tamer.page.tl
  أيام التخلية
 

شعبان شهر التخلية

لقد أكرم الله Uأمة النبي محمدr بأن جعلها خير أمة أخرجت للناس، بالرغم مما نراه من حالنا وضعفنا وعجزنا وتقصيرنا ،ومن تكالب أعدائنا علينا، ويكفينا شرفا وفضلاً أننا الوحيدون من أهل الأرض جميعا الذين نعبد الله وحده ولا تخضع جباهنا ولا تسجد وجوهنا إلا له، يكفينا شرفا أن نتخذ الله تعالى غايةً وأملاً والقرآن دستوراً ومنهاجاً والنبيr هادياً وإماماً وهذا ما يجعلنا نرفع رؤوسنا عالية خفاقة بكرامتنا على الله تعالى فهو القائل "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" وهو القائل" أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ" وهو القائل" أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ"

ومن أعظم ما منَّ الله عز وجل به علينا أن فتح لنا أبواب الخيرات، وعدَّد لنا مواسم الطاعات التي تزداد فيها البركات،فلا ننتهي من خير الا الى خير، ولا من طاعة الا الى طاعة، ولا من موسم للفضل الا ويتلوه موسم آخر وذلك لنظل دائما في معية الله تعالى ولا نفارق حضرته بحال

كنا بالأمس القريب نتعايش مع شهر الله الحرام رجب، وها نحن نتنسم نسمات شهر شعبان ونسنتشق ريحه العطرة التي تهب علينا مبشرة بقدوم شهر رمضان فما أعظمها من خيرات وما أطيبها من نفحات!!!

ما أسرعَ انقضاءَ الأيام!!بالأمس القريب ودّعنا شهر رمضان بما كان فيه من تقصير وما صار فيه من تفريط, لكنه مضى ولم يأبه بأنين المذنبين، ولم ينصت لآهات المقصرين وها هي ذي الأيام تدور وينقضي الحول بأكمله ليعود إلينا شهر شعبان مذكرًا ومحذرا، وكأنه ينادي، ورائي شهر فضيل ألا فلتتخذوا مني العدة، وليتأهب المتأهبون قبل أن تنقضي أيامي على عجالة ويدرككم شهركم ،ألا قد بلغت اللهم فاشهد

إننا نريد في هذا اليوم المبارك أن نتعايش مع هذه النسمات العطرة، نتعايش معها بمعنىً لعل الكثيرين منا – وأنا أولهم – لأول مرة يلتفت إليه، إنها قضية التخلية، وكأن اللهU جعل شعبان البوابة الوحيدة لذوق حلاوة رمضان فمن لم يتخلَّ في شعبان فلن يتحلى في رمضان ، وللأسف أكثرنا من الناس الذين أخبر رسول اللهr أنهم يغفلون عن أسرار وأنوار هذا الشهر، لهذا أردت أن نكشف الغطاء عن بعض هذه الأسرار والأنوار في هذا الحديث الطيب مع حضراتكم والذي جعلته تحت عنوان" شعبان شهر التخلية" هذا الحديث الذي يتلخص في ثلاث نقاط:

1-   التخلية قبل التحلية

2-   لماذا شعبان؟

3-   للعقلاء فقط

أما عن الأول : فإنه السر الذي لأجله كان شعبان ،والذي جهله أكثرنا، إنها التخلية قبل التحلية

إن الكثيرين منا ينشغل عن شعبان للاستعداد لرمضان – في المأكولات والمشروبات والتجارات والإجازات - بل وحتى بعد إعلان دار الافتاء لظهور هلال رمضان لا تجد له صدى في طاعاتنا، وإنما نشعر به تمام الشعور مع أول يوم صيام في رمضان!!!

والعجيب أننا نظل نعاني من مجاهدة أنفسنا في الصيام والقيام وقراءة القرآن والبعد عن المعاصي والذنوب حتى ينتهي رمضان بل ربما يخرج رمضان وما شعرنا بلذة الطاعة وحلاوة الايمان، وهنا يكشف لك رسول اللهrعن سر ذلك، فيبين لك أن حساباتك – من زمان – خاطئة، وأن الحساب الصحيح يكون في الاستعداد لرمضان من بداية شعبان لأن شعبان شهر التخلية ورمضان شهر التحلية ولا يتم ذوق الحلاوة كاملة الا بعد تخلية الشيء المحلَّى من كل ما يعلق به.

!    فعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍt قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ الله رَأَيْتُكَ تَصُومُ شَعْبَانَ صَوْمًا لاَ تَصُومُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلاَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ! قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَشَهْرِ رَمَضَانَ ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ ، فَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُرْفَعَ عَمَلِي إِلاَّ وَأَنَا صَائِمٌ([1])

!    وقد فطن الصحابة والتابعونy قول رسول اللهr وفعله فكانوا يهتمون بهذا الشهر اهتمامًا خاصًّا؛ لِمَا عرفوا من نفَحَاته وكَرَاماته، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدقون من أموالهم، ويتسابقون إلى الخيْرات، وكأنهم يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى، حتى إذا دخلَ عليهم رمضان دَخَلَ عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله، وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيَّةٌ فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام، ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة؛ لأنَّ قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل نورُ اليقين في أرواحِهم

§       فهذا عمار بن ياسر يتهيأ لصوم شعبان، كما يتهيأ لصوم رمضان

§       وهذا سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي التابعي ، كان يقول عندما رأى قومَه إذا أقْبَلَ عليهم شهر شعبان تفرَّغوا لقراءة القرآن الكريم "شهرُ شعبان شهرُ القُرَّاء"

§       وقال أبو بكر البلخي: " شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر

رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم،

ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟

وبعد ذلك يأتي السؤال :لماذا شعبان بالذات ،ولماذا كل هذه الاستعدادات؟ فأجيبك بما مر عليك من حديث رسول اللهr " ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَشَهْرِ رَمَضَانَ ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ ، فَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُرْفَعَ عَمَلِي إِلاَّ وَأَنَا صَائِمٌ" ولو ركزت في الحديث لرأيت سببين لهذا التشريف والتكريم والتفضيل

أولهما : غفلة الناس عنه

وهذا الذي نراه من أكثر الناس، فطبيعة البشر في انتظار الموعود – خيرا كان أو شرا – أن يشغلهم عما بين أيديهم، فترى أعينهم تحلق للأمام حتى أنهم لا يرون ما تحت أرجلهم ولا يعدون العدة لوطأة أقدامهم فترتطم أحيانا بحجر أصم أو تزل في حفرة عميقة تكون نهايتها الهلاك المبين وعندها يبيد الحاضر ويضيع المستقبل، وهذا هو حالنا مع شعبان

لأجل ذلك أراد رسول اللهr أن نتعامل مع هذه الأيام تعامل الفطناء الذين يستغلون الحاضر ليضيئوا به آفاق المستقبل، ويخالفوا أكثر الناس في غفلتهم عن مواطن الخيرات ومواسم البركات ،فإن لهذه المواطن والمواسم فوائد لا تحصى ومنها مثلا:

§       أن العبادة في أوقات الغفلة مضاعفة الأجر

وذلك لمشقتها على النفس ،وتفردها بها فالنفس تحب دائما المشارك لها في العمل حتى أن الكثيرين منا يعمل مع الناس فإذا كان وحده تكاسل وقعد عن العمل، ولهذا كان للمؤمن الذي يستطيع التغلب على هذه الآفة بفعله للطاعة وبعده عن المعصية – كان له – أجر خمسين صحابي ممن كان يعمل هذه الطاعة وذلك لقلة المعين ،ففي الحديث عن أبي ثعلبة الخشني قول رسول اللهr "فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّاماً الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِى غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"([2]) وفي بعض الروايات " لأنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون، ومن أمثلة هذه الأعمال دعاء السوق وصلاة الليل والعبادة في الهرج وغير ذلك

§     أن العبادة في أوقات الغفلة من الغربة في الدين

حيث تجد صاحبها غريبا عن الناس ،فتجده قائما مصليا والناس نائمون ، وتجده منفقا والناس

مانعون، وتجده صائما والناس مفطرون ... ومن كان كذلك فهو من الغرباء ،وهنيئا له بشرى النبيr " فطوبى للغرباء"

§     أن العبادة وقت الغفلة ترفع البلاء الواقع بالأمة

وهذه نقطة في غاية الأهمية خاصة في ظل الفتن والأحداث التي نعايشها، فعبادتك وصلاتك وصومك في هذه الأيام خاصة مما ينجينا من شر هذه الفتن وبلايا هذه الأحداث.

إن تعمير أوقات الغفلة مما يدفع الله تعالى به السوء عن النفس وعن الأمة، والذي يجب أن نهتم به في هذه الفترة هو كيف نستطيع أن ندفع شرَّ هذه الفتن عنا وعن بلادنا وما هو دورنا الأعظم في ظل هذه الأحداث؟ وهنا يجيبك شهر شعبان بأن الحلَّ عندي أنا، أن تعمل فيَّ صالحا وتجدد العهد مع الله تعالى، فإنَّ اللهU يدفع بالمؤمنين القائمين، الراكعين، الساجدين، الذاكرين، الصائمين، المتصدقين، المتكافلين، المتعاونين يدفع اللهU بهم عن أنفسهم، وعن غيرهم البلاء النَّازل، فإذا ما نزل البلاء فوجد قومًا يُصَلون، وجد قومًا يصومون، وجد قومًا يتهجدون، وجد قومًا يذكرون رُفِعَ عنهم البلاء، دُفِعَ بهم البلاء عن غيرهم فهم حائط الصد الأول الآن, ترى الهزيمة تأتي من قِبَلهم؟ رويَ في أثر إلهي"إن أحب عبادي إليَّ المتحابون بجلالي، المَشَّاؤون بين النَّاس بالنصيحة، المشاؤون على أقدامهم إلى الجُمُعَات، المُعَلَّقَةُ قلوبهم بالمساجد، إذا أردتُ أن أُنزِل العذاب بأهل الأرض نظرتُ إليهم فرفعتُ العذاب)) ولذلك يقول الله تعالى" وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ([3]) ومن معانيها:  لولا أن يدفع اللهUبالمؤمنين عن غيرهم لنزل بهم البلاء.

ثانياً : شهر شعبان ترفع فيه الأعمال الى الله تعالى

وهذا هو السبب الثاني لتفضيل شهر شعبان ،فإن لله تعالى أوقات خصها برفع أعمال الناس إليه، وهي ثلاثة:

- أوقات يومية ،حيث يُرفع إليه عملُ الليل قبل عمل النَّهار، وعمل النهار قبل عمل الليل.

- أوقات أسبوعية حيث يُرفع إليه العملُ يوم "الاثنين" و"الخميس".

- أوقات سنوية حيث يرفع إليه هذا العمل في شهر "شعبان" خاصَّةً.

!  والناظر الى رسول اللهr يجده حريصا على ما يعرض منه على الله تعالى ، في وقت لا يرفع فيه من أعمالنا الى الله تعالى الا ما اشتمل على معصيته ومجاهرته بالمعصية والجرأة عليه...الخ

!    كيف يكون حالِ الواحدِ منا لو تعرض لإشكالٍ ما وحُدِدَ لهُ يومٌ للمثولِ أمام قاضٍ من قضاةِ الدنيا

ترى قبل موعد هذا اللقاء والمحاكمة كم يفكر الإنسان ويخطط ويبحث عن من يدافعُ عنه، ويبحث عن دراسات جدوى لا أقول دراسة جدوى وماذا سيقول وما الذي سَيُقَالُ له إلى آخر هذه الحالة النفسيةِ المؤلمةِ المزعجةِ المقلقة التي يعرفها كلٌ واحد منا لكن أنا أذكرك الآن وأقول هل أنت مستعدٌ لأن تُعْرَض أعمالك على الله جل جلاله في آخر هذا الشهر فقد نغفل كثيراً عن عرض الأعمالِ إلى الله كل يوم نغفل نأكل ونشرب وننام ونستيقظ إلى العمل ونعود لننام ولنأكل ولا يفكر كثير منا في عرض عمله اليومي على الرب العلي

!  والله لقد كان تفكير السلف في عرض أعمالهم على الله يقلق أحدهم قلقاً بالغاً إلى حد البكاءِ الذي يفلق الكَبِدْ ولكن لقسوة القلوب إلا من رحم علام الغيوب صار التذكير بعرض الأعمال على مالك الملك وملك الملوك لا يحرك إلا قلوبً قليلةً تمتلأ بجلال الله وخشية الله وتعظيم الله أسألُ الله أن يجعلنا من هذه القلةِ التي تعرف قدر الله وجلالَه

ç    وفي النهاية هذا هو الطريق "للعقلاء فقط"

وأقول للعقلاء فقط لأن العقلاء وحدهم هم الذين يدركون قيمة هذه الأوقات ويستغلونها، العقلاء فقط هم الذين يتعرضون لنفحات ربهم ويستحلونها، العقلاء فقط هم الذين ينتهزون فرص الحياة فيغتنمونها، فكيف تكون منهم في هذا الشهر الفضيل؟

أولاً : التوبة

وهذا أول ما تفعله بعد انتهاء هذا اللقاء، بل الآن راجع نفسك وتذكر ذنوبك وعاهد ربك على أن تقطع صلتك بها ولا تخرج من هذا المكان الا وقد فارقتها، من الآن عاهد ربك الآن على التوبة والأوبة ،على ترك الحرام،على ترك الذنوب والمعاصي ،على ترك التدخين والمخدرات، على ترك الغناء، على ترك العادة السرية، على ترك مشاهدة الأفلام الاباحية، على ترك النظرة المحرمة والعلاقة الآثمة، على ترك الربا ،على ترك أكل أموال اليتامى ،على ترك العقوق ،على ترك الإساءة إلى الجيران والأصحاب عاهد ربك على الأوبة والتوبة،عاهد ربك من الآن على المحافظة على الأوامر على الإبتعاد عن النواهي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ،على الوقوف عند الحدود وأنت في غاية الحب لله والرضا عن الله ،عاهدي ربك الآن يا أختاه على الحجاب الشرعي ،وعلى التوبة ،وعلى المحافظة على الصلوات في وقتها ،عاهد ربك الآن على إخراج حقه جل جلاله في المال اخرج زكاة مالك اخرج الصدقة ،استعد من الآن وخصص للحج إن لم تكن قد حججت الفريضة وقد وسع الله عليك ومنَ عليك بالإستطاعة عاهد ربك من الآن وأنت الآن تجلس بين يديه أو وأنت تستمع إلي في أي مكان في الأرض، عاهد لربك عاى التوبة على الأوبه على العودة واعلم بأن أعظم وسيلة لتُعان بها على ذلك أن تصدق في طلب ذلك من الله جل جلاله ،فمن صدق اللهَ صدقه الله والله لو صدقت الله في أن تقوم الليل لأقامك بين يديه بالليل ،والله لو صدقت الله في أن تغض بصرك عن الحرام لأعانك على غضِ بصرك عن الحرام، والله لو صدقت الله في كفِ لسانك عن الغيبة والنميمة والكذب وترك أكل الربا وترك أكل أموال اليتامى إلى غير ذلك والله لأعانك عل ذلك أما الآن أن تُذَكَرْ بكل ماذُكِرْتَ من آيات ومن أحاديث النبي الصحيحة ثم تُعرض ثم تَزُوغ ثم ينحرف قلبك فالنتيجة ولا حول ولا قوة إلا بالله ((فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لايهدي القومَ الفاسقين)) أم ثمرة تحقيق الإيمان بالله ورسوله ((ومن يؤمن بالله يهدِ قلبَه)) فإن حققت الآن الإيمان بالله ورسوله وامتثلت الأمر واجتنبت النهي ووقفت عند الحد وأنت تردد مع الأولين الصادقين ((سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) إن فعلت ذلك هدى الله قلبك هي ثمرة حقيقيةٍ طبيعيةٍ لتحقيقك للإيمان بالله ورسوله ((ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)) فالإيمان سبب لهداية القلب ونتيجة كذلك لهداية القلب فكلاهما من الآخر ،فاستعن بالله واصدقه يصدقك

مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ *** وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبَارَكْ

فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوارَكْ

فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْرًا *** وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ

تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا *** بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ

عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ *** فَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ

!    وفي النهاية أذكرك بهذا الأثر العظيم فعن أبي هريرة قال"إذا كان هلال شعبان، دُفِع إلى ملك الموت صحيفةٌ، يَقْبض من فيها إلى شعبان من قابل، فإن الرجل ليغرس الغرس، ويبني البنيان، وينكح، ويولد له، ويظلم ويفجر، وما له في السماء اسم، وما اسمه إلا في صحيفة الموتى، إلى أن

يأتي يومه الذي يُقْبض فيه"

ثانياً : طاعات شعبان

فقد خص سلفنا الصالح شهر شعبان ببعض العبادات التي تطهر قلوبهم من خبثها وتعينهم على ذوق لذة رمضان ، وأهم هذه العبادات:

1-   قراءة القرآن

§       قال سلمة بن كهيل: "كان يقال شهر شعبان شهر القراء"

§       وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران.

2-   الصيام

ففي الصحيحين عن أمِّ المؤمنين عائشة قالت: "ما رأيتُ رسولَ اللَّهِr استكملَ صِيامَ شهر قطُّ إلاَّ رَمَضان، وَما رَأَيْتُهُ في شَهْرٍ أكْثَرَ مِنه صِيَامًا في شَعْبَان"

3-   القيام

وذلك تابع للقرآن فقد كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، يستعدون لقيام رمضان بقيام شعبان ودموعهم تنهمر على خدودهم يسألون ربهم في فكاك رقابهم من النار ، راجين أن يكونوا من المتقين الذين قال الله فيهم"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

4-   الصدقة

ومن الامور الفاضلة التي غفل عنها كثير من الناس في شعبان: الصدقة على الفقراء واعانتهم ليتققووا بذلك على رمضان : فكم من اناس - الله اعلم بحاجتهم وفقرهم ( يحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس الحافا وما تنفقوا من خير فان الله به عليم )

ثالثا : تصفية الخصومات والضغائن

فعَنِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ r مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ، فَلَمَّا

رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: " يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ ظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ خَاسَ بِكِ ؟ "قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ، فَقَالَ: " أَتَدْرِينَ أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ ؟ "، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ "([4])

فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لم يحمل صفتين: الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك، وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم.. طواف حول القبور وزيارة السحرة والمشعوذين ولبس الطلاسم والحرزيات، والاعتقاد أن فلان من الناس يضر أو ينفع بقدرته، وهنالك من يدع الأولياء ويطلب منهم قضى الحوائج، وهناك الشرك الخفي وهو الرياء في الأعمال والأقوال فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة، وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة: فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين بين الآباء والأبناء وبين الجيران والإخوان، وبين الأصحاب والأصدقاء، وبين القبائل والأحزاب والجماعات فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض، ويسامح بعضنا بعضاً، ويتنازل بعضناً لبعض

- أسمعك تقول لي: لكن فلان هذا فعل معي أفعالا لا يسامح عليها ولا أستطيع أن أصفو له

- أقول لك : مستحيل أن يكون قد فعل معك مثلما فعل مسطح مع أبي بكر " يأكل من خيره – ومن ذوي رحمه المقربين – ويتهم أطهر النساء بالزنى " فما يكون موقف أبي بكر الا قطع النفقة فيعاتبه الله في ذلك " وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" أرأيت الى هذا العتاب الحاني, ولتعلم أنه لم يكن من الله حبا لمسطح بقدر ما كان حبا لأبي بكر

- أراك تقول : لكن طبعي لا يسمح بذلك ومش هاقدر على نفسي

- أقول لك : ما بقي إلا يومين وما يستغرق الصلح مع بغيضك إلا لحظات لعلها في زيارة أو مكالمة هاتفية أو عيادة أو سؤال عنه , بالله عليك ألا يستحق ذلك الجنة ؟! لكن أين الجنة ؟ إنها في الحديث الذي أخبر فيه رسول الله عن رجل من أهل الجنة ، ولما ذهب عبد الله بن عمرو ليرقب حاله فلم يجد كبير عمل قال له " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: " يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ r فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ . قَالَ: فَلَمَّا

وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا

أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ"([5])

- أراك تقول : لكني لا أطيق مخالطته, والتعامل معه كما كنا نتعامل

- أقول لك : على الأقل السؤال والسلام الذي أوصى به خير الأنام فعَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ »([6])

أسأل الله أن يوفقنا لطاعته ويحجبنا عن معصيته



-[1] أخرجه النسائي وأحمد بسند صحيح

-[2] أخرجه أبو داود ، والترمذى ، وابن ماجه ، وابن حبان بسند صحيح

-[3] [البقرة: 251]

[4]- شعب الإيمان للبيهقي

[5]- أخرجه البيهقي والنسائي والبزار وأحمد بسند صحيح على شرط الشيخين

[6]- متفق عليه

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free