجعلوا العربة كأنها فرقة رقص  ، أليسوا هؤلاء الشباب من المسلمين ، ألم يكونوا بالأمس مع الصائمين ، فما الذي حول حالهم إلى أسوء حال قال رسول الله كما في حديث النعمان بن بشير « إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » . رواه البخاري مسلم وأبو دواد والنسائي وابن ماجه وأحمد 

5-  البعد عن المكروهات وفضائل المبحات
بمجرد انتهاء رمضان فتحت البطون للشهوات كما تريد ، وامتلأت البطون وثقلت الجوارح عن الطاعات ، فألإكثار من فضول الطعام والشراب والإكثار من النوم هذه أعظم ما يصد العبد ويقطعه عن الصراط المستقيم

6-  عدم الإنحراف عن الصراط
والإنحراف يدور إلى طرفين كلاهما ذميم أما
إلى إفراط ، أو تفريط ، فبعض الناس يتساهل في أمر الله حتى يصل إلى درجة التفريط ، إلى درجة التفائل والإسترخاء ، كل شيء عندهم حلال حتى ما حرمه الله صراحة في كتابه ، الطرف الآخر يشدد على نفسه وعلى من حوله فيصل الأمر إلى درجة الإسراف والغلو ، وكلا الطرفين في العموم ذميم ، وصراط الله المستقيم صراط وسط بين من يتشددون وويفرطون وبين من يتسيبون وبين من يصلون إلى التفريط عند حدود الله وأوامره لذلك قال الله [تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا][البقرة : 229]وقال أيضا [ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا][البقرة : 229] فتعدي حدود الله يكون بالإسراف والتعدي والتشدد ومحاربة حدود  الله يكون بالتفريط وكلاهما بعد عن الصراط المستقيم ، فالصراط المستقيم هو صراط وسط لا إفراط ولا تفريط ولذلك كانت دعوة أهل الإيمان الذي علمهم إيها الله عز وجل في كل صلاة أن يسألوه أن يثبتهم على الصراط ويفقهم إلى الصراط المستقيم [اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ  * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ من اليهود الذين عرفوا الحق فلم يتبعوه وَلاَ الضَّالِّينَ من النصارى الذين أرادوا أن يصلوا إلى الحق ولكنهم ضلوا الطريق ][الفاتحة : 6-7] 

ولكن ما هي القوادح التي تقدح في استقامة العبد ؟

1- الطغيان
قال تعالى :[
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ][هود : 112] والطغيان هو مجاوزة الحد وقد يكون بتعدي حدود الله عز وجل وقد تكون بالظلم لعباد الله عز وجل ولذلك جاءت الأوامر لرسول الله صلى الله عليه وسلم  جاءت الأوامر صريحة تنهى عن التشدد والغلو في دين الله فإن من شدد على نفسه شدد الله عز وجل عليه والله عز وجل لا يمل ولكن نفويس العباد تمل     عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » رواه البخاري  والنسائي  وقال في حديث آخر لجابر بن عبد الله فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى فقد مثل برجل خرج في الصحراء راكباً على دابته وحملها أثقالاً كثيرة جداً، ثم مشى في الصحراء وتوغل فيها وأتعب دابته، وانتهى الأمر به إلى أن الدابة لم تستطع حمل ما عليها؛ لأنه حملها فوق طاقتها، فهو بهذا لا أرضاً قطع؛ حيث إنه لم يصل إلى الموضع الذي يقصده، ولا ظهراً أبقى؛ حيث إنه أهلك هذه الدابة بالأحمال الثقيلة    وقال أيضا   لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ  رواه أبو داود وأبو يعلى وضعفه الألباني  ، مجمع الزوائد (6/  390)

 قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء وهو ثقة  فالغلو في الدين والتشدد الذي صاحبه ينحرف عن الصراط المستقيم والخوارج الذين كانوا يكفرون كبار الصحابة فضلا عن التابعين ، كانوا قوما عبادا زهادا قوامين بالأسحار لا يفارقون قراءة القرآن ليلا ولا نهارا ومع ذلك سماهم رسول الله الخوارج كلاب أهل النار رواه الطبراني وصححه الألباني لماذا؟ لأنهم شددوا على أنفسهم والحوض عن صراط الله عز وجل  قال عنهم رسول الله يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ  رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد  لقد رأينا بعض شبابنا يريد أن يحرم كل شيء لا يضيق على نفسه فحسب بل ضيق على من حوله ، زاعما أن هذا من شرع الله ، فالغلو أحد أعظم القوادح في الإستقامة وإقامة العدل على صراط الله المستقيم قال الله عز وجل [وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ][هود : 112]

2- الميل إلى الظالمين والركون إليهم

قالت الآيات بعدها [وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ][هود : 113] الركون هو الميل القلبي إلى الظلم أن تجلس في مجلس يظلم فيه مؤمن وأنت ترى ذلك ولا تستطيع أن تدفع عنه ، فما بالك بمن يقرهم على ذلك ، فما بالك بمن يصدر لهم الفتواى إقرارا لهم بما يصنعون ، الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله قال لا تركنوا إلى الظلمة ولا تملؤا أعينكم منهم عسى أن يحفظ إيمانكم وأنتم لا تشعرون وقال مسعود بن مجزي : يؤتى بالظلمة وأعوانهم يوم القيامة فيجعلون في تابوت فيلقون في نار الجحيم ، وجاء رجل إلى سفيان الثوري فقال له يا إمام إني ممن أخيط للسلطان فهل أنا من أعوان الظلمة فقال له سفيان لست من أعوان الظلمة بل أنت من الظلمة أنفسهم إنما أعوان الظلمة هم الذين يأتون إليم بإلإبرة والخيط

ولقد كان رجل من أعوان السطان وكان يبطش بالناس بطشا مريرا فمر على رجل مسكين فقال له أعطني هذه السمكة التي اصطدتها فقال لارجل لم اصطد في يومي إلى هذه السمكة وإنها قوتي وقوت عيالي فأخذ منه السمكة رغما عن أنفه وعاد إلى البيت فلما عاد إلى البيت عضت السمكة على إبهامه حتى ألمته فلم يستطع أن ينام من ليلته فاستدعى الطبيب فقال له لابد من قطع الإبهام فقطعوا له غبهامه وفي الصباح دخل عليه الطبيب فقال له لقد استشرى المرض فلابد من قطع اليد إلى المرفقين فقطعها من المرفقين ثم جاءه بعد ذلك وقال لا بد من القطع حتى الكوع  ثم قطع الذراع كاملة فقطع له ذراعه وما يزال الألم يشتد فقال له أحدهم احذر وتذكر فربما تكون ظلمت عبدا من عباد الله فتذكر صاحب السمكة فعادإليه وأخذ يبحث عنه حتى وصل إلى موضع الرجل فلما وصل إليه فقال له استحلفك بالله أن تعفو عني فقد أذتني هذه السمكة حتى أوصلتني إلى قطع ذراعي فقال لما أخذت السمكة فماذا قلت قال الصياد قلت اللهم إنه قد استطال علىّ بقوته فأرني أنت فيه قوتك فأخذ الرجل يقبل على قدميه ورجليه ويقول استحلفك بالله أن تعفو لعل الله عز وجل أن يعفو عني ومازال يترضى صاحب المظلمة حتى عفى عنه [وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ][هود : 113]إذا كان الله قد أزل الظالمين وأعوانهم في الدنيا فكيف يكون حالهم يوم القيامة سئل أحدهم فقال له كيف رأيت الظلمة ؟ قال جاءني في المنام أحد أعوانها فسالته كيف حال الظلمة ؟ قال في نار الجحيم وفي عذاب رب العالمين فقلت له فكيف حال أعوانهم وأنت كيف حالك ؟ قال في شر حال قلت له كيف ذلك ؟ قال ألم تقرأ قول الله تعالى [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ][الشعراء : 227] أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ إليه يوم القيامة

كيف يصل العبد إلى الإستقامة على صراط الله المستقيم ؟

1-  الإعتصام بالله عز وجل واللجأ إليه واللوذ بجنابه فإن لوطا لما دخلت عليه ملائكة السماء وجاءه قومهيريدون أن يفعلوا الفاحشة بالملاءكة قال لوط [قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ][هود : 80]فقالت له الملائكة يا لوط لقد أويت إلى ركن شديد  لقد أويت غلى ركن الله عز وجل [قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ][هود : 81] ثم قال [فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ][هود : 82] فاٌعتصام بالله وكما قال ابن القيم الإعتصام على نوعين اعتصام بالله واعتصام بحبل الله

الإعتصام بالله أن تتوكل على الله فلا تدعو أحدًا إلا الله ولا تخاف من عقاب أحدٍ في الدنيا إلا الله ولا تخضع ولا تزل إلا لله  قال الله تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ] [الحج : 78]قال الله [وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ][آل عمران : 101] قال الله [فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً] [النساء : 175]فاعتصام بجناب الله والإحتماء به هو أعظم سبيل إلى الإستقامة

2-  الصبر واليقين
شهوات الدنيا كثيرة والدنيا غرارة والشياطين متربصة والفتن متخربطة والعبد ضعيف والنفس أمارة فماذا يصنع العبد؟ لا سبيل له إلا أن يحبس نفسه على صراط الله وأن يكون عنده يقين في ثواب الله يوم القيامة ، فالصبر واليقين تنال الإمامة في الدنيا الدنيا إنما صبر ساعة فمن صبر عن شهوات الدنيا ومحرماتها  أُذِنَ يوم القيامة بالمرور على صراط الله عز وجل كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ

3-      الإكثار من ذكر الله
حينما تقدم الفتن وتتغالى الشهوات والشبوهات على العبد أعظم ما يثبتك عند الفتنة هو ذكر الله فإن الله جعل ذكره حين تتزلزل القلوب في ساحات الوبى وميدان القتال فقال [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ][الأنفال : 45] فمن أكثر من ذكر الله عز وجل حينما تاتي الفتن والشهوات لتصدك عن صراط الله المستقيم الذي يمد لك يد التمكين إنما هو الله قال ابن تيمية رحمه الله : كن صاحب الاستقامة، لا طالب الكرامة فإنّ نفسك متحرّكة في طلب الكرامة، وربّك يطالبك بالاستقامة.

4-       الصحبة الصالحة
كل العبادات أو جلها في رمضان عبادات جماعية  التراويح في المسجد ، التهجد في المسجد ، الصيام جميع الناس صائمون ، .......... هذه الجماعية والبيئة الإيمانية تساعد الفرد على أن يطيع الله عز وجل فإذا صام فالمجتمع كله في صيام وإذا صلى فالمجتمع كله في صلاة وإذا ذكر فالناس كلهم يفتحون المصاحف ويقرأون القرآن ، فلابد حتى تثبت بعد رمضان على الصراط المستقيم أن توجد لنفسك بيئة صالحة وصحبة صالحة تعينك على أمر الله فالإمام أحمد عندما جاءت فتنة خلق القرآن كما ذكر الذهبي في السير دخلت على أحمد بن حنبل فقلت له إنك واخذ الناس فلا تكن شؤم عليهم ، يا أحمد بن حنبل إن خلف هذه الدار خلقٌ كثير ينظرون إليك فإن اجبتهم إلى خلق القرآن أجابهم خلق كثير وإن أبيت عليهم ذلك أبى أنس كثيرون ، يا أحمد بن حنبل إن لم يقتلونك تموت  فاثبت على أمر الله حتى تلقاه
قال فظل الإمام احمد يبكي ما شاء الله يا أبا جعفر أعد عليّ مقالتك قال فأعدتها عليه فثبت الله أحمد  ولم يقل يخلق القرآن وثبت الله المؤمنين الموحدين
أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلا ----- فاصحب الأحيار تعلو وتنل ذكرا جميلا

5-      الإكثار من الدعاء والإلحاح فيه
إن الذي ثبتك في رمضان قادر على أن يثبتك بعد رمضان والذي أضل الكثيرين حتى في رمضان قادر على يضلك بعد رمضان فسل الله دائما أن يثبتك وأن يهديك فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم عليّا أن يقول كما في صحيح مسلم قال اللهم اهدني وثبتني فإنه لا مثبت في الفتن والشهوات إلا الله ولا مثبت للعبد على طريق الإستقامة إلا الله فكن دائما ممن يطلبون اللجأ إلى الله واساله دائما أن يثبتك وأن يكون حسبك [رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)] [آل عمران: 8] الإمام ابن دقيق العيد سألوه فقالوا له يا إمام إذا قدمت على عز وجل ماذا أنت صانع؟ فقال والله ما تكلمت بكلمة ولا تحركت بحركة إلا أعددت له جوابا بين يدي الله عز وجل يعني فعلا كذا لماذا ؟ قال أعددت الجواب  ، وكان ابن تيمية رحمه الله إني إلى الأن أجدد إيماني فالعبد يحتاج في كل لحظة أن يجدد إيمانه ، ويثبت على حبل الله واختم بما قاله الإمام ابن الجوزي في كتابه الثبات بعد الممات حدثت عن ابن عقيل أنه لما احتضر بكى أهله فقال لهم لي يا أهلاه لماذا تبكون إني أوقع عن الله منذ ستين سنة فدعوني أتهنى لمقابلته فمن استقام على صراط الله استقام على الصراط المنصوب على متن جهنم ومن زلت قدمه وتنكب الصراط اصابته الكلاليب والخطاطيف المنصوبة على صراط الآخرة

اللهم لا تجعلنا ممن تفضحهم ذنوبهم عند الموت ، اللهم لا تجعلنا ممن تخونهم ذنوبهم عند الموت


 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free