tamer.page.tl
  وليسعك بيتك
 

وليسعك بيتك

1- أقبلت الفتن          2- فوائد العزلة             3- وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً

إن الفتن التي نعيشها هذا الزمان ما بين نتن في الداخل أو نتن في الخارج في الشهوات وفي الشبهات في البيوت وفي المجتمعات ومع التقنيات الحديثة وانكباب هذه الفتن على أعتاب بيوتنا في ظل حكم غاشم وفرقة واضحة وحقوق ضائعة وأعراض وأموال مستباحة .

لا حل من هذه الدوامة إلا الإعتزال وهذا ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم

·       عن أَبَا مُوسَى يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِى كَافِراً وَيُمْسِى مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِى وَالْمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى » . قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ « كُونُوا أَحْلاَسَ بُيُوتِكُمْ » . رواه أبو داود وأحمد
صحيح

الحلس هو وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يَلِي ظَهْرَ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ أَيِ الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ وَالْمَعْنَى الْزَمُوا بُيُوتَكُمْ عند الفتن كلزوم الحلس لظهر الدابة

·       عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ فَقَالَ « إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ فسدت - عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا » . وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ « الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ » . رواه أحمد أبي داود والنسائي إسناده صحيح  

على ذلك النهج  سار كثير من السلف فلزموا بيوتهم وأحبوا ذلك لما وجدوا فيه من الأنس بالله فائد جمة وعلى هذا كثير منهم كسفيان الثوري وابراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وداود الطائي وبشر وسليمان الخواص ويوسف بن أسباط وهذه بعض أقوالهم

·       عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال خذوا بحظكم من العزلة

·       وقال ابن سيرين العزلة عبادة

·       وقال الفضيل كفى بالله محبا وبالقرآن مؤنسا وبالموت واعظا

·       وقيل اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا

·       وقال أبو الربيع الزاهد لداود الطائي عظني قال صم عن الدنيا واجعل فطرك الآخرة وفر من الناس فرارك من الأسد

·       وقال الحسن رحمه الله كلمات أحفظهن من التوراة قنع ابن آدم فاستغنى اعتزل الناس فسلم ترك الشهوات فصار حرا وترك الحسد فظهرت مروءته صبر قليلا فتمتع طويلا

·       وقال وهيب ابن الورد بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشر في عزلة الناس

·       وقال يوسف بن مسلم لعلي بن بكار ما أصبرك على الوحدة وقد كان لزم البيت فقال كنت وأنا شاب أصبر على أكثر من هذا كنت أجالس الناس ولا أكلمهم

·       وقال سفيان الثوري هذا وقت السكوت وملازمة البيوت

·       قال بشر بن عبد الله أقل من معرفة الناس فإنك لا تدري ما يكون يوم القيامة فإن تكن فضيحة كان من يعرفك قليلا

·       وقيل لعمر بن عبد العزيز لو تفرغت لنا فقال ذهب الفراغ فلا فراغ إلا عند الله تعالى

·        وقال أبو سليمان الداراني بينما الربيع ابن خثيم جالس على باب داره إذ جاءه حجر فصك جبهته فشجه فجعل يمسح الدم ويقول لقد وعظت يا ربيع فقام ودخل داره فما جلس بعد ذلك على باب داره حتى أخرجت جنازته

·       وقال رجل لسهل  أريد أن أصحبك فقال إذا مات أحدنا فمن يصحب الآخر قال الله قال فليصحبه الآن                      إحياء علوم الدين (2/ 222)

·       كذلك تجلى الله عليه بصفتة القيومية فلا يشغل بشيء عن الحي القيوم

لماذا العزلة ؟

1-  التفرغ للعبادة والفكر والإستئناس بمناجاة الخالق عن الخلق
* وقد كان أول أمر النبي تعبده في غار حراء ثم حيث الخلاء ففي الحديث الذي روته عائشة أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ  ....................... متفق عليه واستمر على ذلك حتى قوى نوى النبوة فكان الناس لا يحجبونه عن الله فهو ببدنه مع الخالق وبقلبه مع الله لذا لما ظن الناس أن خليله أبا بكر قال   ..............ٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّى لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ...........  » . متفق عليه
* قيل لأحدهم
ما أصبرك على الوحدة فقال
ما أنا وحدي أنا جليس الله تعالى إذا شئت أن يناجيني قرأت كتابه وإذا شئت أن أناجيه صليت
*
وقيل للحسن يا أبا سعيد ههنا رجل لم تره قط جالسا إلا وحده خلف سارية

 فقال الحسن إذا رأيتموه فأخبروني به فنظروا إليه ذات يوم فقالوا للحسن هذا الرجل الذي أخبرناك به وأشاروا إليه فمضى إليه الحسن وقال له  يا عبد الله أراك قد حببت إليك العزلة فما يمنعك من مجالسة الناس فقال أمر شغلني عن الناس قال فما يمنعك أن تأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن فتجلس إليه فقال أمر شغلني عن الناس وعن الحسن فقال له الحسن وما ذاك الشغل يرحمك الله فقال إني أصبح وأمسي بين نعمة وذنب فرأيت أن أشغل نفسي بشكر الله تعالى على النعمة والاستغفار من الذنب فقال له الحسن أنت يا عبد الله أفقه عندي من الحسن فالزم ما أنت عليه
*
وقيل لغزوان الرقاشي هبك لا تضحك فما يمنعك من مجالسة إخوانك
قال إني أصيب راحة قلبي في مجالسة من عنده حاجتي
*
وقال مالك بن دينار من لم يأنس بمحادثة الله عز و جل عن محادثة المخلوقين فقد قل علمه وعمى قلبه وضيع عمره                       إحياء علوم الدين (2/ 228)

2-  التخلص من المعاصي التي تحصل بالمخالطة
* فالمخالطة تغتاب وتنم وتراعي وتسكت عن المر بالمعروف وضده
أما الغيبة
فلا تترك مجالسنا إن عادة الناس كافة التمضمض بأعراض الناس والتفكه بها والتنفل بحلاوتها وهي طعمتهم ولذتهم
والنفاق وهو من أخطر من أمراض المخالطة إذ أنه دقيق جدا يدخل غلى القلب فلا تشعر به مع أنه عظيم الخطر جدا لذا كان السلف يعظمون حتى في صغار الأمور
* قال ابن سيرين لرجل كيف حالك فقال وما حال من عليه خمسمائة درهم دينا وهو معيل فدخل ابن سيرين منزله فأخرج له ألف درهم فدفعها إليه وقال خمسمائة اقض بها دينك وخمسمائة عد بها على نفسك وعيالك ولم يكن عنده غيرها ثم قال والله لا أسأل أحدا عن حاله أبدا

 وإنما فعل ذلك لأنه خشي أن يكون سؤاله من غير اهتمام بأمره فيكون بذلك مرائيا منافقا
* لذا فقد كان سؤالهم عن أمور الدين وأحوال القلب في معاملة الله وإن سألوا عن أمور الدنيا فعن اهتمام وعزم على القيام بما يظهر لهم من الحاجة

 وقال بعضهم إني لأعرف أقواما كانوا لا يتلاقون ولو حكم أحدهم على صاحبه بجميع ما يملكه لم يمنعه وأرى الآن أقواما يتلاقون ويتساءلون حتى عن الدجاجة في البيت

 ولو انبسط أحدهم لحبة من مال صاحبه لمنعه فهل هذا إلا مجرد الرياء والنفاق
* قال الحسن
إنما كانوا يقولون السلام عليكم إذا سلمت والله القلوب
مخالطة الفجار  توصل إلى الفجور  كذلك الذين يشتمون ويلعنون ويسبون لأن الطبع سراق وهذا هو الواقع حتى قالوا الصاحب ساحب عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » رواه أحمد
إسناده حسن
* والواقع يدل على ذلك وقيل لبعضهم ما حملك على أن تعتزل الناس قال
خشيت أن أسلب ديني ولا أشعر
فتارك الصلاة
أمره هين في نفوسنا حتى أصبح من العادي جدا أن ترى تاركا للصلاة ولا تتحرك  مع أن بعضهم قال بكفره
والغناء
 طبيعي جدا تعودت عليه
والغيبة وسب الدين والتبرج والتدخين وغير ذلك  وصل إلينا بمسارقة الطبع وبمخالطة هذه الأشياء فصرنا لا نلقي لها بالا وذلك يجرنا إلى المشاركة إن لم تنكر أو تكره لأن الله قد قال [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ][النساء : 140]

3-  الخلاص من شر الناس
* فقد جبلوا على الإيذاء لذا ينالك منهم مرة الغليبة ومرة سوء الظن ومرة الإشاعات ولو كففت عنهم تخلصت من شرورهم
*
وقال أبو الدرداء اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير إلا أدبروه ولا ظهر جواد إلا عقروه ولا قلب مؤمن إلا خربوه

* ثم إن ذلك أدعى لحفظ ستر الله عليك  ، قال تعالى :[ َحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ ][البقرة : 273
]
* فإذا انكشف هذا السؤ نالك من شرهم ولن تسلم وقال الحسن رضي الله عنه أردت الحج فسمع ثابت البناني بذلك وكان أيضا من أولياء الله فقال بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن أصحبك فقال له الحسن ويحك دعنا نتعاشر بستر الله علينا إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه
* وهذه إشارة إلى فائدة أخرى في العزلة وهو بقاء الستر على الدين والمروءة والأخلاق والفقر وسائر العورات
 وقد مدح الله سبحانه المتسترين فقال
يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وقال الشاعر

 ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا أن يزول التجمل

·       ثم انقطاع طمعهم وانقطاعك عنهم قال عمرو بن العاص كثرة الأصدقاء كثرة الغرماء  إحياء علوم الدين (2/ 234)
*
 أما انقطاعك عنهم فقد ترى من هو أغنى منك وأفضل منك وأعلى منك في الدنيا فلا تزال مغموما بذلك  وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ دُونُكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجَدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ

3- وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً

وعلى ذلك فلا تخلو المخالطة من فوائد نذكر منها :

التعليم والتعلم   ،  النفع والانتفاع  ،  التأديب والتأدب ،  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    ،    والإستفادة من تجارب الآخرين
لذا كان حال المؤمن وسطا بين هذا وذاك إن رأى الخير في مهخالطة خالط والعكس على أن يكون من يخالط من الصالحين الذين يتقرب بمعرفتهم وحبهم إلى الله
 وقد قال رسول الله : أكثروا من صحبة الصالحين فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة
وقال عمر : لولا أني أخالط وأجالس رجالا ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر لأحببت أن ألقى الله الأن

* فالخير كل الخير في لقاء الصالحين فلا تصاحب من لا ينهاك حاله ولا يدلك على الله مقاله

* إن أرباب المقاهي والنواصي والشوارع والأفراح لا ينهضون عزما ولا يكفون إثما ولا يعينوون على طاعة فضلا عن أن يفعلوها وإذا كان أكثر المجتمع من هؤلاء فالراحة في ملازمة البيوت وإن وجد  من هو خير منهم  فلا مانع من مخالطتهم فديننا دين الوسطية وقد قال الشافعي في خلاصة هذا الأمر

الإنقباض عن الناس مكسبة للعداوة والإنبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط

 فلذلك يجب الاعتدال في المخالطة والعزلة ويختلف ذلك بالاحوال  وبملاحظة الفوائد والآفات يتبين الأفضل

 إحياء علوم الدين (2/ 242)

 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free