tamer.page.tl
  وتطايرت الصحف
 

وتطايرت الصحف

توقفنا في اللقاء السابق عند ثلاث مواطن هذه المواطن لا يذكر فيها أحد أحدًا ، هذه المواطن ينسى كل حبيب حبيبه ، وكل خليل خليله  ينسى الأبناء الأباء ، وينسى الأباء الأبناء ، وينسى الأزواج والزوجات بعضها ، ينسى كل حبيب حبيبه ، وكل خليل خليله  ، حدث بها اللنبي صلى الله عليه وسلم حبية قلبه عائشة وأخبر بها الأمة كلها ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود بسند حسن عن عائشة: أنها ذكرت النار، فبَكَتْ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ما يُبكيكِ؟ " قالت: ذكرتُ النارَ، فبكَيتُ، فهل تذكرونَ أهليكم يومَ القيامة؟- أي أنت تحبني في الدنيا حبا شديدًا وقد جعلتني أحب الناس إليك وكذا أبي وأمي فهل تذكرونني يوم القيامة -   فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-:" أمّا في ثلاثة مَوَاطن فلا يذكرُ أحدٌ أحداً:- أي هناك مواطن ثلاثة لا يذكر فيها أحدٌ أحدًا - عند الميزان حتى يَعلَمَ أيخِفُّ ميزانُه أو يَثقُلُ، وعندَ الكتاب حين يقال: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] حتى يَعلَمَ أين يقعُ كتابُه أفي يمينه، أم في شماله، أم مِن وراء ظهرِه، وعند الصِّراطِ إذا وُضِعَ بين ظهريْ جهنَّم ([1]).

في اللقاء الماضي تحدثا عن أول موطن من هذه المواطن وجاء تحت عنوان والوزن يومئذ الحق تحدثنا تفصيلا عن قضية الميزان وكيف  توزن الأعمال وما الذي يثقل موازينك يوم القيامة ، وها نحن على موعد مع الموطن الثاني من هذه المواطن هذا الموطن أخذ كتب الأعمال ، هذا الموطن المر عب ، وهذا الموطن العظيم ، موطن تطاير الصحف ، هذا الموطن الذي ياتي الحديث عنه تحت عنوان وتطايرت الصحف ويندرج هذا الحديث في نقاط ثلاثة

أولها من أي الفريقين أنت

ثانيها حرب الخصماء

ثالثها و أخيرها وها هو القصاص

ولأننا أحوج ما يكون إلى هذا الحديث فأني أرجو من حضراتكم أن تعيروني قلوبكم وأسماعكم هذه اللحظات ونسال الله عز وجل أن يتجلى علينا بعلمه ورضونه ورحمته وأن يفتح لنا من فيوضات فضله فإنه ولي ذلك والقادر عليه

أما عن أول عناصر هذا اللقاء الماتع أي الفريقين أنت إنه الحديث عن هذا الموقف العظيم ، عن هذا الموقف الجلل ، عن هذا الموقف الذي تنخلع منه القلوب ، لو أن للقلوب حياة ، لا يرعوي له ، ولا يلتفت إليه ، ولا يتأثر به إلا من كان في قلبه بقية حياة ، أو من أعطى هذا الموقف حقه ، هذا الموقف الذي تتطاير فيه الصحف ، تخيل الناس قد اجتمعت من لدن آدم إلى قيام الساعة والشمس فوق الرؤوس والحر والعطش فوق السفاه ، الزحام شديد ، وقد نودي عليك بإسمك واسم ابيك لتقف بين يدي الله عز وجل تعالى وقد وضع الميزان لتوزن عليه أعمالك ، أنت واقف متحير  ، واقف قلق ، واقف مضطرب خجل ما تدري ما يصنع بك وفجأة ترى ربنا تبارك وتعالى وقد أذن للصحف فتطايرت منها ما هو أسود ومنها ما هو أبيض وقد علمت أنت في الدنيا ومن كتاب ربك تبارك وتعالى أن الناس فريقان  ، فريق ياخذ كتابه باليمين وهؤلاء هم السعداء ، وفريق يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهؤلاء هم الأشقياء نسأل الله ألا يجعلنا منهم ، تنتظر أنت بكل قلق ووجل أن ينزل كتابك في يمينك تتمنى في هذه الله اللحظة  لأنها تعتبر اللحظة الأخيرة للنجاة فبعدها إما جنة وإما نار ، تتمنى أن ينزل كتابك في يمينك تتمنى لحظتها أن لو تنقطع شمالك ، ولكن الله عز وجل يبعثك كامل الأعضاء ، لو توجد وقتها أمل ولا أمنية ولا رجاء إلا الصدق وانتهى عهد الكذب  ، ذهب عهد الغدر والفجور ، لقد انتهى عهد الكلمات الفاجرة الكاذبة ، انتهى عهد الجراة على الله ، تقف في هذا الموقف وأنت ذليل حسير ، تقف يقلب متقطع حسير ، فريق في الجنة وفريق في السعير ،   عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَ عَرَضَاتٍ فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ عرضه أولى للجدال وهذه لأصحاب الأهواءالذين يعتقدون أنهم سينجون يوم القيامة بعظم جدالهم كانوا يفعلون ذلك في الدنيا ضحكوا على عقول كثير من البشر ، أوتوا من البيان ما يستطيعون أن يقنعوا به أربابهم بالصلاح مع الفارق ، ظنوا أن الله سبحانه وحاشاه كسائر خلقه ممكن أن يجادله فينجو بحجتهم فهذه العرضة الأولى لأهل الأهواء والعرضة الثانية عرضة المعاذير  يعذر فيها الله سبحانه وتعالى لأنبياءه ومرسليه العذر فيمن هلك من أممهم والله عز وجل غني عن ذلك ولكن لا أحد أحب إليه العذر من الله جل وعلا متفق عليه حتى لا تأخذ بأنبيائه ...... إذا أدخل بعض أمة محمد النار حتى لا يقول محمد في نفسه لماذا أدخلهم النار وكذلك سائر الأنبياء فيقدم الله العذر لأنبياءه ورسله فيمن حكم عليهم بالعذاب وبالهلاك - اعْتِذَارُ اللَّهِ لِآدَمَ وَأَنْبِيَائِهِ بِإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَعْدَائِهِ- ثم يأتي بعد ذلك الموقف الذي نحن بصدد الحديث عنه   - وَأَمَّا الْعَرْضَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِى الأَيْدِى فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ » . قَالَ أَبُو عِيسَى - الترمذي وَلاَ يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِى هُرَيْرَةَ . تحفة 12250 - 2425  [2] رواه الترمذي                          من أي الفريقين أنت ستأخذه بيمينك أم بشمالك يرد علينا الأمام القرطبي جواب هذا السؤال  وهو يصور المشهد تصويرا تفصيليا فيقول تخيل هذا المشهد وتخيل هذا لاتفصيل حتى تعلم من أي الفريقين أنت وأسأل الله عز وجل أن يجعلني ممن يأخذ كتابه باليمين

التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 621)

فإذا كان الرجل رأساً في الخير يدعوا إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه دعي باسمه واسم أبيه فيتقدم، حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات، فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه،- في يوم كذا كانت نظرة للحرام وفي يوم كذا كانت كلمة حرام في يوم كذا كان موقف حرام أول ما يسمع هذه السيئات يتغير وجهه ما هذه التفاصيل فأنت يسجل عليك بالثانية اللقاء أدق مما تتخيل ، لا يوجد فيها مواراه ، لا يوجد فيها بهرجة إعلامية ، ولا يوجد فيها تزوير لأن الذي رصد عليك كل هذه الحركات والسكنات هو مالك الملك وملك الملوك حتى إذا جاء إلى آخرها  -    فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه سيئاتك وقد غفرت لك، فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحاً، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض وجهه، ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويكسى حلتين ويحلى كل مفصل فيه وبطول ستين ذراعاً وهي قامة آدم ويقال له: انطلق إلى أصحابك - ليسوا أصحابه في الباطل إنما من عملوا بمثل عمله  فبشرهم وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فإذا أدبر قال {هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه} قال الله تعالى {فهو في عيشة راضية} أي مرضية قد رضيها {في جنة عالية} في السماء {قطوفها} ثمارها وعناقيدها {دانية} أدنيت منهم فيقول لأصحابه هل تعرفونني؟ فيقولون قد غمرتك كرامة الله من أنت فيقول أنا فلان ابن فلان ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا {كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية} أي قدمتم في أيام الدنيا.

وإذا كان الرجل رأساً في الشر- نسال الله السلامة - يدعو إليه ويأمره به فيكثر تبعه عليه ليسمع ذلك كل ظالم وكل مجرم وكل متكبر  ليسمع ذلك من جهر الله بالمعاصي ، ومن تجرأ عليه ، يسمع ذلك من ينتهكون الأعراض والذين يسفكون الأموال  والذين يسفكون لادماء ولا حول ولا قوة إلا بالله  - ونودي باسمه واسم أبيه، فيتقدم إلى حسابه فينزل كتابه في شماله أو من وراء ظهره وإذا أدار يده خلف ظهره حتى لا ينزل كتابه في شماله نزل من وراء ظهره فيي شماله أيضا -  فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات، فيبدأ بالحسنات فيقرؤها ويظن أنه سينجو، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه حسناتك وقد ردت عليك،- صلاتك ، صيامك ، صدقتك هذه ما كنت تعملها لله    فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزناً ولا يزداد وجهه إلا سوداً، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه: هذه سيئاتك وقد ضوعفت  عليك لأنك قد اضللت غيرك بها فتأخذها مع سيئات من عمل بها  فينادي بالويل والثبور -  أي يضاعف عليه العذاب ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل.

قال: فينظر إلى النار وتزرق عيناه ويسود وجهه ويكسى سرابيل القطران، ويقال له: انطلق إلى أصحابك الذين افتتنوا بك في الدنيا إلى أنك بطل إلى أنك صالح اذهب إليهم لتبين لهم فضيحتك   فأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فينطلق وهو يقول: {يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية} يعني الموت {هلك عني سلطانيه} تفسير ابن عباس رضي الله عنهما هلكت عني حجتي. ذهب المال وذهب الأتباع ولم يبقى إلا مالك المك وملك الملوك لا يلتفت الله إلى بكاءه ولا إلى ندمه ولا إلا ويلاته ، إنما ينادي الملك قال تعالى {خذوه فغلوه يقول أحد التابعين إذا قال الله خذوه تدري هذه الكلمة هم سبعون ألف ملك بأخذه يجتمعون عليه لو أن واحد منهم نفخ في سبعين ألف لطيرهم ثم يسلخه الله عز وجل كما نسلخ نحن الدجاج  يقول ابن عباس يوضع كما يوضع الجراد إذا شويّ   * ثم الجحيم صلوه} أي اجعلوه يصلى الجحيم {ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه} والله أعلم بأي ذراع.

قال الحسن وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سبعون ذراعاً بذراع الملك.

فاسلكوه فيها أي تدخل من فيه حتى تخرج من دبره قاله الكلبي، وقيل: بالعكس.

وقيل: يدخل عنقه فيها ثم يجر بها ولو أن حلقة منها وضعت على جبل لأذابته [3]

فمن أي الفريقين أنت ولكن ّ الأسوء من ذلك أن السعداء قد ذهبوا وبقي هذا المسكين وهذا المسكين لا يزال يبحث عن مخرج أو أي أحد يلقي عليه بالتهمة كما كان يفعل في الدنيا ، إذا أخذ الظالمون وأخذ اشياعهم وأتباعهم الكل يلقي التهمة على الكل ، والكل يتهم الكل ، لأن الكل يعرف الكل ينظر هذا المسكين يمنة ويسرة يتبرأ من أعماله تلك وهنا تبدأ حرب الخصماء
يختصم الجميع أمام الله عز وجل  

1-   أتباع الظلمة
أنا موظف ، أنا عبد المأمور ، أنا كنت أتبع هؤلاء الظالمين وأنفذ أوامرهم ما ذا أصنع ؟ فيقول الله بلسان الحال وما يجبرك على ذلك ؟ الله لا يلتفت غليهم بكلام ولكنه كانه يقول لهم وما يجبرك على ذلك ؟ فينظر إليهم أنا خدمتكم ، أنا أعنتكم ، أنا كنت أنفذ أوامركم ، أخبروا هذا غلى الله لعله يخفف عني ذلك فيتبرأ الظالمون من أشياعهم وأتباعهم ، يتبرأ رئيسك في العمل  الذي أكلت الحرام بسببه الذي سفكت الدماء بسببه ، والذي سفكت الأعراض بسببه ، يقول أنا لا علاقة لي بذلك ، أنا متبرأ منك ، يومها لا تجد ملجأ من الله إلا إليه ، يومها لا ينفعك أحد ، نسيت أن تستمع إلى داعى الله  اتبعى أنا وكفى ، فأبيت إلا الظالمين الفاسدين ، انظر غلى هذها المشهد من الخصومة الذي ينقله الله لنا يوم القيامة [وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)][البقرة : 165-167] نسأل الله السلامة 

2-    المستضعفين
مساكين المجتمع،  المستضعفين ، يقولون لك ماذا نفعل ، نحن نشي مع التيار  ، ونتبع الظالم أو المفسد ولا نستطيع ان نقول له كلمة إنكار ، الله جعل لك رخصة فمن لم يستطع فبقلبه ، ولكنك حتى ما أتيت بهذا ، فمشيت معهم في معاصيهم لماذا ؟ لأنني لا حيلة لي ، لأني مسكين ماذا أصنع التيار عالي ، التيار شديد ، أبرأ إلى الله جل وعلا من معاصيهم وذنوبهم  يومهم تجد هولاء المستكبرين ينظرون إليك شزرا ويتبرأون منك ويقولون ليس لنا شأن بك ، قال تعالى :[ وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ][إبراهيم : 21]

3-   الشيطان
تجد صنفا ثالثا يقول نحن ما اتبعنا الظالمين ولا المستكبرين ولكن خدعنا الشيطان إلى المعصية فتجد حتى الشيطان يتبرأ منك
قال تعالى :[
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] [إبراهيم : 22]

4-   الروح والجسد

ويتمنى الإنسان أن يختصم مع أي أحد ليحمل التهمة عنه فلا يجد ، تخيل حتى الروح والجسد  تتختصمان موقف في غاية الرعب ، وفي غاية الدقة ، عن ابن عبّاس في هذه الآية قال: ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة، حتّى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح: يا رب الروح منك وأنت خلقته لم تكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها، ويقول الجسد إنما خلقتني كالخشب ليس لي يد ابطش بها ولا عين أبصر بها ولا رجل أمشي بها، فجاء هذا كشعاع النور فيه نطق لساني وبه أبصرت عيني وبه مشت رجلي فجدد عليه العذاب. قال: فيضرب الله لهما مثال أعمى ومقعدا دخلا حائطا فيه ثمار، فالأعمى لا يبصر الثمر والمقعد لا يناله، فنادى المقعد الأعمى: أتيني هاهنا حتّى تحملني، قال: فدنا منه فحمله فأصابوا من الثمر فعلى من يكون العذاب، قالا:عليهما قال: عليكما جميعا العذاب[4] بعد ذلك ينطق الجبار سبحانه وتعالى لينهى كل هذه الخصومات فيقول

قال تعالى :[ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ][قـ : 28] ينهي ربنا عز وجل هذه الخصومات ليكون بعد ذلك القصاص فلا يذهب منهم إلا الجنة ولا إلا النار حتى يقتص لأصحاب المظالم والحقوق منهم حتى النظرة ، حتى الكلمة والله يا إخوني الكثير منا يستهين بهذه الكلمات ، ستهين بالغيبة والنميمة ، يستهين بقول الزور والكذب ،يستهين برمي الناس بالباطل علم أم لم يعلم ، يا أخي الذي تقوله من أين أتيت به ، يقول من القناة الفلانية ، أنا سمعت فلان ن أنا شاهدت القناة الفلانية ، يا أخي اتق الله سيقتص من المظالم صغيرها وكبيرها ولذلك يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَ يَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.[5]

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وقتها يتمنى أحب الناس إليك أن لو كنت ظلمته ، هذه بشرى للمظلومين ، ونذير شؤم للظالمين ، يتمنى أحب الناس إليك أن لو كنت ظلمته في كل يوم ، يقول ابن مسعود رضي الله عنه عَنْ زَاذَانَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ سَبَقَ إِلَى مَجْلِسِهِ أَصْحَابُ الْخَزِّ وَالدَّيْبَاجِ، فَقُلْتُ: أَدْنَيْتَ النَّاسَ وَأَقْصَيْتَنِي؟ فَقَالَ: ادْنُ، فَأَدْنَانِي عَلَى بِسَاطِهِ حَتَّى أَقْعَدَنِي ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّهُ يَكُونُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا دَيْنٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ فَيَقُولُ: أَنَا وَلَدُكُمَا فَيَودَّانِ أَوْ يَتَمَنَّيَانِ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ يَحْيَى وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الْحَوْاجِبِ[6] رواه الطبراني بل إن ابن مسعودٍ إخرج أثرًا آخر قال فيه تتمنى المرأة يوم القيامة أن لو كان له حق على ابنه أو أبيه لأن الله عز وجل يقول [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ] [المؤمنون : 101] فلا يغادر أحدٌ أرض المحشر حتى يقتص الله تبارك وتعالى لكل مظلوم من كل ظالم حتى ما دق وجل في عينيك ، انظر وتخيل بعد كل هذا المرار ، وبعد كل هذه المتاعب تجد خصمائك وقد أحاطوا بك هذا يقول لك شتمتني ، وهذا يقول لك ظلمتني ، وهذا يقول لك نظرت إلى عورتي ، وهذا يقول غششتني في الشراء ، وهذا يقول لك في يوم كذا رأيتني محتاج فما أعطيتني ، وفي يوم كذا رأيتني جائعا فما أطعمتني ، تحاول أن تستجدي ربك تبارك وتعالى ، فينادي ربك تبارك وتعالى [الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ] [غافر : 17] وبعد ذلك تلقي المصير الذي نخشاه ، هذا المصير الذي نسال الله جل وعلا ألا يجعلنا من أهله وأن يوفقنا لأخذ كتابنا باليمين أون يجعلنا مع سيد النبيين صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى إنه لا قادر على ذلك إلا الله



[1] -[1] أخرجه أبو داوود بسند حسن وضعفه الأرناوؤط

[2] [حكم الألباني] : ضعيف

[3] التذكرة بأحوال اموتى للقرطبي

[4] تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (6/ 48)

 

[5]  رواه الترمذي وغيره

[6] أخرجه الطبرانى (10/219 ، رقم 10526) قال الهيثمى (10/355) : رواه الطبرانى عن عمرو بن مخلد عن زكريا بن يحيى الأنصارى ، ولم أعرفهما ، وبقية رجاله وثقوا على ضعف فى بعضهم .

 

 
   
 
This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free