المجلس الرابع : من أسرار الكون
كل العجائب صنعة العقل الذي *** هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا إذا *** ما الله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا
إن ما حولنا من السماوات والأرض وما نحن فيه من اختلاف الليل والنهار من أعظم الأشياء الباعثة على الإحساس ، وليس أدل على ذلك من حديث سيد أهل الإحساس صلى الله عليه وسلم والذي أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير قد آن لك أن تزورنا فقال أقول يا أمه كما قال الأول زر غبا تزدد حبا قال فقالت دعونا من رطانتكم هذه قال بن عمير أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسكتت ثم قالت لما كان ليلة من الليالي قال "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي" قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر قال "أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها:(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" وعند الطبراني بسند ضعيف" عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بما جاءكم موسى صلى الله عليه و سلم ؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى صلى الله عليه وسلم؟ قالوا : كان يبرئ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا :ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا [ فدعا ربه ] فنزلت هذه الآية :"إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" فليتفكروا فيها "
ترى هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ما وصل إليه العلم الحديث أم أنه بكى لإحساسه بما يرى ويعلم فقط؟!!!إنه بالنظر في آية واحدة يبكي حتى يبل الأرض لماذا كل ذلك؟ لأن السماوات والأرض مليئة بالآيات التي لا تحصى وهي نقطة في بحار ملك الله وجديرة بأن تذيب الصخور من خشية الله تعالى والإحساس به وتلكم بعض هذه الآيات
أولاً : في السماوات
تأمل السماء، ثم ارجع البصر إليها أخرى، انظر فيها وفي كواكبها، دورانها، وطلوعها، وغروبها، واختلاف ألوانها وكثرتها، وشمسها وقمرها، باختلاف مشارقها ومغاربها، حركتها من غير فتور ولا تغير في سيرها، تجري في منازل قد رتِّبت لها بحساب مُقدَّر لا يزيد ولا ينقص إلى أن يطويها فاطرها تأمل: تجد أنه ما من كوكب إلا ولله من خَلْقِه حِكْمَة، في مقداره، في شكله، في لونه، في موضعه في السماء، في قربه من وسطها وبُعْدِه، في قربه من الكواكب التي تليه وبعده، على صفحة سماوات ترونها أُمْسِكت مع عِظَمِها وَعِظَم ما فيها، فثبتت بلا علائق من فوقها، ولا عُمُدٍ من تحتها: { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }قال الله "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ"هذا ما نراه عياناً ولا يحتاج إلى عظيم جهد فما بالنا بما كشفه لنا العلم الحديث من معجزات وأسرار ومنها
1- المجموعة الشمسية مكونة من تسعة كواكب ترتيب الأرض فيها الثالث والكوكب في علم الفلك جرم سماوي يدور حول الشمس ويستضيء بضوئها وأشهر الكواكب مرتبة على حسب قربها من الشمس عطارد الزهرة الأرض المريخ المشتري زحل يورانس نبتون بلوتون وقد قال الفلكيون "مجموعة النظام الشمسي تألَّفت من مائة مليار نجم قد عُرِف وعرف منها الشمس، وتبدو هذه المجموعة كقرص قطره تسعون ألف سنة ضوئية، وسمكه خمسة آلاف سنة ضوئية،بل هناك مجموعات تكبرها بعشرات المرات، أحصى منها مائة مليار مجموعة تجري، كلها في نظام دقيق بسرعة هائلة، كل في مساره الخاص دون اصطدام، كل يجري لأجل سبحان الملك{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ }(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"
2- الشمس – وهي نجم من النجوم - تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، أي جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمائة ألف أرض، والأرض فيها خمس قارات؛ أمريكا الشمالية والجنوبية، أوربا، آسيا ، أستراليا ، القطب الشمالي والجنوبي، كل هذه اليابسة لا تزيد عن خمس الأرض، والباقي هو البحر، من هذا الحجم، ومن هذا الشكل، مليون وثلاثمائة ألف أرض تتسع لها الشمس، أي أن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، كم بين الشمس والأرض؟ بين الشمس والأرض مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر
3- المجموعة الشمسية تعتبر جزءا صغيراً يدور مع أشباهه حول شيء يسمى المجرة وهي " مَجْموعةٌ كبيرةٌ من النُّجومِ تَرَكّزتْ حتى تَتراءى من الأرضِ كَوِشاحٍ أبْيَضَ مُمْتدّ في السَّماء، تُعْرَف عند القُدَماء "ببابِ السّماء" وقد عرفها قدماء العرب حتى قال النّابغةُ الجَعْدِىُّ، يَمْدَحُ رسولُ اللّه ـ صلّى الله عليه وسلّم –
أَتَيْتُ رَسُولَ الله إذ جاء بالهُدَى... وَيتْلُو كِتابًا كالمَجَرّةِ نَيِّرا
وجاء في تعريف أدق يبين عظمة خلقه حتى تتخيل ذلك فتشعر به"هي تَجمُّعٌ هائلٌ من النُّجومِ والغازات والغُبارِ الكوني،تُعَدُّ النجومُ فيه بالملايين أو ملايين البَلايين ،وتَتَّخِذُ أَشكالاً مختلفةً ، ويوجد في الكونِ منها بلايين ويُطلق اللّفظُ المُعَرّفُ عَلَمًا على المَجَرّةِ التي تَضُمُّ شَمْسَنا،والتي عَرفَها العَرَبُ باسمِ " دَرْبِ التبَّانَةِ ".وتُعْرَفُ في اللّغات الأوروبيّة باسم " الطّريقِ اللَّبَنِىّ Via Lactea " وهى قُرْصٌ يَبْلُغُ قُطْرُه أكثرَ من مئةِ أَلَفِ سنةٍ ضَوْئيّة ، وله ذراعان حلزونيّتان، تَحْوِى أكْثَر من مئةِ بليونِ نَجْم ، ويُقَدَّر عمرُها بأكثرَ من عشرين بليون عام ، وتحتلُّ الشَّمْسُ موضِعا مُقفرًا نسبيًّا منها ، بعيدًا عن مركز القُرْصِ وكان العرب يسمونها أم النجوم لأنها مجتمع النجوم يقال ما أشبه مجلسك بأم النجوم لكثرة كواكبها وهو مجاز" لله ما أعظمه من خلق!!!
4- البروج جمع برج وهو"قال الرازي اعلم أن في البروج ثلاثة أقوال : أحدها : أنها هي البروج الاثنا عشر وهي مشهورة وإنما حسن القسم بها لما فيها من عجيب الحكمة ، وذلك لأن سير الشمس فيها ولا شك أن مصالح العالم السفلي مرتبطة بسير الشمس فيدل ذلك على أن لها صانعاً حكيماً ، قال الجبائي : وهذه اليمين واقعة على السماء الدنيا لأن البروج فيها ، واعلم أن هذا خطأ وتحقيقه ذكرناه في قوله تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب }وثانيها : أن البروج هي منازل القمر ، وإنما حسن القسم بها لما في سير القمر وحركته من الآثار العجيبة وثالثها : أن البروج هي عظام الكواكب سميت بروجاً لظهورها" وقال الشعرواي" والبروج : جمع بُرْج ، وهو الحصن الحصين العالي الذي لا يقتحمه أحد ، والآن يُطلقونها على المباني العالية يقولون : برج المعادي ، برج النيل . . الخ ، ومنه قوله تعالى{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }والبروج : منازل في السماء يحسب الناسُ بها الأوقات ، ويربطون بينها وبين الحظوظ ، فترى الواحد منهم أول ما يفتح جريدة الصباح ينظر في باب « حظك اليوم » ، وقد دلَّتْ الآيات على أن هذه البروج جعلها الله لتُسهِّل على الناس أمور الحساب كما قال سبحانه :{ والشمس والقمر حُسْبَاناً } يعني : بها تُحسب المواقيت ، فالشمس تعطيك المواقيت اليومية والليلية ، والقمر يدلُّك على أول كل شهر؛ لأنه يظهر على جِرْم معين ، وكيفية مخصوصة تُوضّح لك أول الشهر ومنتصفه وآخره ، ثم تعطيك الشمس بالظل حساب جزيئات الزمن،ومعلوم أن في السماء اثنيْ عَشَر بُرْجاً جمعها الناظم في قوله :
حَمَلَ الثَّوْرُ جَوْزةَ السَّرطَانِ ... وَرَعَى الليْثُ سُنْبُلَ الميزاَنِ
عَقْرب القَوْس جَدْي دَلْو ... وحُوت مَا عَرفنَا من أُمَّة السُّرْيَانِ
فهي : الحملَ ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت . فأوّلها الحَمل ، وآخرها الحوت ، وكلُّ بُرْج يبدأ من يوم 21 في الشهر وينتهي يوم 20"
أما عن آيات الله فيها فيقول علماء الفلك" البروج الصغيرة تتألف من عشرة ملايين نجم قد عُرِف منها ما عُرِف، والعملاقة وصل عدد نجومها المعروفة لنا إلى عشرة آلاف مليار نجم يرتبط بعضها ببعض في غاية دقة وإحكام" ويقول بعضهم" البروج هي اثنا عشر برجاً، تمر بها الأرض خلال دورتها حول الشمس، من هذه الأبراج برج العقرب، فيه نجم صغير متألق، أحمر اللون، اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، المسافة بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر:﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
5- قال الله" فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ.....الآيات"
هذه الآيات تتحدث عن سرعة الضوء وحركته،ومما أثبته العلم الحديث عن هذا الأمر من عجائب
- الضوء تقريباً يقطع ثلاثمائة ألف كم في الثانية هذه السرعة المطلقة
- أقرب نجم ملتهب إلى الأرض عدا الشمس ـ الشمس نجم ملتهب لكنه ضمن المجموعة الشمسية ـ يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية ، سرعة الضوء ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة ، كم يقطع الضوء في الدقيقة ؟ ثلاثمائة ألف ضرب ستين ، كم يقطع الضوء في الساعة ؟ ثلاثمائة ألف ضرب ستين ضرب ستين ، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب أربع وعشرين ، كم يقطع في العام ؟ ضرب ثلاثمائة وخمسة وستين ، كم يقطع في أربع سنوات ؟ نحتاج إلى حاصل ضرب (300000×60×24×365×4) العلماء قالوا – بالحسابات الدقيقة- لو أن لهذا النجم طريقاً معبداً ، وهناك سيارة سرعتها مئة كيلو متر في الساعة ، وانطلقت من الأرض باتجاه هذا النجم ، متى أصل إليه؟ أصل بعد خمسين مليون عام ، ماذا تعني أربع سنواتٍ ضوئية ؟ تعني خمسين مليون عام
- هناك نجم أبعد من أقرب نجم ملتهب إلى الأرض اسمه نجم القطب يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ أي حاصل ضرب(50×1000) =50000 مليون عام ، يعني نحتاج إلى هذا العدد من السنين حتى نصل إليه
- مجرة المرأة المسلسلة مجرة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية متى نصل إليها؟!!!
- متى نصل إلى نجمٍ اكتشف حديثاً يبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ، هذه حقائق مسلم بها ، لكن الناس في غفلةٍ عنها ، عشرون مليار سنة الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى أن نصل إليها لخمسين مليون عام ، متى نصل إلى هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، لكن ما علاقة الآية بهذه الحقائق ؟ العلاقة أن كلمة مواقع جمع موقع ، معنى موقع أن صاحب الموقع ليس في الموقع ، لماذا ؟ إن هذا النجم الذي كان في هذا المكان وانطلق منه ضوء إلى الأرض ، بقي هذا الضوء يمشي في الفضاء الخارجي عشرين مليار سنة ، حتى وصل إلينا ، هذا النجم الذي أصدره سرعته تقترب من سرعة الضوء ، سرعته 240 ألف كم في الثانية أي من عشرين مليار سنة ينطلق هذا النجم بسرعة 240 ألف كم بالثانية ، أين هو الآن تصور كوكباً يمشي بسرعة 240 ألف كم في الثانية ، ومضى على سيره عشرون مليار سنة أين هو الآن ؟ فهذا المكان ليس نجماً هذا موقع النجم"
آن لك أن تشعر
- دقق في هذا المثال "لو أن إنساناً يركب سيارته وهناك شرطي واقف على الإشارة الحمراء ، هذا الشرطي إلى جانبه شرطي على دراجة ، وإلى جانب هذا الشرطي على الدراجة نقيبٌ في الشرطة في سيارة ، أنت مواطن عادي ، والإشارة حمراء ، هل يعقل أن تخالف الإشارة ؟ مستحيل لماذا؟ لأنه أولاً علم واضع قانون السير يطولك، وقدرة واضع قانون السير تطولك ، علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لكن في بعض البلاد النامية متى يمكن أن تخالف هذه الإشارة ؟ في الساعة الثالثة ليلاً ، لأن علم واضع القانون لا يطولك ، أيضاً إذا كنت أكبر من واضع القانون – كرجال الدولة الكبار – فإن قدرته لا تطولك ، أيهما أنت مع الله؟!!!الله جل وعلا جعل هذه العلامات لتقرر قانون الاستقامة ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ وما أجمل هذه المناظرة بين نبي الله وموسى وعدوه فرعون" قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ"
- هذا إضافة إلى أن هذه الآيات تدعوك " اقصد البحر وخل القنوات" ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" عن المُزَنِيُّ-الإمام العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد، أبو إبراهيم، إسماعيل ابن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم المزني المصري، تلميذ الشافعي مولده في سنة موت الليث بن سعد سنة خمس وسبعين ومئة كان زاهدا عالما مناظرا محجاجاً غواصا على المعاني الدقيقة مات بمصر في سنة أربع وستين ومئتين- قَالَ: قُلْتُ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُخْرِجُ مَا فِي ضَمِيرِي، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ خَاطِرِي مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيْدِ فَالشَّافِعِيُّ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَسْجِدِ مِصْرَ، فَلَمَّا جَثَوْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: هَجَسَ فِي ضَمِيرِي مَسْأَلَةٌ فِي التَّوْحِيْدِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً لاَ يَعْلَمُ عِلْمَكَ، فَمَا الَّذِي عِنْدَكَ؟فَغَضِبَ، ثُمَّ قَالَ: أتَدْرِي أَيْنَ أَنْتَ؟قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: هَذَا المَوْضِعُ الَّذِي أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ؟قُلْتُ: لاَ قَالَ: هَلْ تَكَلَّمَ فِيْهِ الصَّحَابَةُ؟قُلْتُ: لاَ قَالَ: تَدْرِي كَمْ نَجْماً فِي السَّمَاءِ؟قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَكَوْكَبٌ مِنْهَا: تَعْرِفُ جِنْسَهُ، طُلُوْعَهُ، أُفُولَهُ، مِمَّ خُلِقَ؟قُلْتُ: لاَ قَالَ: فَشَيْءٌ تَرَاهُ بِعَيْنِكَ مِنَ الخَلْقِ لَسْتَ تَعْرِفُهُ، تَتَكَلَّمُ فِي عِلْمِ خَالِقِهِ؟!ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الوُضُوْءِ، فَأَخْطَأْتُ فِيْهَا، فَفَرَّعَهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، فَلَمْ أُصِبْ فِي شَيْء مِنْهُ. فَقَالَ: شَيْءٌ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، تَدَعُ عِلْمَهُ، وَتَتَكَلَّفُ عِلْمَ الخَالِقِ، إِذَا هَجَسَ فِي ضَمِيرِكَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى قَوْلِهِ تعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيْم * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...} فَاسْتَدِلَّ بِالمَخْلُوْقِ عَلَى الخَالِقِ، وَلاَ تَتَكَلَّفْ عِلْمَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ عَقْلُكَ قَالَ: فَتُبْتُ"سير أعلام النبلاء
طـــــــــرفـــــــــة حســـــاب
أخرج البخاري في تاريخه والطبراني والبيهقي وأبو نعيم عن خريم بن أوس ابن حارثة بن لام قال هاجرت إلى رسول الله {صلى الله عليه وسلم} منصرفه من تبوك فقال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي وهذه الشهباء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فقلت يا رسول الله إن نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما تصف فهي لي قال هي لك فلما كان زمن أبي بكر وفرغنا من مسيلمة أقبلنا إلى الحيرة فأول من تلقانا حين دخلناها الشهباء بنت نفيلة كما قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} على بغلة شهباء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها وقلت هذه وهبها لي رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فدعاني خالد بن الوليد عليها بالبينة فأتيته بها وكانت البينة محمد بن مسلمة ومحمد بن بشر الأنصاريين فسلمها إلي فنزل إلينا أخوها يريد الصلح فقال بعينها قلت لا أنقصها والله من عشر مائة درهم فأعطاني ألف درهم فقيل لي لو قلت مائة ألف لدفعها إليك فقلت ما كنت أحسب أن عددا أكثر من عشر مائة وفي رواية البيهقي وأبو نعيم عن عدي بن حاتم قال فجاء أبوها فقال تبيعها قال نعم قال بكم قال ألف درهم قال لو قلت ثلاثين ألف لأخذتها قال وهل عدد أكثر من ألف
ثانياً : الأرض
هذه التي نسير عليها ونعيش عليها ونأكل منها ولا نشعر بنعمة الله فيها ، إن آيات الإعجاز والعظمة التي جاء بها القرآن العظيم متحدثاً عن الأرض كثيرة ولا نأخذ منها إلا أمثلة تحرك الإحساس فينا
1- قال الله "﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾- من الثابت أن الأرض تدور حول الشمس هذه الدورة في مسار بيضوي، أو اهليلجي، ما معنى مسار بيضوي؟ أي أنه قريب من الدائرة لكنه مفلطح، له قطران : أصغر، وأطول، فالأرض على قطره الطويل، وهي باتجاه القطر القصير، وصلت الأرض إلى قريب من القطر الأصغر يحكم حركة النجوم قانون الجاذبية، وهذا القانون من عوامله المسافة والكتلة، فكلما كبرت الكتلة ازداد جذب ما حولها إليها، وكلما قلّت المسافة ازداد الجذب، جَذب الأصغر إلى الأكبر، فالأرض تدور حول الشمس، الآن اقتربت من القطر الأصغر هناك احتمال كبير أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت الأرض إلى الشمس تبخرت في ثانية، لأن الحرارة في الشمس في مركزها عشرون مليون درجة، على سطحها ستة آلاف درجة، فإذا انجذبت الأرض إلى الشمس تبخرت في ثانية، وانتهت الحياة، والأرض مادة، والمادة غير عاقلة، ما الذي يحدث؟ ترفع الأرض سرعتها إذا اقتربت من القطر الأصغر، يتأتى من رفع هذه السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقى على مسارها معنى تزول أي تنحرف عن مسارها، هناك نعمة لا تعدلها نعمة، أن الأرض تبقى على مسارها، لأنها لو تفلتت من جاذبية الشمس لانتهت الحياة، انتهت الحياة أولاً بتبخر الأرض كلها، وانتهت الحياة ثانياً أن الأرض إذا تاهت في الفضاء الخارجي أصبحت قبراً جليدياً، لذلك لئلا تنجذب الأرض إلى الشمس بفعل اقتراب المسافة بينهما ـ وكلما قلّت المسافة ازدادت الجاذبية ـ ترفع الأرض سرعتها، هي عاقلة؟ هي درست قوانين الحركة؟ درست قوانين الجاذبية؟ ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾الآن حينما رفعت الأرض سرعتها ونشأت من هذه السرعة الزائدة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة بقيت على مسارها:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
تتابع الأرض رحلتها، الآن تقترب من القطر الأطول، الآن بحسب قانون الجاذبية، إذا زادت المسافة ضعفت الجاذبية، هناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من جاذبية الشمس، وإذا تفلتت مضت في الفضاء الخارجي، وأصبحت قبراً جليدياً، الحرارة مئتان وسبعون تحت الصفر، هذا سماه العلماء الصفر المطلق، عندئذ تنتهي الحياة، تنتهي الحياة إذا انجذبت إلى الشمس، وتنتهي الحياة إذا تفلتت من جاذبية الشمس يد من؟ قدرة من؟ حكمة من تبقي الأرض على مسارها؟
الآن إذا اقتربت الأرض من القطر الأطول، وكان هناك احتمال أن تتفلت من جاذبية الشمس، وتمضي في الفضاء الخارجي حتى تصبح قبراً جليدياً، ماذا يحصل؟ تخفض الأرض سرعتها لينشأ من تخفيض السرعة قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل، فتبقى على مسارها لكن الذي يلفت النظر أن كلمة أن تزولا، زال الشيء خرج عن مساره، زالت الشمس عن كبد السماء دخل وقت الظهر، حينما لا يكون للعمود القائم ظل تكون في كبد السماء، فإذا زالت صار له ظل، إذاً دخل وقت الظهر، هذا المعنى الأول المعنى الثاني: زال الشيء تلاشى، فلذلك الآية الكريمة:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ المعنى الأول أن تنحرف، والمعنى الثاني أن تتلاشى
2- وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) "مع نظرك لبديع النظم القرآني في علاقة الآية بما قبلها"
ترى أن الآية تتحدث عن دوران الأرض حول الشمس – وفي آية الليل والنهار عن حركتها حول نفسها- نحن قد نركب طائرة صوتها يصم الآذان ، أما أن ترى أرضاً بأكملها بقاراتها الخمس تسير ، سرعة الأرض حول الشمس ثلاثون كيلو متر بالثانية ، ومنها ضجيج ، ومنها صوت ، ومنها إزعاج ، وترى الجبال تحسبها جامدة ساكنة ، وهي تمر مرّ السحاب تدور حول نفسها بسرعة ألف وستمائة كيلو متر بالساعة كيف ؟ محيط الأرض أربعون ألف كيلو متر ، النقطة على المحيط تدور وترجع إلى مكانها كل يوم في الأربع والعشرين ساعة ، فلو قسمت الأربعين ألفاً على أربع وعشرين معنى ذلك حركة النقطة على خط الاستواء سرعتها ألف وستمائة كيلو متر بالساعة ،الأرض تظنها جامدة لكنها تدور حول نفسها وحول الشمس ، ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ ﴾ كناية عن الأرض ، ﴿ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ من السحاب ملايين الأطنان تتحرك بلا صوت ، نحن المركبة لها صوت ، السفينة لها صوت ، الدراجة النارية لها صوت ، الطائرة لها ضوت ، أما الأرض تتحرك بلا صوت﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾
لو أن الهواء ثابت والأرض متحركة لكانت الرياح مدمرة لكل شيء ، ول تأملته أيضاً لوجدته آية من آيات الله الباهرة، وقد حبسه الله بين السماء والأرض يدرك ولا يرى، جعله الله ملكاً للجميع ولو أمكن الإنسان التسلط عليه لباعه واشتراه وتقاتل مع غيره عليه كما فعل في أكثر الأشياء التي سخرها المولى له وجعلها أمانة بين يديه، والله بحكمته جعل الهواء يجري بين السماء والأرض، الطير فيه محلقة سابحة كما تسبح حيوانات البحر في مائه، ويضطرب عند هيجانه كما تضطرب أمواج البحر عند هيجانها، يحركه الله بأمره فيجعله رياحاً رخاءً وبشرى بين يدي رحمته فبين مبشرات ولواقح، وذاريات، ومرسلات، ويحركه فيجعله عذاباً عاصفاً قاصفاً في البحر وعقيماً صرصراً في البر: { وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }تتوزع على سطح الأرض تحت نظام محكم فتلقح الأزهار والسحاب؛ فتبارك من جعلها سائقة للسحاب تذروه إلى حيث شاء الله،سبحان الله !!!إنها آية من آيات الله الدالة على عظمته جلّ جلاله
3- قال الله﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ أي تضع هذا الشيء على الأرض فيبقى في مكانه ما السبب ؟ له وزن ، ما هو الوزن ؟ هو انجذاب الجسم إلى مركز الأرض ، لولا هذا الوزن الحياة لا تطاق ، رواد الفضاء في منطقة بين الأرض والقمر تنعدم فيها الجاذبية ، ينام في مركبته يستيقظ وهو في سقف المركبة ، لا يوجد شيء ثابت ، كله متحرك لا وزن له ، لكن في أرضنا والحمد لله تضع الطاولة تبقى في مكانها ، تضع الشيء يبقى في مكانه ، ترتب أثاث البيت يبقى كما هو ، تنام على السرير تستيقظ على السرير ، هذه نعمٌ قد لا نعرفها ، فالوزن هو انجذاب الشيء إلى مركز الأرض ، فلذلك الأرض مستقرة ﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾ . الأرض مستقرة ، تأتي الزلازل لتعرفنا بنعمة الاستقرار، أي في ثوان معدودة يجعل الله عاليها سافلها
الليل والنهار
1- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) أما إنها لو سكنت حركة الشمس لغرق نصف الأرض في ليل سرمدي، وغرق نصفها الآخر في نهار سرمدي، وتعطلت مع ذلك مصالح ومنافع، ومن عاش في المناطق القطبية بعض الوقت عرف نعمة تعاقب الليل والنهار؛ إذ يبقى النهار لمدة ستة أشهر، والليل كذلك: { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله"يُعدِّد الحق - تبارك وتعالى - نعمه على عبيده في شيئين يتعلقان بحركة الحياة وسكونها ، فالحركة تأتي بالخير للناس ، والسكون يأتي بالراحة للمتعَب من الحركة ، والإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يعطي ويتعب إلا بعد راحة ، والذي يتحدَّى هذه الطبيعة فيسهر الليل ويعمل بالنهار لا بُدَّ أنْ ينقطع ، وأن تُنهَك قواه فلا يستمر وقال { بِضِيَآءٍ . . . }ولم يقل بنور؛ لأن النور قد يأتي من النجوم ، وقد يأتي من القمر ، أمّا الضياء وهو نور وأشعة وحرارة ، فلا يأتي إلا من الشمس لذلك يقول سبحانه : { هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً{وقال : { مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ . . . }ولم يقُلْ : مَنْ يأتيكم بضياء ليلفت نظرنا إلى أن هذه المسألة لا يقدر عليها إلا إله ، ولا إله إلا الله ، وفي الضياء تبصرون الأشياء ، وتسيرون على هُدىً ، فتؤدون حركات حياتكم دون اصطدام أو اضطراب ، وبالضياء أعايش الأشياء في سلامة لي ولها ، وإلاَّ لو سرْنا في الظلام لتحطمنا أو حطّمنا ما حولنا؛ لأنك حين تسير في الظلام إمّا أنْ تحطم ما هو أقل منك ، أو يحطمك ما هو أقوى منك ثم يمتنُّ الله تعالى بالآية المقابلة لليل ، وهي آية النهار : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة . . . } يعني : دائم لا نهاية له { مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } تلحظ أن هاتين الآيتين على نَسَق واحد ، لكن تذييلهما مختلف ، مما يدلُّ على بلاغة وإعجاز القرآن ، فلكلِّ معنىً ما يناسبه ، ففي آية الليل قال { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ }وفي آية النهار قال : { أَفلاَ تُبْصِرُونَ }ذلك لأن العين لا عملَ لها في الليل إنما للأذن ، فأنت تسمع دون أنْ ترى ، وبالأذن يتمُّ الاستدعاء أما في النهار وفي وجود الضوء ، فالعمل للعين حيث تبصر ، فهو إذن ختام حكيم للآيات يضع المعنى فيما يناسبه ثم يُجمل الله تعالى هاتين الآيتين في قوله سبحانه : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ . . . } . وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ بعد أنْ فصَّل الله تعالى القولَ في الليل والنهار كلّ على حدة جمعهما؛ لأنهما معاً مظهر من مظاهر رحمة الله ، وفي الآية ملمح بلاغي يسمونه « اللف والنشر » ، فبعد أن جمع الله تعالى الليل والنهار أخبر عنهما بقوله : { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ . . }ثقة منه تعالى بفطْنة السامع ، وأنه سيردُّ كلاً منهما إلى ما يناسبه ، فالليل يقابل { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ {والنهار يقابل { وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ..فاللفُّ أي : جَمْع المحكوم عليه معاً في جانب والحكم في جانب آخر،والنشرْ:ردّ كلِّ حكم إلى صاحبه"
2- - وفي اختلاف الليل والنهار مظهران من مظاهر التدبر في الخلق لأنهما مسخران لمنفعة الإنسان وغيره من المخلوقات ومما يستفيد الإنسان من الليل والنهار: معرفة عدد السنين والحساب، وذلك عن طريق معرفة عدد الأيام، كي يعرف المسلم أوقات الصلاة والصيام والحج والسكون والراحة ووقت الزراعة قال - تعالى -: هو الذي جعل الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون وقد اكتشف العلماء حديثا فائدة صحية من العمل في النهار، وبخاصة إذا كان مبكرا، وذلك أن العامل يتعرض لأشعة الشمس في الصباح الباكر الغنية بالأشعة فوق البنفسجية التي تحتوي على فيتامين (د) الذي يكسب الجسم حيوية ونشاطا، ويقوي العظام. كما أن هذه الأشعة - التي لا تتكون إلا في النهار - علاج مطهر من الجراثيم العالقة بجسم الإنسان وقد أكد العلم الحديث: أن أعلى نسبة لغاز الأوزون (O3)في الجو تكون عند الفجر، وتقل تدريجيا حتى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي، ومنشط للعمل الفكري والعضلي في الصباح الباكر، كما ثبت علميا أن أعلى نسبة للكورتيزون في الدم هي وقت الصباح، وهذه المادة تعمل على زيادة فعاليات الجسم، وتنشط استقلاباته بشكل عام وتزيد نسبة السكر في الدم الذي يزود الجسم بالطاقة اللازمة له
- وفي تعاقب الليل والنهار استمرار حياة النبات واختلاف أنواعه حسب اختلاف الحرارة والبرودة، ووجود أنواع معينة من النبات في مناطق معينة من الكرة الأرضية. حيث انه في النهار تستفيد أوراق النباتات الصغيرة والكبيرة بشكل كبير من الطاقة المنبعثة من الشمس وذلك بسبب ما تحتويه من مادة اليخضور، للقيام بعملية التمثيل أو البناء الضوئي، ومن خلال عمل الطاقة التي يبثها اليخضور يتم دمج ثاني أكسيد الكربون مع الماء لتكوين المواد العضوية غذاء النباتات - وهذه العملية لا تتم إلا نهارا أما الليل فهو سكون للنفس بهدوء الخواطر والأفكار، وفيه تلطيف للجو بعد غياب الشمس بحرارتها وفيه طلوع القمر بنوره الخافت، وتنقطع خلاله الحركة، وينام الإنسان والطير والحيوانات والهوام.
- ومعلوم أن جسم الإنسان ينال من النوم ليلا راحة وفوائد عظيمة تفوق أضعاف ما يناله أثناء النوم نهارا - كما كشف علماء الطب حديثاً- حيث يقولون: إن الغدة الصنوبرية في الدماغ، تقوم بإفراز مادة الميلاتونين، ويزداد إفراز هذه المادة في الظلام، بينما يثبط الضوء إفرازها، وقد وجد أن للميلاتونين تأثيرا مباشرا على النوم. قال - تعالى -: ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون والغدة الصنبورية التي تنشط في الظلام تخفض ضغط الدم ، وترفع عن القلب بعض الحمل والمتاعب. وفي الإغفاء - قبل القيام بأي مجهود بدني أو عقلي أو بعده- فوائد بالنسبة للإنتاج العضلي والذهني، وللحالة الصحية عامة وكما أن الكائنات الحية تخلد للنوم ليلا فان الأوراق تنام ليلا كذلك، ويظهر ذلك في وريقات نبات "الترمس" حيث يكون أفقيا أثناء النهار، فإذا اقبل الليل بدأت تنسدل شيئا فشيئا حتى تضم أوجهها السفلى بعضها إلى بعض، ثم تعود في الصباح سيرتها الأولى، وتسمى هذه الحركات بالحركات النعاسية
- كما ثبت علميا أن نمو الزهرة التي تنتج الثمرة يحدث ليلا عندما تأخذ قسطا من النوم والراحة، وقد قدم صاحب مزرعة أرز في اليابان شكوى ضد إحدى الشركات التي عملت إعلانا مضيئا في وسط مزرعته، إذ لاحظ المزارع: أن أرزه يذبل ويموت، والمحصول كان ضئيلا جدا عما كان عليه سابقا، وقد طالب هذه الشركة بالتعويض، وعندما أجريت البحوث للتأكد من صحة دعواه ثبت صدقه لأن ذلك الإعلان المضيء اقلق راحة النباتات ليلا، وهي فترة راحة، وفيها تتكون أزهاره وتنمو فسبحان من جعل الليل سكنا، والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم
آآآآآن لك أن تشعر بعظمة الله فتطيعه ولا تعصيه
- ما الأرض بالنسبة للكون إلا كحبة رمل في صحراء الربع الخالي تسير في مسار حول الشمس دون أن يصطدم بها ملايين النجوم والكواكب المنتشرة في الكون ، ثم تجاوز تفكيرك إلى بصيرة يسير قلبك بها إلى عرش الرحمن، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته، عندها تعلم أن السماوات بملائكتها، ونجومها، ومجرَّاتها، ومجموعاتها، والأرضين بجبالها، وبحارها، وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة مُلْقاة
بأرض فلاة
- عن عبد الله بن مسعود قال : ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي قال سفيان : لأن آية الكرسي هو كلام الله وكلام الله أعظم من خلق الله من السماء والأرض" الترمذي
- حديث أبي ذر قلت : يا رسول الله فأي ما أنزل الله عليك أعظم ؟ قال : ( آية الكرسي ) ثم قال : ( يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة ) ابن حبان وصححه الألباني
- وفي سنن أبى داود وصححه الشيخ الألباني عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ فَقُلتُ لَهُ بَلَغَنِى أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ العَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الكَرِيمِ وَسُلطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، قال نَعَمْ ، وقَالَ أيضا : فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ حُفِظَ مِنِّى سَائِرَ اليَوْمِ"
- دعاء مسألة ودعاء عبادة ؟ دعاء المسألة كما روي البخاري من حديث أَبِى العَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ : ( كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ وعند البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني من حديث الحارث بن سويد أن عبد الله بن مسعود قال : ( إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه أو ظلمه فليقل اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لي جارا من فلان بن فلان وأحزابه من خلائقك أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى ، عز جارك وجل ثناؤك ولا اله إلا أنت )
- يقول ابن القيم في الصواعق المرسلة وقد أخبر النبي إن السماوات السبع في الكرسي كحلقة ملقاة بأرض فلاة والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة والعرش لا يقدر قدره إلا الله وهو سبحانه فوق عرشه يرى ما عباده عليه فهذا هو الذي قام بقلوب
المؤمنين المصدقين العارفين به
- ويقول عن سفر القلب في هذه الأملاك"والنظر في هذه الآيات وأمثالها نوعان نظر
إليها بالبصر الظاهر فيرى مثلا زرقة السماء ونجومها وعلوها وسعتها وهذا نظر يشارك الإنسان فيه غيره من الحيوانات وليس هو المقصود بالأمر الثاني أن يتجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة فتفتح له أبواب السماء فيجول في أقطارها وملكوتها وبين ملائكتها ثم يفتح له باب بعد باب حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش الرحمن فينظر سعته وعظمته وجلاله ومجده ورفعته ويرى السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إليه كحلقه ملقاة بأرض فلاة ، ويرى الملائكة حافين من حوله لهم زجل بالتسبيح والتحميد والتقديس والتكبير ، والأمر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود التي لا يعلمها إلا ربها ومليكها فينزل الأمر بإحياء قوم وإماتة آخرين ، وإعزاز قوم وإذلال آخرين ، وإسعاد قوم وشقاوة آخرين ، وإنشاء ملك وسلب ملك ، وتحويل نعمة من محل إلى محل ، وقضاء الحاجات على اختلافها وتباينها وكثرتها من جَبْر كسْر وإغناء فقير ، وشفاء مريض ، وتفريج كْرب ومغفرة ذنب وكشف ضر ، ونصر مظلوم ، وهدايةَ حْيران ، وتعليم جاهل ، وردِّ آبق ، وأمان خائف وإجارة مُسْتَجير ومدد لضعيف ، وإغاثة الملهوف ، وإعانة لعاجز ، وانتقام من ظالم ، وكف العدوان ، فهي مراسيم دائرة بْين العدل والفضل والحكمة والرحمة ، تنفذ في أقطار العوالم لا يشغله سمع شيء منها عن سمع غيره ولا تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلافها وتباينها ، واتحاد وقتها ولا يتبرم بإلحاح الملحين ، ولا تنقص ذرة من خزائنه لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيبته ، خاشعا لِعَظَمته ، عانٍ لعزته ، فَيَسْجد بَيْن يدي الملك الحق المبين سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد فهذا سفر القلب وهو في وطنه وداره ومحل ملكه ، وهذا من أعظم آيات الله وعجائب صنعه ، فَيَاله مِنْ سفر ما أبْرَكه وأرْوَحه وأعظم ثمرته وربحه ، وأجلَّ منفعته ، وأحسن عاقبته ، سفر هو حياة الأرواح ، ومفتاح السَّعَادة ، وغنيمته العقول والألباب ، لا كالسَّفر الذي هو قطعة من العذاب" مفتاح دار السعادة
ــــــــــــــــــــ
ولا يزال هذا الذي في قلوب المحبين المقربين يقوي حتى تمتلئ قلوبهم به فلا يبقي في قلوبهم غيره ولا تستطيع جوارحهم أن تنبعث إلا بموافقة ما في قلوبهم ومن كان حاله هذا قيل فيه ما بقي في قلبه إلا الله والمراد معرفته ومحبته وذكره وفي هذا المعنى الأثر المشهور ما وسعني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن وقال بعض العارفين احذروه فإنه غيور لا يحب أن يري في قلب عبده غيره وفي هذا المعنى يقول بعضهم ليس للناس موضع في فؤادي زاد فيه هواك حتى ملاه