tamer.page.tl
  هذه جهنم التي يكذب بها المجرمــون
 

عن إسماعيل بن عبدالله الخزاعي قال قدم رجل من المهالبة ([1])من البصرة في حوائج له، وكان رجلًا ثريًا معروفاً، فلما فرغ منها، انحدر إلى البصرة، ومعه غلام له، وجارية، فلما صار في دجلة، إذا بفتى على ساحل دجلة عليه جبة صوف، وبيده عكازة، ومزود – وعاء للزاد – قال: فسأل الملاح أن يحمله إلى البصرة، ويأخذ منه الكراء، قال: فأشرف الشيخ المهلبي، فلما رآه رق له، فقال للملاح: احمله معنا، فحمله الملاح معهم، فلما كان وقت الغداء، دعا الشيخ بالسفرة، وقال للملاح: قل للفتى ينزل إلينا ليتغدى، فأبى الفتى أن ينزل، فلم يزل يطلب منه حتى نزل، فأكلوا، حتى إذا فرغوا، ذهب الفتى ليقوم، فمنعه الشيخ، ثم دعا بإناء فيه شراب خمرٍ، فشرب قدحًا، ثم سقى الجارية، ثم عرض على الفتى، فأبى، وقال: أحب أن تعفيني، قال: قد أعفيناك، ولكن اجلس معنا، ثم قال للجارية: هاتي ما عندك، فأخرجت عودًا لها في كيس، فهيأته، وأصلحته، ثم أخذت، فغنَّت، فقال الرجل: يا فتى هل تحسن مثل هذا؟ قال أحسن ما هو أحسن من هذا، فقال أطربني، وظن أنه سيغني، فبدأ الفتى بالاستعاذة، ثم تلا قول الله تعالى "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا"[النساء] وكان الفتى حسن الصوت، قال: فانتبه الشيخ وتغير وجهه، ثم رمى بالقدح في الماء، وقال: أشهد أن هذا أحسن مما سمعت، فهل غير هذا؟ قال: نعم، ثم تلا قول الله "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" [الكهف:29] قال فوقعت من قلب الشيخ موقعًا، فأخذ يبكي ويصرخ، ثم رمى الخمر، وأخذ العود فكسره، ثم أقبل على الفتى، وقد ملأت دموعه وجهه، فقال له، سألتك بالله، أما من فرج؟!!! فقال الفتى: نعم عنده الفرج، قال: وما هو؟ فتلا الفتى قوله تعالى " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"[الزمر] قال فصاح الشيخ صيحة خر مغشيًا عليه، فنظروا فيع فإذا هو في سكرات الموت، وقد قاربوا البصرة، قال: فضج القوم بالصراخ، واجتمع الناس، فحمل إلى منزله، فما رأيت جنازة كانت أكثر جمعًا منها، قال: فبلغني أن الجارية المغنية تركت الغناء، وتابت إلى الله تعالى، وجعلت تقوم الليل، وتصوم النهار، فمكثت بعده أربعين ليلة، وذات ليلة سمعت قارئًا يقرأ "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" فأخذت تبكي، ثم نامت، فأصبحوا فوجدوها ميتة([2])

E  ما أجمل القلوب حين تصغي لمواعظ المحبوبI، وما أخشعَ الجَنان حين يذوق لذة كلام الرحمنI، وما أسعد المرء بقلبه، حين يقشعر خوفًا من عذاب ربه!!!

E  رجلٌ لا يعرف في حياته إلا الخمر، والغناء، والشهوات المحرمة، وامرأة مغنية فقدت قلبها في ظلمات الشهوات، بل وجعلت وظيفتها الرئيسة، غواية القلوب، وفتنتها، وضلالها، الاثنان يجدان قلبيهما في لحظةٍ، ويعودان إلى الله تعالى في ثوانٍ معدودات، بل ويموتان خشية من الله تعالى، بسبب آية من كتاب الله تعالى في سورة الكهف، نسمعها كثيراً، وبعضنا يقرؤها كل جمعةٍ، وأكثرنا لا يلتفت إليها ولا تغير منه شيئًا بل ولا تحرك فيه ساكنًا، فما الذي حرَّك هذه القلوب، وما الذي أعادها إلى حضرة ربها، رغم بعدها، وجفائها، وشدة عصيانها؟!!!

E  إنه ذكر جهنم، إنه الخوف من النار، إنه المصير الذي ينتظر كل ظالمٍ وعاصٍ، وكل بعيدٍ عن الله وشاردٍ، هذا الذي فطن إليه ذلكم الرجل الغوي فتاب، وفطنت إليه تلك البغي فرجعت

E  إن ذكر النار أعظم سائقٍ إلى الله تعالى، وأقوى زاجرٍ عن الذنوب، ولله در مالك بن دينار حيث قال: لو وجدت أعوانا لناديت في منار البصرة بالليل: النار النار ثم قال: لو وجدت أعوانًا لفرقتهم في منار الدنيا: يا أيها الناس النار النار"

E  لقد ذابت قلوب الصديقين خوفًا من النار، واقشعرت جلود المقربين خشية من عذابها ونكالها، بل وبكت الملائكة وجلًا مما رأوه منها، وقلوبنا نحن غارقة في غفلات الدنيا وسكرات الهوى.

E  تتلى على مسامعنا آيات النار، فلا تغير في قلوبنا شيئًا وكأن هذا الكلام ضربٌ من الأساطير والأوهام، أو كأننا لسنا المقصودين بهذا الكلام، أو كأننا قد أخذنا عهدًا من الله بالأمان من النار، فأي هؤلاء نحن؟!!!

E   هذا إسرافيلu منكس الطرف متغير اللون

فعن زيد بن أسلم قال: جاء جبريل إلى النبيr ومعه إسرافيل فسلما على النبيr وإذا إسرافيل منكسر الطرف متغير اللون، فقال النبيr يا جبريل: ما لي أرى إسرافيل منكس الطرف متغير اللون؟ قال: لاحت له آنفاً حين هبط لمحة من جهنم فذلك الذي ترى من كسر طرفه"([3])

E   وجبريل وميكائيل عليهما السلام يخافان النار

عن أنس بن مالك أن النبيr قال "يَا جِبْرِيلُ مَا لِي لَا أَرَى مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا ؟ قَالَ: مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتْ النَّارُ [وَمَا جَفَّتْ لِي عَيْنٌ مُنْذُ خُلِقَتْ جَهَنَّمُ مَخَافَةَ أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فَيَجْعَلَنِي فِيهَا]([4])

E   وسائر الملائكة يخافون النار

قال ميمون بن مهران: لما خلق الله جهنم أمرها فزفرت زفرة فلم يبق في السموات السبع ملك إلا خر على وجهه فقال لهم الجبار جل جلاله: ارفعوا رؤوسكم أما عملتم أني خلقتكم لطاعتي وعبادتي وخلقت جهنم لأهل معصيتي خلقي فقالوا: ربنا لا نأمنها حتى نرى أهلها فذلك قوله تعالى "وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ"[الأنبياء]([5]) 

E   وهذا رسول اللهr يتمنى أن لو كان شجرة تقطع خوفًا من اللهU

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِr إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ ، إِنَّ السَّمَاءَ أَطَّتْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا - أَوْ مَا مَنْهَا - مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعٍ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ

تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعَضَّدُ"([6])

E   وأنبياء الله كلهم يخشون النار

فعَنْ عُمَرَt أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: خَوِّفْنَا يَا كَعْبُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ وَافَيْتَ الْقِيَامَةَ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيًّا لَازْدَرَيْت عَمَلَك مِمَّا تَرَى، فَأَطْرَقَ عُمَرُ مَلِيًّا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: زِدْنَا يَا كَعْبُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ فُتِحَ مِنْ جَهَنَّمَ قَدْرُ مَنْخَرِ ثَوْرٍ بِالْمَشْرِقِ، وَرَجُلٌ بِالْمَغْرِبِ لَغَلَى دِمَاغُهُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ حَرِّهَا، فَأَطْرَقَ عُمَرُ مَلِيًّا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: زِدْنَا يَا كَعْبُ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ جَهَنَّمَ لَتَزْفِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَفْرَةً لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إلَّا خَرَّ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَقُولُ: رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي لَا أَسْأَلُك الْيَوْمَ غَيْرَ نَفْسِي"([7])

E   وها هو الخوف من النار يُمْرِضُ الفاروق عمرt

فقد روي عنه أنه مر يوما بدار إنسان وهو يصلي ويقرأ سورة الطور فوقف يستمع فلما بلغ قوله تعالى "إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ" نزل عن حماره، واستند إلى حائطٍ، ومكث زمانًا، ورجع إلى منزله، فمرض شهرًا، يعوده الناس ولا يدرون ما سبب مرضه!!! ([8])

E   وهذا عبد الله بن رواحةt، يذكر النار وهو في وجه الموت

فعن عروة بن الزبير قال: لما أراد عبد الله بن رواحه الأنصاريt الخروج إلى أرض مؤته من الشام أتاه المسلمون يودعونه فبكى فقالوا له: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما أبكي لحب الدنيا ولا صبابة لكم ولكني سمعتُ فيما نزل على رسول اللهr هذه الآية "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا"[مريم:71] وقد علمتُ

أني وارد النار ولا أدري كيف الصدر بعد الورود([9])

E   وهذا فتى من الأنصار يموت خوفًا من النار

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُU عَلَى نَبِيِّهِr "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ ، وَأَهْلِيكُمْ نَارًا" [التحريم: 6] تَلاَهَا رَسُولُ اللهِr عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَّ فَتًى مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَوَضَعَ النَّبِيُّr يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ، فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ، فَقَالَ: يَا فَتًى، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَالَهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّة، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ بَيْنِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِr أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللهِU "ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ"[إبراهيم: 14]([10])

E   ومن التابعين نرى الخوف الرهيب للربيع بن خثيم

فعن مالك بن دينار قال: قالت ابنة الربيع بن خثيم : يا أبتاه ما لي أرى الناس ينامون و لا تنام؟ فقال لها: يا بنية، إن جهنم لا تدعني أنام، وعن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله بن مسعود، ومعنا الربيع بن خثيم، فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر حديدةً في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه، قرأ هذه الآية "إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا"[الفرقان] فصعق الربيع، فاحتملناه، فجئنا به إلى أهله، قال: ثم رابط عبد الله عنده إلى الظهر فلم يفق، ثم رابط عنده إلى العصر فلم يفق، ثم إلى المغرب فلم يفق، ثم إنه أفاق، فرجع عبد الله إلى أهله"([11])

E   وهذا خوف عمر بن عبد العزيز والحسن البصري

قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني ربي في النار ولا يبالي([12]) 

E   وهذه قصة عجيبة للخوف من النار

فعن منصور بن عمار، قال "خرجت ليلة من الليالي وظننت أن الصبح قد حضر، فإذا الليل لا زال مظلمًا، فقعدت إلى مكانٍ أنتظر الفجر، فإذا أنا بصوت شاب يدعو ويبكي، ويقول "يا رب، وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، ولكن عصيتك إذ عصيتك بجهلي، وما أنا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي، وأعانني عليها شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فقد عصيتك وخالفتك بجهلي، فمن عذابك من يستنقذني، ومن أيدي زبانيتك من يخلصني، وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك عني، واسوءتاه إذا قيل للمخفين جوزوا، وقيل للمثقلين حطوا، فيا ليت شعري مع المثقلين أحط أم مع المخفين أجوز، ويحي كلما طال عمري كثرت ذنوبي، ويحي كلما كبر سني كثرت خطاياي، فيا ويلي كم أتوب، وكم أعود ولا أستحي من ربي، قال منصور: فلما سمعت كلام الشاب وضعت فمي على باب داره، وقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"[التحريم:6] قال منصور: ثم سمعت للصوت اضطرابًا شديدًا، وسكن الصوت، فقلت: إن هناك بلية، فعلمت على الباب علامة ،ومضيت لحاجتي، فلما رجعت من الغداة، إذ أنا بجنازة منصوبة، وعجوز تدخل وتخرج باكية، فقلت لها: يا أمة الله من هذا الميت منك ؟ قالت: إليك عني، لا تجدد علي أحزاني، قلت: إني رجل غريب، أخبريني، فقالت: هذا ولدي، وكان إذا جن عليه الليل قام في محرابه يبكي على ذنوبه ، وكان يعمل هذا الخوص فيقسم كسبه ثلاثا ؛ فثلث يطعمني، وثلث للمساكين، وثلث يفطر عليه، فمر علينا البارحة رجلٌ لا جزاه الله خيرًا، فقرأ عند ولدي آيات فيها النار، فلم يزل يضطرب ويبكي، حتى مات، قال منصور: فقلت والله هذه صفة الخائفين إذا خافوا السطوة "([13])

E   حتى الجبال تحركت خوفًا من النار، وقلوبنا أقسى من الحجارة

فقد روي في الخبر أن عيسىu مر بقرية وفي تلك القرية جبل, وفي الجبل بكاء وانتحاب كثير, فقال لأهل القرية: ما هذا البكاء في هذا الجبل؟ قالوا: يا عيسى, منذ سكنا هذه القرية نسمع هذا البكاء وهذا الانتحاب بهذا الجبل, فقال عيسىu يا رب ائذن لهذا الجبل أن يكلمني, فأنطق الله الجبل. فقال: يا عيسى ما أردت مني؟ قال: أخبرني ببكائك وانتحابك ما هو؟ قال: يا عيسى أنا الجبل الذي كانت تنحت مني الأصنام التي يعبدونها من دون الله فأخاف أن يلقيني الله في نار جهنم، فإني سمعت الله يقول "فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى وَقٌودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ"[البقرة:24] فأخاف أن أكون من تلك الحجارة التي تلقى غداً في النار, فأوحى الله الى عيسىu أن قل للجبل اسكن فإني قد أعذته من جهنم"([14])

هذه بعض النماذج القليلة جداً، للقلوب التي تتقطع خوفًا من النار، القلوب التي تخشى عذاب الجبار، فيسوقها ذلك إلى لزوم بابه، ومجافاة الذنوب خوفًا من عقابه

لكن لماذا كل هذا الخوف من النار؟

إن السبب الرئيس لقسوة قلوبنا، وكثرة ذنوبنا، هو عدم معرفتنا بالنار، وعقابها،أو غفلة قلوبنا عن استشعار شدائدها وعذابها، وها هي النار وكأنك تراها، فتدبر- بالله عليك - كل كلمة تسمعها، أو تقرؤها، وإليكم بعض صفاتها:

1-   وجيء يومئذٍ بجهنم

وها هي أول رؤية حقيقية مباشرة، من الخلق جميعاً إلى النار، فبينما أنت في أرض المحشر، تعاني الشدائد، وقد طال بك الوقوف، حتى بلغ خمسين ألف سنة، بينما أنت كذلك إذ اضطربت الأرض كلها، وفتحت السماوات، وجاء الملائكة من هاهنا وهاهنا، وصفوا صفوفًا، وإذا بالجبار قد جاء مستوٍ على عرشه، يحمله ثمانية من الملائكة، واحدٌ منهم "بُعْدُ ما بين شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام"([15]) وفي وسط هذا الرعب وهذه الشدة، ينادي الجبار ملائكته ليجيئوا بجهنم، وعندها تعلو العبرات، وتزداد الحسرات، وتتوالى الروعات، ويتمنى الإنسان لو عمل صالحًا نجاة من هذا الموقف وحده، فما هي صفتها إذن ، وما هو منظرها؟!!!

§        قال الله " كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي.... " [الفجر]

§        وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا"([16])

§        وعن منظرها وحالها يقول الله "إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا"[الفرقان] يقول السعدي "إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" أي: قبل وصولهم ووصولها إليهم، وهي على مسيرة خمسمائة عام "سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا" عليهم "وَزَفِيرًا" تقلق منهم الأفئدة وتتصدع القلوب، ويكاد الواحد منهم يموت خوفا منها وذعرا قد غضبت عليهم لغضب خالقها وقد زاد لهبها لزيادة كفرهم وشرهم"([17])

§        وعن وهب بن منبه قال: إذا سيرت الجبال فسمعت حسيس النار وتغيظها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال كما تصرخ النساء ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضا"([18])

2-   وها هي أبوابها

§        قال الله "وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ(43)لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ"[الحجر] يروى أن سلمان الفارسيt لما سمع هذه الآية" وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ" فرَّ ثلاثة أيام من الخوف لا يعقل، فجئ به إلى رسول اللهr فسأله فقال: يا رسول الله، أنزلت هذه الآية" وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ" فوالذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي، فتلا عليه قول الله" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ"([19])

§        وقال بلال: كان النبيr يصلى في مسجد المدينة وحده، فمرت به امرأة أعرابية فصلت خلفه ولم يعلم بها، فقرأ رسول اللهr هذه الآية" لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ" فخرت الأعرابية مغشيًا عليها، وسمع النبيr وجبتها فانصرف ودعا بماء فصب على وجهها حتى أفاقت وجلست، فقال النبيr: يا هذه مالك؟ فقالت: أهذا شيء من كتاب الله المنزل، أو تقوله من تلقاء نفسك؟ فقال "يا أعرابية، بل هو من كتاب الله المنزل" فقالت: كل عضو من أعضائي يعذب على كل باب منها؟ قال" يا أعرابية، بل لكل باب منهم جزء مقسوم، يعذب أهل كل منها على قدر أعمالهم" فقالت: والله إني امرأة مسكينة، ما لي مال، وما لي إلا سبعة أعبد، أشهدك يا رسول الله، أن كل عبد منهم عن كل باب من أبواب جهنم حر لوجه الله تعالى، فأتاه جبريل فقال" يا رسول الله، بشر الأعرابية أن الله قد حرم عليها أبواب جهنم كلها وفتح لها أبواب الجنة كلها"([20])

§        وذكر بعض أهل العلم([21]) في قوله تعالى: لكل باب منهم جزء مقسوم فقال: من الكفار والمنافقين والشياطين وبين الباب والباب خمسمائة عام

Å   فالباب الأول: يسمى جهنم لأنه يتجهم في وجوه الرجال والنساء فيأكل لحومهم وهو أهون عذاباً من غيره.

Å   والباب الثاني: يقال له لظى نزاعة للشوى، تنتزع اللحم ما دون العظم.

Å   والباب الثالث: يقال له سقر ، وسمي (سقر) لأنه يأكل اللحم دون العظم

Å   والباب الرابع: يقال لها الحطمة، قال تعالى " كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ" [الهمزة] والمعنى: تحطم العظام وتحرق الأفئدة، فتأكله النار إلى فؤاده، وهو حي قد بلغ منه العذاب، وقوله " إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ"أي:أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد حتى يرجع عليهم غمها وحرها، ثم "تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ"[المرسلات]يعني: سوداً فتطلع الشرر إلى السماء، ثم تنزل فتحرق وجوههم وأيديهم وأبدانهم، فيبكون الدمع حتى ينفد، ثم يبكون الدماء، ثم يبكون القيح حتى ينفد القيح حتى لو أن السفن أرسلت تجري

فيما خرج من أعينهم لجرت

Å   والباب الخامس: يقال له الجحيم، وإنما سمي جحيماً لأنه عظيم الجمرة، الجمرة الواحدة أعظم من الدنيا، وما فيها.

Å   والباب السادس: يقال له السعير، وإنما سمي السعير لأنه يسعر بهم ولم يطفأ منذ خلق، فيه ثلاثمائة قصر، في كل قصر ثلاثمائة بيت، في كل بيت ثلاثمائة لون من العذاب، و فيه الحيات والعقارب والقيود والسلاسل والأغلال، و فيه جب الحزن ليس في النار عذاب أشد منه، إذا فتح باب الجب حزن أهل النار حزناً شديداً، وهذا الجب هو الذي أمر النبيr أصحابه أن يتعوذوا منه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحُزْنِ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جُبُّ الْحُزْنِ؟ قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، تَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَ مِئَةِ مَرَّةٍ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ يَدْخُلُهُ ؟ قَالَ: أُعِدَّ لِلْقُرَّاءِ الْمُرَائِينَ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْقُرَّاءِ إِلَى اللهِ, الَّذِينَ يَزُورُونَ الأُمَرَاءَ قَالَ الْمُحَارِبِيُّ: الْجَوَرَةَ([22])

Å   والباب السابع: يقال له الهاوية من وقع فيه لم يخرج منه أبداً، وفيه بئر الهبهاب، فإذا فتح الهبهاب، خرج منه نارٌ، تستعيذ منها النار.

3-   وأما سلاسل النار وأغلالها

فهي عظيمة الخلق، بشعة المنظر، شديدة العذاب، قال الله عنها " إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ" [غافر:71] وفي الآية نوعان من العذاب:

النوع الأول: الأغلال، وهي في الأعناق كما ذكر سبحانه، قال الحسن بن صالح: الغل: تغل اليد الواحدة إلى العنق، والصفد في قوله "وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ" [إبراهيم:41]اليدان إلى العنق، وعن قتادة قال: مقرنين في القيود والأغلال، وعن الحسن: إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب ولكنها إذا طفا بهم اللهب أرستهم قال: ثم خر مغشيًا عليه، وعنه أيضًا قال: لو أن غلًّا منها وضع على الجبال لقصمها إلى الماء الأسود ولو أن ذراعا من السلسلة وضع على جبل لرَضَّه

النوع الثاني: السلاسل، وقد جاء في الأثر "لو أن حلقة من سلسلة أهل النار التي نعت الله في كتابه وضعت على جبال الدنيا لانقضت ولم يردها شيء حتى تنتهي إلى الأرض السابعة السفلى

§        وقال الله تعالى أيضًا " خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ" [الحاقة] وعن المِنْهَال بن عمرو قال: إذا قال الله "خذوه" ابتدره سبعون ألف ملك، إن الملك منهم ليقول هكذا، فيلقي سبعين ألفا في النار، ومعنى "صلوه" أي: اغمروه فيها"([23])

§        عن بشير عن نوف الشامي في قوله تعالى "ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ" قال: إن الذراع سبعون جزءًا، والجزء من ههنا إلى مكة ـ وهو يومئذ بالكوفة([24])(والمسافة بين مكة والكوفة حوالي 1400كم يعني(70×70× 1400=6860000كم)

§        وقال ابن المنكدر: لو جمع حديد الدنيا كله ما خلا منها وما بقي ما عدل حلقة من الحلق التي ذكر الله في كتابه([25])

§        وقال ابن عباس : السلسلة تدخل في أسته ثم تخرج من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حتى يشوي([26])

4-   وقعر النار بعيد

وهذا البعد مخيفٌ جداً، فلو صعد الواحد منا مكانًا عاليًا، وليكن على بعد ألف متر مثلاً من الأرض، ثم نظر تحته، لأصابه الرعب، والفزع، والدوار، فكيف بقعر جهنم، الذي يصل إلى مسيرة سبعين عامًا، فلله ما أفظعه من منظرٍ، وما أرهبه من بُعدٍ!!!فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِr إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ النَّبِىُّr "أتَدْرُونَ مَا هَذَا" قَالَ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ "هَذَا حَجَرٌ رُمِىَ بِهِ فِى النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِى فِى النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا"([27])

5-   ومقامع النار من حديد

والمقامع، هي: المطارق التي يضرب بها أهل النار، وهي من حديد غليظ، وقد قال عنها r" لَوْ أَنَّ مِقْمَعًا مِنْ حَدِيدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ فَاجْتَمَعَ لَهُ الثَّقَلاَنِ مَا أَقَلُّوهُ مِنَ الأَرْضِ([28])

6-   وعن حر النار

وهذا كفيلٌ بإذابة القلوب القاسية، وجديرٌ بلزوم طاعة الملك، ووالله لو أن الإنسان من يوم ولد، إلى يوم يموت، ظل ساجدًا بين يدي الله تعالى، مقابل أن ينجيه الله من حر النار، لكان عمله ذلك حقيرًا إلى جوار هذا الفضل العظيم، فكيف وقد طلب الله منا أحقر من ذلك فعصيناه، ونهانا عن اتباع الشيطان، فاتبعناه، وسار أكثرنا خلف شهوته وهواه!!!

§        قال الله "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [التوبة]

§        وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّr قَالَ "أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِىَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ"([29])

§        وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّr  قَالَ "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِى يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ" قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا"([30])

§        وقال عبد الملك بن عمير : لو أن أهل النار كانوا في نار الدينا لقالوا فيها([31])

§        وعن بشير بن منصور قلت لعطاء السلمي: لو أن إنسانا أوقدت له نار فقيل له: من دخل هذه النار نجا من النار؟ فقال عطاء: لو قيل لي ذلك لخشيت أن تخرج نفسي فرحا قبل أن أقع فيها([32])

§        وعن مجاهد قال: إن في النار لزمهريرًا يغلون فيه فيهربون منها إلى ذلك الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض([33])

7-   وفي النار فراشٌ وغطاء وكسوة

فهناك فرشٌ ينام عليها أهل النار، وهناك أغطية يتغطون بها، وكلها مصنوعة من النار....إن الواحد منا لو نام على فراشٌ خشن، أو تغطى بلحافٍ خشن، لتأذى من ذلك، فكيف يطيق النوم - وليس هناك نوم في النار- على فراشٍ من النار، وغطاؤه من النار، فاللهم سلم سلم

§        قال الله "لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ" [الأعراف:41] فالمهاد هي الفرش، والغواش هو اللحاف، وعن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال سمعت عبد الله بن حنظلة يوما وهو على فراشه وقد ذهبت أزوره لمرضه، فتلا رجل عنده هذه الآية، فبكى حتى ظننت أنه نفسه ستخرج، ثم قال: صاروا بين أطباق النار، ثم قام على رجليه فقال قائل: يا أبا عبد الرحمن اقعد قال: منعني القعودَ ذكرُ جهنم([34])

§        وما أجمل هذه الآية التي تذكر فرش النار وغطاءها، وأن الله جعله تذكرةً، وتخويفاً يدعو إلى لزوم بابه، والعيش في طاعته ورحابه، وفي ذلك يقول سبحانه "لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ" [الزمر: 16]

§        وعن كسوتهم ولباسهم يقول الله " وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ...."[إبراهيم] قال ابن عباس هو النحاس المذاب، وعن وهب بن منبه قال: أما أهل النار الذين هم أهلها فهم في النار لا يهدؤون ولا ينامون ولا يموتون ويمشون على النار ويجلسون على النار فرشهم ولحفهم نار وقمصهم نار وقطران وتغشى وجوههم النار وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها يجذبون مقبلين ومدبرين فيسيل صديدهم إلى حفر في النار فذلك شرابهم قال: ثم بكى وهب حتى سقط مغشيا عليه([35])

8-   وهذا طعام أهل النار

حيث يطعمون في النار، أنواعًا أربعة، كل نوعٍ منها أخبث من أخيه، وهي:

الأول: شجرة الزقوم

قال الله "إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ" [الدخان] وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ"اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" ثم قَالَ "لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِى دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ"([36])

الثاني: الضريع

قال الله " لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ" [الغاشية] وعن أبي الحواري قال: الضريع: شوك النخل، وكيف يسمن شوك النخل؟([37])

الثالث: الغسلين

قال الله " فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ"[الحاقة]وقال ابن عباس "الغسلين: صديد أهل النار([38])

الرابع: طعام ذو غصة

قال الله "إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا" [المزمل] قال ابن عباس: هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج ، وقد روي أن الحسن البصري أمسى صائمًا يومًا فأتي بعشائه فعرضت له هذه الآية، فقلصت يده وقال: ارفعوه فأصبح صائمًا، فلما أمسى أتى بإفطاره فعرضت له الآية فقال: يا أبا سعيد تهلك وتضعف، فأصبح اليوم الثالث صائمًا، فذهب ابنه إلى يحيى البكاء وثابت البناني ويزيد الضبي فقال: أدركوا أبي فإنه هالك فلم يزالوا به حتى سقوه شربة ماء من سويق([39])

9-   وها هو شراب أهل النار

وهو أيضًا أربعة أنواعٍ:

الأول: الحميم

قال الله "ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ" [الواقعة] والحميم هو: الماء الذي انتهى حره من شدة غليانه، وأسألكم بالله أن تتدبروا هذا الحديث المرعب، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّr قَالَ "إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلِتَ مَا فِى جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ"([40])

الثاني: الغساق

قال الله " إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا" [النبأ] قال ابن عباس: الغساق: ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه، وهو أيضًا : الزمهرير البارد الذي يحرق من شدة برده، وعن عبد الله بن عمرو قال: الغساق: القيح الغليظ لو أن قطرة منه تهرق في المغرب لأنتنت أهل المشرق ولو أهرقت في المشرق لأنتنت أهل المغرب([41]) وبذلك يجمع بين قبح المنظر، وشدة الشراب.

§        وعَنْ أَبِي سَعِيدٍt أَنَّ رَسُولَ اللهِr قَالَ: لَوْ أَنَّ دَلْوَ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا لاَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا"([42])

الثالث: الصديد

قال الله " مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ" [إبراهيم] قال مجاهد : هو القيح والدم وقال قتادة: ما يسيل من بين لحمه وجلده، فهل لكم بهذا يدان أم لكم على أن هذا صبر؟ طاعة الله أهون عليكم ـ يا قوم ـ فأطيعوا الله ورسوله" وقوله و"يأتيه الموت من كل مكان" أي: حتى من تحت كل شعرة في جسده وقال الضحاك : حتى من إبهام رجليه والمعنى: أنه يأتيه مثل شدة الموت و ألمه من كل جزء من أجزاء بدنه حتى شعره و ظفره و هو مع هذا لا تخرج نفسه فيستريح([43]) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّr فِي قَوْلِهِU "وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ" قَالَ: يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ"([44])

الرابع: المهل

قال الله "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" [الكهف: 29] عَنْ أَبِي سَعِيدٍt أَنَّ رَسُولَ اللهِr قَالَ: مَاءٌ كَالْمُهْلِ كَعَكَرِ الزَّيْتِ فَإِذَا أُقْرِبَ إِلَى فِيهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ([45]) وعن سعيد بن جبير قال : إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع فأغيثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فانسلخت وجوههم حتى لو أن مارا مر عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش فاستغاثوا من العطش فأغيثوا بماء كالمهل والمهل: الذي قد انتهى حره فإذا أدنوه من أفواههم أنضج حره الوجوه فيصهر به ما في بطونهم ويضربون بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور([46])

10-    حيات النار وعقاربها

ولم يتوقف عذاب النار على ما سبق وحده، وإنما هي مليئة بالحيات والعقارب، عجيبة الخلق، بشعة المنظر، قوية السم، شديدة العذاب، وإن صفتها وحدها كافية، في أن يطير النوم من العين، فرقًا وخوفًا من جهنم، قال رسول اللهr إن في النار حيات كأعناق البخاتي - الإبل العظيمة - تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموها إلى أربعين خريفا وإن في النار عقارب كأمثال البغال الدهم تسلع إحداهن اللسعة فيجد حموتها أربعين سنة"([47])

§   وعن يزيد بن شجرة قال: إن لجهنم جبابا في سواحل كسواحل البحر فيه هوام وحيات كالبخاتي وعقارب كالبغال، فإذا سأل أهل النار التخفيف قيل لهم: اخرجوا إلى السواحل فتأخذهم تلك الهوام بشفاههم وجنوبهم وما شاء الله من ذلك فتكشطها فيرجعون فيبادرون إلى معظم النيران ويسلط عليهم الجرب حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم فيقال: يا فلان هل يؤذيك هذا فيقول نعم فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين([48])

§   وعَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : إِنَّ فِي النَّارِ لَجِبَابًا فِيهَا حَيَّاتٌ كَأَمْثَالِ الْبَخَاتِيِّ ، وَعَقَارِبُ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ الدهمِ ، فَيَفِرُّ أَهْلُ النَّارِ مِنَ النَّارِ إِلَى تِلْكَ الْجِبَابِ ، فَتَسْتَقْبِلُهُمَ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ ، فَتَأْخُذُ شِفَاهَهُمْ وَأَعْيُنَهُمْ ، قَالَ: فَمَا يَسْتَغِيثُونَ إِلاَّ بِالرُّجُوعِ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ أَهْوَنَهُمْ عَذَابًا لَمَنْ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ نَعْلاَنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، وَأَشْفَارُهُ وَأَضْرَاسُهُ نَارٌ، وَسَائِرُهُمْ يَمُوجُونَ فِيهَا كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ([49])

11-     نتن ريح أهل النار

فعن عبد الله بن عمرو قال: لو أن رجلا من أهل النار أخرج إلى الدنيا لمات أهل

الدنيا من وحشة منظره ونتن ريحه قال: ثم بكى عبد الله بكاء شديدا([50])

12-     وهذه صورة أخذ أهل النار إلى النار

قال الله "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ" [غافر]

§        قال سرار أبو عبد الله: عاتبت عطاء السلمي في كثرة بكائه فقال لي: يا سرار كيف تعاتبني في شيء ليس هو لي؟ إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه تمثلت لي نفسي بهم فكيف لنفس تغل يداها إلى عنقها وتسحب إلى النار أن لا تبكي  تصيح ؟ وكيف لنفس تعذب أن لا تبكي؟([51])

§        وعن إبراهيم بن محمد البصري قال: نظر عمر بن عبد العزيز إلى رجل عنده متغير اللون فقال له: ما الذي أرى بك؟ قال: أسقام وأمراض يا أمير المؤمنين إن شاء الله فأعاد عليه عمر فأعاد عليه الرجل مثل ذلك ثلاث مرات فقال إذا أبيت إلا أن أخبرك فإني ذقت حلاوة الدنيا فصغر في عيني زهرتها وملاعبها واستوى عندي حجارتها وذهبها ورأيت كأن الناس يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار فأسهرت لذلك ليلى وأظمأت له نهاري وكل ذلك صغير حقير في جنب عفو الله U وجنب عقابه([52])

13-     والكل يتبرأ من الكل، حتى الروح والجسد

فمع شدة النكال والعذاب، تريد أن ترمي التهمة على غيرك، فيتبرأ منك، تقول لربك: يا رب الذي دعاني إلى معصيتك، الحاكم الفلاني، أو الفنان الفلاني، أو الظالم الفلاني، فلا يسمع الله قولك، وتظل تدور يمنة ويسرة، فلا تجد إلا النار قد أحاطت بك، فما أصعب الوحدة في هذه الشدة!!!

§               قال الله " إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" [البقرة]

§               قال الله "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ(21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" [إبراهيم]

§               قال الله "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر]

§               قال ابن عباس: ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : رب الروح منك أنت خلقته لم يكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها ولا أذن أسمع بها ولا عقل أعقل به، حتى جئت فدخلت في هذا الجسد فضعف عليه أنواع العذاب ونجني فيقول الجسد: رب أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة ليس لي يد أبطش بها ولا قدم أسعى بها ولا بصر أبصر به ولا سمع أسمع به ، فجاء هذا كشعاع الشمس فيه نطق لساني وبه أبصر عيني وبه مشت رجلي وبه سمعت أذني فضعف عليه أنواع العذاب ونجني قال: فيضرب الله لهما مثلاً أعمى ومقعد أدخلا بستاناً فيه ثمار فالأعمى لا يبصر والمقعد لا ينالها، فنادى المقعد للأعمى ائتني فاحملني آكل وأطعمك فدنا منه فحمله فأصابا من الثمرة فعلى من يكون العذاب قالا: عليهما، قال: عليكم جميعاً العذاب"([53])

14-     ثم ينادي أهل النار من حولهم فلا يجابون

وهذه أشهر نداءات أهل النار حيث:

§               ينادون أهل الجنة، يطلبون منهم الماء، فيمنعونهم إياه، بأمر الله، وما أصعبه من موقف، وما أخزاه من حرمانٍ، قال الله "وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" [الأعراف]

§               ثم ينادون خزنة جهنم، بتخفيف يومٍ من العذاب، فلا يجابون لذلك، قال الله "وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ" [غافر]

§               ثم ينادون مالك، خازن النار، ليسأل ربه أن يقضي عليهم، فيجيبهم مالك بعد ألف سنة، برفض الطلب، قال الله "وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ" [الزخرف]

قال ابن عباس: يتركهم ألف سنة ثم يقول "إنكم ماكثون"([54])

§               وعن محمد بن كعب القرظي قال: لأهل النار خمس دعوات يكلمون في أربع منها ويسكت عنهم في الخامسة فلا يكلمون:

الأولى يقولون "رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ" فيرد عليهم " ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ" [غافر: 11،12]

والثانية يقولون " رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ" فيرد عليهم " فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 14،12]

والثالثة يقولون "رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ" فيرد عليهم " أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ" [إبراهيم: 14]

والرابعة "وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ" قيرد عليهم " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ

فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ"[فاطر: 37]

والخامسة يقولون "رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ" فيرد عليهم "اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ" [المؤمنون]قال: فلا يتكلمون بعد ذلك([55])

15-     وأعظم عذاب أهل النار حجابهم عن اللهU

وإبعادهم عنه، وإعراضه عنهم، وسخطه عليهم،كما أن رضوان الله على أهل الجنة أفضل من كل نعيم الجنة وتجليه لهم ورؤيتهم إياه أعظم من جميع أنواع نعيم الجنة، وعن هذا العذاب يقول تعالى "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ" [المطففين] "فذكر الله تعالى ثلاثة أنواع من العذاب : حجابهم عنه ثم صليهم الجحيم ثم توبيخهم بتكذيبهم به في الدنيا ووصفهم بالران على قلوبهم وهو صدأ الذنوب الذي سود قلوبهم فلم يصل إليها بعد ذلك في الدنيا شيء من معرفة الله ولا من إجلاله ومهابته وخشيته ومحبته فكما حجبت قلوبهم في الدنيا عن الله حجبوا في الآخرة عن رؤيته([56])

وأسألكم بالله أن تتدبروا هذا الخبر العجيب، على لسان التابعي الجليل كعب الأحبار، حيث يقول "إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ فَصَارَتْ صُفُوفًا فَيَقُولُ يَا جِبْرِيلُ ائْتِنِي بِجَهَنَّمَ فَيَأْتِي بِهَا جِبْرِيلُ، تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ حَتَّى إذَا كَانَتْ مِنْ الْخَلَائِقِ عَلَى قَدْرِ مِائَةِ عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً طَارَتْ لَهَا أَفْئِدَةُ الْخَلَائِقِ ثُمَّ زَفَرَتْ ثَانِيَةً فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ تَزْفِرُ الثَّالِثَةَ فَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَتَفْزَعُ الْعُقُولُ فَيَفْزَعُ كُلُّ امْرِئٍ إلَى عَمَلِهِ، حَتَّى إنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَu يَقُولُ: بِخُلَّتِي لَا أَسْأَلُك إلَّا نَفْسِي، وَيَقُولُ مُوسَىu: بِمُنَاجَاتِي لَا أَسْأَلُك إلَّا نَفْسِي، وَإِنَّ عِيسَىu لَيَقُولُ: بِمَا أَكْرَمْتَنِي لَا أَسْأَلُك إلَّا نَفْسِي لَا أَسْأَلُك مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي ومحمدr يقول: أمتي أمتي لا أسألك اليوم نفسي إنما أسألك أمتي قال: فيجيبه الجليلI إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فوعزتي وجلالي لأقرن عينك في أمتك، ثم يقف الملائكة بين يدي الله تعالى، ينتظرون ما يؤمرون به، فيقول لهم تعالى: معاشر الزبانية انطلقوا بالمصرين من أهل الكبائر من أمة محمدr إلى النار، فقد اشتد غضبي عليهم، بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي، وانتهاكهم حرمي، يستخفون من الناس، ويبارزونني بالمعاصي، مع كرامتي لهم، وتفضيلي إياهم على الأمم، ولم يعرفوا فضلي، وعظيم نعمتي، فعندها تأخذ الزبانية بلحى الرجال، وذوائب النساء، فينطلق بهم إلى النار، وما من عبد يساق إلى النار من غير هذه الأمة، إلا مسود وجهه، قد وضعت الأنكال في رجليه، والأغلال في عنقه، إلا من كان من هذه الأمة، فإنهم يساقون بألوانهم، فإذا وردوا على مالك - خازن النار - قال لهم: يا معاشر الأشقياء من أي أمة أنتم؟ فما ورد علي أحسن وجوهًا منكم ، فيقولون: يا مالك نحن من أمة القرآن، فيقول لهم: يا معشر الأشقياء أو ليس القرآن أنزل على محمدr قال: فيرفعون أصواتهم بالنحيب، والبكاء فيقولون: وامحمداه ! وامحمداه ! وامحمداه ! اشفع لمن أمر به إلى النار من أمتك، قال: فينادىَ مالك بتهدد وانتهار: يا مالك من أمرك بمعاتبة أهل الشقاء، ومحادثتهم،والتوقف عن إدخالهم العذاب ؟ يا مالك لا تسود وجوههم فقد كانوا يسجدون لي في دار الدنيا، يا مالك: لا تغلهم بالأغلال فقد كانوا يغتسلون من الجنابة، يا مالك: لا تعذبهم بالأنكال فقد طافوا بيتي الحرام، يا مالك لا تلبسهم القطران فقد خلعوا ثيابهم للإحرام، يا مالك مر النار لا تحرق ألسنتهم، فقد كانوا يقرأون القرآن، يا مالك قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من الوالدة بولدها، فمنهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى سرته، ومنهم من تأخذه إلى صدره، ومنهم دون ذلك، فإذا انتقم اللهU منهم على قدر كبائرهم، وعتوهم، وإصرارهم، فتح بينهم وبين المشركين بابًا، فرأوهم في الطبق الأعلى من النار، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابًا، يبكون ويقولون: يا محمداه، ارحم من أمتك الأشقياء، واشفع لهم فقد أكلت النار لحومهم ودماءهم وعظامهم، ثم ينادون: يا رباه، يا سيداه، ارحم من لم يشرك بك في دار الدنيا، وإن كان قد أساء وأخطأ وتعدى، فعندها يقول المشركون: ما أغنى عنكم إيمانكم بالله وبمحمدr شيئا، فيغضب اللهU لذلك فعندها يقول: يا جبريل، انطلق فأخرج من في النار من أمة محمد، فيخرجهم ضبائر قد امتحشوا- احترقت لحومهم وبرزت عظامهم- فيلقيهم في نهر على باب الجنة يقال له نهر الحياة، فيمكثون حتى يعودوا أنضر ما كانوا، ثم يأمر بإدخالهم الجنة، مكتوبًا على جباههم: هؤلاء الجهنميون، عتقاء الرحمن من أمة محمدr فيعرفون من بين أهل الجنة بذلك، فيتضرعون إلى اللهU أن يمحو عنهم تلك السمة فيمحوها اللهU عنهم فلا يعرفون بها بعد ذلك من بين أهل الجنة"([57])

وبعد كل ما سمعنا عن النار، آما آن لقلوبنا أن تخشع للرحمن، آما آن نفوسنا أن تطهر من اتباع الهوى والشيطان، آما آن لنا أن نعود إلى الله بتوبة صادقة من كل فجورٍ وعصيان؟!!!

E          الأيام تمر، والعمر يفنى، وتذهب اللذات، وتبقى التبعات، والموت يأتي بغتة، فبادر إلى ربك، قبل أن يبادرك الموت، فيأخذك على غرةٍ، واذكر دومًا قول التابعي الجليل إبراهيم التيمي "مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس أي شيء تريدين؟ فقالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا فقلت لها فأنت في الأمنية فاعملي"([58])

فاللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، ونقسم عليك بعزتك وجلالك، أن تُحَرِّمَنَا وآباءنا وأمهاتنا وأحبانا، وكل من قرأ هذه الكلمات، أو سمعها، وسائر المسلمين، على النار، بعفوك، وكرمك، ومنِّك يا رب العالمين



[1]- نسبة إلى المهلّب بن أبي صفرة الأزدي، وهو من ولاة الأمويين على خراسان. عينه الحجاج عاملا على خراسان عام (78هـ) وقام بفتوح واسعة فيما وراء بلاد النهر

-[2] التوابين، ص271، مرجع سابق.

[3]- التذكرة ، للإمام القرطبي،ص351، مرجع سابق.

[4]- أخرجه أحمد وحسنه الألباني، وما بين القوسين زيادة، وردت في الزواجر من اقتراف الكبائر، ج1/56، مرجع سابق.

[5]- التذكرة، ص440، مرجع سابق.

[6]- أخرجه ابن ماجة والترمذي والحاكم بسند صحيح، وأصله في الصحيحين

[7]- الزواجر من اقتراف الكبائر، ج1/56، مرجع سابق.

[8]- إحياء علوم الدين، ج4/184، مرجع سابق.

[9]- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير

[10]- أخرجه البيهقي في شعب الإيمان والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وضعفه الألباني

[11]- الآداب الشرعية، ج2/305بتصرف، مرجع سابق.

[12]- التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، ص32، الطبعة الأولى، مكتبة دار البيان - دمشق، 1399هـ.

[13]- المرجع نفسه، ج9/329.

[14]- تنبيه الغافلين للسمرقندي،  ص431، مرجع سابق

-[15] أخرجه أبو داوود بسند جيد

-[16] أخرجه مسلم

-[17] تفسير السعدي، ص579، مرجع سابق.

-[18] ذم الهوى، أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن الجوزي، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، ص600، المكتبة الشاملة.

-[19] تفسير القرطبي، ج10/30، مرجع سابق.

-[20] المرجع نفسه.

-[21] المرجع نفسه.

[22]- أخرجه الترمذي وابن ماجة بسند حسن

[23]- تفسير ابن كثير، ج8/216، مرجع سابق.

[24]- التخويف من النار، ص127، مرجع سابق.

[25]- المرجع نفسه

[26]- تفسير ابن كثير، ج8/216، مرجع سابق.

[27]- أخرجه مسلم

[28]- أخرجه احمد والحاكم وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.

[29]- أخرجه الترمذي وقال حديث حسن

[30]- متفق عليه

[31]- التخويف من النار، ص98، مرجع سابق.

[32]- المرجع نفسه

[33]- المرجع نفسه

[34]- المرجع نفسه، ص34.

[35]- المرجع نفسه ص165.

[36]- أخرجه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[37]- التخويف من النار، ص149،مرجع سابق.

[38]- المرجع نفسه

[39]- المرجع نفسه ص175.

[40]- أخرجه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[41]- التخويف من النار، ص155،مرجع سابق.

[42]- أخرجه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. ووافقه الذهبي في التلخيص.

[43]- التخويف من النار، ص155،مرجع سابق.

[44]- أخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

[45]- أخرجه الترمذي والحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. ووافقه الذهبي.

[46]- التخويف من النار، ص155،مرجع سابق.

[47]- المرجع نفسه، ص141.

[48]- المرجع نفسه.

[49]- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف

[50]- التخويف من النار، ص178، مرجع سابق.

[51]- المرجع نفسه ص34.

[52]- المرجع نفسه ص51.

[53]- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة،ص286، مرجع سابق.

[54]- تفسير ابن كثير، ج7/241، مرجع سابق.

[55]- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة،ص386، مرجع سابق.

[56]- التخويف من النار، ص178، مرجع سابق.

[57]- حلية الأولياء، ج5/374، مرجع سابق.

[58]- إحياء علوم الدين، ج4/405، مرجع سابق.

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free