tamer.page.tl
  يوم التناد وحقوق العباد
 

يوم التناد وحقوق العباد

هذا هو اللقاء السابع والعشرون في هذه السلسلة الميمونة المباركة سلسلة الدار الآخرة ، وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي من الحديث عن بعض أهل الذنوب من أمة محمدr هؤلاء الذين هم شر الناس يوم القيامة ، ويأتي هذا الحديث ليجمع بقية مشاهد أهل العصيان يوم القيامة وما يلاقونه من أهوال ، يوم " تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" هذا اليوم الذي يود فيه الناس أن ينتهي ولو إلى النار من شدة هوله ، هذا اليوم الذي يجمع بين جزئياته سلسلة مروعة من المشاهد والأهوال لمن عصى الكبير المتعال ، ذكرنا منها من لا ينظر الله إليهم لهوانهم عليه والذنوب التي اقترفوها وجعلتهم من المحرومين من نظر الرحمن ، ومنهم الذين يفضحهم الله على رؤوس الأشهاد ، ومنهم شر الناس يوم القيامة بكل ما تعبر عنه الكلمة من معانٍ، واليوم نتحدث عن مجموعة جديدة من أولئك المهانين المعذبين يوم القيامة ، لكن حديث اليوم ليس كسابقيه فالأحاديث السابقة كانت العقوبة فيها واحدة لمجموعة من أصحاب الذنوب ، أما اليوم فلكل ذنب سنذكره مشهد مختلف عن غيره وهذا مما يدعو إلى اليقظة في هذا الحديث أكثر من غيره لمعرفة الذنب ورؤية العقوبة ، لعل نفوسنا تنزجر عن هواها وترجع إلى بارئها ومولاها وصدق الحق حين قال لأخوف الناس من هولها وذكراها" إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا"ولما كانت الحقوق التي سنحاسب عليها اثنين هما(حقوق العباد ، وحق الله) فقد جعلت حديث اليوم عن أحدهما وهو حقوق العباد وبدأت به لأن الله سيبدأ به فصل القضاء يوم القيامة ،لذا جاء الحديث تحت عنوان " يوم التناد وحقوق العباد" وقسمته كما قسمها رسول الله في خطبة الوداع حين قال " إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم " وبذلك ينتظم الحديث في ثلاث نقاط

1- يوم القيامة وحرمة الدماء

2- يوم القيامة وحقوق الأموال

3- يوم القيامة وحقوق الأعراض

أما عن الأول : فإنها حقوق الدماء التي حذر منها سيد الأنبياء من أن تمس أو تنتهك أو يعتدى عليها ، وأعظم حق للدماء هو دم المسلم وأكبر جرم يتعرض له دمه هو سفكه بغير حق ، لذا كان قتل النفس بغير حق أول قضية ينادى بها في محكمة العدل الإلهية بين يدي أحكم الحاكمين ، الجبار المتكبر ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهr « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى

الدِّمَاءِ »([1])

!  والقتل أكبر الكبائر بعد الشرك بالله ولذلك رأينا القرآن والسنة تفيضان بالحديث عن هذه الجريمة النكراء، ويكفينا من القرآن أنه بين لنا أن القتل أول ذنب عصي الله به في الأرض وذلك في قصة ابني آدم ثم قال بعدها "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"

!  وقد جاء التحذير شديدا جدا عن هذه الجريمة في السنة فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،أَنَّ رَسُولَ اللهِr قَالَ : لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ"([2])

!  ومع هذا التحذير الشديد نرى مجتمعنا يموج بارتكاب هذه الجريمة ، حتى لا يكاد يمر علينا يوم الا ونسمع فيه عن جريمة للقتل وكل واحدة أفظع من الأخرى ، وتنظر الى أسبابها فتراها في الأعم الغالب أسبابا حقيرة ، فهذا يقتل أسرة بكاملها بغرض السرقة ، وآخر قتل صاحبا له من أجل عشرين جنيها ، وأخ يقتل أخاه من أجل ميراث ، وشباب يقتلون أكثر من ثلاثة أشخاص بسبب مشكلة لا قيمة لها ...وهكذا

!  وأقول : ألهذا الحد هانت علينا الدماء ، ألهذا الحد تجرأنا على رب الأرض والسماء، ألهذا الحد أعرضنا عن توجيه سيد الأنبياء فعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ،قَالَ سَمِعْتُ الشَّرِيدَ يَقُولُ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ : مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ : يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ([3])

!  ألا فليعلم كل إنسان أنه إن غابت رقابة الأمن أو انتشر التفلت الأمني فإن عين الله لا تغفل وعقوبته لا تتأخر وقد جعل الله عز وجل الانتقام من صاحب هذه الجريمة في الدنيا قبل الآخرة وسوف يراه ولا بد، أما عن صورته يوم القيامة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ ، فَقَالَ : أَرَأَيْتَ رَجُلاً قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدًا ؟ قَالَ : {جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ، قَالَ : لَقَدْ أُنْزِلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ ، مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِr وَمَا نَزَلَ وَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِr قَالَ:أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى؟قَالَ : وَأَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ: ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدًا يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ ، أَوْ بِيَسَارِهِ ، وَآخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ ، أَوْ بِشِمَالِهِ ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قُبُلِ الْعَرْشِ،

يَقُولُ : يَا رَبِّ سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي ؟([4])

ç  وهناك جرم لا يقل فظاعة عن القتل بل إنه سببه في الغالب ولذلك حصل على أبشع العقوبات الربانية في قانون المحكمة الإلهية،هذا الجرم العظيم هو شرب الخمر وما في حكمها

!  ولعل واحدا منا يسأل نفسه ، ما علاقة شرب الخمر بحقوق العباد ؟ إن شاربها يؤذي نفسه فقط وليس له علاقة بغيره ، فأقول : بالله عليكم هل هذا صحيح ؟!!!

!  إن أكثر جرائم البلطجة والقتل في المجتمع سببها الخمر والمخدرات وأدوية الجدول والبرشام الذي يؤثر على العقل ويخدر الأعصاب

!    أكثر مشكلات الزوجية سببها الرئيس هذا الداء اللعين

!    أكثر الانحرافات الجنسية وانحرافات الشباب وفشل التعليم وضياع الصحة أساسها المخدرات

!    في كل مصيبة لا تجد الا المخدرات وفي كل أزمة ابحث عن الخمر وأمثالها

!  تقول هذه مبالغة فأقول لك : اسمع الى ما قاله رسول اللهr عنها فعن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِr يَقُولُ: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ- وتدبر لفظة أم التي توحي بأنه ما من خبث وما من فاحشة إلا وتخرج من رحم هذه الأم وتلد من رحمها- إنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ يَتَعَبَّدُ، وَيَعْتَزِلُ النَّاسَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ: إنَّا نَدْعُوَك لِشَهَادَةٍ، فَدَخَلَ مَعَهَا، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهَا، حَتَّى أَفْضَى إلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إنِّي وَاَللَّهِ مَا دَعَوْتُك لِشَهَادَةٍ، وَلَكِنْ دَعَوْتُك لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، أَوْ تَشْرَبَ هَذَا الْخَمْرَ، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، فَقَالَ، زِيدُونِي، فَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ هِيَ وَالْإِيمَانُ أَبَدًا إلَّا أَوْشَكَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ"([5])

!  ولا بد وأن نعلم أن الخمر تعم كل ما يؤثر على العقل أو يصيب الأعضاء بالفتور حتى ولو لم يذهب العقل لأن كثيرا من الناس يزين لهم الشيطان أن الحشيش والبانجو وأدوية الجدول مثل الترامادول والبنادول وغير ذلك ليس من الخمر ، وأنا أقول للجميع : إنها من الخمر ، والدليل

على ذلك قول الذي لا ينطق عن الهوى فعن أم سلمة قالت "نَهَى رَسُولُ اللَّهِr عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ"([6]) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُفَتِّرُ كُلُّ شَرَابٍ يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الْأَعْضَاءِ

!    أما عن شارب الخمر يوم القيامة فهذه صورته

1- يأتي عطشانا ، ففي "المسند"عن قيس بن سعد بن عبادة عن النبيr قال"من شرب الخمر أتى عطشانًا يوم القيامة)([7])

2- يأتي وريحه أنتن من كل جيفة وكل الخلق يلعنه ففي الأثر "شارب الخمر يحشر والكوز معلق في عنقه والقدح بيده وهو أنتن من كل جيفة على الأرض يلعنه كل من يمر به من الخلق"([8])

3- منظره مروع مقزز، فقد روى الآجرّي بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال: "لا تسلّموا على شَرَبة الخمر، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم إن شارب الخمر يأتي يوم القيامة مائل شقّه، مُزرقة عيناه، يندلع لسانه على صدره، يسيل لعابه على بطنه، يتقذّره كل من رآه"([9])

ç    ثم تأتي ثاني الحقوق ، وهي حقوق الأموال وهذه الحقوق تتضمن جرائم ثلاثة

1- أكل الربا

!  وإذا كان القتل من أكبر الكبائر فإن الربا كذلك ، وإذا كان القتل متعلقا بدم المسلم فإن الربا متعلق بماله، ومعاملات الربا الآن كثيرة مشتهرة ، والتعاملات البنكية أو مع البريد في دفاتر التوفير أو غيرها منتشرة بكثرة ، والمصيبة الأطم من أكل الربا هي التبرير لحله :

!    فترى الواحد منا يضع أمواله في البنوك الربوية أو البريد فتقول له : هذا حرام فيقول لك : وأودي فلوسي فين

!    تقول له : لا تأكل الفوائد لأنها ربا فيقول : ماهو البنك بيشغلهالي

!    تقول له : تخلص من الفائد فيقول : وهو فيه أحوج مني

!  ووالله لقد رأيت رجلا كان يدع (60000)جنيه في البنك ويأكل فائدتها حتى أصابته جلطة أخذت المال كله وأصبح يطلب العلاج الشهري من المحسنين ولا زال مريضا إلى اليوم!!!

!  وكذلك من يأتي بقرض من البنك فتقول له هذا حرام فيقول لك : وأعمل ايه عاوز أجهز بنتي أو أجيب عربية تحسن دخلي أو أشتري قطعة أرض علشان أبني بيت للعيال ، وأنا أسألك بالله عليك هل هذا كله يساوي أن يكون ثمنه الحرب مع الله ورسوله؟!!!

!  ولقد أجريت دراسة ماجستير ميدانية منذ ما يزيد على عشر سنوات في كلية التجارة بجامعة الأزهر بقسم الاقتصاد الإسلامي فأثبتت الدراسة أن كل المشاريع التي قامت- في فترة الدراسة-على قروض ربوية خسرت خسرانا فادحا وصدق الله " يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ "

!  واستمع معي إلى حديث واحد فقط من الأحاديث التي تبين خطورة الربا لتعلم فظاعته ثم بعد ذلك تتعرف على أهوال المرابين يوم القيامة،قال النَّبِيَّrإنَّ الرِّبَا نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَهْوَنُهُنَّ بَابًا مِثْلُ مَنْ أَتَى أُمَّهُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَدِرْهَمٌ مِنْ رِبَا أَشَدُّ مِنْ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً"([10])

!    أما عن آكل الربا يوم القيامة فقد قال الله " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ

الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" قال ابن

عباس : آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق

!  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِr رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَنَظَرْتُ فَوْقَ قَالَ عَفَّانُ فَوْقِي- فَإِذَا أَنَا بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ قَالَ:فَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ ، قُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلاَءِ أَكَلَةُ الرِّبَا"([11])

2- آكل مال اليتيم

!  ذكر أحد الدعاة أن رجلا لقيه في الطريق فقال له يا شيخ، هو ربنا ممكن يظلم؟ فقال له الله عز وجل هو العدل فكيف يظلم ؟!! فقال الرجل لي صاحب ذهب في التاسعة صباحا من هذا اليوم الى دكانه وبعد لحظات حدثت مشكلة فأصيب فيها بطلق ناري فمات من توه ، هذا الرجل خرج على أكل العيش ، وليس له يد في هذه المشكلة فما ذنبه ليموت هكذا ؟ فقال الشيخ أنا أثق في أن الله فعل ذلك لحكمة يعلمها قد يعرفنا بها الآن أو بعد فترة وقد لا يعرفنا بها أما أن يكون ذلك ظلما أو عبثا فحاشاه ، وترك الشيخ الرجل وولى ، وبعد ستة أشهر لقي هذا الرجل الشيخ فقال له في فرح ، أتذكرني؟ ثم عرفه بنفسه وقال : لقد عرفت حكمة الله فيما فعل وذلك لأنني عرفت أن هذا الرجل كان آكلاً لحق أولاد أخيه الأيتام في الميراث ، وقد ذهب اليه عشية الحادث مجموعة من الناس ليرد اليهم حقهم فأبى وقال مالهمش عندي حاجة فقالت أم الأيتام دعوه فالله منقم جبار لا يخفى عليه حالنا حسبنا الله ونعم الوكيل " فما أصبح الصباح الا وأولاده أيتام ولا يظلم ربك أحدا

!  إنها آفة أكل مال اليتيم التي يعاقب الله عليها صاحبها في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، أما عن مشاهد عقوبته في الآخرة فإنه يحشر يوم القيامة والنار تملأ بطنه حتى تخرج من فمه وأذنهوأنفه وعينيه حتى تخرج من دبره ، ودليل ذلك

!  قال الله"إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" قال السدي: يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينه كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم([12])

!  وعن أبي سعيد الخدريtأن رسول اللهr قال في المعراج : فإذا أنا برجال و قد وكل بهم رجال يفكون لحالهم وآخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها بأفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت :

يا جبريل من هن هؤلاء؟قال:الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا([13])

4- غاصبُ الأرض

!    هؤلاء الذين يستولون على أراضي الدولة والأملاك العامة بلطجة وغصبا

!    هؤلاء الذين يبنون على الأراضي التي منعت الدولة البناء عليها وذلك معاندة للشرع والقانون

!  هؤلاء الذين يظلمون إخوانهم أو أخواتهم البنات في الميراث فيستحوذون على نصيبهم من العقارات والأموال والأراضي

!  هؤلاء الذين يأخذون ولو شبرا من الأرض بغير حق شرعي وما أكثر المتفننين الآن في أخذ هذا الحق ، فكم رأينا من شقق ومبان هي في الصورة للشباب الغير قادرين وتذهب في الحقيقة الى الموظفين في جهاز المدينة صاحبة هذه العقارات ، أو يستحوذ عليها الموظفون الكبار

!    إن من أخذ من الأرض ولو شبرا بغير حق عاقبه الله يوم القيامة عقوبات مروعة واليك بعضها

1- يخسف الله به الأرض إلى سبع أراضين فعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِtقَالَ قَالَ النَّبِىُّr « مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ»([14])

2- يطوقه يوم القيامة من سبع أراضين بطوق لا ينفك عنه إلا في النار فعن أبي سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ ، فَذَكَرَ لِعَائِشَةَt فَقَالَتْ يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ ، فَإِنَّ النَّبِىَّrقَالَ« مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ »([15])

ç  ثم تنتقل المشاهد الخاصة بحقوق العباد من الأموال إلى الأعراض ، وهنا نشاهد عقوبة أكثر الأمراض تفشيا بيننا فيما يتعلق بالأعراض ، إنه المرض الذي قلما يخلو منه مسلم ، إنها الآفة التي لا ينجو منها إلا من عصمه الله ، ولو قلت أننا كلنا نقع فيها لما أخطأت ذلك فما هي هذه الجمرة الخبيثة ؟ إنها الغيبة التي صارت العلامة الريسة لمجالسنا والمظهر البارز لها ، ألا فليعلم كل منا أن أي كلمة في حق أخيه وهو غائب ولو كانت فيه ما دام يكرهها فهي غيبة وتخيل معي هذا الخبر

!  أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن سلمان الفارسي كان مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما،وأن سلمان نام يوماً فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء وقالا : ما يريد سلمان شيئاً غير هذا أن يجيء إلى طعام معدود وخباء مضروب،فلما جاء سلمان أرسلاه إلى رسول اللهr يطلب لهما إداماً ، فانطلق ، فأتاه فقال: يا رسول الله بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك،قال : ما يصنع أصحابك بالأدم قد ائتدموا؟ فرجع سلمان فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول اللهr فقالا : والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاماً منذ نزلنا قال:إنكما قد ائتدمتما سلمان بقولكما فنزلت{أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً}([16]) إنها كلمة قد لا نلقي لها بالا ، فلان بينام كتير ، فلان بياكل كتير ،فلان مش بتاع شغل ، فلان بارد...الخ ، كلمة لا قيمة لها ولعلها لا سب فيها ولكن صاحبها يبغضها ، هذه من الغيبة التي شبهها ربنا بأكل المسلم للحم أخيه ميتا

!  وللعلم فإن المستمع شريك للمتكلم في الاثم ومغتاب مثله بدليل الحديث السابق وما أفظع هذه الصورة لمن يغتاب أخاه المسلم عَنْ عُبَيْدٍ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِr قَالَ : إِنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا صَائِمَتَيْنِ ، فَكَانَتَا تَغْتَابَانِ النَّاسَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ ، فَقَالَ لَهُمَا : قِيئَا ، فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا ، عَنِ الْحَلاَلِ وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ"([17])

! أما عن صورة المغتاب يوم القيامة فإنها أفظع منظرا وأكثر رعبا وأشد تنفيرا ، إنها صورة أناس يقطعون لحم وجوههم بأظافر من نحاس خلقها الله لهم ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِr  « لَمَّا عُرِجَ بِى مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِى أَعْرَاضِهِمْ »([18])

! ثم إنه يأكلون هذه اللحوم على الحقيقة يوم القيامة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِr"مَنْ أَكَلَ لَحْمَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا، قُرِّبَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلُّهُ حَيًّا كَمَا أَكَلْتَهُ مَيِّتًا، فَيَأْكُلُهُ، وَيَكْلَحُ وَيَصِيحُ"([19])



[1]- متفق عليه

[2]- النسائي الترمذي وابن ماجة بسند صحيح

[3]- النسائي في السنن الكبرى

[4]- أحمد بسند صحيح

-[5] رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مَوْقُوفًا عَلَى عُثْمَانَ، وَهُوَ أَصَحُّ

-[6] أَبُو دَاوُد بسند صحيح

-[7] أحمد

-[8] التذكرة للقرطبي

-[9] الزواجر عن اقتراف الكبائر

-[10] أخرجه البيهقي في الشعب

-[11] أخرجه أحمد

-[12] الكبائر للذهبي

-[13] المرجع نفسه

-[14] رواه البخاري

-[15] رواه البخاري

-[16] تفسير ابن كثير

-[17] أخرجه أبو يعلى في مسنده

-[18] أخرجه أبو داوود وأحمد بسند صحيح

-[19] أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free